عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 18-08-2022, 08:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصورة الكلية عند الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي

الصورة الكلية عند الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي
د. ياسر عبدالحسيب رضوان




فوسيلة الرحلة هنا ناقته الأنثى التي تجمع كل الصفات التي تُناسب ناقة الأسفار؛ من حيث الشدة، والصلابة، كأنها جبل حرف مما يستدعي كل معاني العزة والشموخ، فلا تقنَع بالسير راغمةً بين يدي قائديها، بل تبذهم وتتمزَّق أربطة نعليهما من كثرة الجري خلفَها، فهي سريعة كالقطاة الكدرية، وعندما تَجري يتكسر الحصى تحت خفَّيها ويتفتَّت، وهي عقيم لا تَلِد كالذكر لم تقرأ جنينًا 1.9/253 كما شبَّهها الشاعر بالفنيق من الإبل، وهو الفحل المكرم على أهله فلا يَركبونه ولا يهينونه في قوله[54]:
كَائِنٍ حَسَرْنَا دُونَكُمْ مِنْ طَالِحٍ
رَوْعَاءُ يَنْقُرُهَا الْغُرَابُ الأعْوَرُ

بِسَوَاءِ مَجْمَعَةٍ كَأَنَّ أَمارَةً
مِنْهَا إذاَ بَرَزَتْ فَنِيقٌ يَخْطُرُ


ولعلَّ السر في ثبات هذه الأوصاف والصور الجزئية للناقة إنما لتُناسِبَ الرحلة التي سيقوم بها الشاعر بحثًا عن محبوبته، وقد عرضت لهذه الأوصاف في الفصل الثاني، وإن كان الذي أريد الإشارة إليه هنا هو أن الشاعر قد أُغرم بالناقة فتحدَّث عنها حديثًا طويلاً، سواء أكانت ناقته التي ارتبطت به رباط الوفاء الرابط بين الأخلاء[55] أو ناقة الآخر، مع التأكيد على أنه في تناوله لناقة الآخر، أبرزها مأزومة مُتعالية، لا يتمُّ السيطرة عليها إلا بعد الاحتيال، وكانت مع المرأة جملاً ذكرًا في حين كانت معه أنثى، وبالرغم من ذلك فقد داخل بينهما عندما شبَّه ناقته بالجمل الذكر، وجعل للمرأة الجمل.

ثالثًا- صورة الحمامة:
كانت السمة الغالبة على استخدام الحمامة في الشعر العربي القديم اقترانها بمَشاهد الحزن والبكاء، وخاصة تلك المتعلقة بكوارث الفقد والحرمان، فقدان المحبوبة بارتحالها، أو زواجها، أو غير ذلك، ولذلك تمَّ الربط بين صورة المرأة وصورة الحمامة، وتمَّ تفسير دلالة الحزن المقترنة بالحمام تفسيرًا عقديًّا أُرجع إلى عهد نبي الله نوح عليه السلام[56]، وربما ارتبطت الحمامة في الصورة التشبيهية الجزئية بالناقة، وذلك عند تشبيه سرعة هذه الأخيرة بسرعة الحمامة، ومن ثمة تكتمل العلاقة بين هذا الثالوث: المرأة، الناقة، الحمامة، فالناقة وسيلة المرأة للرحلة، ووسيلة الرجل للبحث عنها، أو وسيلة تسلية همومه المرتبطة برحلة المحبوبة، والحمامة تحكي هذه الصبوات الغرامية والعلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة، وربما كانت الدليلَ على لُقيا الحبيبين، أو بشارة بالتقاء المحبوبة المفقودة بارتحالها عن حبيبها، وذلك على نحو ما ارتبط بها في الأساطير السامية القديمة[57] في توظيف دلالي لقصة الحمامة التي ابتعثَها نوح عليه السلام؛ لتبحث عن مكان يَصلُح مرفأً للسفينة، بعدما خان الغُراب نوحًا ولم يعد إليه عندما ابتعثه بالرسالة عينها[58]، أو يقوم هَديلها الحزين بدور الموسيقى التصويرية المؤازِرة لجوِّ الحزن المسيطر على المحب عند افتقاده مَن يُحبُّ، وبسرعة الحمامة تشبه الناقة، خاصة عندما يجري خلفها المحب أو يبحث عنها في متاهات الصحراء المترامية الأطراف.

