عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-08-2022, 08:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,784
الدولة : Egypt
افتراضي الصورة الكلية عند الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي

الصورة الكلية عند الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي
د. ياسر عبدالحسيب رضوان



مدخل:

1- الشاعِر:

يَنتمي حُمَيد بن ثور الهلالي الصحابي الشاعر شعريًّا إلى مرحلة الخضرمة الأولى؛ الجاهلية / الإسلام؛ حيث عاش في عصر الجاهلية ما يقرُب من عقدَين من الزمان، وأسلمَ مع الوفود التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حُنَين، وتوفِّيَ على الأرجح في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك بن مروان[1]، بينما يَنتمي مكانًا إلى قبيلة بني عامر، هذه القبيلة العربية التي كانت تَسكُن وسط منطقة نجد، وكانت هذه القبيلة مُشتهِرةً بالشعراء الأعلام الفُحول، بل ذهب بعض الباحثين إلى أن شعراء بني عامر كانوا في الصدارة من بين القبائل العربية؛ من حيث عدد الشعراء الذين تنوَّعوا ما بين الشعراء القادة والشعراء الفرسان وشعراء الغزل[2]، وهذه الصدارة في واقع الأمر تجعلنا لا نستبعد أن يكون حُمَيد بن ثور الهلالي من فحول شعراء العربية؛ فقد عدَّه ابن سلام الجمحي من شعراء الطبقة الرابعة من طبقات فحول الإسلام مع كلٍّ مِن نهشل بن حَرِّيٍّ، والأشهَب بن رُمَيلة، وعُمَر بن لجأ التَّيمي[3].



وقد تناول حُمَيد في شِعره: الوصْف والغزل والمدح والهجاء والفخر والحِكمة، والشكوى، وهي المَوضوعات الشعرية المُتداوَلة عند شُعراء العربية منذ العصر الجاهلي، على أن موضوعات شعر حُمَيد السابقة كانت مُتفاوِتة فيما بينها من حيث سعة المساحة الشعرية التي شغلتها بعض الموضوعات في ديوانه الشِّعري، ويَبدو أن الموضوع الغالب على شِعره هو الوصْف، وقد اشتُهر حُمَيد بوصْف الناقة، وركَّز كثيرًا على فكرة الصراع بين الناقة والجمل، وربما من أجل ذلك أُطلق عليه لقب حُمَيد الجمَّال، وحُمَيد الجِمَالات، والحقيقة أن الناقة في شِعره كانت مِحوَرًا بارزًا؛ حيث قدَّمها في لوحات شعرية سوف نقف عندها في بحثنا هذا.



2- الصورة الكُلية:

تُباين الصورة الشعرية الكلية نظيرتَها الصورة الجزئية من حيث إنَّ هذه الصورة الكلية تكون "أشبه بلوحة كبيرة تضمُّ داخلها صورًا صغيرة لا تستقلُّ بنفسها، ولكنها تكون جزئيات هذه اللوحة الكبرى[4]، وهي عادة ما تتكون من عدة أبيات شِعرية، أو قصيدة كاملة تَدور في جملتها حول موضوع واحد، وحالة وجدانية تؤول في أصلها إلى مشاعر وأحاسيس ثابتة واحدة، ممَّا يَسِمُ القصيدة آنئذ بسمْتِ الوحدة العضوية؛ لأن الصورة الكلية تعدُّ عاملاً من عوامل الوحدة العضوية التي تجعل من القصيدة كيانًا واحدًا.



لقد تجسدت الوحدة العضوية عند حُمَيد بن ثور في نمط من أنماط الصورة الكلية، هو الصورة القصصية ذات الإيحاء الرمزي الذي يلمِّح إلى ما وراء التصوير من دلالات وإيحاءات يعمد المُبدِع إلى تجسيدها من خلال هذا الأسلوب القصصي المُظهِر للوحدة العضوية خاصة في الشعر الوجداني[5].



