عرض مشاركة واحدة
  #146  
قديم 29-07-2022, 06:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,574
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (146)
صــــــــــ 11 الى صـــــــــــ18







المساقاة

( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال معنى قوله { إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلي } أن يخرص النخل كأنه خرصها مائة وسق وعشرة أوسق وقال إذا صارت تمرا نقصت عشرة أوسق فصحت منها مائة وسق تمرا فيقول إن شئتم دفعت إليكم النصف الذي ليس لكم الذي أنا قيم بحق أهله على أن تضمنوا لي خمسين وسقا تمرا من تمر يسميه بعينه ولكم أن تأكلوها وتبيعوها رطبا كيف شئتم ، وإن شئتم فلي أكون هكذا في نصيبكم فأسلم وتسلمون إلي [ ص: 11 ] أنصباءكم وأضمن لكم هذه المكيلة ( قال الشافعي ) : وإذا كان البياض بين أضعاف النخل جاز فيه المساقاة كما يجوز في الأصل ، وإن كان منفردا عن النخل له طريق غيره لم تجز فيه المساقاة ، ولم تصح إلا أن يكتري كراء ، وسواء قليل ذلك وكثيره ، ولا حد فيه إلا ما وصفت وليس للمساقي في النخل أن يزرع البياض إلا بإذن مالك النخل ، وإن زرعها فهو متعد ، وهو كمن زرع أرض غيره . قال : وإن كان دخل على الإجارة بأن له أن يعمل ويحفظ بأن له شيئا من الثمار قبل أن يبدو صلاح التمر فالإجارة فاسدة وله أجر مثله فيما عمل ، وكذلك إن كان دخل على أن يتكلف من المؤنة شيئا غير عمل يديه وتكون أجرته شيئا من الثمار كانت الإجارة فاسدة فإن كان دخل في المساقاة في الحالين معا ورضي رب الحائط أن يرفع عنه من المؤنة شيئا فلا بأس بالمساقاة على هذا قال وكل ما كان مستزادا في الثمرة من إصلاح للمار وطريق الماء وتصريف الجريد وإبار النخل وقطع الحشيش الذي يضر بالنخل أو ينشف عنه الماء حتى يضر بثمرتها شرطه على المساقاة .

وأما سد الحظار فليس فيه مستزاد لإصلاح في الثمرة ، ولا يصلح شرطه على المساقي فإن قال : فإن أصلح للنخل أن يسد الحظار فكذلك أصلح لها أن يبنى عليها حظار لم يكن ، وهو لا يجيزه في المساقاة وليس هذا الإصلاح من الاستزادة في شيء من النخل إنما هو دفع الداخل .

( قال الشافعي ) والمساقاة جائزة في النخل والكرم ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ فيهما بالخرص وساقى على النخل وثمرها مجتمع لا حائل دونه وليس هكذا شيء من الثمر كله دونه حائل ، وهو متفرق غير مجتمع ، ولا تجوز المساقاة في شيء غير النخل والكرم وهي في الزرع أبعد من أن تجوز ، ولو جازت إذا عجز عنه صاحبه جازت إذا عجز صاحب الأرض عن زرعها أن يزارع فيها على الثلث والربع ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها . وقال : إذا أجزنا المساقاة قبل أن تكون ثمرا بتراضي رب المال والمساقي في أثناء السنة ، وقد تخطئ الثمرة فيبطل عمل العامل وتكثر فيأخذ أكثر من عمله أضعافا كانت المساقاة إذا بدا صلاح الثمر وحل بيعه وظهر أجوز .

قال : وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم المساقاة فأجزناها بإجازته وحرم كراء الأرض البيضاء ببعض ما يخرج منها فحرمناها بتحريمه ، وإن كانا قد يجتمعان في أنه إنما للعامل في كل بعض ما يخرج النخل ، أو الأرض ، ولكن ليس في سنته إلا اتباعها ، وقد يفترقان في أن النخل شيء قائم معروف أن الأغلب منه أنه يثمر وملك النخل لصاحبه والأرض البيضاء لا شيء فيها قائما إنما يحدث فيها شيء بعد لم يكن ، وقد أجاز المسلمون المضاربة في المال يدفعه ربه فيكون للمضارب بعض الفضل ، والنخل أبين وأقرب من الأمان من أن يخطئ من المضاربة وكل قد يخطئ ويقل ويكثر ، ولم يجز المسلمون أن تكون الإجارة إلا بشيء معلوم ، ودلت السنة والإجماع أن الإجارات إنما هي شيء لم يعلم إنما هو عمل يحدث لم يكن حين استأجره .