لم يبتعد حُمَيد في تصويره للحمامة عما ارتبط بها من هذه الدلالات؛ دلالات الفقد والبكاء والحزن، فقد جاءت الحمامة في مشهدَين كبيرين من حيث الدلالة المرتبطة بكلٍّ منهما، في المشهد الأول يتوسَّل الشاعر بالأسلوب القصصي الذي مثَّلت فيه الحمامة دور البطولة؛ حيث ارتكزت حولها الأحداث التي تبدأ من اللحظة التي لعبت فيها الحمامة بالنسبة للشاعر دورَ المُثير الذي حرَّك كوامن الشوق الخبيئة في الذات[59]:
وَمَا هَاجَ هَذَا الشَّوْقَ إِلاَّ حَمَامَةٌ
دَعَتْ سَاقَ حُرٍّ تَرْحَةً وَتَرُنُّما

مِنَ الْوُرْقِ حَمَّاءُ الْعِلاطَيْنِ بَاكَرَتْ
عَسِيبَ أَشَاءٍ مَطْلِعَ الشَّمْسِ أَسْحَمَا

إذَا هزْهَزَتْهُ الرِّيحُ أوْ لَعِبَتْ بِهِ
أَرَنَّتْ عَلَيْهِ مَائِلاً أَوْ مُقَوَّما

تُنَادِي حَمَامَ الْجَلْهَتَيْنِ وتَرْعَوِي
إلَى ابْنِ ثَلاثٍ بَيْنَ عُودَيْنِ أعْجًمًا

مُطَوَّقٍ طَوْقًا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَمِيمَةٍ
وَلاَ ضَرْبَ صَوَّاغٍ بِكَفَّيْهِ دِرْهَمَا



لقد وظَّف الشاعر أسلوب القصر في البيت الأول من هذه الأبيات؛ لكي يلفتنا منذ اللحظة الأولى إلى ما بينه والحمامة من أوجه للشبه كثيرة، وهو شبه يتخذ من معنى الفقد والحزن أداة للربط بينهما، فهو قد افتقد محبوبته بارتحالها، ويبدو أنه ارتحال الموت إلى غير رجعة عندما تمنَّى أن يحدث صداها صداه بعد الموت 184/276، أما الحمامة فإنها فقدت وليدها الذي ربَّته على عينها، والشاعر عندما يتحدَّث عن علاقة الحمامة بوليدها في هذا الإطار الحزين إنما يرمز بها إلى علاقته بصاحبته؛ فقد جعل من الحمامة "معادلاً موضوعيًّا أمينًا أسقط عليه أو من خلاله كل انفعالاته ومشاعره وعواطفه في عالم الغزل"[60].

ولم تكن هذه الصورة الدرامية وحدها التي جمعت بين الشاعر والحمامة في مشهد الفقد المروِّع، وفيه لعبَت الحمامة الثكلى دور المُثير، وإنما نراه يوظف الحمامة التي تنادي إلفها في مقطعة قصيرة أربعة أبيات في مشهد الحضور؛ لكي تثيره في موقف الفقد فتسيل دموعه؛ لأنه لا يستطيع مناجاة من يحب[61]:
إِذَا نَادَى قَرِينَتَهُ حَمَامٌ
جَرَى لصَبابَتِي دَمْعٌ سَفُوحُ

يُرَجِّعُ بِالدُّعَاءِ عَلَى غُصُونٍ
هَتُوفٌ بِالضُّحَى غَرِدٌ فَصِيحُ

هَفَا لِهَدِيلِهِ مِنِّي إِذَا مَا
تَغَرَّدَ سَاجِعًا قَلْبٌ قَرِيحُ

فَقُلْتُ: حَمَامَةٌ تَدْعُو حَمَامًا
وَكُلُّ الْحِبِّ نَزَّاعٌ طَمُوحُ



والصورة التي ترسمُها هذه المقطعة تجمع في توازٍ تَصويريين مشهد الحمام الذي يُنادي إلفه / قرينته، ومشهد الشاعر الذي تجري دموعه الغزيرة؛ لما يراه من موقف الحمامة مع إلفها، فتثير شجونه وتقرَح قلبه الذي يهفو لذاك الهديل، ذلك الموقف الدرامي للحمام وإلفه يخلص منه حُمَيد إلى قولته الحكمية في نهاية الأبيات: وكل الحِبِّ نزاع طموح.