وربما تعدَّدت الصور الكلية في القصيدة الواحدة، ولا يغضُّ ذلك من ظهور الوحدة العضوية فيها؛ ذلك أن هذا التعدد قد يَنطلِق من شعور ذاتي واحد آثر الشاعر أن يُعبِّر عنه بأكثر من صورة كلية، وقد كان لمثْل هذا التعدُّد في الصور الكلية عند حُمَيد حضوره في بعض قصائده، ومع ذلك فهو لا يَنفي وجود الوحدة العضوية التي تربط القصيدة كلها برباط وجداني واحد ألحَّ الشاعر على إبرازه بأكثر من صورة، كان أبرزها حضورًا الصورة الكلية القصصية؛ إذ كان الأسلوب القصصي أبرز مظاهر تميُّز حُمَيد وفنه الشعري[6]، وإلى جانبها كان هناك نمط من التصوير الكلي هو الصورة الكلية الوصفية التي يقوم فيها الشاعر بوصف موضوع الصورة وصفًا خارجيًّا، أو داخليًّا يُحاوِل فيه أن يستجلي موضع الصورة من خلال الوصف الذي يُعدُّ "نزعة فطرية ملازمة لطبيعة الذات الإنسانية، بها يكتشف الإنسان العالم"[7]، وهي تلي سابقتها حضورًا في شِعر حُمَيد، وقد آثرتُ دراسة الصورة الكلية بنمطَيها؛ قصصية، ووصفية، دراسةً موضوعية مع الإشارة إلى نمط الصورة عند تحليلها؛ وذلك بسبب التداخل بينهما - موضوعيًّا - إذ نجد صورة المرأة - مثلاً - مرسومة من خلال الأسلوب القصصي والوصفي.



أولاً: صورة المرأة:

مثلت المرأة مِحوَرًا بارزًا من المَحاور الفنية التي ارتكزت عليها التجربة الشعرية عند حُمَيد بن ثور، شأنه في ذلك شأن غيره مِن الشُّعراء الذين اهتموا بالمرأة، وخاصة الجاهليِّين الذين اهتموا بالمرأة اهتمامًا شديدًا يكاد يَصِل بها إلى شيء من التقديس المرتبط بالمُعتقَد، ومما يؤكد ذلك كثرة تشبيهِهم المرأة بالشمس والغزالة والمَهاة[8]، وهي وإن كانت صورًا جزئية لا تتعدَّى البيت أو الجزء من البيت، فإن تكرارها عند عدد كبير من الشعراء الجاهليِّين مما يلفت النظر إلى ذلك الحضور البارز للمرأة في شِعرهم، وذلك من الأمور البدهية؛ فالمرأة كانت مُلهِمة الشاعر ومحبوبته التي يَبذُل في سبيل إرضائها كل غالٍ ثمين.



اتَّخذ تصوير حُمَيد للمرأة نمطَين من أنماط الصورة الكلية؛ أولهما: الصورة القصصية التي تُحيل إلى عدد من الرموز والإيحاءات التي يُمكن تعليلها في ضوء التجربة الشعرية التي مرَّ بها، والتي تَرتبِط بموضوع الغزل بصورة أو بأخرى، فقد تفوَّق الموضوع الغزلي على غيره من الموضوعات الأخرى، وأما النمط الثاني فهو الصورة الوصفية التي تهتمُّ بالأوصاف الظاهرية أو المعنوية للمرأة الموصوفة، سواء أكان السياق غزليًّا أم غير غزلي.



بدت المرأة في الصورة القصصية المِحوَر أو المركز الذي ارتكزت عليه أحداث القصيدة القصصية، من ذلك لاميَّته التي يُديرها بعناية فائقة حول امرأة تُمثِّل الشخصية المِحوَرية، وما حولها من شخوص إنما يوظِّفها لتفعيل دورها في رسم ملامح الشخصية المِحوَرية ودورها، هذه المرأة التي لم يرِد لها اسم بعينها، ولا زمان أو مكان يحدُّها.



يبدأ الشاعر القصيدة بداية تنمُّ عن أهمية ما وراءها، وذلك من خلال أسلوب القسم المؤكِّد للمُقسم عليه[9]:



حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إِلَى مِنىً

زَفِيفًا ورَبِّ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْحَبْلِ




لَوَ انَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا عُدِلَتْ بِهِ

وَجُمْلٌ لِغَيْرِي مَا أَرَدْتُ سِوَى جُمْلِ




أَتَهْجُرُ جُمْلاً أَمْ تُلِمُّ عَلَى جُمْلِ

وَجُمْلٌ عَيُوفُ الرَّيْقِ جَاذِبَةُ الْوَصْل








البداية أو المقدمة تنمُّ عن تجربة عاطفية صادقة، يُنفق الشاعر جهده اللغوي والبلاغي على تأكيدها بما لا يدع مجالاً لشكِّ مُتشكِّك في صدق ما يَشعُر به من عاطفة نحو تلك المرأة؛ إذ يبدأ القصيدة بفعل القسم المُسنَد إلى ضمير المتكلم الذي يُشير إلى أثرة الشاعر بالحديث؛ لأنه يريد أن يكشف عما بنفسه، وإيثاره مادة الحلف على غيرِها من دوال القسَم قد كان بدافع من رغبته في التأكيد على أن علاقته بهذه المرأة إنما هي علاقة مُتبادَلة، فمادة الحلف تستدعي معاني الحليف والمُحالف، وكلتاهما تؤكد على توحد الأمر والمصير بين طرفين يربطهما الوفاء[10]، وجاء المقسَم به "رب" بدلالتها على الربوبية المالكة والعارفة خبايا ما تَملِك، لتدلَّ على صدق ما يقوله، بل قُدسيَّة وشرف المُقسَم عليه جواب القسم؛ لكنه يَستدعي جوًّا من القداسة الدينية في رحلة لا يقوم بها إلا كل مُشتاق، إنه مشهد الإبل الراقصات في طريق تأدية مناسك الحج؛ حيث يقف الحجيج على الجبل يُناجون ربهم، وتتأخَّر جملة الجواب إلى البيت الثاني لتخلي المساحة الكلامية لتلك الدلالة التي ينتجها جوُّ الحج، وليأتي التأكيد على عدم ارتضاء الشاعر الدنيا كلها عِوَضًا عن محبوبته "جمل" التي يُكرِّر اسمها مُتلذِّذًا به خمس مرات في الأبيات الثلاثة السابقة، هذا الاسم الذي يستدعي بدوره عددًا من المعاني التي تدور في مجملها حول ما يتعلق بجمال المرأة وهيئتها، وهي المعاني التي يريدها الرجل في المرأة[11].



ويعود الشاعر ليُمسِك بطرف الحوار مرة أخرى؛ لكي يَقترب من موضوع قصته التي يريد سردها؛ ليُصوِّر حبه لهذه المرأة:



فَوَجْدِي بِجُمْلٍ وَجْدُ شَمْطَاءَ عَالَجَتْ

مِنَ الْعَيْشِ أَزْمَانًا عَلَى مِرَرِ القلِّ




فَعَاشَتْ مُعَنَّاةً بِأَنْزَحِ عِيشَةٍ

تَرَى حَسَنًا أَلاَّ تَموُتَ مِنَ الْهُزْلِ[12]








إن أثرة الشاعر الكلام بضمير المُتكلِّم حتى هذه اللحظة دليل على أنه لا يُريد الاختفاء من ساحة القصيدة، إلا لكي يَلفِتنا إلى ما يربطه بالأحداث التي سوف يَسردها فيما بعد بضمير الغائب الذي يلتفت إليه وهو يُوهمنا باختفائه هو، بينما يُحرِّك شخوصه من وراء حجاب، يقصُّ علينا الأشياء التي لا تعرفها شخصياته من مُنطلَق علمه بها، خاصة وأنه الذي صنعها.



إنه يحدِّث عن الآخر هذا الحديث الذي يربطه به من خلال توظيف الصورة الجزئية؛ التشبيه البليغ المُتكئ على طرفيْ الإسناد: وجده = وجد شمطاء في صدر البيت الأول - وفي هذه اللحظة يَختفي ضمير المتكلم ليحلَّ محله ضمير الغائب الذي يعني بدْء القص، قصة هذه المرأة الشمطاء البائسة التي مضى بها قِطار العمر، ولم تتزوج حتى هذه اللحظة، ومما يزيدها بؤسًا هذا الفقر المطبق عليها أزمانًا لا تعرف عدتها، وغاية أملها أن تعيش على الكفاف، فلا تموت من الضعف والهزال.



ولا يقنع الشاعر القاصُّ بهذا الوصف الذي يلفت المتلقي من خلاله إلى صورتها، وإنما يُفاجئه ببعض المفاجآت القصصية التي تَجذبه إلى النص، وأول هذه المفاجآت: أن تتزوج من رجل كفْءٍ حَليل، برغم فقرها وتقدم سنِّها[13]:



قَضَى رَبُّهَا بَعْلاً لَهَا فَتَزَوَّجَتْ

حَلِيلاً وَمَا كَانَتْ تُؤَمِّلُ مِنْ بَعْلِ








وبالرغم من غرابة هذه المفاجأة التي لا شك أنها قد أحدثت تغيُّرًا كبيرًا في حياة المرأة وحالتها النفسية، فإن الشاعر يَتناسى هذه الأمور إيمانًا منه بأن لغة القص الشعري "تَنأى عن الجزئيات والتفاصيل التي تصرف الفكر عن التدبر والاعتبار"[14] ليُتابع مفاجآته التي تعمل على تنمية الحدث القصصي، وإثارة المتلقي، فهو يقطع هذه التفاصيل والأحداث، ويمدُّ في أمل المرأة في الحياة عن طريق مخلوق جديد ينمو في أحشائها، ثم هو يَتغاضى عما وراء هذا المولود الجديد من أثر قلب كيان المرأة وحياتها رأسًا على عقب[15]:



وَعَدَّتْ شُهُورَ الْحَمْلِ حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ

وَجَاءَتْ بِخِرْقٍ لا دَنِيءٍ وَلا وَغْلِ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]