عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-08-2022, 05:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,449
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شعيب حليفي والصورة المرجعية

وتأسيسا على ما سبق، لم يركز شعيب حليفي على الصورة في بعدها البلاغي والجمالي والتخييلي، بل اهتم بالصورة في بعدها التمثيلي والمرآوي والمرجعي. ومن ثم، تختلط، عنده، الصورة بالتيمة والموضوع والمرجع والإدراك والتأويل الذهني. وبذلك، فهو لا يخرج عن باقي الدارسين والباحثين الذين يعتبرون الصورة الأدبية نقلا للواقع وانعكاسا لما يجري في المرجع الخارجي. وفي هذا، يقول شعيب حليفي في بعض نقطه العشر: "مبدأ التمثيل وقد عكسته الصورة، بمستوياتها المجازية الشاعرية والعنيفة، انعكاسا لحركة الرواية ونفسية الراوي اعتمادا على صور تغيت إنجاز المشهدية وتوليد الحكي، بحيث تمظهرت الصورة بشكل مفتوح في وجه استثمارات دلالية."[14]


ويتبين لنا، من هذا كله، بأن الصورة الروائية، عند شعيب حليفي، صورة مرجعية وتمثيلية، ومرآة عاكسة للذات والواقع من جهة، وللآخر والعالم من جهة أخرى. والآتي، أنها تعكس لنا وعي الراوي والشخصيات، وتقدم لنا رؤية إلى العالم، سواء أكانت رؤية مختلة أم رؤية متوازنة.


أما في مقاله (بلاغة الصورة في السرد)، فقد تعرض شعيب حليفي إلى أسئلة الصورة الروائية، من خلال التوقف عند سليم بركات في روايته (موتى مبتدئون)، وحبيب عبد الرب سروري في روايته (طائر الخراب)، وصالح السنوسي في روايته (حلق الريح)، وروايات صلاح الدين بوجاه كـ(النخاس) (وسبع صبايا). بيد أن ما يلاحظ على شعيب حليفي أنه يتعامل مع النصوص السردية في ضوء البلاغة الشعرية، فمازال يتحدث عن الاستعارة، والمجاز، والكناية، والرمز. بمعنى أنه لم يتخلص بعد من البلاغة الكلاسيكية، على الرغم من نبشه في بلاغة السرد والصورة الروائية. وفي هذا الصدد، يقول الباحث: "منذ روايته الأولى (فقهاء الظلام) والممهد لها - من قبل - بنصين سرديين: (الجندب الحديدي) و(هات النفير عن آخره)، إلى روايته موتى مبتدئون، يدون سليم بركات الاستعارة الكبرى، تمتح صورها الهادرة مطعمة بشعرية تخرق القواعد الأجناسية وتجدد في مرايا البلاغة بسيول من مجازات وكنايات وتشبيهات لا تحيد عن تيمة الشمال الكردي السوري، والذي ورث عنه سليم بركات منجما لا ينفذ من المتخيل، أو من فضاءات المنفى، قبرص والسويد. وبعد ثلاثة عقود عن نص (فقهاء الظلام) يكتب سليم بركات (موتى مبتدئون) مختطا نفس السبيل في ابتداع صور استعارية ضمن فلسفة لغوية وسردية ذات قدرة متجددة على تنشيط التأويل والتقاط أفكار أزلية (الموت والموتى) إلى جنب قضايا جزئية وعابرة، ولكنها تؤثث فضاء الألغاز في الكائنات الطبيعية أو ما يفرزه المنفى من صور طارئة."[15]


فعلى الرغم من كون شعيب حليفي يتناول، في مقاله هذا، بلاغة السرد والصورة الروائية، إلا أنه مازال يستعمل آليات البلاغة الشعرية من تشبيهات، واستعارات، وكنايات، ولا يوسع بلاغته السردية لتشمل الأنواع الأخرى من الصور.

