عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 14-08-2022, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (287)
صــ 87 إلى صــ 93



قيل : لما بشرت به ، كانت كأنها تالية له ، لأنها تبعته بالتصديق له .

وقال ابن الأنباري : " كتاب موسى " مفعول في المعنى ، لأن جبريل تلاه على موسى ، فارتفع الكتاب ، وهو مفعول بمضمر بعده ، تأويله : ومن قبله كتاب موسى كذاك ، أي : تلاه جبريل أيضا ، كما تقول العرب : أكرمت أخاك وأبوك ، فيرفعون الأب ، وهو مكرم على الاستئناف ، بمعنى وأبوك مكرم أيضا . قال : وذهب قوم إلى أن كتاب موسى فاعل ، لأنه تلا محمدا بالتصديق كما تلاه الإنجيل .

فصل

فتلخيص الآية : أفمن كان على بينة من ربه كمن لم يكن ؟ قال الزجاج : ترك المضاد له ، لأن في ما بعده دليلا عليه ، وهو قوله : مثل الفريقين كالأعمى والأصم [هود :24] . وقال ابن قتيبة : لما ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إلى الدنيا ، جاء بهذه الآية ، وتقدير الكلام : أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا ؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم ، إذ كان فيه دليل عليه . وقال ابن الأنباري : إنما حذف لانكشاف المعنى ، والمحذوف المقدر كثير في القرآن والشعر ، قال الشاعر:


فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا


[ ص: 88 ] فإن قلنا : إن المراد بمن كان على بينة ربه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمعنى الآية : ويتبع هذا النبي شاهد ، وهو جبريل عليه السلام . " منه " أي : من الله . وقيل: " شاهد " هو علي بن أبي طالب ، " منه " أي : من النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : " يتلوه " يعني القرآن ، يتلوه جبريل ، وهو شاهد لمحمد صلى الله عليه وسلم أن الذي يتلوه جاء من عند الله تعالى . وقيل : ويتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وهو شاهد من الله . وقيل : ويتلو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، فلسانه شاهد منه . وقيل : ويتبع محمدا شاهد له بالتصديق ، وهو الإنجيل من الله تعالى . وقيل : ويتبع هذا النبي شاهد من نفسه ، وهو سمته وهديه الدال على صدقه . وإن قلنا : إن المراد بمن كان على بينة من ربه المسلمون ، فالمعنى : أنهم يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو البينة ، ويتبع هذا النبي شاهد له بصدقه .

قوله تعالى : " إماما ورحمة " إنما سماه إماما ، لأنه كان يهتدى به ، " ورحمة " أي : وذا رحمة ، وأراد بذلك التوراة ، لأنها كانت إماما وسببا لرحمة من آمن بها .

قوله تعالى : " أولئك " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه إشارة إلى أصحاب موسى . والثاني : إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . والثالث : إلى أهل الحق من أمة موسى وعيسى ومحمد .

وفي هاء " به " ثلاثة أقوال أحدها : أنها ترجع إلى التوراة . والثاني : إلى القرآن . والثالث : إلى محمد صلى الله عليه وسلم .

وفي المراد بالأحزاب هاهنا أربعة أقوال :أحدها : جميع الملل ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : اليهود والنصارى ، قاله قتادة . والثالث : قريش ، قاله السدي . والرابع : بنو أمية ، وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي ، وآل أبي طلحة بن عبد العزى ، قاله مقاتل .

[ ص: 89 ] قوله تعالى : " فالنار موعده " أي : إليها مصيره ، قال حسان بن ثابت :


أوردتموها حياض الموت ضاحية فالنار موعدها والموت لاقيها


قوله تعالى : " فلا تك في مرية منه " قرأ الحسن ، وقتادة : " مرية " بضم الميم أين وقع . وفي المكني عنه قولان :

أحدهما : أنه الإخبار بمصير الكافر به ، فالمعنى : فلا تك في شك أن موعد المكذب به النار ، وهذا قول ابن عباس .