قال : ، وإذا ساقى الرجل الرجل النخل فكان فيه بياض لا يوصل إلى عمله إلا بالدخول على النخل فكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرب النخل الماء وكان غير متميز يدخل فيسقي ويدخل على النخل جاز أن يساقي عليه مع النخل لا منفردا وحده ، ولولا الخبر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى أهل خيبر على أن لهم النصف من النخل والزرع وله النصف فكان الزرع كما وصفت بين ظهراني النخل لم يجز فأما إذا [ ص: 12 ] انفرد فكان بياضا يدخل عليه من غير أن يدخل على النخل فلا تجوز المساقاة فيه قليلا كان ، أو كثيرا ، ولا يحل فيه إلا الإجارة .
الشرط في الرقيق والمساقاة

( قال الشافعي ) رحمه الله : { ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، والمساقون عمالها } لا عامل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها غيرهم ، وإذا كان يجوز للمساقي أن يساقي نخلا على أن يعمل فيه عمال الحائط ; لأن رب الحائط رضي ذلك جاز أن يشترط رقيقا ليسوا في الحائط يعملون فيه ; لأن عمل من فيه وعمل من ليس فيه سواء ، وإن لم تجز إلا بأن يكون على الدخل في المساقاة العمل كله لم يجز أن يعمل في الحائط أحد من رقيقه وجواز الأمرين من أشبه الأمور عندنا والله أعلم . قال : ونفقة الرقيق على ما تشارطا عليه وليس نفقة الرقيق بأكثر من أجرتهم ، فإذا جاز أن يعملوا للمساقي بغير أجرة جاز أن يعملوا له بغير نفقة . والله أعلم .
المزارعة

أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنيين :

أحدهما : أن تجوز المعاملة في النخل على الشيء مما يخرج منها وذلك اتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأصل موجود يدفعه مالكه إلى من عامله عليه أصلا يتميز ليكون للعامل بعمله المصلح للنخل بعض الثمرة ولرب المال بعضها ، وإنما أجزنا المقارضة قياسا على المعاملة على النخل ووجدنا رب المال يدفع ماله إلى المقارض يعمل فيه المقارض فيكون له بعمله بعض الفضل الذي يكون في المال المقارضة لولا القياس على السنة والخبر عن عمر وعثمان رضي الله عنهما بإجازتها أولى أن لا تجوز من المعاملة على النخل ، وذلك أنه قد لا يكون في المال فضل كبير ، وقد يختلف الفضل فيه اختلافا متباينا وأن ثمر النخل قلما يتخلف وقلما يختلف ، فإذا اختلفت تقارب اختلافها ، وإن كانا قد يجتمعان في أنهما مغيبان معا يكثر الفضل فيهما ويقل ويختلف .

وتدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا تجوز المزارعة على الثلث ، ولا الربع ، ولا جزء من أجزاء وذلك أن المزارع يقبض الأرض بيضاء لا أصل فيها ، ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا والزرع ليس بأصل والذي هو في معنى المزارعة الإجارة ، ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا إلا بأجر معلوم يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة وخلافها للأصل والمال يدفع ، وهذا إذا كان النخل منفردا والأرض للزرع منفردة .

ويجوز كراء الأرض للزرع بالذهب والفضة والعروض كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد والأحرار ، وإذا كان النخل منفردا فعامل عليه رجل وشرط أن يزرع ما بين ظهراني النخل على المعاملة وكان ما بين ظهراني النخل لا يسقى إلا من ماء النخل ، ولا يوصل إليه إلا من حيث يوصل إلى النخل كان هذا جائزا وكان في حكم ثمرة النخل ومنافعها من الجريد والكرانيف ، وإن كان الزرع منفردا عن النخل له طريق يؤتى منها ، أو ماء يشرب متى شربه لا يكون [ ص: 13 ] شربه ريا للنخل ، ولا شرب النخل ريا له لم تحل المعاملة عليه وجازت إجارته وذلك أنه في حكم المزارعة لا حكم المعاملة على الأصل وسواء قل البياض في ذلك ، أو كثر .

فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ، وهذا مزارعه ؟ قيل : كانت خيبر نخلا وكان الزرع فيها كما وصفت فعامل النبي صلى الله عليه وسلم أهلها على الشطر من الثمرة والزرع ونهى في الزرع المنفرد عن المعاملة فقلنا في ذلك اتباعا وأجزنا ما أجاز ورددنا ما رد وفرقنا بفرقه عليه الصلاة والسلام بينهما وما به يفترقان من الافتراق ، أو بما وصفت فلا يحل أن تباع ثمرة النخل سنين بذهب ، ولا فضة ، ولا غير ذلك .

( أخبرنا ) ابن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين } ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ( أخبرنا ) سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول : نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معلومة .

( قال الشافعي ) : وإذا اشترك الرجلان من عند أحدهما الأرض ومن عندهما معا البذر ومن عندهما معا البقر أو من عند أحدهما ثم تعاملا على أن يزرعا ، أو يزرع أحدهما فما أخرجت الأرض فهو بينهما نصفان ، أو لأحدهما فيه أكثر مما للآخر فلا تجوز المعاملة في هذا إلا على معنى واحد أن يبذرا معا ويمونان الزرع معا بالبقر وغيره مؤنة واحدة ويكون رب الأرض متطوعا بالأرض لرب الزرع ، فأما على غير هذا الوجه من أن يكون الزارع يحفظ أو يمون بقدره ما سلم له رب الأرض فيكون البقر من عنده أو الآلة ، أو الحفظ ، أو ما يكون صلاحا من صلاح الزرع فالمعاملة على هذا فاسدة فإن ترافعاها قبل أن يعملا فسخت ، وإن ترافعاها بعدما يعملان فسخت وسلم الزرع لصاحب البذر ، وإن كان البذر منهما معا فلكل واحد منهما نصفه ، وإن كان من أحدهما فهو للذي له البذر ولصاحب الأرض كراء مثلها ، وإذا كان البقر من العامل ، أو الحفظ ، أو الإصلاح للزرع ولرب الأرض من البذر شيء أعطيناه من الطعام حصته ورجع الحافظ وصاحب البقر على رب الأرض بقدر ما يلزم حصته من الطعام من قيمة عمل البقر والحفظ وما أصلح به الزرع فإن أرادا أن يتعاملا من هذا على أمر يجوز لهما تعاملا على ما وصفت أولا ، وإن أرادا أن يحدثا غيره تكارى رب الأرض من رب البقر بقره وآلته وحراثه أياما معلومة بأن يسلم إليه نصف الأرض ، أو أكثر يزرعها وقتا معلوما فتكون الإجارة في البقر صحيحة ; لأنها أيام معلومه كما لو ابتدئت إجارتها بشيء معلوم ويكون ما أعطاه من الأرض بكراء صحيح كما لو ابتدأ كراءه بشيء معلوم .

ثم إن شاءا أن يزرعا ويكون عليهما مؤنة صلاح الزرع مستويين فيها حتى يقسما الزرع كان هذا جائزا من قبل أن كل واحد منهما زرع أرضا له زرعها ويبذر له فيها ما أخرج ، ولم يشترط أحدهما على الآخر فضلا عن بذره ، ولا فضلا في الحفظ فتنعقد عليه الإجارة فتكون الإجارة قد انعقدت على ما يحل من المعلوم وما لا يحل من المجهول فيكون فاسدا .

قال : ولا بأس لو كان كراء الأرض عشرين دينارا وكراء البقر دينارا أو مائة دينار فتراضيا بهذا كما لا يكون بأس بأن أكريك بقري وقيمة كرائها مائة دينار بأن يخلى بيني وبين أرض أزرعها سنة قيمة كرائها دينار ، أو ألف دينار ; لأن الإجارة بيع ، ولا بأس بالتغابن في البيوع ، ولا في الإجارات ، وإن اشتركا على أن البقر من عند أحدهما والأرض من عند الآخر كان كراء الأرض ككراء البقر ، أو أقل والزرع بينهما فالشركة فاسدة حتى يكون عقدها على استئجار البقر أياما معلومة وعملا معلوما بأرض معلومة ; لأن الحرث يختلف فيقل ويكثر ويجود ويسوء ، ولا يصلح إلا بمثل ما تصلح به الإجارات على الانفراد ، فإذا زرعا على هذا والبذر من عندهما فالبذر بينهما نصفان ويرجع [ ص: 14 ] صاحب البقر على صاحب الأرض بحصته من الأرض بقدر ما أصابها من العمل ويرجع صاحب الأرض على صاحب الزرع بحصة كراء ما زرع من أرضه قل أو كثر الزرع ، أو عل ، أو احترق فلم يكن منه الشيء
لإجارة وكراء الأرض

