شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة
(399)
- (باب فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين) إلى (باب الدقيق في الزكاة)
فرضت زكاة الفطر على المسلمين عموماً ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، أحراراً وعبيداً، ومقدارها صاع من طعام أهل البلد، وبعدما فرضت زكاة المال استمر الصحابة رضوان الله عليهم في إخراج زكاة الفطر ولم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينههم عن ذلك مما يدل على استمرارية وجوب زكاة الفطر، ولا علاقة بينها وبين زكاة المال.
فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين
شرح حديث: (فرض زكاة الفطر ... على كل حر أو عبد، أو أنثى من المسلمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدينأخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين ) ].
يقول النسائي رحمه الله: باب فرض زكاة الفطر على المسلمين دون المعاهدين، ومراد النسائي بهذه الترجمة هو أن الإسلام شرط في وجوب الزكاة، وأن من تجب عليه زكاة الفطر لا بد أن يكون مسلماً، سواء كان حراً أو عبداً، أو ذكراً أو أنثى، أو صغيراً أو كبيراً، المهم أن يكون من المسلمين وليس من الكفار؛ وذلك أن الكفار لا تنفعهم هذه الأعمال، حيث لم يوجد منهم الأصل الذي هو الشهادتان، الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وإنما الأحكام هي للمسلمين، ولا يعني هذا أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، فالمسألة خلافية من مسائل الأصول، وأصح الأقوال فيها: أنهم مخاطبون، وأنهم مطالبون بالأصول ومطالبون بالفروع، وثمرة ذلك أنهم يعاقبون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، لكن هذا لا يعني أنهم يأتون بالفروع فتنفعهم؛ لأنه لا بد من إتيانهم بالأصول ثم إتيانهم بالفروع، وعلى هذا فقد جاءت السنة بأن الزكاة -زكاة الفطر- إنما تجب على المسلمين، وكذلك زكوات الأموال إنما تجب على المسلمين؛ كما جاء في حديث معاذ بن جبل: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ).
فذكر الإسلام أولاً، ثم ما يليه وهو الصلاة، ثم ما يليه وهو الزكاة، وعلى هذا فزكاة الفطر إنما تجب على المسلمين، وليس على غيرهم من الكفار المعاهدين، وإنما هي من خصائص المسلمين، وقد جاء في الحديث أنها طهرة للصائم وطعمة للمساكين، والكافر لا تطهير له في أي عمل من الأعمال ما دام الكفر موجوداً، وما دام الشرك موجوداً والعياذ بالله.
ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين)، ومحل شاهد الترجمة كلمة: (من المسلمين) التي جاءت في آخر الحديث، يعني: يكون حراً أو عبداً، أو ذكراً أو أنثى من المسلمين.
تراجم رجال إسناد حديث: (فرض زكاة الفطر ... على كل حر أو عبد، أو أنثى من المسلمين)
قوله: [ أخبرنا محمد بن سلمة ].هو المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[ والحارث بن مسكين ].
شيخ ثاني للنسائي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له ].
قال: قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، يعني: أن اللفظ إنما هو للشيخ الثاني الذي هو الحارث بن مسكين ، اللفظ الموجود والمذكور هو لفظ الحارث بن مسكين الذي هو الشيخ الثاني، وليس الشيخ الأول الذي هو محمد بن سلمة المرادي المصري.
[ عن ابن القاسم ].
هو عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري ، وأبو داود في المراسيل ، والنسائي.
[حدثني مالك]
هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر: رأس المتقنين وكبير المثبتين، يعني: أنه قمة في الثقة والعدالة، والاحتجاج بكلامه وبقوله رحمة الله عليه.
[ عن نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (فرض رسول الله زكاة الفطر ... على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا يحيى بن محمد بن السكن قال: حدثنا محمد بن جهضم قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) ]. أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل ما تقدم، إلا أنه أتم وأشمل من الذي قبله؛ لأن فيه -بالإضافة إلى ما قبله- ذكر الصغير والكبير؛ فالأول ما فيه إلا أربعة، الأول حر أو عبد، ذكر أو أنثى، ما فيه صغير أو كبير، يعني: فيه زيادة التنصيص على الصغير والكبير، وفيه أيضاً: ( وأن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )، يعني: زكاة الفطر تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، أي: صلاة العيد، وهذا هو أفضل أوقات إخراجها؛ لأنه من أول النهار، حيث يستقبل الفقراء والمساكين يومهم وعندهم القوت وعندهم الطعام، وهو يوم لا يحتاجون فيه إلى أحد، ولهذا جاء في الحديث: ( أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم )، وجاء طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، فإعطاؤها إياهم قبل الصلاة، يعني: إعطاؤهم إياها في أول ذلك اليوم الذي هو يوم العيد، الذي أريد أن يستغنوا عن الحاجة إلى الناس، وإلى الطعام بأن لا يحتاج إلى سؤال من أجل الحصول على الطعام، بل أمر بإطعامهم هذه الزكاة الواجبة.
