
06-08-2022, 11:08 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,030
الدولة :
|
|
باكثير وريادة الشعر الحر
باكثير وريادة الشعر الحر
د. عبدالحكيم الزبيدي
مقدمـة
شغلت قضيَّةُ ريادة الشعرِ التفعيلي (أو الشعر الحُر كما يُعرف اليوم) حيزًا كبيرًا من اهتمام الدارسين والباحثين، واختلفت الآراء حول الرائد الأول لهذا الأسلوب في الشعر العربي، وتكاد تتنازَع ريادتَه كلُّ الأقطار العربية.
وسنُحاوِل في الصفحات التالية تَجليةَ هذه القضية وردَّها إلى أصولها؛ للتعرف على الظروف التي أدَّت إلى ظهور هذا الأسلوب من النَّظم في اللغة العربية، واستعراض المحاولات الأولى ومقارنة بعضها ببعض؛ للتعرف على أوجهِ التشابه والاختلاف بينها، وسوف نَستعرِض بوجه خاص دورَ الشاعر علي أحمد باكثير، ومقارنة محاولتِه بالمحاولات السابقة والتالية لمحاولته؛ للوصول إلى تحديد إن كان هو رائد هذا الضرب من الشعر أم لا ولماذا؟
وقد قسَّمتُ هذا البحث إلى توطئة ومبحثين وخاتمة، عرَّفتُ في التوطئة بمصطلح الشعر الحر والمصطلحات الأخرى التي أُطلِقت على هذا الأسلوب من النَّظم، وفرَّقت بين هذه المصطلحات، كما بيَّنت المقصودَ من الريادة.
أما المبحث الأول، فقد خصَّصتُه لاستعراض المحاولات السابقة زمنيًّا لتجرِبة باكثير، وفي المبحث الثاني تناولتُ تَجرِبة باكثير في كتابة الشعر الحر (أو المُرسَل المُنطلِق كما أسماه)، والظروف التي أدَّت به إلى انتهاج هذا الأسلوب، ثم بيَّنتُ أوجهَ الشَّبه والاختلاف بين تجرِبة باكثير والمحاولات التي سبقتْها، وأخيرًا، فقد لخَّصتُ في الخاتمة أهم نتائج البحث، ثم أتْبَعتُ ذلك بثَبَت لأهم المصادر والمراجع.
وإنني لآمُل أن أكون قد أجليتُ وجه الحق حول هذه القضيَّة، التي طال الجدل حولها، وأن تُسهِم هذه الدراسةُ في إعادةِ النَّظر في كثير من المسلَّمات النقديَّة، التي تُدرس في مدارسنا وجامعاتنا حول بداية وريادة الشعر الحر، والله الموفق.
توطئة
الشعر الحر والريادة
مصطلح الشعر الحر:
لم يتَّفِق النقاد ولا الشعراء على تسمية موحَّدة لشعر الشكل الجديد الذي لا يَلتزِم بالوزن والقافية، فرأى البعض تسميتَه "بالشعر الجديد" و"الشعر المعاصر" و"الشعر الحديث"[1]، كما عُرِف أيضًا بـ"الشعر التفعيلي"؛ لاعتماده على التفعيلةِ الواحدة المتكررة، ولكن شاع إطلاق اسم "الشعر الحر" على هذا الأسلوب من الشعر حتى أصبح عَلمًا عليه، وكانت هذه التسمية هي المحور الأساسي الذي دارتْ حوله معظمُ الدراسات التي صدرت عن هذا اللون من الشعر، وقد أقرَّت الشاعرة نازك الملائكة بهذه التسمية، واتخذت منها اصطلاحًا مُطلَقًا لا يمكن أن يُرَد[2].
على أن هناك مَن يرفض هذه التسمية؛ على أساس أن كلمة "الحر" ينبغي أن تُطلَق على شعر النثر الذي "يتحرَّر" من الوزن، خاصَّة أن مصطلح (Free Verses) في الإنجليزية يُطلَق على الشعر الذي يتخلَّص من أي نَمطٍ إيقاعي مُطَّرِد، وهو الذي نُسمِّيه "القصيدة النثرية"[3]، ويَقترِح الدكتور محمد النويهي أن يُسمَّى هذا الضرب من الشعر "الشعر المُنطلِق"؛ وذلك لأنه لا يَلتزِم بعدد مُحدَّد من التفاعيل في كل بيت[4]، ويَعني بالبيت هنا السطرَ الشعري.
وهذا المصطلح الذي يَقترِحه الدكتور النويهي ويُوافِقه عليه الدكتور عبدالعزيز شرف، وهو مصطلح (الشعر المُنطلِق)، هي التسمية التي أَطلَقها عليه علي أحمد باكثير قبل الدكتور النويهي بثمانية وعشرين عامًا، كما أشار الدكتور عبده بدوي[5]، وكان الشاعر بدر شاكر السياب يُصِر على مصطلح "المنطلق" اتباعًا لباكثير، الذي يُقِر له بالريادة[6].