( أخبرنا الربيع ) قال : قال الشافعي : لا بأس أن يكري الرجل أرضه ووكيل الصدقة ، أو الإمام الأرض الموقوفة أرض الفيء بالدراهم والدنانير وغير ذلك من طعام موصوف يقبضه قبل أن يتفرقا ، وكذلك جميع ما أجرها به ، ولا بأس أن يجعل له أجلا معلوما وأن يفارق صاحبه قبل أن يقبضه ، وإن لم يكن له أجل معلوم والإجارة في هذا مخالفة لما سواها غير أني أحب إذا اكتريت أرضا بشيء مما يخرج مثله من مثلها أن يقبض ، ولو لم يقبض لم أفسد الكراء من أجل أنه إنما يصلح أن يؤجرها بطعام موصوف وهذه صفة بلا عين ، فقد لا تخرج من تلك الصفة ، وقد تخرجها ويكون لرب الأرض أن يعطيه تلك الصفة من غيرها ، فإذا كان ذلك الدين في ذمته بصفة فلا بأس من أين أعطاه ، وهذا خلاف المزارعة المزارعة أن تكري الأرض بما يخرج منها ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر ، وقد يخرج ذلك قليلا وكثيرا فاسدا وصحيحا وهذا فاسد بهذه العلة .

قال : وإذا تقبل الرجل الأرض من الرجل سنين ثم أعارها رجلا ، أو أكراها إياه فزرع فيها الرجل فالعشر على الزارع والقبالة على المتقبل ، وهكذا أرض الخراج إذا تقبلها رجل من الوالي فقبالتها عليه فإن زرعها غيره بأمره بعارية ، أو كراء فالعشر على الزراع والقبالة على المتقبل ، ولو كان المتقبل زرعها كان على المتقبل القبالة والعشر في الزرع إن كان مسلما ، وإن كان ذميا فزرع أرض الخراج فلا عشر عليه ، وكذلك لو كانت له أرض صلح فزرعها لم يكن عليه عشر في زرعها ; لأن العشر زكاة ، ولا زكاة إلا على أهل الإسلام ، ولا أعرف ما يذهب إليه بعض الناس في أرض السواد بالعراق من أنها مملوكة لأهلها وأن عليهم خراجا فيها فإن كانت كما ذهب إليه ، فلو عطلها ربها ، أو هرب أخذ منه خراجها إلا أن يكون صلحه على غير هذا فيكون على ما صالح عليه .

قال : ولو شرط رب الأرض ، أو متقبلها ، أو والي الأرض المتصدق بها أن الزارع لها له زرعه مسلما لا عشر عليه فيه فالعشر عليه من أجل أنها مزارعة فاسدة ; لأن العشر إنما هو على الزارع ، وقد يقل ويكثر ، فإذا ضمن عنه ما لا يعرف فسدت الإجارة فإن أدركت قبل أن يزرع فسخت الإجارة ، وإن أدركت بعدما يزرع فله زرعه وعليه كراء مثل الأرض ذهبا أو فضة بالأغلب من نقد البلد الذي تكاراها به كان ذلك أقل مما أكراه به ، أو أكثر قال ، وإذا كانت الأرض عنوة فتقبلها رجل فعجز عن عمارتها وأداء خراجها قيل له إن أديت خراجها تركت في يديك ، وإن لم تؤده فسخت عنك وكنت مفلسا وجد عين المال عنده ودفعت إلى من يؤدي خراجها .

قال : وللعامل على العشر مثل ما له على الصدقات ; لأن كليهما صدقة فله بقدر أجر مثله على كل واحد منهما ، أو على أيهما عمل .

