عرض مشاركة واحدة
  #142  
قديم 30-06-2022, 06:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,795
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (142)
صـ71 إلى صـ 80




فأما إن لم يكن العموم مكررا ولا مؤكدا ولا منتشرا في أبواب الفقه ; فالتمسك بمجرده فيه نظر ; فلابد من البحث عما يعارضه أو يخصصه ، وإنما حصلت التفرقة بين الصنفين ; لأن ما حصل فيه التكرار والتأكيد والانتشار صار ظاهره باحتفاف القرائن به إلى منزلة النص القاطع الذي لا احتمال فيه بخلاف [ ص: 71 ] ما لم يكن كذلك فإنه معرض لاحتمالات ; فيجب التوقف في القطع بمقتضاه حتى يعرض على غيره ويبحث عن وجود معارض فيه .
وعلى هذا ينبني القول في العمل بالعموم وهل يصح من غير المخصص أم لا فإنه إذا عرض على هذا التقسيم أفاد أن القسم الأول غير محتاج فيه إلى بحث إذ لا يصح تخصيصه إلا حيث تخصص القواعد بعضها بعضا فإن قيل : قد حكي الإجماع في أنه يمنع العمل بالعموم حتى يبحث هل له مخصص أم لا ؟ وكذلك دليل مع معارضه ; فكيف يصح القول بالتفصيل فالجواب أن الإجماع إن صح فمحمول على غير القسم المتقدم جمعا بين الأدلة وأيضا فالبحث يبرز أن ما كان من العمومات على تلك الصفة فغير مخصص بل هو على عمومه فيحصل من ذلك بعد بحث المتقدم ما يحصل للمتأخر دون بحث بناء على ما ثبت من الاستقراء والله أعلم .
[ ص: 72 ] [ ص: 73 ] إن النبي كان مبينا بقوله وفعله وإقراره لما كان مكلفا بذلك في قوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] فكان يبين بقوله عليه الصلاة والسلام كما قال في حديث الطلاق فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء [ ص: 74 ] وقال لعائشة حين سألته عن قول الله تعالى : فسوف يحاسب حسابا يسيرا [ الانشقاق : 8 ] إنما ذلك العرض وقال لمن سأله عن قوله آية المنافق ثلاث إنما عنيت بذلك كذا وكذا وهو لا يحصى كثرة وكان أيضا يبين بفعله ألا أخبرته أني أفعل ذلك [ ص: 75 ] وقال الله تعالى : زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج الآية [ الأحزاب : 50 ] وبين لهم كيفية الصلاة والحج بفعله ، وقال عند ذلك : صلوا كما رأيتموني أصلي و خذوا عني مناسككم إلى غير ذلك .

وكان إقراره بيانا أيضا إذا علم بالفعل ولم ينكره مع القدرة على إنكاره لو كان باطلا أو حراما حسبما قرره الأصوليون في مسألة مجزز المدلجي وغيره ، وهذا كله مبين في الأصول ، ولكن نصير منه إلى معنى آخر ، وهي :
[ ص: 76 ] وذلك أن العالم وارث النبي ; فالبيان في حقه لابد منه من حيث هو عالم ، والدليل على ذلك أمران : أحدهما : ما ثبت من كون العلماء ورثة الأنبياء وهو معنى صحيح [ ص: 77 ] ثابت ويلزم من كونه وارثا قيامه مقام موروثه في البيان ، وإذا كان البيان فرضا على الموروث لزم أن يكون فرضا على الوارث أيضا ، ولا فرق في البيان بين ما هو مشكل أو مجمل من الأدلة ، وبين أصول الأدلة في الإتيان بها ; فأصل التبليغ بيان لحكم الشريعة ، وبيان المبلغ مثله بعد التبليغ .

والثاني : ما جاء من الأدلة على ذلك بالنسبة إلى العلماء ; فقد قال : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى الآية [ البقرة : 159 ] ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون [ البقرة : 42 ] ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله [ البقرة : 140 ] والآيات كثيرة .

وفي الحديث ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب وقال : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا ; فسلطه على هلكته [ ص: 78 ] في الحق ورجل آتاه الله الحكمة ; فهو يقضي بها ويعلمها وقال : من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل .

والأحاديث في هذا كثيرة ، ولا خلاف في وجوب البيان على العلماء ، والبيان يشمل البيان الابتدائي والبيان للنصوص الواردة والتكاليف المتوجهة ; فثبت أن العالم يلزمه البيان من حيث هو عالم وإذا كان كذلك انبنى عليه معنى آخر وهي :[ ص: 79 ] فنقول : إذا كان البيان يتأتى بالقول والفعل ; فلابد أن يحصل ذلك بالنسبة إلى العالم ، كما حصل بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كان السلف الصالح ممن صار قدوة في الناس ، دل على ذلك المنقول عنهم حسبما يتبين في أثناء المسائل على أثر هذا بحول الله ، فلا نطول به هاهنا لأنه تكرار .
إذا حصل البيان بالقول والفعل المطابق للقول ; فهو الغاية في البيان كما إذا بين الطهارة أو الصوم أو الصلاة أو الحج أو غير ذلك من العبادات أو العادات ، فإن حصل بأحدهما فهو بيان أيضا ; إلا أن كل واحد منهما على انفراده قاصر عن غاية البيان من وجه ، بالغ أقصى الغاية من وجه آخر .

فالفعل بالغ من جهة بيان الكيفيات المعينة المخصوصة التي لا يبلغها البيان القولي ، ولذلك بين عليه الصلاة والسلام الصلاة بفعله لأمته ، كما فعل [ ص: 80 ] به جبريل حين صلى به ، وكما بين الحج كذلك والطهارة كذلك ، وإن جاء فيها بيان بالقول ; فإنه إذا عرض نص الطهارة في القرآن على عين ما تلقي بالفعل من الرسول عليه الصلاة والسلام كان المدرك بالحس من الفعل فوق المدرك بالعقل من النص لا محالة مع أنه إنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]