على أن باكثير كان أكثر دقَّة حين قال عن هذا الضرب من النَّظم: "إنه مزيج من النَّظم المرسل المُنطلَق والنَّظم الحر"[7]، وشرَح معنى المرسل بأنه مُرسَل من القافية، وفسَّر المُنطلِق بأنه منطلق لانسيابه بين السطور، فالبيت هنا ليس وَحدة؛ وإنما الوَحدة هي الجملة التامة المعنى التي قد تَستغرِق سطرين أو ثلاثة أو أكثر، دون أن يقف القارئ إلا عند نهايتها، وفسَّر الحرَّ بأنه كذلك لعدم التزام عددٍ معيَّن من التفعيلات في البيت الواحد[8].
ونجد الأستاذ مصطفى حركات يُقسِّم الشعر الحر إلى قسمين: الشعر الحر الموزون المبني على تَكرار التفعيلة في القصيدة، ويُسمِّيه أيضًا شعر التفعيلة، والشعر الحر غير الموزون؛ أي الذي لا تَخضَع سواكنه ومُتحرِّكاته إلى قوانينَ خاصةٍ، ويُطلِق عليه كذلك الشعرَ النثري أو النثر الشعري[9]، ويرى أن الشعر الذي يَلتزِم قواعد الخليل (أو ما يُعرَف بالعمودي) قد يُشبِه الشعر الموزون المقفَّى في اللغات الأخرى، وأن الشعر غير الموزون قد يُشبِه إلى حد كبيرٍ الشعرَ الحر الغربي، ولكن شعر التفعيلة هو اختيار ثالث بين هذا وذاك نهَجه شعراء العربية[10]، وعلى كل حال، فإن العرب تقول: "لا مُشاحة في الاصطلاح"، وسوف نَعتمِد هنا مصطلح "الشعر الحر"؛ لشيوعِه وانتشاره.
معنى الريادة:
تدور مادة (رَوَدَ) حول معنى الطلب والذَّهاب والمجيء، والرائد في الأصل هو الشخص الذي كانت القبيلة تُرسِله في طلبِ الكلأ[11]؛ ولهذا جاء في الأمثال: "إن الرائد لا يَكذِب أهلَه"؛ لأنه يرود الطريق، ويَهديهم إلى مواطن الخَصْب من أقصر سبيل.
فالرائد إذًا هو أول مَن يهتدي لأمرٍ ما أو لموضِع ما، وعليه؛ فالريادة في الأدب تعني الوقوع لأول مرة على شكْل جديد من أشكال التعبير الأدبي، لم يَسبِق إليه أحد.
تنازُع ريادة الشعر الحر:
لا نكاد نجد بلدًا عربيًّا إلا وهو يَزعُم ريادة هذا الضرب من الشعر لشاعر من شعرائه؛ ففي العراق تتنازَع الريادة بين بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، ومنهم من يعود بها إلى الرصافي والزهاوي، وفي لبنان تُنسَب الريادة إلى أمين الريحاني وفؤاد الخشن، وفي سوريا إلى نسيب عريضة وعلي الناصر، وفي الأردن تُنسَب الريادة إلى عرار، وفي المغرب العربي إلى محمد بيرم التونسي، وفي السعودية إلى محمد حسن عواد، وفي اليمن إلى حسن بن عبيدالله السقاف، أما في مصر، فيَنسِب البعض المحاولات الأولى إلى مدرسة الديوان (العقاد والمازني وشكري)، أو إلى أفراد آخرين؛ مثل: محمود حسن إسماعيل، ومحمد فريد أبي حديد، وعلي أحمد باكثير، ولويس عوض، وهكذا لا نكاد نجد قطرًا عربيًّا إلا وهو يَزعُم الريادة لشعرائه.
وسوف نَستعرِض في الصفحات التالية هذه المزاعم، وننقُدها؛ للوصول إلى الرائد الحقيقي الذي ينبغي أن تُنسَب إليه الريادة.
المبحث الأول
تَجارِب سابقة لتجربة باكثير
شهِد مطلع القرن العشرين الميلادي العديد من المحاولات التجديدية في الشعر العربي للخروج من إسار القافية، والتنويع في الأوزان، وكان ذلك من أثر اطِّلاع الشعراء العرب على تجارِب الشعراء الأوربيين، خاصَّة الإنجليز منهم.
