عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18-08-2022, 08:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصورة الكلية عند الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي





وَإِنْ حَذِرَتْ أَرْضٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ

بِغُرَّةِ أُخْرَى طَيِّبُ النَّفْسِ قَانِعُ




يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ ويَتَّقِي

بِأُخْرَى الْمَنَايَا فَهْوَ يَقْظَانُ هَاجِعُ











بدا الحوار في هذه القصيدة القصصية داخليًّا؛ إذ لم يَبدُ أثر للحوار الخارجي من مادة القول ونحوها، وإنما لأن القصيدة مكاشفة لنفسية تلك المرأة، فلم يُحرِّك الشاعر لسانها بكلمة، وإنما جعل السياق دالاًّ على هذه الحوارية الصامتة في نفسها، وهي تلومها على مجرد التقصير في رعاية بهمها، وهي تحدث نفسها مقارنة بين مكانة ولدها ومكانة بهمها التي يبدو أنها كانت ميالة لهذه الأخيرة؛ ولذلك قدم بين يدي قصته ما يدلُّ على علاقة الأم بولدها في نطاق الحيوان الأعجم، أما هذه المرأة البخيلة فقد كانت لها رؤية أخرى، وقد يكون في الأمر مبالغة من الشاعر المأزوم بقضية البخل والتحريض عليه؛ لذا كان البخل سببًا في مفارقته البائنة زوجته في الصورة الوصفية التي سأشير إليها فيما بعد.







وإذا كان الشاعر قد جعل الحوار داخليًّا، ولم يُعطِه مساحة لفظية تشير إليه بوضوح، فإنه عمد إلى تصوير الزمان والمكان بما يخدم الصورة، ويكشف عن خباياها، فمِن المُتيسِّر على المتلقي أن يربط بين سعة الفلاة وطبيعة حياة الذئب والبهم، والمفارقة بين حرص الطيور والحيوانات على أولادها، كما رأينا في موقف القطاة والنعامة، وحرص المرأة على مالها قبالة ولدها، وأما الزمن فقد بدا عند الشاعر عاملاً من عوامل تنمية الأزمة التي تعيشها المرأة؛ لأن زمن الحدث قد كان الليل بكل ما يَستدعيه من معاني الخوف والرهبة والظُّلمة والمَخاطِر والهموم التي لا تجتمِع على صاحبها إلا فيه، والذئب لم يفكِّر في الاعتداء على بهْمِ المرأة إلا فيه، وإذا كان الليل بطبيعته الزمنية قصيرًا، فإن ليلَ تلك المرأة قد كان من الطول بحيث أخذت تُراقب فيه الذئب، وتطعم بهمَها، فلا يَقرب منها؛ بسبب وجود الحركة التي يَخشاها.







كانت الصورة السابقة نموذجًا للمرأة الحريصة، أو البخيلة في شِعر حميد، وهناك نماذج أخرى للمرأة بدت فيها سلبية بسبب الأسلوب التصويري الذي لجأ إليه حميد، وهو أسلوب التصوير الكلي الوصفي؛ حيث ينزع الشاعر إلى ذكر مجموعة من الأوصاف الحسية أو المعنوية المُرتبطة بهذه المرأة، ويعدُّ هذا الوصف نوعًا من أنواع التصوير[33]، وقد ارتبطت الصورة الكلية الوصفية عند حُمَيد بفن الهجاء، وكانت إحدى مهجواته زوجته التي لم يكن معها كما يقول الرواة على وفاق، فهو يقدم لها في مُقطَّعة شعرية من أربع أبيات صورة وصفية مال فيها إلى "التصوير الكاريكاتوري الهزلي"[34] يقول حُمَيد[35]:





