عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 18-08-2022, 08:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,910
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصورة الكلية عند الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي

الصورة الكلية عند الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي
د. ياسر عبدالحسيب رضوان



ويستعين الشاعر بضمير الغائب، ليبدأ في وصْف هذه المرأة وصفًا شكليًّا يدل على جمال قديم، وقبول حسن، فيقول[41]:
وَبِعَيْنِهَا رَشَأٌ تُرَاقِبُهُ
مُتَكَفِّتُ الأَحْشَاءِ كَالسَّلْسِ

مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ أَوْ ظِبَاْءِ خُلائِلٍ
ضَمَرَتْ عَلَى الأَوْرَاقِ وَالْخَلْسِ

لَيْسَتْ إذَا سَمِنَتْ بِجَابِئَةٍ
عَنْهَا الْعُيُونُ، كَرِيهَةَ الْمَسِّ

مُسْتَأْثِرٍ بِالَّلحْمِ كَاهِلُهَا
وَقْصَاءُ مِنْطَقُهَا عَلَى حِلْسِ




يَصِفها بروعة المنظر، ولين المسِّ فلا تَنفِر منها العيون، وليست بكثيرة لحم الكاهل، ولا قصيرة العنق، بل إن عنقها من الطول والجمال لَيُشبِه عنق الظبية إذا ما وضعت عليه قلائدها، ولها ثياب طويلة تُغطِّي ما سفل من جسدها، واللافت في هذه الصورة الوصفية أن صاحبتها تُعدُّ - بما جمعت من تلك الصفات - نموذجًا لامرأة مثالية يُشغَف بها الرجال شغفًا ربما يصل بهم في بعض الأحيان إلى حدِّ التقديس أو العبادة، ومما يؤكِّد ذلك الصورة التشبيهية الجزئية التي تجمَع بين المرأة والغزالة والظبية والمهاة، وغيرها مما حفَل به الشعر العربي القديم[42].

وبعد فتلك صورة المرأة في شِعر حُمَيد، وقد تفنَّن في رسمها بريشة وصفية نأى فيها عن الإسفاف في الوصف، ولم يتطرَّق إلى ما يتنافى والذوق الشعري، أو العرف الاجتماعي بحيث يمكن تصنيفه بين طبقة شعراء الغزل العذري الذين يكلفون بإظهار العاطفة نحو المرأة التي تتخذ على ألسنتهم هالة قدسية تلمح إلى مكانتها من نفوسهم، ولم تكن أوصافهم المادية مما يشين المرأة أو يَخدش حياءها.

افتنَّ حُمَيد كذلك بالأسلوب القصصي وهو يرسم صورة المرأة، وقد مال الأسلوب القصصي إلى التوظيف الرمزي كما ظهَر من قصة العجوز، أو التوظيف الحقيقي الذي اهتم فيه بسرد قصة واقعية لامرأة بخيلة، ويبدو البخل صفة مِحوَريَّة للصفات التي اتخذ منها تكأة لهجاء المرأة، سواء أكانت زوجته أم غيرها، ولذا كثرت النماذج السلبية للمرأة، في حين كان النموذج الإيجابي هو المعادل الموضوعي لعلاقته بمحبوبته "جمل" التي ورَد ذِكرُها غير مرة في شِعره، وليست تعني النماذج المعروضة أن ليس غيرها؛ فقد كانت هناك نماذج أخرى للمرأة وردت في سياقات جزئية، وقد تم التعرض لها في مبحث الصورة الجزئية.

لم يهتمَّ حُمَيد كثيرًا بالحوار الخارجي الذي بدا في صورة باهتة؛ للاعتماد على دلالة السياق القصصي، مع الإعلاء من شأن الحوار الداخلي "المونولوج" الذي يَكشِف خبايا نفسية المرأة، خاصة تلك المرأة البخيلة، بينما اهتم بعنصري الزمان والمكان اهتمامًا واضحًا، ففي قصيدة جُمل (أو المرأة الشمطاء) بدا الزمن واضحًا في سطوته على المرأة "الكبَر، والضعف، والفقر، والعوز إلى حليل تأنس إليه"، هذا بالنسبة للشخصية المِحوَرية، أما زمن القص، فبرغم طوله المترتب على طول الحدث المسرود فقد نجح الشاعر في اختصاره ببعض الوسائل الفنية؛ كالحذف والوصول إلى الخلاصة، وقد أدَّيا إلى تسريع السرد، ثم يجعل من الزمن موطنَ قلق وألمٍ وخوف؛ وذلك عندما جعل - في قصيدة المرأة والذئب - زمن الليل طويلاً عليها برغم القصر الطبيعي لزمن الليل.