مدرسة الديوان:
ومن أوائل تلك المحاولات محاولة مدرسة الديوان (العقاد وشكري والمازني)، فقد أباح عباس محمود العقاد للشاعر الغنائي أو الدرامي ألا يَلتزِم بقافية واحدة منذ سنة 1908م، ونظَم عبدالرحمن شكري قصائد لم تَلتزِم القافية في ديوانه الذي نُشِر سنة 1909م[12]، ويرى العقاد أن "مراعاة القافية والنَّغمة الموسيقيَّة في غير الشعر الغنائي فضول وتقيُّد لا فائدة منه"[13]، وكان العقاد ينوِّع في القافية، بل وقد يَقتصِر على تفعيلة واحدة في بعض الأبيات كقوله من قصيدة بعنوان "عُدنا والتقينا"، مطلعها[14]:
التقينا
والتقينا
عجبًا كيف صحونا ذات يوم فالتقينا
بعدما فرَّق قطران وجيشان يدينا
فتَصافحنا بجسمينا وعدنا فالتقينا
بعد عصر
أي عصر؟
وهذه القصيدة اقتربت - كما يرى الدكتور إبراهيم السعافين - من شكْل شعر التفعيلة[15]، كما استخدم بحر الرمل تامًّا في الشطر الأول، واقتصر على تفعيلة واحدة في الشطر الثاني، وذلك في قصيدته "بعد عام" التي مطلعها[16]:
كاد يمضي العام يا حلو التمنِّي .. أو تولَّى
ما اقتربنا منك إلا بالتمنِّي... ليس إلا
إلا أن الدكتور عز الدين إسماعيل يرى أن "هذه المحاولة لا تعدو أن تكون إضافة لقيد جديد، لا تخفيفًا من القيود القديمة؛ لأنها أضافتْ لازِمة جديدة، هي القافية الداخلية في البيت"[17].
وللمازني أيضًا قصائدُ شبيهة تَصرَّف فيها في عدد التفعيلات في البيت الواحد، كما في قصيدته "أين أمك؟" التي تُمثِّل محاورة مع ابنه محمد[18]:
لم أكلِّمه ولكن نظرتي
سألته: أين أمك؟
أين أمك؟
فتراه يستخدم ثلاث تفعيلات في البيت الأول، وتفعيلتين في البيت الثاني، وتفعيلة واحدة في البيت الثالث، وللعقاد والمازني قصائدُ كثيرة من هذا النوع مبثوثة في دواوينهما الكثيرة[19]، وللعقاد اهتمام خاص بالمقطوعات، حتى إنها بلغت نصف مجموع شعره[20]، واهتم أيضًا بالأوزان المجزوءة، ونَظم مشطرات الرَّجَز، وعالَج ما يمكن أن يُسمَّى بالمثلثات، وأَكثَرَ من الرباعيات، كما نظَم المخمسات، ونَظَم ما يمكن أن يُسمَّى بالسباعيات[21]، على أن كلَّ تلك المحاولات لم تَخرُج عن إطار البيت الشعري الذي عرفه العرب، وإن تنوَّعت في التفاعيل والقوافي.
الشعر المرسل:
استمرَّت تلك المحاولات في التجديد، حتى ظهر ما عُرِف حينها بالشعر المُرسل؛ أي: المرسل من القافية، ويرى بعض النقاد[22] أن أول محاولة لكتابة الشعر المُرسَل في العصر الحديث قام بها رزق الله حسون (1825-1880) في القرن التاسع عشر في ترجمته المنظومة للإصحاح الثامن عشر، من سفر أيوب في ديوانه (أشعر الشعر)، الصادر في لندن عام 1869، ثم جميل صدقي الزهاوي في قصيدته الشهيرة (الشعر المرسل 1905)، من ديوانه (الكلام المنظوم 1909)، وممن نظَمه الشاعر عبدالرحمن شكري، كما في قصيدته "كلمات العواطف" المنشورة في ديوانه (ضوء الفجر 1909)[23]:
خليلي والإخاء إلى جفاءٍ
إذا لم يغذه الشوقُ الصحيحُ
يقولون الصحاب ثمارُ صِدْقٍ
وقد نبلو المرارةَ في الثمارِ
شكوتُ إلى الزمان بني إخائي
فجاء بك الزمانُ كما أريدُ
وكتب الشعر المرسل أيضًا الشاعر المصري محمد فريد أبو حديد، على أن أبا حديد قد خطا في مسرحياتِه الشعرية خطوةً أخرى في الشعر المرسل؛ بأن اعتمد على وَحدة الشطر بدلاً من وَحدة البيت، يقول أبو حديد موضحًا أسلوب الشعر المرسل: "غير أني أرى من حقي أن أُبيِّن للناس كيف يجب أن يُكتَب الشعر المرسل الذي كَتبتُ فيه قصتي "خسرو وشيرين"، فإن وحدة هذا الشعر هي الشطر الواحد، وليس البيت المكون من شطرين"[24]، ويُوضِّح أبو حديد أن هذا الأسلوب لا يَصلُح لكتابة الأغاني[25]، ولم يستخدمه أحدٌ لذلك في لغة من اللغات، ويُضيف قائلاً: "وإنما أقصِد إلى أن أفتح بابًا جديدًا كان إلى الآن مُغلقًا، وهو باب القصة الشعرية أو الملحمة الطويلة"[26]، ويرى الدكتور محمد عبدالمنعم خاطر أن أول تَجرِبة لأبي حديد في كتابة الشعر المرسل كانت في مسرحية (مقتل سيدنا عثمان) التي كتبها سنة 1915م ونشرها سنة 1927م[27]، ويذهب بعضُ النقاد إلى أن العرب قد عرفوا النَّظمَ المُرسَل من القافية في الجاهلية، ولكن لقلة نماذِجه عدَّه العروضيون من عيوب القافية، وأسموه بالإكفاء والإجارة[28].
مجمع البحور أو ملتقى الأوزان:
ومن مظاهر محاولات التجديد في ذلك العصر ما عُرِف بمجمع البحور، وهو أن يستخدم الشاعر مجموعة من الأبحر في قصيدة واحدة، وأول مَن استعمله أحمد زكي أبو شادي في قصيدته (الفنان) من ديوانه (الشفق الباكي 1926)[29].
تجربة محمود حسن إسماعيل:
ثم نأتي إلى تجرِبة الشاعر محمود حسن إسماعيل، وذلك في قصيدته "مأتم الطبيعة" التي كتبها في رثاء شوقي، ونشَرها في مجلة "أبولو" سنة 1933م وقدَّمت لها بعنوان فرعي (قصيدة من الشعر الحر)، وهذا مقطع من القصيدة نورِده بالشكل الذي ورَد عليه في الديوان[30]:
أطرق الطيرُ على هام الغصونْ
كذبيح نفرت فيه الكِلامْ
ودجا الكونُ وسجَّاه السكونْ
بدِثار الموت، والموت ظلامْ
وذكا فيه لُهابٌ للشجونْ
أخرس الشادي بشجوٍ وغرامْ
أي خَطْبٍ قد دهاهْ؟
وأسًى أطبق فاهْ
أترى شام الجِنانْ
خَمَدت فيها الحياة
فبكى؟
أم رأى ملك الكنارْ
هامدًا فوق الكُثُبْ؟
ومزامير الهزارْ
مثل عيدان الحطبْ
فاشتكى؟ .... إلخ
وهذا نَظْم موزون مقفَّى كما هو واضح، ويمكن إعادة ترتيب الأشطر بطريقة الموشحات.
نسيب عريضة:
وممن تُنسَب لهم الريادة الشاعر نسيب عريضة في قصيدة (النهاية 1917)[31]، ومطلعها:
كفِّنوه
ادفنوه
أسكِنوه
هُوَّة اللحد العميق
واذهبوا لا تَندُبوه
فهو شعب ميت ليس يفيق
ويَعُدها (س موريه) "عملاً فذًّا جسورًا، يمكن أن نَعُده المحاولةَ الأولى في الشعر العربي الحديث لتكييف الشكل مع التجرِبة الشعرية، واتخاذ التفعيلة لا الشطر أساسًا لوزن الشعر"[32]، وهذه الأبيات لو أَعَدْنا كتابتها، لأصبحت موزونة مقفَّاة متساوية عدد التفعيلات:
كفِّنوه، ادفنوه، أسكنوه هوة اللحد العميق
واذهبوا لا تندبوه، فهو شعب ميت ليس يفيق
علي الناصر:
وممن تُنسَب لهم الريادة الشاعر السوري علي الناصر، وذلك في قصيدة (إلى أم كلثوم) من ديوانه (الظمأ 1931)[33]:
رجعت إلى البيت في ثورة
تَهُز كِياني
دعمتُ جبيني بكلتا يدي
وأنصتُّ أسمع همْس جَناني
علامَ التمادي بهذي الفِكر
غدًا يا مُعذَّب أو بعد غد
وبالرغم منك زمان السفر
وهي كما نُلاحِظ تلتزم بعددٍ ثابت من التفعيلات في كل سطر (أربع تفعيلات) ما عدا السطر الثاني، ومثل هذا سبق أن رأيناه لدى العقاد والمازني، وليس من الشعر الحر في شيء.
محمد بيرم التونسي:
وفي تونس يُشير بعض النقاد إلى قصيدة نُشِرت سنة 1927 بتوقيع (ع. ج) باعتبارها "محاولة مُبكِّرة في كتابة الشعر الحر"[34]، كما تُعَد محاولة محمد بيرم التونسي التي "قارَن فيها بين الشعر القديم والشعر الجديد، ومزَج فيها بين البحور، واستغل الصافية (ذات التفعيلة الواحدة) منها بخاصة، ونشرها سنة (1923) تُعَد من بواكير الشعر الحر في العربية"[35]، ولم يُتَح لنا الاطلاع على أي من النصين، إذ لم تُورِدهما أي من المراجع التي رجعنا إليها.
