عرض مشاركة واحدة
  #281  
قديم 14-08-2022, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع
سُورَةُ يُونُسَ
الحلقة (281)
صــ 45 إلى صــ 51



ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم

قوله تعالى : " ولا يحزنك قولهم " قال ابن عباس : تكذيبهم . وقال غيره تظاهرهم عليك بالعداوة وإنكارهم وأذاهم . وتم الكلام هاهنا . ثم ابتدأ فقال : " إن العزة لله جميعا " أي : الغلبة له ، فهو ناصرك وناصر دينك ، " هو السميع " لقولهم " العليم " بإضمارهم ، فيجازيهم على ذلك .
ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون

قوله تعالى : " ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض " قال الزجاج : " ألا " افتتاح كلام وتنبيه ، أي : فالذي هم له ، يفعل فيهم وبهم ما يشاء .

قوله تعالى : " وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء " أي : ما يتبعون شركاء على الحقيقة لأنهم يعدونها شركاء لله شفعاء لهم ، وليست على ما يظنون . [ ص: 46 ] " إن يتبعون إلا الظن " في ذلك " وإن هم إلا يخرصون " قال ابن عباس : يكذبون . وقال ابن قتيبة: يحدسون ويحزرون .
هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون

قوله تعالى : " هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه " المعنى : إن ربكم الذي يجب أن تعتقدوا ربوبيته ، هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ، فيزول تعب النهار وكلاله بالسكون في الليل ، وجعل النهار مبصرا ، أي : مضيئا تبصرون فيه . وإنما أضاف الإبصار إليه ، لأنه قد فهم السامع المقصود ، إذ النهار لا يبصر ، وإنما هو ظرف يفعل فيه غيره ، كقوله : عيشة راضية [الحاقة :21] إنما هي مرضية ، وهذا كما يقال : ليل نائم ، قال جرير :


لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم


قوله تعالى : " إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون " سماع اعتبار ، فيعلمون أنه لا يقدر على ذلك إلا الإله القادر .
قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون

[ ص: 47 ] قوله تعالى : " قالوا اتخذ الله ولدا " قال ابن عباس : يعني أهل مكة ، جعلوا الملائكة بنات الله .

قوله تعالى : " سبحانه " تنزيه له عما قالوا . " هو الغني " عن الزوجة والولد . " إن عندكم " أي : ما عندكم " من سلطان " أي : حجة بما تقولون .

قوله تعالى : " لا يفلحون " فيه ثلاثة أقوال : أحدها : لا يبقون في الدنيا . والثاني : لا يسعدون في العاقبة . والثالث : لا يفوزون . قال الزجاج : وهذا وقف التمام ، وقوله " متاع في الدنيا " مرفوع على معنى : ذلك متاع في الدنيا .
واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون

قوله تعالى : " واتل عليهم نبأ نوح " فيه دليل على نبوته ، حيث أخبر عن قصص الأنبياء ولم يكن يقرأ الكتب ، وتحريض على الصبر ، وموعظة لقومه بذكر قوم نوح وما حل بهم من العقوبة بالتكذيب .

قوله تعالى : " إن كان كبر " أي : عظم وشق " عليكم مقامي " أي : طول مكثي . وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء " مقامي " برفع الميم . " وتذكيري " وعظي . " فعلى الله توكلت " في نصرتي ودفع شركم عني . " فأجمعوا أمركم " قرأ الجمهور : " فأجمعوا " بالهمز وكسر الميم ، من " أجمعت " . وروى الأصمعي عن نافع : " فاجمعوا " بفتح الميم ، من " جمعت " . ومعنى " أجمعوا أمركم " : أحكموا أمركم واعزموا عليه . قال المؤرج : " أجمعت الأمر " أفصح من " أجمعت عليه " ، وأنشد :

[ ص: 48 ]
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع


فأما رواية الأصمعي ، فقال أبو علي : يجوز أن يكون معناها : اجمعوا ذوي الأمر منكم ، أي : رؤساءكم . ويجوز أن يكون جعل الأمر ما كانوا يجمعونه من كيدهم الذي يكيدون به ، فيكون كقوله : " فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا " [طه :64] .

قوله تعالى : " وشركاءكم " قال الفراء وابن قتيبة : المعنى : وادعوا شركاءكم . وقال الزجاج : الواو هاهنا بمعنى " مع " ، فالمعنى : مع شركائكم . تقول : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ، أي : مع فصيلها . وقرأ يعقوب : " وشركاؤكم " بالرفع .

قوله تعالى : " ثم لا يكن أمركم عليكم غمة " فيه قولان : أحدهما : لا يكن أمركم مكتوما ، قاله ابن عباس . والثاني : غما عليكم ، كما تقول : كرب وكربة ، قاله ابن قتيبة . وذكر الزجاج القولين . وفي قوله : " ثم اقضوا إلي " قولان : أحدهما : ثم اقضوا إلي ما في أنفسكم ، قاله مجاهد . والثاني : افعلوا ما تريدون ، قاله الزجاج ، وابن قتيبة . وقال ابن الأنباري : معناه : اقضوا إلي بمكروهكم وما توعدونني به ، كما تقول العرب : قد قضى فلان ، يريدون : مات ومضى .
فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين

قوله تعالى : " فإن توليتم " أي : أعرضتم عن الإيمان . " فما سألتكم من أجر " أي : لم يكن دعائي إياكم طمعا في أموالكم .

