عرض مشاركة واحدة
  #1064  
قديم 25-06-2022, 01:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
شرح الكلمات:

ضرب الله مثلاً: أي هو عبداً مملوكاً الخ..

عبداً مملوكاً: أي ليس بحُرٍ بل هو عبد مملوك لغيره.

هل يستوون: أي العبيد العجزة والحُر المتصرف، والجواب: لا يستوون قطعاً.

وضرب الله مثلاً: أي هو رجلين الخ..

أبكم: أي ولد أخرس وأصم لا يسمع.

لا يقدر على شيء: أي لا يَفهَمْ ولا يُفهِمْ غيره.

ولله غيب السماوات والأرض: أي ما غاب فيهما.

وما أمر الساعة: أي أمر قيامها، وذلك بإماتة الأحياء وإحيائهم مع من مات قبل وتبديل صور الأكوان كلها.

الأفئدة: أي القلوب.

معنى الآيات:
ما زال السياق في تقريرالتوحيد والدعوة إليه وإبطال الشرك والتنفير منه وقد تقدم أن الله تعالى جهل المشركين في ضرب الأمثال له وهو لا مثل له ولا نظير، وفي هذا السياق ضرب تعالى مثلين وهو العليم الخبير.. فالأول قال فيه: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً } أي غير حر من أحرار الناس، { لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } إذ هو مملوك لا حق له في التصرف في مال سيده 1إلا بإذنه، فلذا فهو لا يقدر على إعطاء أو منع شيء، هذا طرف المثل، والثاني { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } صالحاً واسعاً { فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً } ليلاً ونهاراً لأنه حر التصرف بوصفه مالكاً { هَلْ يَسْتَوُونَ 2}؟ الجواب لا يستويان... إذاً { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ 3لاَ يَعْلَمُونَ } والمثل مضروب للمؤمن والكافر، فالكافر أسير للأصنام عبدٌ لها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، لا يعمل في سبيل الله ولا ينفق لأنه لا يؤمن بالدار الآخرة، والجزاء فيها، وأما المؤمن فهو حرٌ يعمل بطاقة الله فينفق في سبيل الله سراً وجهراً يبتغي الآخرة والمثوبة من الله، ذا علمٍ وإرادة، لا يخاف إلا الله ولا يرجو إلا هو سبحانه وتعالى. وقوله { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ } هو المثال الثاني في هذا السياق وقد حوته الآية الثانية [76] فقال تعالى فيه { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } هو { رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ4 أَبْكَمُ } ولفظ الأبكم قد يدل على الصمم فالغالب أن الأبكم لا يسمع { لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } فلا يفهم غيره لأنه أصم ولا يُفهم غيره لأنه أبكم، { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ5 مَوْلاهُ } أي ابن عمه أو من يتولاه من أقربائه يقومون بإعاشته ورعايته لعجزه وضعفه وعدم قدرته على شيء. وقوله: { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ } أي أينما يوجهه مولاه وابن عمه ليأتي بشيء لا يأتي بخير، وقد يأتي بشر، أمَّا النفع والخير فلا يحصل منه شيء.
وهذا مثل الأصنام التي تعبد من دون الله إذ هي لا تسمع ولا تبصر فلا تفهم ما يقال لها، ولا تُفهم عابديها شيئاً وهي محتاجة إليهم في صُنْعِها ووضعها وحملها وحمايتها.
وقوله تعالى { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو الله تعالى يأمر بالعدل أي بالتوحيد والاستقامة في كل شيء، وهو قائم على كل شيء، وهو على صراطٍ مستقيم يدعو الناس إلى سلوكه لينجوا ويسعدوا في الدارين، فالجواب، لا يستويان بحال، فكيف يرضى المشركون بعبادة وولاية الأبكم الذي لا يقدر على شيء ويتركون عبادة السميع البصير، القوي، القدير، الذي يدعوهم إلى كمالهم وسعادتهم في كلتا حياتهم، أمر يحمل على العجب، ولكن لا عجب مع أقدار الله وتدابير الحكيم العليم.
وقوله تعالى في الآية [77] { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ6 وَٱلأَرْضِ } وحده يعلم ما غاب عنا فيهما فهو يعلم من كُتبت له السعادة ومن حُكم عليه بالشقاوة، ومن يهتدي ومن لا يهتدي، والجزاء آتٍ بإتيان الساعة { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ 7} أي إتيانها { إِلاَّ كَلَمْحِ 8ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ }9إذ لا يتوقف أمرها إلا على كلمة { كُنْ } فقط فتنتهي هذه الحياة بكل ما فيها، وتأتي الحياة الأخرى وقد تبدلت صور الأشياء كلها { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ومن ذلك قيام القيامة، ومجيء الساعة. وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ 10لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً 11} حقيقة لا تُنكر، الله الذي أخرجنا من بطون أمهاتنا بعد أن صورنا في الأرحام ونمانا حتى صرنا بشراً ثم أذن بإخراجنا، فأخرجنا، وخرجنا لا نعلم شيئاً قط، هذه آية القدرة الإِلهية والعلم الإِلهي والتدبير الإِلهي، فهل للأصنام شيء من ذلك، والجواب لا، لا وثانياً جعل الله تعالى لنا الأسماع والأبصار والأفئدة نعمة أخرى، إذ لو لا ذلك ما سمعنا ولا أبصرنا ولا عقلنا وما قيمة حياتنا يومئذٍ، إذْ العدم خيرٌ منها. وقوله: { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } كشف كامل عن سر هذه النعمة وهي أنه جعلنا نسمع ونبصر ونعقل ليكلفنا فيأمرنا وينهانا فنطيعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وذلك شكره منا مع ما في ذلك الشكر من خير. إنه إعداد للسعادة في الدارين. فهل من متذكر يا عباد الله؟!
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال وهو تشبيه حال بحال على أن يكون ضارب المثل عالماً.
2- بيان مثل المؤمن في كماله والكافر في نقصانه.
3- بيان مثل الأصنام في جمودها وتعب عَبَدتِها عليها في الحماية وعدم انتفاعهم بها. ومثل الرب تبارك وتعالى في عدله، ودعوته إلى الإسلام وقيامه على ذلك مع استجابة دعاء أوليائه، ورعايتهم، وعلمه بهم وسمعه لدعائهم ونصرتهم في حياتهم وإكرامهم والإِنعام عليهم في كلتا حياتهم. ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم.