وقد جاء أن صلاة عيد الفطر يشرع تأخيرها بعد دخول وقتها، وصلاة الأضحى يشرع تعجيلها بعد دخول وقتها، وتأخير صلاة العيد يوم الفطر؛ ليتسع للناس وقت إخراج الفطرة، وتعجيل صلاة الأضحى في أول وقتها؛ ليتسع للناس وقت الذبح؛ لأن الذبح يبدأ بعد الصلاة، ولهذا جاءت السنة بتعجيل صلاة الأضحى، وتأخير صلاة الفطر؛ تأخير صلاة الفطر ليتسع للناس وقت إخراج الفطرة، وتعجيل صلاة الأضحى ليتسع للناس وقت الذبح؛ لأن الذبح يوم عيد الأضحى بعد الصلاة، ولا يجوز الذبح قبل الصلاة؛ كما جاء في حديث الرجل الذي ضحى قبل الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( وشاتك شاة لحم )، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين كما كان الصحابة يفعلون ذلك، ولكن أفضل أوقاتها يوم العيد قبل الصلاة.
الحاصل: أن الحديث دال على ما ترجم له النسائي من التنصيص على كلمة المسلمين، وفيه عن الذي قبله هذه الزيادة، وهي بيان أن الزكاة تخرج يوم العيد قبل الصلاة، وفيه أيضاً: زيادة الذكر والأنثى على الحر والعبد، وفيه: ذكر الصغير والكبير زيادة على ما تقدم في الحديث الذي قبله، وهو: الحر والعبد، والذكر والأنثى.
تراجم رجال إسناد حديث: (فرض رسول الله زكاة الفطر ... على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) من طريق أخرى
قوله: [ أخبرنا يحيى بن محمد بن السكن ].صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا محمد بن جهضم ].
صدوق، أخرج له البخاري ومسلم ، وأبو داود والنسائي زيادة على الذي قبله مسلم.
[ حدثنا إسماعيل بن جعفر ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر بن نافع عن أبيه ابن عمر].
هو عمر بن نافع، وهو ابن نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
عن نافع عن ابن عمر، وقد مر ذكرهما.
كم فرض
شرح حديث: (فرض رسول الله صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير)
قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عيسى حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ) ].ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كم فرض؟ يعني: كم فرض زكاة الفطر؟ يعني: مقدارها وكميتها، هذا المقصود منه بيان المقدار الذي هو الصاع؛ لأن الحديث جاء بذكر الصاع، والمقصود من الترجمة بيان المقدار، هذا هو الذي ترجم له؛ لأنه فيما تقدم ذكر الذين تجب عليهم زكاة الفطر: الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، وأن يكون من المسلمين، ثم ذكر مقدار الزكاة وأنها صاع، وقد أورد حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله من فرضها على الذكر والأنثى، والحر والعبد، والصغير والكبير، وأنها صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، والمقصود هو الصاع.
والسنة جاءت بإخراجها طعاماً، وأن يكون صاعاً، وإن كانت تلك الأشياء متفاوتة إلا أنه وحد المقدار بين التمر والشعير وبين ما ذكر من غيره، وأنها صاع، وعلى هذا فزكاة الفطر صاع من الطعام من قوت البلد، من أي طعام يقتاته الناس، وأن لا تكون قيمة ولا نقوداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين المقدار، أو أشار إلى المقدار مع أن النقود كانت موجودة، فلم يقل عليه الصلاة والسلام: صاعاً من تمر، أو صاعاً من كذا، أو عشرة دراهم، أو عشرين درهماً، ما قال هذا، وإنما كل الكلام يدور حول الطعام، والمقصود من ذلك أن النقود تكون موجودة، ويكون الطعام موجوداً، ولكنه بقلة، فيشح الناس فيه فلا يخرجونه إذا كان هناك سبيل لإخراج القيمة، فجاءت الشريعة بالنص على الطعام؛ لأن الناس بحاجة إلى أن يأكلوا في ذلك اليوم، فيعطون شيئاً يأكلونه، ولا يكون في وقت من الأوقات الطعام قليلاً والنقود كثيرة؛ فإذا أعطي الناس نقوداً ولم يحصلوا طعاماً يشترونه ما يكون في النقود فائدة، فجاءت القضية طعاماً، وعلى هذا فلم تأت السنة بذكر القيمة ولا النقود، وإنما جاءت بالطعام، فالواجب هو إخراجها طعاماً، وأن تكون صاعاً من قوت البلد الذي يقتاته الناس.
تراجم رجال إسناد حديث: (فرض رسول الله صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ حدثنا عيسى ].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبيد الله ].