وأما المكان، فقد ارتكز على أمرَين؛ أولهما: الصحراء الواسعة التي كانت مسرحًا للحرب عند المرأة الشمطاء، ومرآةً تكشَّفت على صفحتها الطبيعة الذاتية لبعض الحيوانات، إذا ما وضعت في موقف اختيار بين النفس والولد، وثانيهما: البيت الذي بدا عند المرأة المأزومة، وكأنه قيد جديد أضيفَ إلى ما علق بها من قيود؛ الأهل، والأصهار، والزوج، وقد ترك كل من المكان والزمان أثرهما على الشخصيات التي أدار الشاعر حولها أحداث قصائده.

ثانيًا- صورة الناقة:
حظيَت الناقة بمكانة بارزة عند العربي القديم في حلِّه وترحاله، وحربه وسِلمه، وحياته الخاصة أو العامة، وإذا كانت حياة العربي القديم قصة مروية، فإن الناقة تُمثِّل شخصية مِحوَرية فيها، والشعراء كغيرهم في الاهتمام بالناقة اهتمامًا وصل ببعضهم إلى درجة من التقديس والإعزاز دفعت بعضًا من نقاد الأدب إلى تفسير العلاقة بين الشاعر والناقة تفسيرًا أسطوريًّا مرتبطًا ببعض الحيوانات الوهمية وبعض المَظاهر العقدية القديمة، وارتبط بعضها بطبيعة التصوير الفني للناقة، واقترَب بها من الصورة الإنسانية[43]، وأيًّا ما كانت نتائج تلك التفسيرات فإن الحقيقة التي لا يُختلَف فيها أن الناقة كانت مِحوَرًا من مَحاور الشعر العربي القديم.

وكان حُمَيد كغيره من الشعراء قد اهتمَّ بالناقة اهتمامًا كبيرًا بدا في ذلك الحيز الكبير الذي شغلته الناقة في بعض قصائده، وربما كان ذلك من أسباب تميُّزه على مَن سبقَه من الشعراء، خاصة أصحاب المعلَّقات، فإذا كان كلٌّ من: طرفة بن العبد، ولبيد بن ربيعة قد تحدَّثا عن الناقة في معلقتَيهما في ثلاثة وثلاثين بيتًا[44]، فإن حُمَيدًا تحدث عنها في ميميته المطولة في خمسة وخمسين بيتًا جاء ثلاثة وثلاثون منها مُجتمعة متوالية في موضع، واثنان عشرون بيتًا متوالية ولكن في موضع آخر، هذا بالإضافة إلى القصائد الأخرى التي تحدَّث فيها عن الناقة، وقد لُوحظ على حديثه عنها أمران: أولهما أن الناقة المذكورة في بعض المواضِع ناقة الآخر وليست ناقته، وثانيهما: أنه في تصويره للناقة استخدم أسلوبي القص والوصف، وجمع بينهما في بعض المواضع، ففي مشهد قصصي طويل يُحدِّث الشاعر عن ناقة الآخر/ المحبوبة المرتحلة مُصورًا التحول الطارئ على صورتها من الضعف والهزال إلى السمن والامتلاء بعدما ظلت ترعى ستة شهور كاملة من جمادى إلى المحرَّم يقول حُمَيد[45]:
أَجِدَّكَ شَاقَتْكَ الْحُمُولُ تَيَمَّمَتْ
هَدَانَيْنِ وَاجْتَابَتْ يَمِينًا يَرَمْرَمَا

عَلَى كُلِّ مَنْسُوجٍ بِيَبْرِينَ كُلِّفَتْ
قُوَى نِسْعَتَيْهِ مَحْزِمًا غَيْرَ َأَهْضَمَا

جِلاَدٌ تَخَاطَتْهَا الرِّعَاءُ فَأُهْمِلَت
وَآلَفْنَ رَجَّافًا جُرَازًا قَلَهْزَمَا

رَعَيْنَ الْمُرَارَ الْجَوْنَ مِنْ كُلِّ مِذْنَبٍ
شُهُورَ جُمَادَى كُلَّهَا وَالْمُحَرَّمَا

إلَى النِّيرِ فَالَّلعْبَاءِ حَتَّى تَبَدَّلَتْ
مَكَانَ رَوَاغِيهَا الصَّرِيفَ الْمُسَدَّمَا

وَحَتَّى تَعَفَّى النِّضْوُ مِنْهَا وَجُرِّدَتْ
حَوَالِبُهَا مِنْ مَرْبَعٍ قَدْ تَجَرَّمَا

وَعَادَ مُدَمَّاهَا كُمَيْتًا، وَشُبِّهَتْ
كُلُومُ الْكُلَى مِنْهَا وِجَارًا مُهَدَّمَا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]