التصور المنهجي:
من المعلوم، أن معيار الصورة الروائية - كما عند محمد أنقار[16] - يستند إلى مجموعة من الخطوات المنهجية التي تتمثل في تحليل الصورة الروائية ضمن إطار كلي عام، من خلال التوقف عند مجموعات من السياقات، مثل: السياق الجنسي، والسياق النوعي، والسياق النصي، والسياق الذهني. وبتعبير آخر، يستعين الباحث بآليات الطاقة اللغوية، والطاقة البلاغية، وقواعد الجنس، ومراعاة السياق النصي، وتمثل السياق الذهني. ومن جهة أخرى، يرتكز معيار الصورة الروائية على المكونات والسمات معا. فالمكونات هي العناصر الثابتة في السرد، كالأحداث، والشخصيات، والفضاء، والرؤية، واللغة. أما السمات فهي مميزات قد تحضر و تغيب، مثل: سمة الشاعرية، وسمة التعجيب، وسمة السخرية، وسمة الواقعية... ويشكل هذا كله ما يسمى بالصورة الروائية.


أما شعيب حليفي، فلم يتعامل مع الصورة الروائية كما تعامل معها محمد أنقار في كتابه (المغرب في الرواية الاستعمارية الإسبانية)، بل تعامل معها في ضوء البلاغة الكلاسيكية، حيث يستخدم، في مقاليه، أدوات البلاغة الشعرية وصورها البيانية. بمعنى أن الباحث لم يوسع الصورة السردية لتشمل أنواعا أخرى معروفة أو يستنبطها من داخل النصوص الروائية. وفوق ذلك كله، فقد ربط الصورة السردية بالمرجع الذاتي والواقعي، وإن كان في كتابه (مرايا التأويل) قد تعامل مع الصورة الروائية في ضوء البلاغة السردية، لكن من خلال بلاغة شعرية غير موسعة. والدليل على ذلك استخدام صور البيان كما في البلاغة التقليدية، ولم يتحرر من إسارها بعد. ويعني هذا أن الباحث قد نقل مفاهيم البلاغة إلى حقل السرد، دون تغيير رؤيته، واستبدال أدواته التي تحتاجها البلاغة الجديدة الموسعة. ومن الشواهد الدالة على هذه الرؤية الضيقة ما قاله الباحث حول بلاغة الصورة الروائية: "إذا كانت مباحث بلاغة الصورة قد اجتهدت في تحليلاتها انطلاقا من نصوص شعرية مع إهمال النصوص السردية، فإن الدراسات الحديثة اتجهت للتنقيب عن الصورة في الرواية بشكل مباشر أو عبر قنوات أخرى، ترصد التطور الروائي من خلال اللغة والمتخيل عموما.


تحقق الصورة بلاغتها في الرواية العربية، ويمكن أن تكون مدخلا لقياس درجة التطور الروائي انطلاقا من مجموعة مؤشرات نصية بلاغية، فقد كانت النصوص الأولى في مجموع العالم العربي مشدودة إلى متخيل لم ينضج بعد، تستعير بلاغتها - في توظيفات ملتبسة - من الأشكال التعبيرية المسيطرة آنذاك. لكن التطور الذي عرفه التعبير الروائي في العقود الأخيرة، وجعل من النص الروائي خطابا في الواجهة الثقافية، حقق بلاغته واستطاع أن ينحت معجمه، ويبني صوره ضمن دينامية ثقافية مفتوحة على تآويل وهويات، كما أصبح الاشتغال على بلاغة الصورة مدخلاً استراتيجياً لبلاغة المعنى، بالتأسيس لاستعارة متحولة تستولد التأويل، وتنتج نسائج متقاطعة من المعارف والمتع."[17]


وعلى الرغم من وعي الباحث ببلاغة السرد أو بلاغة الصورة الروائية، فإن تطبيقاته تدل على كونه لم يتخلص- بعد- من مفهوم الصورة الشعرية وبيانها التصويري.

تركيب:
وخلاصة القول، يتبين لنا، مما سبق ذكره، بأن شعيب حليفي قد انضم، بشكل من الأشكال، إلى لائحة النقاد والدارسين والباحثين المهتمين بالصورة السردية، كما يتجلى ذلك واضحا في مقاليه اللذين خصصهما لمبحث الصورة الروائية أو بلاغة السرد.