هو ابن عمر، عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب العمري ، وهو ثقة، العمري المصغر، وليس عبد الله المكبر أخوه؛ لأن المصغر ثقة، والمكبر ضعيف، فهذا عبيد الله بن عمر العمري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع عن ابن عمر ].
وقد مر ذكرهما.
وأما الطفل في بطن أمه، فمن العلماء من قال: إنه يخرج عنه زكاة الفطر، والأمر في ذلك واسع، ومنهم من قال: لا يخرج عنه؛ لأنه لم يكن موجوداً بعد.
فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة
شرح حديث: (كنا نصوم عاشوراء ونؤدي زكاة الفطر، فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يزيد بن زريع أخبرنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن عمرو بن شرحبيل عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نصوم عاشوراء ونؤدي زكاة الفطر، فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به ولم ننه عنه، وكنا نفعله ) ].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي فرض زكاة الفطر قبل نزول الزكاة، مقصود النسائي من هذه الترجمة أن فرض زكاة الفطر كانت متقدمة على فرض الزكاة التي هي زكاة المال، يعني: زكاة البدن التي هي على البدن وعلى الأنفس المسلمة، كانت مفروضة قبل أن ينزل فرض زكاة المال، يعني: في الخارج من الأرض، وبهيمة الأنعام والنقود، وما إلى ذلك، يعني: كان ذلك متقدماً.
كما أن صيام عاشوراء كان متقدماً على فرض صيام رمضان، يقول قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه: كنا نصوم عاشوراء ونؤدي زكاة الفطر، فلما فرضت الزكاة وفرض رمضان لم نؤمر ولم ننه، وكنا نفعله، يعني معناه: أننا بقينا على الأمر الأول الذي هو كونهم مأمورين بأن يؤدوا الزكاة، وكذلك بقوا على صيام عاشوراء من حيث التطوع لا من حيث الفرض؛ لأن الفرض ما هناك فرض إلا رمضان، وأما زكاة الفطر فهي فرض كما أن زكاة المال فرض؛ لأن هذه تتعلق بالفطر، وتلك تتعلق بالمال ووجود النصاب وحولان الحول أو خروج الثمر والحبوب وما إلى ذلك.
فإذاً: الحديث يدل على تقدم فرض زكاة الفطر على فرض الزكاة، وأنه لما نزل فرض الزكاة كانوا يؤدون فرض الزكاة، وكانوا يؤدون زكاة رمضان، ولم يأت شيء ينسخ، أو يأمرهم بخلاف ذلك، فكانوا على الأمر الأول يؤدون زكاة الفطر، واستمروا على ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام، كانوا يؤدون زكاة رمضان في يوم عيد الفطر.
فالحاصل: أن الترجمة فيها بيان تقدم فرض زكاة رمضان على زكاة المال، ولكن لا يعني أن هذا ناسخ؛ لأن هذه زكاة وهذه زكاة، وتلك زكاة تقدمت واستمرت، وتلك التي هي زكاة المال تأخرت بعد ذلك واستمرت، فكل الزكاتان مستمرتان، زكاة البدن وزكاة المال.
وأما صوم يوم عاشوراء فلم يكن فرضاً، ليس فرضاً بعدما فرض رمضان، ولكنه بقي مستحباً ومن آكد التطوع، وهو أفضل التطوع بعد صيام يوم عرفة؛ لأن أفضل يوم يصام تطوعاً يوم عرفة؛ إذ قال: (احتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والسنة الآتية)، وصوم عاشوراء فيه أنه يكفر السنة الماضية، فهو أفضل صيام التطوع، وأفضل يوم يصام بعد يوم عرفة، وأما زكاة الفطر فهي بقيت مفروضة ولازمة ومتحتمة على كل مسلم، سواء كان حراً أو عبداً، ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نصوم عاشوراء ونؤدي زكاة الفطر، فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به...)
قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن يزيد بن زريع ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
[ عن الحكم بن عتيبة ].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن القاسم بن مخيمرة ].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن عمرو بن شرحبيل ].
هو الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ عن قيس بن سعد بن عبادة ].
قيس بن سعد بن عبادة ، صحابي جليل، وهو ابن سيد الخزرج سعد بن عبادة؛ لأن الأنصار هم من الأوس والخزرج، والأوس سيدهم سعد بن معاذ الذي توفي على إثر ما حصل له في غزوة الخندق، وهو الذي اهتز له عرش الرحمن كما جاء في الحديث.