محمد حسن عواد:
ذكَر الشاعر السعودي محمد حسن عواد في ديوانه "البراعم أو بقايا الآماس" الصادر عام 1954م، أنه كتَب قصيدةً سنة 1924م بعنوان "خُطوة إلى الاتحاد العربي"، ويَعُدها بعض النقاد "من طلائع التجديد مضمونًا وشكلاً في الشعر الحديث في الحجاز"[36]، ومطلعها[37]:
لقد آن أن تستحيلَ المدامع يا موطني
إلى بسمات وضاء
وأشياء لم تُعلن
وأن تتقوى بعزم
كرهت له أن يَني
وتدفع شبانك الطامحين إلى المعليات
لتنعش رُوح الأمل.. إلخ
وهي طويلة تَستغرِق عدة صفحات عند كتابتها بالشكل السابق الذي نُشِرت عليه في الديوان، على أننا لو أعدنا كتابتها بطريقة أخرى سنجد أنها قصيدة مقفَّاة متساوية التفاعيل، وقد أوردنا عدد التفعيلات بين قوسين:
لقد آن أن تستحيل المدامع يا موطني (6)
إلى بسماتٍ وضاء وأشياء لم تُعلنِ (6)
وأن تتقوَّى بعزم كرهت له أن يني (6)
وتدفع شبانك الطامحين إلى المعلياتْ (6)
لتُنعِش روح الأملْ (3)
أفِقْ واستمع ثم ألقِ بها نظرة للنجومْ (6)
تريك أشعة نجمٍ يضيء بليل بهيمْ (6)
بدا كالسُّها وسيسري كبدر يَشُق الغيومْ (6)
يقود مسيرك حتماً إلى عزة في الحياهْ (6)
متوَّجةً بالعملْ (3)
وبتأمُّل القصيدة نجد أن نظامها يُشبِه نظام الموشحات، وليست من الشعر التفعيلي في شيء، ويرى الدكتور عز الدين إسماعيل أن كلَّ "تلك المحاولات التجديدية للإطار الموسيقي في الشعر العربي لا تختلف في كثير عن تلك المحاولات الشكليَّة التي حاولها أمثال أبو نواس والمتنبي، (..) والتي لم يُقدَّر لها أن تُحدِث في الشعر العربي حدثًا له خطورته، وإنما انتهى أمرها بانتهاء أصحابها؛ ذلك أنها محاولات جزئيَّة وسطحية، ما تزال تخضع في صميمها للإطار التقليدي المستقر في ضمائر الشعراء والناس على السواء"[38].
ويوضِّح الدكتور عز الدين إسماعيل الفَرْق بين الشعر الجديد - كما يُسمِّيه - وبين الطريقة التقليدية بقوله: "إن الشعر الجديد لم يَلغِ الوزنَ والقافية، لكنه أباح لنفسه - وهذا حقٌّ لا مماراة فيه - أن يُدخِل تعديلاً جوهريًّا عليهما؛ لكي يُحقِّق بهما الشاعر من نفسه وذبذبات مشاعره وأعصابه ما لم يكن الإطار القديم يُسعِف على تحقيقِه، فلم يَعُد الشاعر حين يَكتُب القصيدة الجديدة يرتبِط بشكل معيَّن ثابت للبيت ذي الشطرين وذي التفعيلات المتساوية العدد والمتوازنة في هذين الشطرين، وكذلك لم يتقيَّد في نهاية الأبيات بالروي المتكرر أو المنوَّع على نظام ثابت"[39].
المبحث الثاني
تجرِبة باكثير
بدأ باكثير حياته الأدبيَّة شاعرًا وبدأ نَظمَ الشعر في سن الثالثة عشرة، وأحضر معه إلى مصر أول قدومه إليها ثلاث مجموعات شعريَّة مخطوطة وقصيدة مطوَّلة بعنوان (نظام البُردة) ومسرحية شعرية على نهْج مسرحيات شوقي عُنوانها (همام أو في بلاد الأحقاف)، وقد طبَع المطوَّلة والمسرحية الشعرية، ولكنه لم يَطبَع دواوينه التي أحضرها ولا قصائده التي كتبها بعد ذلك في مصر في ديوان في حياته، وحين التحق بقسم اللغة الإنجليزية في الجامعة استهواه المسرح، ولم يَعُد الشعر هو الفنَّ الأثير إليه، وإن لم يَنقطِعْ عن كتاباته حتى وفاته.
والدارس لشعر باكثير يجد ظاهرةً تَستحِقُّ الاهتمام، هي أن شعره مرَّ بثلاث مراحل تمثَّلت فيها ثلاث مدارس شعريَّة، هي: المدرسة الاتباعيَّة (الإحيائية)، المدرسة الإبداعية (الرومانتيكية)، ومدرسة الشعر الحر، وهذه ظاهرة لا أعلم أنها أُتيحت لشاعر عربي غيره.