قال : وإذا فتحت الأرض عنوة فجميع ما كان عامرا فيها للذين فتحوها وأهل الخمس فإن [ ص: 15 ] تركوا حقوقهم منها لجماعة المسلمين فذلك لهم وما كان من أرض العنوة مواتا فهو لمن أحياه من المسلمين ; لأنه كان ، وهو غير مملوك لمن فتح عليه فيملك بملكه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } ، ولا يترك ذمي يحييه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله لمن أحياه من المسلمين فلا يكون للذمي أن يملك على المسلمين ما تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملك لمن أحياه منهم ، وإذا كان فتحها صلحا فهو على ما صالحوا عليه .
كراء الأرض البيضاء

( أخبرنا الربيع ) قال : قال الشافعي : ولا بأس بكراء الأرض البيضاء بالذهب والورق والعروض وقول سالم بن عبد الله أكثر ورافع لم يخالفه في أن الكراء بالذهب والورق لا بأس به إنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن كرائها ببعض ما يخرج منها ، ولا بأس أن يكري الرجل أرضه البيضاء بالتمر وبكل ثمرة يحل بيعها إلا أن من الناس من كره أن يكريها ببعض ما يخرج منها ومن قال هذا القول قال : إن زرعت حنطة كرهت كراءها بالحنطة ; لأنه نهى أن يكون كراؤها بالثلث والربع ، وقال غيره : كراؤها بالحنطة ، وإن كانت إلى أجل غير ما يخرج منها ; لأنها موصوفة لا يلزمه إذا جاء بها على صفة أن يعطيه مما يخرج من الأرض ، ولو جاءت الأرض بحنطة على غير صفتها لم يكن للمكتري أن يعطيه غير صفته ، وإذا تعجل المكري الأرض كراءها من الحنطة فلا بأس بذلك في القولين معا .

قال : ولا تكون المساقاة في الموز ، ولا القصب ، ولا يحل بيعهما إلى أجل لا يحل بيعهما إلا أن يريا القصب جزة والموز بجناه ، ولا يحل أن يباع ما لم يخلق منهما ، وإذا لم يحل أن يبيعهما مثل أن يكونا بصفة لم يحل أن يباع منهما ما لم يكن منهما بصفة ، ولا غير صفة ; لأنه في معنى ما كرهنا وأزيد منه ; لأنه لم يخلق قط ، ولا بأس أن يتكارى الرجل الأرض للزرع بحنطة ، أو ذرة ، أو غير ذلك مما تنبت الأرض ، أو لا تنبته مما يأكله بنو آدم ، أو لا يأكلونه مما تجوز به إجازة العبد والدار إذا قبض ذلك كله قبل دفع الأرض ، أو مع دفعها كل ما جازت به الإجارة في البيوت والرقيق جازت به الإجارة في الأرض .

قال : وإنما { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض } فيما روي عنه فأما ما أحاط العلم أني قد قبضته ودفعت الأرض إلى صاحبها فليس في معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه إنما معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه أن تكون الإجارة بشيء قد يكون الأشياء ويكون ألفا من الطعام ويكون إذا كان جيدا أو رديئا غير موصوف ، وهذا