والثاني : أنه القرآن ، فالمعنى : فلا تك في شك من أن القرآن من الله تعالى ، قاله مقاتل . قال ابن عباس : والمراد بالناس هاهنا : أهل مكة .

قوله تعالى : " أولئك يعرضون على ربهم " قال الزجاج : ذكر عرضهم توكيدا لحالهم في الانتقام منهم ، وإن كان غيرهم يعرض أيضا .

فأما " الأشهاد " ففيهم خمسة أقوال :أحدها : أنهم الرسل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الملائكة قاله مجاهد ، وقتادة . والثالث : الخلائق ، روي عن قتادة أيضا . وقال مقاتل : " الأشهاد " الناس ، كما يقال : على رؤوس الأشهاد ، أي : على رؤوس الناس ، والرابع : الملائكة والنبيون وأمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون على الناس ، والجوارح تشهد على ابن آدم ، قاله ابن زيد . والخامس : الأنبياء والمؤمنون ، قاله الزجاج . قال ابن الأنباري : وفائدة إخبار الأشهاد بما يعلمه الله : تعظيم بالأمر المشهود عليه ، ودفع المجاحدة فيه .
الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون

[ ص: 90 ] قوله تعالى : " الذين يصدون عن سبيل الله " قد تقدم تفسيرها في (الأعراف :45) .

قوله تعالى : " وهم بالآخرة هم كافرون " قال الزجاج : ذكرت " هم " ثانية على جهة التوكيد لشأنهم في الكفر .
أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

قوله تعالى : " أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض " قال ابن عباس : لم يعجزوني أن آمر الأرض فتخسف بهم . " وما كان لهم من دون الله من أولياء " أي : لا ولي لهم ممن يعبدون يمنعهم مني . وقال ابن الأنباري : لما كانت عادة العرب جارية بقولهم : لا وزر لك مني ولا نفق ، يعنون بالوزر : الجبل ، والنفق : السرب ، وكلاهما يلجأ إليه الخائف ، أعلم الله تعالى أن هؤلاء الكافرين لا يسبقونه هربا ، ولا يجدون ما يحجز بينهم وبين عذابه من جميع ما يستر من الأرض ويلجأ إليه . قال : وقوله : " من أولياء " يقتضي محذوفا ، تلخيصه : من أولياء يمنعونهم من عذاب الله ، فحذف هذا لشهرته .

قوله تعالى : " يضاعف لهم العذاب " يعني الرؤساء الصادين عن سبيل الله ، وذلك لإضلالهم أتباعهم واقتداء غيرهم بهم . وقال الزجاج : " لم يكونوا معجزين في الأرض " أي : في دار الدنيا ، ولا لهم ولي يمنع من انتقام الله ، ثم استأنف " يضاعف لهم العذاب " لعظم كفرهم بنبيه وبالبعث والنشور .

قوله تعالى : " ما كانوا يستطيعون السمع " فيمن عني بهذا قولان :

أحدهما : أنهم الكفار . ثم في معناه ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم لم يقدروا [ ص: 91 ] على استماع الخير وإبصار الحق ، وفعل الطاعة ، لأن الله تعالى حال بينهم وبين ذلك ، هذا معنى قول ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : أن المعنى : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه ، وبما كانوا يبصرون حجج الله ولا يعتبرون بها فحذف الباء ، كما تقول العرب : لأجزينك ما عملت ، وبما عملت ذكره الفراء ، وأنشد ابن الأنباري في الاحتجاج له :


نغالي اللحم للأضياف نيئا ونبذله إذا نضج القدور


أراد : نغالي باللحم . والثالث : أنهم من شدة كفرهم وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يستطيعون أن يتفهموا ما يقول ، قاله الزجاج .