باكثير والشعر الحر:
يذكُر باكثير قصةً طريفة لا تخلو من دلالة، جعلتْه يَنتهِج هذا الأسلوب في اللغة العربية، حيث ذكَر أن أستاذه الإنجليزي كان قد أخذ يَفخَر أمام تلاميذه بتفرُّد اللغة الإنجليزية بكتابة الشعر المُرسَل، وأنه لم ينجح في أية لغة أخرى كما نجح في اللغة الإنجليزية، حتى إن الفرنسيين حاولوا أن يُقلِّدوه فلم يُفلِحوا، ثم قال: ومن المؤكَّد أنْ لا وجود له في لغتِكم العربية، فاعتَرَض عليه باكثير قائلاً: أما أنه لا وجود له في العربيَّة، فهذا صحيح، فأسلوب العرب هو التزام الوزن والقافية في أشعارهم، ولكن ليس هناك ما يحول دون وجوده في العربيَّة؛ فهي لغة طيِّعة تتَّسِع لكل أساليب التعبير الأدبية، فسخر منه المدرس ونهره نهرة جعلت باكثير يَغضب للغة العربية، ويرى أن عليه أن يُثبِت بالدليل العملي طواعيتَها لذلك الضرب من الشعر، فعاد إلى البيت وبدأ في التجربة محاولاً ترجمة مشهد من مسرحية (روميو وجولييت) لشكسبير بتلك الطريقة، حتى اهتدى إلى هذا الأسلوب، ثم عمَد إلى ترجمة المسرحية كاملة[40].
ويقول باكثير: إنه كان يُفكِّر في ذلك الأمر من زمن، ولكن هذه الحادثة وهذا التحدي من أستاذه الإنجليزي جعله يُعجِّل بهذه التجرِبة[41]، وكان باكثير قد تَرجَم فصولاً من مسرحية شكسبير "الليلة الثانية عشرة"، بالشعر الموزون المقفَّى (العمودي)، ونشرها على حلقتين في مجلة "الرسالة" للزيات[42]، ولكنه رأى أن ترجمةَ أعمال شكسبير إلى العربية إما أن تكون بالنثر، وبذلك تفقد أهم خصيصة تَميَّزت بها مسرحيات شكسبير، وهي الشعر، وإما أن تُترجَم شعرًا موزونًا مقفى، فيَنتُج عن ذلك - كما يقول باكثير -: "مقاطع تألَفها الأذن العربية وتَطرَب لها؛ ولكنها غريبة عن رُوح شكسبير وبعيدة عنها كل البعد"[43]، ويرى باكثير أن هذا الأسلوب الجديد - الشعر الحر - هو أصلح طريقة لترجمة الشعر إلى العربيَّة، كما أنه أصلح لكتابة المسرح الشعري؛ لاطراد الكلام فيه اطراد النثر؛ مما يَلغي الموسيقيَّة المُجلجِلة التي كانت تطغى على المسرح الشعري المنظوم بطريقة الشعر المقفى[44].
ريادة باكثير للشعر الحر:
تَكمُن ريادة باكثير في أنه حطَّم وَحدة البيت واستحدث بدلاً منه "الجملة الشعرية"، يقول الدكتور عز الدين إسماعيل مقارنًا تَجرِبة باكثير بتجربة مَن سبقه:
"تجرِبة باكثير لم تقف عند حدِّ التخلص من القافية الرتيبة مع الاحتفاظ للبيت الشعري بوحدته؛ بل امتدَّت إلى وَحدة البيت نفسه فحطَّمتْها، واصطنعت - بدلاً منها - وحدة التفعيلة .. (..) من جِهة أخرى عرَف باكثير بالممارسة أنه لم تَعُد هناك عندئذٍ ضرورةٌ للالتزام في السطر الواحد بعدد ثابت من التفعيلات، فالجملة الحوارية قد تطول وقد تقصر وَفْقًا لما يقتضيه الموقف، ومن ثم حَلَّت فكرة الجملة الشعرية المُنطلِقة محل البيت الشعري المغلَق"[45].
تلك هي ريادة باكثير، وذلك هو الفرق بين تجرِبته الرائدة والتجارِب التي سبقتها، وقد بدأها باكثير بترجمته لمسرحية شكسبير (روميو وجولييت) عام 1936م، ثم بكتابة مسرحيَّة (إخناتون ونفرتيتي) عام 1938م، ونشرها عام 1940م[46]، وقد كتب باكثير مسرحيَّة ثالثة بالشعر الحر، هي "الوطن الأكبر" سنة 1941م[47]، ولكنه لم يَنشُرها[48]، وأعاد صياغتَها نثرًا ونشرها مع مسرحيتين أخريين[49] في كتاب سنة 1948.
هل تراجع باكثير عن تجربته؟
يتساءل كثير من النقاد عن سبب عدم استمرار باكثير في كتابة الشعر الحر بعد هاتين المسرحيتين وعودته إلى النَّظمِ على الأسلوب المقفَّى بعد ذلك، أما باكثير نفسه، فيَذكُر أن تَجارِبه جعلته يرى بأن النثر هو اللغة الطبيعية للمسرح، وأنه لا ينبغي أن يكتب بالشعر إلا المسرحية الغنائية التي يُراد لها أن تُلحَّن وتُغنَّى (الأوبرا)[50]، وقال حين سئل عن سببِ انقطاعه عن كتابة الشعر الحر: "كتبته بادئ ذي بَدء في المجال المسرحي (..) وانقطعت عن هذا الشعر حين صِرتُ أكتب مسرحياتي بالنثر"[51].