يفسد من وجهين : إذا كان إجارة من وجه أنه مجهول الكيل والإجارة لا تحل بهذا ومن وجه أنه مجهول الصفة ، ولو كان معروف الكيل ، وهو مجهول الصفة لم تحل الإجارة بهذا فأما ما فارق هذا المعنى فلا بأس به ، ولو شرط الإجارة إلى أجل ، ولم يسم لها أجلا ، ولم يتقابضا كانت الإجارة من طعام لا تنبته الأرض ، أو غيره من نبات الأرض ، أو هو مما تنبت الأرض غير الطعام ، أو عرض أو ذهب ، أو فضة فلا بأس بالإجارة إذا قبض الأرض ، وإن لم يقبض الإجارة كانت إلى أجل ، أو غير أجل ، وإن [ ص: 16 ] شرطها بشيء من الطعام مكيل مما تخرجه الأرض كرهته احتياطا ، ولو وقع الأجر بهذا وكان طعاما موصوفا ما أفسدته من قبل أن الطعام مكيل معلوم الكيل موصوف معلوم الصفة وأنه لازم للمستأجر أخرجت الأرض شيئا ، أو لم تخرجه ، وقد تخرج الأرض طعاما بغير صفته فلا يلزم المستأجر أن يدفعه ويدفعه بالصفة فعلى هذا الباب كله وقياسه
( قال الشافعي ) إذا تكارى الرجل الأرض ذات الماء من العين ، أو النهر نيل ، أو غير نيل ، أو الغيل ، أو الآبار على أن يزرعها غلة الشتاء والصيف فزرعها إحدى الغلتين والماء قائم ثم نضب الماء فذهب قبل الغلة الثانية فأراد رد الأرض بذهاب الماء فذلك له ويكون عليه من الكراء بحصة ما زرع إن كانت حصة الزرع الذي حصد الثلث ، أو النصف ، أو الثلثين أو أقل ، أو أكثر أدى إلى ذلك وسقطت عنه حصة الزرع الثاني الذي انقطع الماء قبل أن يكون ، وهذا مثل الدار يكتريها فيسكنها بعض السنة ثم تنهدم في آخرها فيكون عليه حصة ما سكن وتبطل عنه حصة ما لم يقدر على سكنه فالماء إذا كان لا صلاح للزرع إلا به كالبناء الذي لا صلاح للمسكن إلا به ، وإذا تكارى من الرجل الأرض السنة على أن يزرعها ما شاء فزرعها وانقضت السنة ، وفيها زرع لم يبلغ أن يحصد فإن كانت السنة قد يمكنه فيها أن يزرع زرعا يحصد قبلها فالكراء جائز وليس لرب الزرع أن يثبت زرعه وعليه أن ينقله عن رب الأرض إلا أن يشاء رب الأرض تركه قرب ذلك ، أو بعد ، لا خلاف في ذلك ، وإن كان شرط أن يزرعها صنفا من الزرع يستحصد ، أو يستقصل قبل السنة فأخره إلى وقت من السنة وانقضت السنة قبل بلوغه فكذلك أيضا ، وإن تكاراها مدة هي أقل من سنة ، وشرط أن يزرعها شيئا بعينه ويتركه حتى يستحصد فكان يعلم أنه لا يمكنه أن يستحصد في مثل هذه المدة التي تكاراها إليها فالكراء فاسد من قبل أني أثبت بينهما شرطهما ، ولو أثبت على رب الأرض أن يبقي زرعه فيها بعد انقطاع المدة أبطل شرط رب الزرع أن يتركه حتى يستحصد ، وإن أثبت له زرعه حتى يستحصد أبطلت شرط رب الأرض فكان هذا كراء فاسدا ولرب الأرض كراء مثل أرضه إذا زرع وعليه ترك الزرع حتى يستحصد ، وإن ترافعا قبل أن يزرع فسخت الكراء بينهما .

وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض التي لا ماء لها والتي إنما تسقى بنطف السماء ، أو السيل إن حدث فلا يصلح كراؤها إلا على أن يكريه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها يصنع بها المكتري ما شاء في سنة إلا أنه لا يبني ، ولا يغرس فيها ، وإذا وقع على هذا الكراء صح ، فإذا جاءه ماء من سيل ، أو مطر فزرع عليه ، أو لم يزرع ، أو لم يأته ماء فالكراء له لازم ، وكذلك إن كان شرطه أن يزرعها ، وقد يمكنه زرعها عثريا بلا ماء ، أو يمكنه أن يشتري لها ماء من موضع فأكراه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها على أن يزرعها إن شاء ، أو يفعل بها ما شاء صح الكراء ولزمه زرع أو لم يزرع ، وإن أكراه إياها على أن يزرعها ، ولم يقل أرضا بيضاء لا ماء لها وهما يعلمان أنها لا تزرع إلا بمطر ، أو سيل يحدث فالكراء فاسد في هذا كله فإن زرعها فله ما زرع وعليه أجر مثلها .

( وقال الربيع ) فإن قال قائل : لم أفسدت الكراء في هذا ؟ قيل : من قبل أنه قد لا يجيء الماء عليها فيبطل الكراء ، وقد يجيء فيتم الكراء . فلما كان مرة يتم ومرة لا يتم بطل الكراء
( قال الشافعي ) : وإذا تكارى الرجل الأرض ذات النهر مثل النيل وغيره مما يعلو الأرض على أن يزرعها زرعا هو معروف أن ذلك الزرع لا يصلح إلا بأن يرويها النيل لا يتركها ، ولا تشرب غيره كرهت هذا الكراء وفسخته إذا كانت الأرض بيضاء ثم لم يصح حتى يعلو الماء الأرض علوا يكون ريا لها ، أو يصلح به الزرع بحال ، فإذا تكوريت ريا بعد نضوب الماء فالكراء صحيح لازم للمكتري زرع ، أو لم يزرع قل ما يخرج [ ص: 17 ] من الزرع ، أو كثر ، وإن تكاراها والماء قائم عليها ، وقد ينحسر لا محالة في وقت يمكن فيه الزرع فالكراء فيه جائز ، وإن كان قد ينحسر ، ولا ينحسر كرهت الكراء إلا بعد انحساره وكل شيء أجزت كراءه أو بيعه أجزت النقد فيه ، وإن تكارى الرجل للزرع فزرعها أو لم يزرعها حتى جاء عليها النيل ، أو زاد ، أو أصابها شيء يذهب الأرض انتقض الكراء بين المستأجر ورب الأرض من يوم تلفت الأرض ، ولو كان بعض الأرض تلف وبعض لم يتلف ، ولم يزرع فرب الزرع بالخيار إن شاء أخذ ما بقي بحصته من الكراء ، وإن شاء ردها ; لأن الأرض لم تسلم له كلها ، وإن كان زرع أبطل عنه ما تلف ولزمته حصة ما زرع من الكراء وهكذا كراء الدور وأثمان المتاع والطعام إذا جمعت الصفقة منه مائة صاع بثمن معلوم فتلف خمسون صاعا فالمشتري بالخيار في أن يأخذ الخمسين بحصتها من الثمن أو يرد البيع ; لأنه لم يسلم له كله كما اشترى
( قال الشافعي ) ، وإذا اكترى الرجل الأرض من الرجل بالكراء الصحيح ثم أصابها غرق منعه الزرع ، أو ذهب بها سيل أو غصبها فحيل بينه وبينها سقط عنه الكراء من يوم أصابها ذلك وهي مثل الدار يكتريها سنة ويقبضها فتهدم في أول السنة ، أو آخرها والعبد يستأجره السنة فيموت في أول السنة أو آخرها فيكون عليه من الإجارة بقدر ما سكن واستخدم ويسقط عنه ما بقي ، وإن أكراه أرضا بيضاء يصنع فيها ما شاء ، أو لم يذكر أنه اكتراها للزرع ثم انحسر الماء عنها في أيام لا يدرك فيها زرعا فهو بالخيار بين أن يأخذ ما بقي بحصته من الكراء ، أو يرده ; لأنه قد انتقص مما اكترى ، وكذلك إن اكتراها للزرع وكراؤها للزرع أبين في أن له أن يردها إن شاء ، وإن كان مر بها ماء فأفسد زرعه ، أو أصابه حريق ، أو ضريب أو جراد ، أو غير ذلك فهذا كله جائحة على الزرع لا على الأرض فالكراء له لازم فإن أحب أن يجدد زرعا جدده إن كان ذلك يمكنه ، وإن لم يمكنه فهذا شيء أصيب به في زرعه لم تصب به الأرض فالكراء له لازم ، وهذا مفارق للجائحة في الثمرة يشتريها الرجل فتصيبها الجائحة في يديه قبل أن يمكنه جدادها ، ومن وضع الجائحة ثم انبغى أن لا يضعها ههنا فإن قال قائل : إذا كانتا جائحتين فما بال إحداهما توضع والأخرى لا توضع ، فإن من وضع الجائحة الأولى فإنما يضعها بالخبر ، وبأنه إذا كان البيع جائزا في شراء الثمرة إذا بدا صلاحها وتركها حتى تجد فإنما ينزلها بمنزلة الكراء الذي يقبض به الدار ثم تمر به أشهر ثم تتلف الدار فيسقط عنه الكراء من يوم تلفت وذلك أن العين التي اكترى واشترى تلفت وكان الشراء في هذا الموضع إنما يتم بسلامته إلى أن يجد والمكتري الأرض لم يشتر من رب الأرض زرعا إنما اكترى أرضا .

ألا ترى أنه لو تركها فلم يزرعها حتى تمضي السنة كان عليه كراؤها ، ولو أراد أن يزرعها بشيء يقيم تحت الأرض حتى لو مر به سيل لم ينزعه كان ذلك له ؟ ، ولو تكاراها حتى إذا استحصدت فأصاب الأرض حريق فاحترق الزرع لم يرجع على رب الأرض بشيء من قبل أنه لم يتلف شيء كان أعطاه إياه إنما تلف شيء يضعه الزارع من ماله كما لو تكارى منه دارا للبر فاحترق البر ، ولا مال له غيره وبقيت الدار سالمة لم ينتقص سكنها كان الكراء له لازما ، ولم يكن احتراق المتاع من معنى الدار بسبيل .

وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض سنة مسماة أو سنته هذه فزرعها وحصد وبقي من سنته هذه شهر ، أو أكثر أو أقل لم يكن لرب الأرض أن يخرجها من يده حتى تكمل سنته ، ولا يكون له أن يأخذ جميع الكراء إلا باستيفاء المكتري جميع السنة وسواء كانت الأرض أرض المطر ، أو أرض السقي ; لأنه قد يكون فيها منافع من زرع وعثري وسيل ومطر ، ولا يؤيس من المطر على حال ولمنافع سوى هذا لا يمنعها المكتري ، وإذا استأجر الرجل من الرجل [ ص: 18 ] الأرض ليزرعها قمحا فأراد أن يزرعها شعيرا ، أو شيئا من الحبوب سوى القمح فإن كان الذي أراد أن يزرعه لا يضر بالأرض إضرارا أكثر من إضرار ما شرط أنه يزرع ببقاء عروقه في الأرض ، أو إفساده الأرض بحال من الأحوال فله زرعها ما أراد بهذا المعنى كما يكتري منه الدار على أن يسكنها فيسكنها مثله ، وإن كان ما أراد زرعها ينقصها بوجه من الوجوه أكثر من نقص ما اشترط أن يزرعها لم يكن له زرعها فإن زرعها فهو متعد ورب المال بالخيار بين أن يأخذ منه الكراء الذي سمى له وما نقص زرعه الأرض عما ينقصها الزرع الذي شرط له أو يأخذ منه كراء مثلها في مثل ذلك الزرع ، وإن كان قائما في وقت يمكنه فيه الزرع كان لرب الأرض قطع زرعه إن شاء ويزرعها المكتري مثل الزرع الذي شرط له ، أو ما لا يضر أكثر من إضراره .

وإذا تكارى الرجل من الرجل البعير ليحمل عليه خمسمائة رطل قرطا فحمل عليه خمسمائة رطل حديد ، أو تكارى ليحمل عليه حديدا فحمل عليه قرطا بوزنه فتلف البعير فهو ضامن من قبل أن الحديد يستجمع على ظهره استجماعا لا يستجمعه القرط فبهذه يتلف وأن القرط ينتشر على ظهر البعير انتشارا لا مر الحديد فيعمه فيتلف وأصل هذا أن ينظر إذا اكترى منه بعيرا على أن يحمل عليه وزنا من شيء بعينه فحمل عليه وزنه من شيء غيره فإن كان الشيء الذي حمل عليه يخالف الشيء الذي شرط أن يحمله حتى يكون أضر بالبعير منه فتلف ضمن ، وإن كان لا يكون أضر به منه وكان مثله ، أو أحرى أن لا يتلف البعير فحمله فتلف لم يضمن .

وكذلك إن تكارى دابة ليركبها فحمل عليها غيره مثله في الخفة ، أو أخف منه فهكذا لا يضمن ، وإن كان أثقل منه فتلف ضمن ، وإن كان أعنف ركوبا منه ، وهو مثله في الخفة فانظر إلى العنف فإن كان العنف شيئا ليس كركوب الناس وكان متلفا ضمن ، وإن كان كركوب الناس لم يضمن وذلك أن أركب الناس قد يختلف بركوب ، ولا يوقف للركوب على حد إلا أنه إذا فعل في الركوب ما يكون خارجا به من ركوب العامة ومتلفا فتلف الدابة ضمن .

وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا عشر سنين على أن يزرع فيها ما شاء فلا يمنع من شيء من الزرع بحال ، فإن أراد الغراس فالغراس غير الزرع ; لأنه يبقى فيها بقاء لا يبقاه الزرع ويفسد منها ما لا يفسد الزرع فإن تكاراها مطلقة عشر سنين ثم اختلفا فيما يزرع فيها ، أو يغرس كرهت الكراء وفسخته ، ولا يشبه هذا السكن شيء على وجه الأرض ، وهذا شيء على وجهها وبطنها ، فإذا تكاراها على أن يغرس فيها ويزرع ما شاء ، ولم يزد على ذلك فالكراء جائز ، وإذا انقضت يرعى لم يكن لرب الأرض قلع غراسه حتى يعطيه قيمته في اليوم الذي يخرجه منها قائما على أصوله وبثمره إن كان فيه ثمر ولرب الغراس إن شاء أن يقلعه على أن عليه إذا قلعه ما نقص الأرض والغراس كالبناء إذا كان بإذن مالك الأرض مطلقا لم يكن لرب الأرض أن يقلع البناء حتى يعطيه قيمته قائما في اليوم الذي يخرجه

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]