وسعد بن عبادة عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخزرج، وقيس هذا هو ابنه، وهو صحابي جليل، وكان مشهوراً بالطول، قالوا عنه: إنه كان طويلاً، وذكر أن طويلاً من الروم كان يفتخر بطوله، ويسأل عن من يطاوله ومن يكون طوله، فقالوا لقيس بن سعد فأعطاهم سراويله، فلبسها الرومي فصار طرفها عند فمه، والطرف الآخر في أسفل رجله، يعني: أنه طويل، وكان ذلك الرجل الطويل الذي يفخر بطوله ويبحث عن من يطاوله لم يطاوله قيس ، ولكنه أعطاه سراويله، فلبسه ذلك الرومي فصار أسفله في أسفل رجله، وطرفه على فمه أعلاه، قيس بن سعد بن عبادة حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (أمرنا رسول الله بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ...) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن القاسم بن مخيمرة عن أبي عمار الهمداني عن قيس بن سعد رضي الله عنه أنه قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله )، قال أبو عبد الرحمن: أبو عمار اسمه عريب بن حميد ، وعمرو بن شرحبيل يكنى أبا ميسرة ، وسلمة بن كهيل خالف الحكم في إسناده، والحكم أثبت من سلمة بن كهيل ]. أورد النسائي حديث قيس بن سعد بن عبادة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أنه ليس فيه ذكر عاشوراء، وإنما فيه ذكر زكاة الفطر، وهو لا يختلف عن الذي قبله إلا أنه مختصر، يعني: ليس فيه يوم عاشوراء أو صيام عاشوراء، وإنما فيه ذكر زكاة الفطر، وأنها فرضت قبل زكاة المال، وأنه بعد أن نزلت الزكاة لم يؤمروا ولم ينهوا بزكاة الفطر، وكانوا يفعلونها، يعني: اكتفاءً بالأمر الأول، وذلك الاختلاف المتعلق لأن زكاة الفطر هي متعلقة بالصيام، وهي شكر لله عز وجل على نعمة الصيام، وهي متعلقة بالأنفس، وفي وقت معين، وأما زكاة المال فهي متعلقة فيمن كان غنياً وأعطاه الله المال، وملك نصاباً، وحال عليه الحول، فهذه متعلقها غير متعلق هذه، فهذه فرضت وجاء بعدها فرض آخر، واستمر الفرضان، فلا تنافي بين هذا وهذا، كونهم لم يؤمروا ولم ينهوا، بل كانوا يفعلون، استمروا على الأمر الأول، فليس هناك إشكال أو اختلاف بين الروايتين.
والنسائي رحمه الله لما ذكر الرواية الثانية ذكر بعض الأشخاص الذين هم فيها، وسمى بعض الأشخاص، وقال: إن سلمة بن كهيل خالف الحكم في إسناده، والحكم أثبت من سلمة، ولكن كما هو معلوم لا تنافي بين الروايتين، بل هما متفقتان، وهما يتعلقان بموضوع معين، وهو أن زكاة الفطر متقدمة على زكاة المال، وأنهم بعد ما فرضت زكاة المال لم يؤمروا ولم ينهوا، واستمروا على فعلها، وكانوا يفعلونها اكتفاءً بالأمر الأول، فلا تنافي بين الروايتين؛ لأن مؤداهما واحد، وموضوعهما واحد، لكن اختلفوا في الإسناد، وكل منهما ثقة، ولا إشكال لا في هذا ولا في هذا، فكل من الإسنادين صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث: (أمرنا رسول الله بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ...) من طريق أخرى
قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وسفيان هنا غير منسوب، وإذا جاء سفيان غير منسوب ويروي عنه وكيع، فالمراد به الثوري؛ لأن وكيعاً معروف بكثرة الرواية عن سفيان الثوري وقليل الرواية عن سفيان بن عيينة، ثم أيضاً هما من بلد واحد؛ لأن وكيعاً كوفي، وسفيان كوفي، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان مع شيخه في بلد فاتصاله به أكثر، وأخذه عنه أكثر، بخلاف سفيان بن عيينة، فإنه مكي، وفرق المسافة بعيدة بين العراق وبين مكة، وإنما كان لقاؤه إياه إما في حج أو عمرة، أو في رحلة في طلب العلم، وأما من كان في بلده فإنه دائماً على صلة به، فيكون الأخذ عنه أكثر، ولهذا فإذا جاء وكيع يروي عن سفيان فالمراد به سفيان الثوري ؛ لأن الشخص إذا كان مكثراً من الرواية عن شخص فإنه لا ينسبه دائماً، بل يترك نسبته تخفيفاً واختصاراً؛ لأنه معلوم أو في حكم المعلوم.
[ عن سلمة بن كهيل ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن القاسم بن مخيمرة عن أبي عمار الهمداني ].
القاسم بن مخيمرة ، وقد مر ذكره.
عن أبي عمار الهمداني، واسمه عريب بن حميد، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وابن ماجه.
[ عن قيس بن سعد ].
هو قيس بن سعد بن عبادة ، وقد مر ذكره.
يتبع