وقد كتب باكثير بعد ذلك مسرحية غنائية (أوبرا) هي "قصر الهودج"[52]، ولكنه صاغها بالشعر المقفى، ويَعجَب الدكتور عز الدين إسماعيل من ذلك، ويُعلِّله بقوله: "ولا بد أنه تَوهَّم أن الشعر المرسل لا يمكن أن يُلحَّن ويُغنَّى، وأنه نتيجة لذلك لا يمكن أن تُكتَب الأوبرا بالشعر المرسل"[53].
والذي أميل إليه هو أن باكثير - وهو المُحب للغته العربية المدافِع عنها - أراد أن يُثبِت أن الشعر المقفَّى يمكن أن يَستوعِب المسرحية الغنائية (الأوبرا)، وربما لو كتبها بالشعر المرسل (الحر)، لقيل: إن ذلك سببُ نجاحها، ولو نَظَمها بالشعر المقفى لفشِلت.
وقد أشار الدكتور عبده بدوي إلى شيء من هذا حين ذكَر أن الدافع وراء رغبة باكثير الجارفة في التجديد كان دائمًا "رغبته في سدِّ الثغرات في الأدب العربي"[54]، وبعد أن تَحدَّث عن قصة تحدي باكثير لأستاذه الإنجليزي وترجمته لشكسبير بالشعر المُرسَل أو الحر، أضاف: "ثم رأيناه يكتب تحت هذا الإحساس (إخناتون ونفرتيتي)، ويكتب الأوبرا ممثَّلة في (قصر الهودج)، والأوبريت في (الشيماء)، وكل هذا ليقول: إن اللغة العربية لا تَعجِز عن هذا"[55].
ويرى الدكتور عبدالعزيز المقالح أن انصراف باكثير عن كتابة الشعر الحر يرجع إلى أربعة أسباب مجتمِعة، هي:
أولاً أن باكثير كان يرى أن هذا الأسلوب الشعري يَصلُح للمسرحية الشعرية، وهو قد انتهى إلى أن النثر هو اللغة الطبيعية للمسرح، وبالتالي فليس في موقف باكثير أي ارتداد[56]، وهذا الرأي يَنقُضه أن باكثير كتَب مسرحية شعرية بعد ذلك بالشعر المقفى، وهي (قصر الهودج - 1944).
السبب الثاني في رأي الدكتور المقالح هو "طبيعة باكثير وتكوين شخصيَّته الرافض للمغامرة والثورة على المألوف"[57]، وهذا رأي غريب، فقد رأينا أن باكثير كان من الجُرأة بحيث نشْر محاولته الشعرية الجديدة باسمه الصريح، ولم يلجأ إلى نشْرها باسم مستعار، كما فعل أبو حديد!
أما السبب الثالث - في رأي الدكتور المقالح - فهو توقُّف باكثير عن "كتابة الشعر بعد الانبهار الذي أَحدثه الاتصال المفاجئ بالأدب الإنجليزي، والاطِّلاع على مفاهيم وخصائص جديدة للشعر، جعلتْه يتَّجِه للمسرح وإلى الكتابة النثريَّة، وما ظهر له بعد ذلك من شعر، فهو شعر مناسبات، وشعرُ المناسبات لا خصائص له"[58]، وإذا كان الدكتور المقالح يَقصِد أن قصائد باكثير بعد التحاقه بقسم اللغة الإنجليزية كلها كانت شعر مناسبات، فهذه دعوى باطلة، وإن قراءة سريعة لدراسة الدكتور عبده بدوي عن شعر باكثير الغنائي[59]، تَدحَض هذا الزعم وتُفنِّده.
السبب الرابع والأخير في رأي الدكتور المقالح هو تأثير العقاد على باكثير، ومعروف أن العقاد كان يقف موقفًا معاديًا للشعر الحر، ويرى الدكتور المقالح أن الصداقة غير المتكافئة - حسب تعبيره - بين الرجلين جعلت باكثير يخشى من إغضاب العقاد إذا كتب شعرًا حرًّا، ويُدلِّل على ذلك بأن باكثير لم يكتب شعرًا حرًّا إلا بعد وفاة العقاد بثلاثة أعوام تقريبًا[60]، والمقالح يَقصِد بذلك مطوَّلة باكثير "نكون أو لا نكون"، التي كتبها في أعقاب نكسة حزيران (يونيو) 1967م، والزعم أن باكثير عاد لكتابة الشعر الحر بسبب وفاة العقاد، ولم يكتبه في حياته حتى لا يُغضِبه - زَعْمٌ ليس له ما يُثبِته؛ فقد تَرجَم باكثير قصائد عن الإنجليزية بالشعر الحر، ونشرها في حياة العقاد، مثل قصيدتَي "لحظات التجلي"؛ للشاعر الإنجليزي جورج هربرت[61]، "وتحت أشجار الحور"؛ للشاعر الروماني ميهائيل إيمينسكو[62].