والقول الثاني : أنهم الأصنام ، فالمعنى : ما كان للآلهة سمع ولا بصر ، فلم تستطع لذلك السمع ، ولم تكن تبصر . فعلى هذا ، يرجع قوله : " ما كانوا " إلى أوليائهم ، وهي الأصنام ، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس أيضا .
لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون

قوله تعالى : " لا جرم " قال ابن عباس : يريد : حقا إنهم الأخسرون . وقال الفراء : " لا جرم " كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ، فجرت على ذلك ، وكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة " حقا " ، ألا ترى أن العرب تقول : لا جرم لآتينك ، لا جرم لقد أحسنت ، وأصلها من جرمت ، أي : كسبت الذنب . قال الزجاج : ومعنى " لا جرم " : " لا " نفي لما ظنوا أنه ينفعهم [ ص: 92 ] كأن المعنى : لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ، أي : كسب لهم ذلك الفعل الخسران . وذكر ابن الأنباري أن " لا " رد على أهل الكفر فيما قدروه من اندفاع الشر عنهم في الآخرة ، والمعنى : لا يندفع عنهم عذابي ، ولا يجدون وليا يصرف عنهم نقمتي ، ثم ابتدأ مستأنفا " جرم " ، قال : وفيها قولان :

أحدهما : أنها بمعنى : كسب كفرهم وما قدروا من الباطل وقوع العذاب بهم . فـ " جرم " فعل ماض ، معناه : كسب ، وفاعله مضمر فيه من ذكر الكفر وتقرير الباطل .

والثاني : أن معنى جرم : أحق وصحح ، وهو فعل ماض ، وفاعله مضمر فيه ، والمعنى : أحق كفرهم وقوع العذاب والخسران بهم ، قال الشاعر :


ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا


أراد : حقت الطعنة فزارة بالغضب . ومن العرب من يغير لفظ " جرم " مع " لا " خاصة ، فيقول بعضهم : " لا جرم " ، ويقول آخرون : " لا جر " بإسقاط الميم ، ويقال : " لاذا جرم " و " لاذا جر " بغير ميم ، و " لا إن ذا جرم " و " لا عن ذا جرم " ، ومعنى اللغات كلها : حقا .

قوله تعالى : " وأخبتوا إلى ربهم " فيه سبعة أقوال :

أحدها : خافوا ربهم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : أنابوا إلى ربهم ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : ثابوا إلى ربهم ، قاله قتادة . [ ص: 93 ] والرابع : اطمأنوا ، قاله مجاهد . والخامس : أخلصوا ، قاله مقاتل . والسادس : تخشعوا لربهم ، قاله الفراء . والسابع : تواضعوا لربهم ، قاله ابن قتيبة .

فإن قيل : لم أوثرت " إلى " على اللام في قوله : " وأخبتوا إلى ربهم " ، والعادة جارية بأن يقال : أخبتوا لربهم ؟

فالجواب : أن المعنى : وجهوا خوفهم وخشوعهم وإخلاصهم إلى ربهم ، واطمأنوا إلى ربهم . قال الفراء : وربما جعلت العرب " إلى " في موضع اللام ، كقوله : بأن ربك أوحى لها [الزلزال :5] ، وقوله : الذي هدانا لهذا [الأعراف :43] . وقد يجوز في العربية : فلان يخبت إلى الله ، يريد : يفعل ذلك موجهه إلى الله . قال بعض المفسرين : هذه الآية نازلة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما قبلها نازل في المشركين . ثم ضرب للفريقين مثلا ، فقال : " مثل الفريقين كالأعمى والأصم " قال مجاهد : الفريقان المؤمن والكافر . فأما الأعمى والأصم فهو الكافر ، وأما البصير والسميع فهو المؤمن . قال قتادة : الكافر عمي عن الحق وصم عنه ، والمؤمن : أبصر الحق وسمعه ثم انتفع به . وقال أبو عبيدة : في الكلام ضمير ، تقديره : مثل الفريقين كمثل الأعمى . وقال الزجاج : مثل الفريقين المسلمين كالبصير والسميع ، ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم ، لأنهم في عداوتهم وتركهم للفهم بمنزلة من يسمع ولا يبصر .

قوله تعالى : " هل يستويان مثلا " أي : هل يستويان في المشابهة ؟




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]