[ ص: 49 ] قوله تعالى : " إن أجري " حرك هذه الياء ابن عامر ، وأبو عمرو ، ونافع ، وحفص عن عاصم ، وأسكنها الباقون .

قوله تعالى : " وجعلناهم خلائف " أي : جعلنا الذين نجوا مع نوح خلفا ممن هلك .
ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين

قوله تعالى : " ثم بعثنا من بعده " أي : من بعد نوح " رسلا إلى قومهم " قال ابن عباس : يريد : إبراهيم وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا . " فجاءوهم بالبينات " أي : بان لهم أنهم رسل الله . " فما كانوا " أي : أولئك الأقوام " ليؤمنوا بما كذبوا " يعني الذين قبلهم . والمراد : أن المتأخرين مضوا على سنن المتقدمين في التكذيب . وقال مقاتل فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من العذاب من قبل نزوله .

قوله تعالى : " كذلك نطبع " أي : كما طبعنا على قلوب أولئك ، " كذلك نطبع على قلوب المعتدين " يعني المتجاوزين ما أمروا به .
ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين

قوله تعالى : " ثم بعثنا من بعدهم " يعني الرسل الذين أرسلوا بعد نوح .
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح [ ص: 50 ] الساحرون قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون

قوله تعالى : " فلما جاءهم الحق من عندنا " وهو ما جاء به موسى من الآيات .

قوله تعالى : " أسحر هذا " قال الزجاج : المعنى : أتقولون للحق لما جاءكم هذا اللفظ ، وهو قولهم : " إن هذا لسحر مبين " ثم قررهم فقال : " أسحر هذا " قال ابن الأنباري : إنما أدخلوا الألف على جهة تفظيع الأمر ، كما يقول الرجل إذا نظر إلى الكسوة الفاخرة : أكسوة هذه ؟ يريد بالاستفهام تعظيمها ، وتأتي الرجل جائزة ، فيقول : أحق ما أرى ؟ معظما لما ورد عليه . وقال غيره : تقدير الكلام : أتقولون للحق لما جاءكم : هو سحر ، أسحر هذا ؟ فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، كقوله : فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم [الإسراء :8] المعنى : بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم .

قوله تعالى : " أجئتنا لتلفتنا " قال ابن قتيبة : لتصرفنا . يقال : لفت فلانا عن كذا : إذا صرفته . ومنه الالتفات ، وهو الانصراف عما كنت مقبلا عليه .

قوله تعالى : " وتكون لكما الكبرياء في الأرض " وروى أبان ، وزيد عن يعقوب " ويكون لكما " بالياء . وفي المراد بالكبرياء ثلاثة أقوال : أحدها : الملك والشرف ، قاله ابن عباس . والثاني : الطاعة ، قاله الضحاك . والثالث : العلو ، قاله ابن زيد . قال ابن عباس : والأرض هاهنا : أرض مصر .

[ ص: 51 ] قوله تعالى : " بكل ساحر " قرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف " بكل سحار " بتشديد الحاء وتأخير الألف .

قوله تعالى : " ما جئتم به السحر " قرأ الأكثرون " السحر " بغير مد ، على لفظ الخبر والمعنى : الذي جئتم به من الحبال والعصي ، هو السحر ، وهذا رد لقولهم للحق : هذا سحر ، فتقديره : الذي جئتم به السحر ، فدخلت الألف واللام ، لأن النكرة إذا عادت ، عادت معرفة ، كما تقول : رأيت رجلا ، فقال لي الرجل . وقرأ مجاهد ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، وأبان عن عاصم ، وأبو حاتم عن يعقوب : " آلسحر " بمد الألف ، استفهاما . قال الزجاج : والمعنى: أي شيء جئتم به ؟ أسحر هو؟ على جهة التوبيخ لهم . وقال ابن الأنباري : هذا الاستفهام معناه التعظيم للسحر ، لا على سبيل الاستفهام عن الشيء الذي يجهل ، وذلك مثل قول الإنسان في الخطأ الذي يستعظمه من إنسان : أخطأ هذا ؟ أي : هو عظيم الشأن في الخطأ . والعرب تستفهم عما هو معلوم عندها ، قال امرؤ القيس :


أغرك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري القلب يفعل


وقال قيس بن ذريح :


أراجعة يا لبن أيامنا الألى بذي الطلح أم لا ما لهن رجوع


فاستفهم وهو يعلم أنهن لا يرجعن

قوله تعالى : " إن الله سيبطله " أي : يهلكه ويظهر فضيحتكم ، " إن الله لا يصلح عمل المفسدين " لا يجعل عملهم نافعا لهم . " ويحق الله الحق " أي : يظهره ويمكنه ، " بكلماته " بما سبق من وعده بذلك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]