لَقدْ ظَلَمتْ مِرْآتَهَا ابْنَةُ مَالِكٍ

بِمَا لامَتِ الْمِرْآةَ أَلاَّ تُجَدَّدَا




أَرَتْهَا بِخَدَّيْهَا غُضُونًا كَأَنَّها

مَجَرُّ غُصُونِ الطَّلْحِ صَادَفْنَ فَدْفَدَا




رَأَتْ مَحْجِرًا تَبْغِي الْغَطَارِيفُ غَيْرَهُ

وَفَرْعًا أَبَى إِلاَّ انْحِدَارًا فَأَصْعَدَا




وَأَسْنَانَ سَوْءٍ شَاخِصَاتٍ كَأَنَّهَا

سَوَامُ أُنَاسٍ سَارِحٍ قَدْ تَبَدَّدَا












تتضافر الأبيات الأربعة على تقديم لوحة وصفية ساخرة لهذه المرأة، يبدؤها الشاعر مقدمًا المفعول به على الفاعل، ليلفت المتلقي إلى أهمية المتقدم[36] وأن ما وقع عليها من ظلم كان محضَ افتراء من الفاعل ابنة مالك التي تلوم المرآة ظانَّة أن ما لقيته على صفحتها من علامات مقبوحة وشائهة لها، إنما كان من سوء حالة المرآة.







والحق أن ليست هذه الصورة الوحيدة التي برزَت فيها المرأة عند حُمَيد في صورة مقبوحة مُنفِّرة، سواء أكان قبحها بسبب صفاتها الشكلية كالذي رأيناه من هجائه زوجته في الأبيات السابقة، أم كان قبحُها بسبب بعض الصفات الخُلُقية التي تَسِمها، وكانت صفة البخل أساسية في هذا الهجاء الذي لقيته المرأة من حُمَيد[37]، كما جمع بين صفة البخل وقلة الحياء في هجائه لامرأة نزل عليها ضيفًا هو وصديق له يُدعى أبا الخشخاش[38] في قصيدة جمَع فيها بين أسلوب القص، وأسلوب الوصف.







ويرسم حُمَيد صورة أخرى لامرأة مأزومة نفسيًّا؛ بسبب وضعها الاجتماعي، وهو يميل في رسمها إلى المزج بين الأسلوب الوصفي والأسلوب القصصي، موظِّفًا ما عرف في الأدب القصصي بالفلاش باك، أو الردة الخلفية؛ حيث إنه يرتد من اللحظة الحاضرة إلى حيث الماضي الذي عاشته هذه المرأة[39]:





حَلَفَت بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ ضُحًى

بِفِنَاءِ زِمْزَمَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ




قَسَمًا لَنَا مَا بَاتَ مِنْ أَحَدٍ

مِنِّي عَلَى طَمَعٍ وَلا يَأْسِ




أَمَّا لَيَالِيَ كُنْتُ جَارِيَةً

فَمَشَيْتُ بِالرُّقَبَاءِ والْحَبْسِ




حَتَّى إِذَا مَا الْخِدْرُ أَبْرَزَنِي

نُبِذَ الرِّجَالُ بِزَوْلَةٍ جَلْسِ




وَبِجَارَةٍ شَوْهَاءَ تَرْقُبُنِي

وَحَمًا يَخِرُّ كَمَنْبِذِ الْحِلْسِ
















إن أزمتها قديمة، يؤكِّد قدمها سيطرة أفعال الزمن الماضي، وتحديد المرحلة العمرية جارية؛ حيث القيد وسلب الحرية، والرقابة الصارمة: الأهل في الصِّغَر، والحمو والحماة بعد الزواج، ولم يعد يَلقى من يريدون رؤيتها إلا امرأة ذات فِطنة وذكاء، معهما نفس مأزومة ألقَت بظلال أزمتها على لغتِها الوصفية التي وصفت بها الحمو والحماة التي وصفتها بأنها شوهاء، وهو وصف يستدعي أحد أمرَين، أو كليهما معًا، أما أولهما: فهو تشوه الخِلقة وقبحُها، وأما ثانيهما، فهو حدة البصر[40]، وهو معنى يتفق ودلالة البيت الذي خُتم به المصراع الأول، وأما الحمو فقد وصفته وصفًا منتزعًا من البيئة، حيث حِلْس الناقة أو البرذعة التي لا تُفارق ظهرَها، في إشارة إلى طول الملازمة ودَيمومتها، وهكذا كان الحمو ملازمًا هو الآخر للبيت، ليَزيد من أزمتها بسبب فرض الحراسة الشديدة عليها.




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.95 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]