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ

1 هذه الآية منزع الفقهاء في ملكية العبد وعدمها، فذهب مالك إلى أنّ العبد يملك بإذن سيده، وهو ناقص الملك، وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: العبد لا يملك شيئاً، وقالوا: الرّق ينافي الملك، وقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أعتق عبداً وله مال" شاهد لمن قال يملك ملكاً ناقصا.
2 لم يقل يستويان لأنّ مَنْ صالحة للواحد والجماعة.
3 لا يعلمون أن الله هو المستحق للحمد دون آلهتهم لأن الله تعالى هو المنعم بالخلق والرزق، والأصنام لا تخلق ولا ترزق فلذا الحمد له وحده.
4 هذا مثل آخر ضربه تعالى لنفسه وللمؤمن. قاله قتادة وغيره.
5 أي: ثقل على وليّه وقرابته ووبال على صاحبه وابن عمّه.
6 {ولله غيب السموات والأرض} : اللام لام الملك، والغيب مصدر بمعنى اسم الفاعل أي: الأشياء الغائبة، والغيب ما غاب عن أعين الناس.
7 الساعة: هي الوفت الذي تقوم فيه القيامة، سميت ساعة لأنها تفجأ الناس في ساعة فيموت الخلق بصيحة.
8 اللّمح: النظر بسرعة يقال لمحه لمحاً ولمحاناً.
9 ليس (أو) للشك وإنما هي بمعنى بل الانتقالية من شيء إلى آخر كقوله {فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} أي: بل يزيدون.
10 البطون: جمع بطن وهو ما بين ضلوع الصدر إلى العانة، وفيه الأمعاء والمعدة والكبد والرحم.
11 الشكر: الاعتراف بالنعمة لله وحمده عليها وصرفها فيما يرضيه تعالى.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]