وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
شرح الكلمات:
دخلاً بينكم: أي لأجل الإفساد والخديعة.
وتذوقوا السوء: أي العذاب.
ما عندكم ينفد: يفنى وينتهي.
وهو مؤمن: أي والحال أنه عندما عمل صالحاً كان مؤمناً، إذ بدون إيمان لا عمل يقبل.
حياة طيبة: في الدنيا بالقناعة والرزق الحلال وفي الآخرة هي حياة الجنة.
بأحسن ما كانوا يعملون: أي يجزيهم على كل أعمالهم حسنها وأحسنها بحسب الأحسن فيها.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تربية المؤمنين أهل القرآن الذي هو تبيان كل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. وقال تعالى { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً } أي خديعة { بَيْنَكُمْ } لتتوصلوا بالأيمان إلى غرضٍ دنيوي سافل، { فَتَزِلَّ قَدَمٌ1 بَعْدَ ثُبُوتِهَا } بأن يقع أحدكم في كبيرة من هذا النوع، يحلف بالله بقصد الخداع والتضليل فتذوقوا السوء في الدنيا بسبب صدكم عن سبيل الله من تعاهدونهم أو تبايعونهم وتعطونهم أيمانكم وعهودكم ثم تنقضوها فهؤلاء ينصرفون عن الإِسلام ويعرضون عنه بسبب ما رأوا منكم من النقض والنكث، وتتحملون وزر ذلك، ويكون لكم العذاب العظيم يوم القيامة. فإياكم والوقوع في مثل هذه الورطة، فاحذروا أن تزل قدم أحدكم عن الإِسلام بعد أن رسخت فيه. وقوله: { وَلاَ تَشْتَرُواْ 2بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } وكل ما في الدنيا قليل وقوله تعالى إنما عند الله هو خير لكم قطعاً، لأن ما عندكُمْ من مالٍ أو متاعٍ ينفد أي يفنى، { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } لانفاذ له، فاذكروا هذا ولا تبيعوا الغالي بالرخيص والباقي بالفاني، وقوله تعالى: { وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ } على عهودهم { أَجْرَهُمْ } على صبرهم { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي يضاعف لهم الأجر فيعطيهم سائر أعمالهم حسنها وأحسنها بحسب أفضلها وأكملها حتى يكون أجر النافلة، كأجر الفريضة وهذا وعد من الله تعالى لمن يصبر على إيمانه وإسلامه ولا يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، ووعدٌ ثان في قوله: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ 3حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } إلا أن أصحاب هذا الوعد هم أهل الإِيمان والعمل الصالح، الإِيمان الحق الذي يدفع إلى العمل الصالح، ولازم ذلك أنهم تخلوا عن الشرك والمعاصي، هؤلاء وعدهم ربهم بأنه يحييهم في الدنيا حياة طيبةً لا خبث فيها قناعة وطيب طعام 4وشراب ورضا، هذا في الدنيا وفي الآخرة الجنة والجزاء يكون بحسب أحسن عمل عملوه من كل نوع، من الصلاة كأفضل صلاة وفي الصدقات بأفضل صدقة وهكذا. { وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وآتنا ما وعدتهم إنك برٌ رحيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة اتخاذ الأيمان طريقاً إلى الغش والخديعة والإِفساد.
2- ما عند الله خير مما يحصل عليه الإِنسان بمعصيته الرحمن من حطام الدنيا.
3- عظم أجر الصبر على طاعة الله تعالى فعلاً وتركاً.
4- وعد الصدق لمن آمن وعمل صالحاً من ذكر وأنثى بالحياة الطبية في الدنيا والآخرة.
________________
1 هذه الجملة دلت على المبالغة في النهي اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة، إذ مَنْ وقع في ورطة يقال: زلت قدمه لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شرٌ.
2 نهى تعالى المؤمنين عن الرُّشا وأخذ الأموال على نقض العهد أي: لا تنقضوا عهودكم لعرض قليل من الدنيا. روي أن امرؤ القيس بن عابس الكندي اختصم مع ابن أسوع في أرض فأراد امرؤ القيس أن يحلف فلمّا سمع هذه الآية نكل وقرأ لخصمه بالأرض.
3 اختلف في معنى الحياة الطيبة فقال بعضهم: هي الرزق الحلال، وقيل: هي القناعة وقيل: التوفيق إلى الطاعة الموجبة لرضوان الله تعالى، وقيل: هي حلاوة الطاعة، وقيل هي المعرفة بالله وصدق المقام بين يدي الله.
4 روى مسلم قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه".