فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76) إنه لقرآن كريم (77) في كتاب مكنون (78) لا يمسه إلا المطهرون (79) تنزيل من رب العالمين (80) أفبهذا الحديث أنتم مدهنون (81) وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون (82)
شرح الكلمات:
فلا أقسم: أي فأقسم ولا صلة لتقوية الكلام وتأكيد القسم.
بمواقع النجوم: أي بمساقطها لغروبها وبمنازلها أيضا ومطالعها كذلك.
وإنه: أي القسم بها.
لو تعلمون عظيم: أي لو كنتم من أهل العلم لعلمتم عظم هذا القسم.
إنه: أي المتلو عليكم لقرآن كريم وهو الذي كذب به المشركون.
في كتاب مكنون: أي مصون وهو المصحف.
لا يمسه إلا المطهرون: أي من الملائكة والأنبياء وكل طاهر غير محدث حدثا أكبر وأصغر.
تنزيل من رب العالمين: أي منزل من رب العالمين وهو الله جل جلاله.
أفبهذا الحديث: أي القرآن.
أنتم مدهنون: أي تلينون القول للمكذبين به ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر.
وتجعلون رزقكم: أي شكر الله على رزقكم.
أنكم تكذبون: أي تكذيبكم بسقيا الله وتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا.
معنى الآيات:
قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم} 1 أقسم بمواقع النجوم وهي مطالعها ومغاربها وإنه أي قسمي هذا لقسم لو تعلمون أي لو كنتم من أهل العلم عظيم. لأن النجوم ومنازلها ومطالعها ومساقطها ومغاربها التي تغرب فيها أمور عظيمة في خلقها وتدبير الله فيها إنه لقسم بشيء عظيم.
والمقسم عليه هو قوله إنه أي المكذب به لقرآن كريم2، لا كما قال المبطلون شعر وسحر وكذب واختلاق {في كتاب مكنون} أي مصون {لا يمسه إلا المطهرون} سواء ما كان في اللوح المحفوظ أو في مصاحفنا فلا ينبغي أن يمسه إلا المطهرون من الأحداث الصغرى3 والكبرى {تنزيل من4 رب العالمين} أي منزل منه سبحانه وتعالى ولذا وجب تقديسه وتعظيمه فلا يمسه إلا طاهر من الشرك والكفر وسائر الأحداث. وقوله تعالى {أفبهذا الحديث} أي القرآن أنتم مدهنون تلينون القول للمكذبين به ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر وتجعلون رزقكم5 أي وتجعلون شكر الله تعالى على رزقه لكم أنكم تكذبون أي تكذيبكم بسقيا الله لكم بالأمطار وتقولون مطرنا ينوء كذا ونوء كذا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان أن الله تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته، وإن العبد لا يقسم إلا بربه تعالى.
2- تقرير الوحي الإلهي وإثبات النبوة المحمدية، وأن القرآن الكريم منزل من عند الله تعالى.
3- وجوب صيانة القرآن الكريم، وحرمة مسه على غير طهارة.
4- حرمة المداهنة في دين الله تعالى وهي أن يتنازل عن شيء من الدين ليحفظ شيئا من دنياه والمداراة جائزة وهي أن يتنازل عن شيء من دنياه ليحفظ شيئا من ديته.
__________
1 (لا) صلة في قول أكثر المفسرين أي: فأقسم بمواقع النجوم وقيل: هي نفي أي ليس الأمر كما تقولون ثم استأنف فقال: فأقسم كقول الرجل: لا والله ما كان كذا وكذا، ولا يريد به نفي اليمين بل يريد به نفي كلام سابق وقيل: لا بمعنى ألا أداة تنبيه وشاهده قول الشاعر:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
وهل ينعمن من كان في العصر الخالي
2 (كريم) لما فيه من كريم الأخلاق، ومعالي الأمور ولأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه ويسعد وينجو العامل به.
3 قال القرطبي: اختلف في مس المصحف على غير وضوء، فالجمهور على المنع لحديث عمرو بن حزم، وهو مذهب علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء وزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي وأحمد.
4 (تنزيل) بمعنى: منزل من إطلاق المصدر وإرادة المفعول كالرد بمعنى المردود.
5 صلح وضع لفظ الرزق موضع الشكر لأن شكر الرزق يسبب الزيادة في الرزق فأطلق السبب وأريد المسبب.