[1] د. ياسر عبدالحسيب رضوان: شعر حُميد بن ثور الهلالي دراسة أسلوبية، ص: 171 - ط1/2006م.

[2] د. عبدالرحمن محمد الوصيفي: المستدرك في شعر بني عامر من الجاهلية حتى آخر العصر الأُموي 1/75 - 80، الكتاب رقم 87 من إصدارات نادي المدينة المنورة الأدبي.

[3] الجمحي: محمد بن سلام: طبقات فحول الشعراء - قرأه وشرحه: محمود محمد شاكر 2/ 583- مطبعة المدني 1974م.

[4] الصنعة الفنية في شعر المتنبي؛ د. صلاح عبدالحافظ، ص: 174 /دار المعارف/ ط1/1987 م، وحول مفهوم الصورة الكلية ومجازيتها: كتاب بنية القصيدة الجاهلية، الصورة الشعرية لدى امرئ القيس،؛ د. ريتا عوض ص40 ط1 دار الآداب بيروت 1992م.

[5] النقد الأدبي الحديث؛ د. محمد غنيمي هلال ص 249، دار نهضة مصر، ب ت.

[6] تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام،؛ د. شكري فيصل سابق، ص: 250.

[7] الصورة الشِّعرية ونماذجها عند أبي نواس سابق، ص: 23.

[8] حول تقديس الجاهليين للمرأة يُمكن مراجعة: التفسير الأسطوري للشعر القديم؛ د. أحمد كمال زكي، والتفسير الأسطوري للشعر الجاهلي؛ د. إبراهيم عبدالرحمن: مجلة فصول مج1/ ع3 أبريل 1981م، وكتاب الصورة الفنية في الشعر الجاهلي؛ د. نصرت عبدالرحمن، ص: 115، 106، وكتاب الصورة الفنية في الشعر العربي؛ د. علي البطل، ص: 49 وما بعدها.

[9] الديوان، ص: 187، 188.

[10] لسان العرب لابن منظور 9/54 مادة حلف.

[11] انظر دلالات مادة جمل في لسان العرب 11/123.

[12] الديوان، ص: 188.

[13] الديوان، ص: 188.

[14] الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام سابق، ص: 308.

[15] الديوان، ص: 189.

[16] الديوان الصفحة نفسها.

[17] الديوان، ص: 190.

[18] العناصر القصصية في الشعر الجاهلي؛ د. مي يوسف خليف، ص: 40 دار الثقافة 1988م.

[19] الديوان، ص: 191.

[20] حول طقوس الحزن على الميت عند العرب انظر: الصورة الفنية؛ د. علي البطل، ص: 179، 176.

[21] الديوان، ص: 191.

[22] الديوان، ص: 191.

[23] الصورة الفنية في الشعر العربي؛ د. علي البطل، ص: 178.

[24] حول مفهوم المعادل الموضوعي انظر: شعراء المدرسة الحديثة: م. ل. روزنتال، ترجمة جميل الحسني، ص: 123 - 124 - المكتبة الأهلية بيروت 1963م.

[25] معلقة امرئ القيس وقصائد أخرى: التشكيل الفني وملامح الرؤية؛ د. صلاح رزق، ص: 7 مكتبة الآداب 1997م.

[26] الأصول الدرامية للشعر العربي؛؛ د. جلال الخياط، ص: 57 - دار الرشيد - العراق 1985م.

[27] الصورة الفنية في الشعر الجاهلي؛ د. نصرت عبدالرحمن، ص: 84.

[28] الديوان، ص: 145.

[29] الديوان، ص: 148، 147.

[30] في نسخة الأستاذ الميمني، ص: 103 وفي منتهى الطلب لابن ميمون 7/408 وردت كلمة الفِرار بكسر الفاء، إشارة إلى معنى الهرب، وهي أكثر دقة لدلالتها على المعنى من نفس الكلمة بضم الفاء.

[31] الديوان، ص: 149.

[32] الديوان، ص: 149 – 152.

[33] مدخل إلى علم الأسلوب؛ د. شكري عياد، ص: 46 ط4/1985م جماعة أصدقاء الكتاب.