هذا، وإذا كانت الصورة الروائية عند محمد أنقار في كتابه (صورة المغرب في الرواية الاستعمارية الإسبانية) صورة مقارنة، وإذا كانت الصورة عند حميد لحمداني في كتابه (أسلوبية الرواية) صورة بوليفونية[18]، وإذا كانت الصورة عند عبد الرحيم الإدريسي في كتابه (استبداد الصورة) صورة شاعرية، وإذا كانت الصورة عند شرف الدين ماجدولين في كتابه (بيان شهرزاد) صورة حكائية شعبية[19]، وإذا كانت الصورة عند البشير البقالي في دراسته (تشكيل السمات في رواية (صابر المغفل الماكر) صورة روائية طفلية[20]، وإذا كانت الصورة عند محمد العناز في كتابه (الصورة في كتاب البيان والتبين عند الجاحظ) صورة سردية تراثية[21]، وإذا كانت الصورة عند جميل حمداوي في كتابه (بلاغة الصورة السردية) صورة قصصية موسعة[22]، وإذا كانت الصورة عند محمد مشبال في كتابه (الهوى المصري في المخيلة المغربية، قراءات في السرد المغربي الحديث) صورة بلاغية تخييلية[23]، وإذا كانت الصورة الروائية عند مصطفى الورياغلي في كتابه (الصورة الروائية) صورة ميتانقدية[24]، فإن الصورة الروائية عند شعيب حليفي صورة مرجعية وتمثيلية وانعاكسية من جهة، وصورة بلاغية موسعة في إطار البلاغة التقليدية أو البلاغة الكلاسيكية من جهة أخرى.


[1]شعيب حليفي: هوية العلامات، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2005م.

[2] شعيب حليفي: مرايا التأويل، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م.

[3] بهاء طاهر: الحب في المنفى، روايات الهلال، عدد:444، الطبعة الأولى سنة 1985م.

[4] شعيب حليفي: هوية العلامات، ص:159.

[5] ستيفان ألمان: الصورة في الرواية، ترجمة رضوان العيادي ومحمد مشبال، منشورات مدرسة الملك فهد العليا للترجمة، طنجة، الطبعة الأولى سنة 1995م.

[6] شعيب حليفي: نفسه، ص:160.

[7] شعيب حليفي: نفسه، ص:161.

[8] شعيب حليفي: نفسه، ص:161-162.

[9] شعيب حليفي: نفسه، ص:162.

[10] شعيب حليفي: نفسه، ص:169.

[11] شعيب حليفي: نفسه، ص:172.

[12] شعيب حليفي: نفسه، ص:177.

[13] شعيب حليفي: نفسه، ص:178.

[14] شعيب حليفي: نفسه، ص:181.

[15] شعيب حليفي: مرايا التأويل، ص:53-54.

[16] د. محمد أنقار: صورة المغرب في الرواية الإسبانية، مكتبة الإدرسي بتطوان، الطبعة الأولى سنة 1994م.

[17] شعيب حليفي: مرايا التأويل، ص:52-53.

[18] د.حميد لحمداني: أسلوبية الرواية، منشورات دراسات سال، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1989م.

[19] شرف الدين ماجدولين: الصورة السردية:في الرواية والقصة والسينما،الدار العربية للعلوم ببيروتومنشورات الاختلاف بالجزائر، الطبعة الثانية سنة 2010م.

[20] البشير البقالي: (تشكيل السمات في رواية( صابر المغفل الماكر))، مجلة مجرة، القنيطرة، المغرب، صيف 2009، العدد:14.


[21] محمد العناز: مفهوم الصورة في كتاب البيان والتبين عند الجاحظ، دار العين للنشر،القاهرة، مصر، الطبعة الأولى سنة 2013م.

[22] جميل حمداوي: بلاغة الصورة السردية في القصة القصيرة، كتاب قيد الطبع.

[23] د.محمد مشبال: الهوى المصري في المخيلة المغربية، قراءات في السرد المغربي الحديث، منشورات بلاغات، القصر الكبير، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م.

[24] مصطفى الورياغلي: الصورة الروائية، مكتبة دار الأمان، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012م .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]