عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18-08-2022, 08:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,886
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصورة الكلية عند الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي

كُلُومُ الْكُلَى مِنْهَا وِجَارًا مُهَدَّمَا

وَخَاضَتْ بِأَيْدِيهَا النِّطَافَ وَذَعْذَعَتْ
بِأَقْتادِهَا إلاَّ سَرِيحًا مُخَدَّمَا

وَقَدْ عَادَ فِيهَا ذُو السَّفَاسِقِ وَاضِحًا
هِجَانًا كَلَوْنِ الْقُلْبِ وَالْجَوْنِ أَصْحَمَا




لقد دعا هذا التحول في صورة الناقة من الضعف إلى القوة بعض النقاد إلى اعتباره "التحول" معادلاً شعريًّا لحالة الشاعر المأزوم بقضية الزمن الذي يُطارده ويُلاحقه، مع عقد مقارنات بين حالة الجمل وحالة الشاعر[46]، صحيح أن الشاعر اشتكى الزمن وملاحقته، ولكن صورة التحول هنا في حالة الناقة يُمكن اعتبارها المعادِل الموضوعي للعلاقة بينه وبين محبوبته، وليس لمُلاحقة الزمن؛ لأمرين: أولهما: أن التحول الذي وصفه الشاعر توقَّف عند مرحلة القوة والفتوة، في حين أن الزمن مع الشاعر وصل به إلى حالة من الضعف العام الذي عبر عنه بضعف البصر في قوله الذي صار مضرب المثل في شكاية الهرم وضعف البصر بعد الحدة أيام الشباب، يقول في البيت الرابع من القصيدة[47]:
أَرَى بَصَرِي قَدْ رَابَنِي بَعْدَ حِدَّةٍ
وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَصِحَّ وَتَسْلَمَا



فلو أننا اعتبرنا التحول المُعادل الشِّعري لملاحقة الزمن فسوف تكون الصورة مبتورة، ولن يكون التوظيف الفني مُكتمِلاً، أما الأمر الثاني فهو أن الشاعر أقام القصيدة كلها بصورها الكلية وغيرها شكاية للقطيعة الحادثة بينه وبين محبوبته، أو لهجرة المحبوبة، وما ترتب عليها من حزن للفراق وما استدعاه من إصابته بالهزال، ومِن ثَمَّ يكون التحول في صورة الناقة مُعادلاً لحالة الضعف التي وصَل إليها الشاعر، والرغبة في وصل العلاقة مرة أخرى مثلما استعادت تلك الناقة قوتها بعدما رعت الشهور الستة المذكورة من قبل، ومما يؤكد ذلك قصة الرجلين اللذين أرسلهما إلى محبوبته المرتحلة راغبًا في وصل الحبل المُنصرِم، وذلك في نهاية هذه القصيدة.

إذا كانت النوق في المشهد السابق تُعاني من الهزال، وتَنتصِر عليه في نهاية الأمر، فإن الشاعر يُدخلها في صراع من نوع آخر، صراع مع مجموعة من العذارى رفيقات محبوبته في رحلة الهجران؛ حيث يقمن بمحاولة السيطرة على النوق الفتية، ولكنها تأبى الانقياد لهن مما يدفعهن إلى الاحتيال على جمل قوي من بينها لتستكمل المحبوبة رحلتها على ظهرِه[48]:
فَجَاءَ بِهَا الرَّوَّادُ يَحْجِزُ بَيْنَهَا
سُدًى بَيْنَ قَرْقَارِ الْهَدِيرِ وأَعْجَمَا

وَقَامَتْ إِلَيْهِنَّ الْعَذَارَى فَأُقْدِعَتْ
أَكُفَّ الْعَذَارَى عِزَّةً أَنْ تُخَطَّمَا

فَلَمَّا ارْعَوَى لِلزَّجْرِ كُلُّ مُلَبَّثٍ
كَصَدْرِ الصَّفَا يَتْلُو جِرَانًا مُلَدَّمَا

إِذَا عِزَّةُ النَّفْسِ الَّتِي ظَلَّ يَتَّقي
بِهَا حَبْلَهُ لَمْ تُنْسِهِ مَا تَعَلَّمَا

فَلَمَّا أَتَتْهُ أنْشَبَتْ فِي خِشَاشِهِ
زِمَامًا كَثُعْبَانِ الْحَمَاطَةِ أَرْثَمَا

شَدِيدٌ تَوَقِّيهِ الزِّمَامَ كَأَنَّمَا
يُرَاهَا أَعَضَّتْ بِالْخَشَاشَةِ أَرْقَمَا



فالأبيات تُصوِّر هذا الصراع القائم بين النوق والرواد الذين ينجحون في التفرقة بينها؛ حتى لا يهلك القويُّ الضعيف، وثَمَّ صراع آخر مع العذارى وهن يُحاولن وضع الخطم في آنافها، فتأبى الإبل عليهنَّ ذلك، وتكف أيديهن عن تمام المحاولة، مما يدفعهن إلى تخير جمل قويٍّ من بينها ليكون راحلة صاحبتهنَّ ولم يكن بأقل من النوق عزة نفس، ولكنها عزة لم تنسِه حُسن الانقياد لهنَّ، برغم شدة توقيه الزمام الذي تخيله ثعبان الحماطة الشديد العداء لها، وبرغم شدة هذا الصراع، والمعاناة التي لقيها الطرفان المتصارعان يَكشِف عن نجاح المهمة التي تدور في إطار إرضاء الصاحبة بإعداد راحلتها، وكأن هذا الصراع، وهذا الإصرار صورة مما في نفس الشاعر من رغبة في الوصول إلى هذه المرأة سيدة الرحلة مهما كلفه ذلك من عنَت ومشقَّة، فهو يملك من الأمل ما يدفعه إلى خوض مخاطر الوصول إليها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]