وإنه لمن الصعب - في رأيي - تحديد أسباب بعينها لعدم إكثار باكثير من النَّظم بأسلوب الشعر الحر، والذي أميل إليه أن باكثير عندما اهتدى إلى أسلوب الشعر الحر (أو المرسل المنطلق كما أسْمَاه)، لم يكن يبحث عن بديل للشعر المقفى الذي تَوارثه العرب على مدى الأجيال؛ وإنما كان يهدف إلى أن يُثري العربية، وأن يجلي عظمتَها وثراءها وغِناها، اهتدى باكثير إلى هذا الضرب من الشعر؛ ليكون هو الأسلوب الذي يتَّبِعه الشعراء إذا أرادوا كتابة مسرح شعري، أو إذا أرادوا ترجمة شعرٍ إلى العربية، ولا يعني هذا أن باكثير لم يكن يُجيز استخدام هذا الأسلوب في غير المسرح الشعري والترجمة الشعريَّة، بدليل أنه استخدمه في قصيدة غنائية نشرها في مجلة الرسالة بعنوان "نموذج من الشعر المرسل"[63].
وعلى هذا، فإن باكثير - في رأيي - لم يَعُد يستخدم هذا الأسلوب؛ لأن تَجارِبه أثبتت له أن النثر هو اللغة الطبيعية للمسرح، فانصرف عن كتابة المسرح الشعري، وبالتالي انصرف عن كتابة الشعر الحر، ولكنه ظلَّ يستخدمه في ترجماته لقصائد من اللغة الإنجليزية كما مرَّ بنا، واستخدمه في كتابة مطولته "نكون أو لا نكون"، فباكثير إذًا لم يتراجع عن تجديده، وعدمُ إكثاره منه لا يعني عدمَ موافقته عليه أو تَراجُعَه عنه.
على أنه تنبغي الإشارة إلى أن باكثير كان غير راضٍ عن أن الشعر الحر قد أصبح مقتصرًا على فئة معيَّنة من أصحاب الأهواء المُنحرِفة - كما أسماهم - ففي لقاء أجراه معه الدكتور عبده بدوي لمجلة الرسالة الجديدة، سأله الدكتور عبده بدوي: ما رأيك في الشعر الجديد؟ فأجاب باكثير:
"آسف لأن هذا الشعر الحر قد اتَّخذه الشعوبيون والمنحرفون عن الخط العربي الإسلامي مطيَّةً لهم، حتى كاد يصير عُنوانًا لهم، وكم أتمنَّى من أعماق قلبي أن يظهر "شاعر حر" يضرب على أوتار النفس العربية، ولكني أتلفَّت حولي فلا أجده"[64].
وقد هاجَمهم باكثير في مسرحية "حبل الغسيل" واتَّهمهم بأنهم يرمون إلى تحطيم اللغة العربية والأدب العربي باستحداث أنماط من التجديد، مثل "شعر النبر" وغيره، ويَسخَر باكثير من أشعارهم بتأليف قصيدة على لسان الشاعر نهاوند[65]:
نهاوند: (ينغم الكلام على مثال حركة القطار)
نادرنا المحبوب في هذا الزمان
قطار إكسبريس
قد انبرى قد انبرى قد انبرى في الريس
حتى انتهى إلى محطة الأمان
قبقب قبقب قبقب قبقب قبقب قبل الأوان!
إذ جاء من عاصمة الألمان!
من بعد ما تعلَّم الذرة
وسرَّها الهائل ذا القدرة
في مدة وجيزة كادت تُعَد بالثوان
ففاز فاز فاز فاز بالرِّهان
اليوم قام للديوك في البلاد مهرجان
وفي غدٍ يكون في أيدي الديوك الصَّولجان!
ويُعلِّق الدكتور نجم - بطل المسرحية - على هذه القصيدة قائلاً: "إن تحطيمَ الشعر العمودي بالشعر التفعيلي ليس كافيًا؛ إذ لو وقفنا عند هذا الحد، لخدمنا الشعر العربي خدمة كبيرة"، ويرى أن الشعر التفعيلي ما هو إلا خُطوة نحو الهدف الأكبر، وأن الخطوة القادمة هي تحطيم الشعر التفعيلي بشعر النَّبر، الذي يُعرِّفه بأنه شعر غير موزون إلا بالفم، موزون في النطق فقط لا في الكتابة كما هو الشأن في الشعر الإنجليزي.
وقد ذكَر الأستاذ كمال النجمي أنه قال لباكثير مرة مداعبًا: "أنت تدعو إلى تبجيل السلف الصالح، وأراك تَعُقهم كما يفعل غرماؤك التفعيليون الجدد! فماذا وراء ذلك؟ قال: أنا أحاول زيادة تُراث الخليل بن أحمد ولو سطرًا واحدًا، وهم يُحاولون هدْم الخليل، فهم أهل العقوق ولست منهم!"[66].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|