
10-08-2022, 04:57 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة :
|
|
رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
سورة الحجرات
وآياتها ثماني عشرة آية
وهي بداية المفصل1
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (1) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون (2) إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم (3)
شرح الكلمات:
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا: أي لا تتقدموا بقول ولا فعل إذ هو من قدم بمعنى تقدم.
بين يدي الله ورسوله: كمن ذبح يوم العيد قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكإرادة أحد الشيخين تأمير رجل على قوم قبل استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم.
واتقوا الله إن الله سميع عليم: أي خافوا الله إنه سميع لأقوالكم عليم بأعمالكم.
لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي: أي إذا نطقتم فوق صوت النبي إذا نطق.
ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض: أي إذا ناجيتموه فلا تجهروا في محادثتكم معه كما تجهرون في ما بينكم إجلالا له صلى الله عليه وسلم وتوقيرا وتقديرا.
أن تحبط أعمالكم: أي كراهة أن تبطل أعمالكم فلا تثابون عليها.
وأنتم لا تشعرون: بحبوطها وبطلانها. إذ قد يصحب ذلك استخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم لا سيما إذا صاحب ذلك إهانة وعدم مبالاة فهو الكفر والعياذ بالله.
يغضون أصواتهم عند رسول الله: أي يخفضونها حتى لكأنهم يسارونه ومنهم أبو بكر رضي الله عنه.
امتحن الله قلوبهم للتقوى: أي شرحها ووسعها لتتحمل تقوى الله. مأخوذ من محن الأديم إذا وسعه.
لهم مغفرة وأجر عظيم: أي مغفرة لذنوبهم وأجر عظيم وهو الجنة.
معنى الآيات:
قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا} 2 لو بحثنا عن المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها لتجلت لنا واضحة إذا رجعنا بالذاكرة إلى موقف عمر رضي الله عنه وهو يريد أن لا يتم صلح بين المؤمنين والمشركين، وإلى موقف الصحابة كافة من عدم التحلل من إحرامهم ونحر هداياهم والرسول يأمر وهم لا يستجيبون حتى تقدم صلى الله عليه وسلم فنحر هديه ثم نحروا بعده وتحللوا، إذ تلك المواقف التي أشرنا إليها فيها معنى تقديم الرأي والقول بين يدي الله ورسوله وفي ذلك مضرة لا يعلم مداها إلا الله، ولما انتهت تلك الحال وذلك الظرف الصعب أنزل الله تعالى قوله {يا أيها الذين آمنوا}أي بالله ربا وإلها وبالإسلام شرعة ودينا وبمحمد نبيا ورسولا ناداهم بعنوان الإيمان ليقول لهم ناهيا {لا تقدموا 3بين يدي الله ورسوله} أي قولا ولا عملا ولا رأيا ولا فكرا أي لا تقولوا ولا تعملوا إلا تبعا لما قال الله ورسوله، وشرع الله ورسوله {واتقوا الله} في ذلك فإن التقدم بالشيء قبل أن يشرع الله ورسوله فيه معنى أنكم أعلم وأحكم من الله ورسوله وهذه زلة كبرى وعاقبتها سوأى. ولذا قال {واتقوا الله إن الله سميع} أي لأقوالكم {عليم} بأعمالكم وأحوالكم. ومن هنا فواجب المسلم أن لا يقول ولا يعمل4 ولا يقضي ولا يفتي برأيه إلا إذا علم قول الله ورسوله وحكمهما وبعد أن يكون قد علم أكثر أقوال الله والرسول وأحكامهما، فإذا لم يجد من ذلك شيئا اجتهد5 فقال أو عمل بما يراه أقرب إلى رضا الله تعالى فإذا لاح له بعد ذلك نص من كتاب أو سنة عدل عن رأيه وقال بالكتاب والسنة وهذا ما دلت عليه الآية الأولى (1) أما الآية الثانية (2) وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} فإنها تطالب المسلم بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولا نهاهم رضي الله عنهم عن رفع أصواتهم فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هم تحدثوا معه وأوجب عليهم إجلال النبي وتعظيمه وتوقيره بحيث يكون صوت أحدهم إذا تكلم مع رسول الله أخفض من صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا كلم رسول الله يساره الكلام مسارة وثانيا ونهاهم إذا هم ناجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض بل يجب عليهم توقيره وتعظيمه. وأعلمهم أنه يخشى عليهم إذ هم لم يوقروا رسول الله ولم يجلوه أن تحبط أعمالهم كما تحبط بالشرك والكفر وهم لا يشعرون. إذ رفع الصوت للرسول ونداؤه بأعلى الصوت يا محمد يا محمد أو يا نبي الله ويا رسول الله وبأعلى الأصوات إذا صاحبه استخفاف أو إهانة وعدم مبالاة صار كفرا محبطا للعمل قطعا. وفي الآية الثالثة (3) يثني الله تعالى على أقوام يغضون أصواتهم أي يخفضونها عند رسول الله أي في حضرته وبين يديه كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما هؤلاء يخبر تعالى أنه امتحن قلوبهم بالتقوى أي وسعها وشرحها
لتحمل تقوى الله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "التقوى7 ها هنا ويشير إلى صدره ثلاثا"، ويذكر لهم بشرى نعم البشرى وهي أن لهم منه تعالى مغفرة لذنوبهم، وأجرا عظيما يوم يلقونه وهو الجنة دار المتقين جعلنا الله منهم بفضله ورحمته.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- لا يجوز للمسلم أن يقدم رأيه أو اجتهاده على الكتاب والسنة فلا رأي ولا اجتهاد إلا عند عدم وجود نص من كتاب أو سنة وعليه إذا اجتهد أن يكون ما اجتهد فيه أقرب إلى مراد الله ورسوله، أي ألصق بالشرع، وإن ظهر له بعد الاجتهاد نص من كتاب أو سنة عاد إلى الكتاب والسنة وترك رأيه أو اجتهاده فورا وبلا تردد.
2- بما أن الله تعالى قد قبض إليه نبيه ولم يبق بيننا رسول الله نتكلم معه أو نناجيه فنخفض أصواتنا عند ذلك فإن علينا إذا ذكر رسول الله بيننا أو ذكر حديثه أن نتأدب عند ذلك فلا نضحك ولا نرفع الصوت، ولا نظهر أي استخفاف أو عدم مبالاة وإلا يخشى علينا أن تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر.
3- على الذين يغشون مسجد رسول اله صلى الله عليه وسلم أن لا يرفعوا أصواتهم فيه إلا لضرورة درس أو خطبة أو أذان أو إقامة.
__________
1 أشهر الأقوال أن أول المفصل (الحجرات) وأول وسط المفصل (عبس) وأول قصار المفصل: (والضحى) هذا أشهر أقوال المالكية، وطلب هذا لأجل الصلاة المفروضة ففي الصبح يستحب القراءة بطوال المفصل وفي الظهر والعشاء بمتوسطه وفي المغرب بقصاره.
2 ذكر لسبب نزول هذه السورة عدة روايات منها ما ذكره الواحدي ورواه البخاري وهو أن ركبا من بني تميم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي فقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك {يا أيها الذين آمنوا..} الخ
3 هذه السورة نزلت في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب زيادة على ما تضمنت من الأحكام الشرعية والهدايات القرآنية.
4 ومن هنا قال العلماء: لا يحل لامرئ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
5 شاهده حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن "بما تحكم؟ قال بكتاب الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد؟ قال رضي الله عنه: اجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم".
6 روى البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده في بيته منكسا رأسه فقال له: ما شأنك؟ فقال شر، كان: يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال: اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة.
7 هذا بعض حديث صحيح أخرجه واحد من أصحاب السنن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|