[34] الصورة الفنية في الشعر العربي؛ د. علي البطل، ص: 68.

[35] الديوان، ص: 71.

[36] وردت كلمة مرآة في نسخة الأستاذ الميمني مرفوعة، ص: 79، ورفعها على الفاعلية مجسِّد لنبرة السخرية المسيطرة على الأبيات، في حين أن الرواية هنا بفتحها على المفعولية، وهو ما يعني انتصار الشاعر للمرآة عندما أوقع عليها الظلم.

[37] انظر الأبيات الأربعة في هجاء زوجته، ص: 74، 73 من الديوان.

[38] انظر القصيدة رقم 16 من الديوان، ص: 55 64.

[39] الديوان، ص: 123 - 124.

[40] لسان العرب 13/509، 508 مادة شوه.

[41] الديوان، ص: 125، 124.

[42] حول هذا المعنى انظر: الشعر الجاهلي قضاياه الموضوعية والفنية؛ د. إبراهيم عبدالرحمن، ص: 344.

[43] حول التفسير الأسطوري لرمز الناقة في الشعر العربي القديم انظر: التفسير الأسطوري للشعر القديم؛ د. أحمد كمال زكي مجلة فصول سابق، ص: 122، 121، الشعر الجاهلي: تفسير أسطوري؛ د. مصطفى الشورى سابق، ص: 102 وما بعدها، الصورة الفنية في الشعر الجاهلي؛ د. نصرت عبدالرحمن سابق، ص: 73 وما بعدها، الصورة الفنية في الشعر العربي؛ د. علي البطل، ص: 122 وما بعدها، الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام؛ د. أحمد إسماعيل النعيمي، ص: 18 وما بعدها، وانظر: قراءة ثانية لشعرنا القديم؛ د. مصطفى ناصف، ص: 98 - 104 دار الأندلس.

[44] في تاريخ الأدب الجاهلي؛ د. علي الجندي، ص: 306، 296 دار المعارف القاهرة 1984م.

[45] الديوان، ص: 222، 224.

[46] النص الشعري وآليات القراءة؛ د. فوزي عيسى، ص: 49 منشأة المعارف بالإسكندرية 1997م.

[47] الديوان، ص: 218.

[48] الديوان، ص: 225 - 227.

[49] الديوان، ص: 227 - 229.

[50] الديوان، ص: 243 - 245.

[51] انظر البيتين: 38/231، 105/251 من الديوان.

[52] تناول الدكتور علي البطل هذه الأبيات وربط بينها وبين وميل الشعراء إلى وصف المرأة بالخصوبة من خلال المبالغة في تصوير ضخامة جسدها؛ انظر: الصورة الفنية في الشعر العربي 81.

[53] الديوان، ص: 251 - 255.

[54] الديوان، ص: 113.

[55] انظر الأبيات: 24، 34، ص: 172، 169 من الديوان.

[56] حول تفسير غلبة طالع الحزن على الحمام يمكن مراجعة كتاب: الصورة الفنية في الشعر العربي؛ د. علي البطل ص: 60، 61، و: الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام؛ د. أحمد إسماعيل النعيمي، ص: 201.
57 كان الحمامُ الطائرَ المفضَّلَ لأفروديت ربة الجمال النسوي والعلاقات الجسدية؛ لما له من صبوات غزلية لفتَت نظر الإنسان منذ أقدم العهود، كما كان الدليل المبشِّر بالأرض اليابسة في قصة الطوفان، راجع: الصورة الفنية في الشعر العربي؛ د. علي البطل، ص: 60، 61.


[57] كان الحمامُ الطائرَ المفضَّلَ لأفروديت ربة الجمال النسوي والعلاقات الجسدية؛ لما له من صبوات غزلية لفتَت نظر الإنسان منذ أقدم العهود، كما كان الدليل المبشِّر بالأرض اليابسة في قصة الطوفان، راجع: الصورة الفنية في الشعر العربي؛ د. علي البطل، ص: 60، 61.

[58] انظر: الحيوان؛ للجاحظ 2/321، 3/ 195 - 196.

[59] الديوان، ص: 260 - 262.

[60] أشكال الصراع في القصيدة العربية؛ د. عبدالله التطاوي 1/542 الأنجلو المصرية 1992م.

[61] الديوان، ص: 49.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]