[ابوالوليد المسلم]

عرض كتاب أبو القاسم الشابي: رحلة طائر في دنيا الشعر
محمود ثروت أبو الفضل


بل إن الشابي نفسه يعترف بهذه النزعة الشاعرية المغرِقة التي كانت محورَ أغلب قصائده الشعرية، بل إنه كان لا يرى نفسه إلا شاعرًا، ولا شيءَ آخر غيرُ شاعر، يعيش بالشعور وللشعور، كما يقول في إحدى قصائده:

عِشْ بالشُّعورِ، وللشُّعورِ، فإنَّما

دنياكَ كونُ عواطفٍ وشعورِ




شِيدَتْ على العطْفِ العميقِ، وإنَّها

لتجفُّ لو شِيدتْ على التفكيرِ




وتظَلُّ جامدةَ الجمالِ، كئيبةً

كالهيكلِ المتهدِّم المهجورِ




وتظلُّ قاسيةَ الملامحِ، جهْمةً

كالموتِ، مُقْفِرةً، بغير سرور

إلى أن يقول في نهاية نفس القصيدة:

وافتحْ فؤادكَ للوجود، وخلِّه

لليمِّ، للأمواج، للدَّيجورِ




للثَّلج تنثرُه الزوابعُ، للأسى

للهَوْلِ، للآلامِ، للمقدورِ




واتركْه يقتحِمُ العواصفَ هائمًا

في أُفقِها المتلبِّدِ المقرورِ




ويخوضُ أحشاءَ الوجود مُغامِرًا

في ليْلِها المتَهَّيبِ المحذورِ




حتَّى تعانقَه الحياةُ ويرتوي

من ثغْرِها المتأجِّجِ المسجورِ




فتعيشَ في الدنيا بقلبٍ زاجرٍ

يقظِ المشاعرِ، حالِمٍ، مسحورِ




في نشوةٍ، صُوفيَّةٍ، قُدسيَّةٍ

هي خيرُ ما في العالَمِ المنظورِ

فالشاعر يعترف في ختام قصيدته بتلك النزعة المغرقة في الوجدانية والصوفية التي صبغ بها أغلب شعره؛ وذلك في إطار الجو العام للحركة الرومانسية في الشعر في وقته.







يتبع