عرض مشاركة واحدة
  #177  
قديم 14-06-2022, 05:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الجنائز)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (172)

صـــــ(1) إلى صــ(22)



شرح زاد المستقنع - أحكام القبور وأحكام أهل الميت
إن كثرة البدع التي تشاهد في المقابر، ومخالفة السنن والآثار في تلك المواطن تحتم معرفة أحكام القبور على الخاصة والعامة، ومن تلك الأحكام: حكم رفع القبر من الأرض، وحكم تجصيصه والبناء والكتابة والجلوس والاتكاء والوطء عليه، وحكم دفن الاثنين أو أكثر في قبر واحد، وحكم قراءة القرآن عند الدفن، وحكم إهداء الثواب للميت، وحكم صنع الطعام من أهل الميت أو لأهل الميت.
الأمور المنهي عن فعلها بالقبر
حكم دفن اثنين فأكثر في قبر واحد

قال المصنف رحمه الله: [ويحرم فيه دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة].
أي: ويحرم في القبر دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة؛ لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، وهدي السلف الصالح؛ مضت على قبر المقبور في قبره دون أن يدخل عليه أحد أو يُجمع معه أحد، وهذا هو الأصل؛ فيكون القبر للمقبور وحده دون أن يُجعل معه آخر، ولو كان قريباً له.
أما الضرورة فتقع في حالة الحروب والقتال، كما وقع في غزوة أحد، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قبر شهداء أحد الرجلين والثلاثة في القبر الواحد، والسبب أنه كانت تفنى الأنفس في الحروب في القديم، ولربما وصل القتل في بعض الوقائع إلى مائة ألف، وفي هذه الحالة يصعب أن يحفر لكل شخصٍ قبر، ولربما جلسوا أياماً وهم لا يستطيعون أن يواروا هذه الأجساد، فيضطروا إلى جمع الاثنين والثلاثة في القبر، وحينئذٍ يشرع أن يوسع القبر من داخل؛ حتى يصلح لجمع هؤلاء ولا يضيق؛ بمعنى أن يُجعل القبر الذي للواحد للاثنين والذي للثلاثة للأربعة أو الخمسة، فإن للأموات حرمة، فيختص التوسيع بقدر الحاجة رفقاً بالأموات، فيجعل القبر للاثنين إذا وسعهما وللثلاثة إذا وسعهما، على حسب ما ذكرنا.
وقد ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه جمع شهداء أحد رضي الله عنهم وأرضاهم الرجلين والثلاثة، وإذا جُعل الاثنان والثلاثة والأربعة في القبر فالسنة أن يبدأ بأحفظهم لكتاب الله عز وجل وأعلمهم، فيُجعل من جهة القبلة لشرف البداية وشرف الجهة، فيقدم على غيره، ويكون ظهره إلى غيره لا ظهر غيره إليه، فيشرّف لأن الله شرفه بالعلم، وهذا يدل على فضل العلم والعلماء، وأن الله سبحانه وتعالى يكرم أهل العلم حتى بعد موتهم؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: ( أنه كان إذا أراد أن يقبر الشهداء يوم أحد سأل عن أكثرهم قرآناً فقدمه في اللحد ).
وهذا كما يدل على فضيلة أهل العلم، فهو يدل على أنه ينبغي للناس أن يأتسوا بهذا، فإذا اجتمع القوم وفيهم من هو أحفظ لكتاب الله قدم وشرف بشرف العلم؛ حتى يكون ذلك أدعى لتعظيم شعائر الله عز وجل.
وكذلك الحافظ للسنة، فلو كان أحفظ لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره فإنه يقدم، وكذا إذا كان أعلم بالأحكام الشرعية، أو كان أكثر بلاءً وجهاداً ودعوةً وتضحيةً، أو كان رجلاً معروفاً بالكرم والجود والإحسان إلى الناس وستر عورات المسلمين ونحو ذلك من الفضل؛ لأن تقديمه يدعو غيره إلى التأسي والاقتداء به؛ ولأنه تعظيمٌ لشعيرة الله عز وجل من جهة كون ما تخلق به واتصف عملاً صالحاً فإذا قُدّم قدم من أجله، فكأننا نعظم العمل الصالح وما كان منه من خير، وهذا أدعى لدعوة الناس إلى الائتساء والاقتداء به، مع ما فيه من الائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به.
وإذا كان يحرم أن يُجمع الاثنان في قبرٍ واحد، فذلك يأتي على صورتين: الأولى: إما أن يدخلهما معاً، أي: ندخل أحدهما ثم ندخل الآخر في نفس الوقت، فالحكم التحريم إلا من ضرورة وحاجة.
الثانية: أن تدخل الأول فتقبره اليوم، ثم بعد ساعة أو ساعتين أو ثلاث، أو يوم أو يومين أو ثلاثة، أو أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة، يؤتى ميت آخر فيفتح القبر الأول لدفنه فلا يجوز.
فالحكم يستوي فيه أن يدخلهما معاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بشهداء أحد، فلا يجوز أن يجمع بين الاثنين على هذه الصورة، وكذلك فتحه ونبشه للقبر لكي يقبر ميتاً فيه.
وعلى هذا: لا يجوز إدخال ميتٍ على ميت، فلا يجوز إدخال الثاني على الأول، ولا الثالث على الثاني إلا بعد أن تبلى عظام المتقدم، وللعظام حُرمة، فما دام عظم الميت في القبر فإن الأرض موقوفة عليه مسدلة عليه محبوسة له، لا يجوز أن يقدم أحد على نقل عظامه ولا على إخراجها، إلا قبور المشركين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقبورهم فنبشت، ثم بنى مسجده صلوات الله وسلامه عليه، كما في الصحيحين.
أما المسلم فلعظامه حرمة تدل على بقاء حرمة قبره، وحينئذٍ لا يجوز أن ينبش، ولا يجوز أن يدخل عليه غيره، ولا يجوز أن يبنى عليه وعظامه باقية، ولا يجوز أيضاً أن تتخذ الأرض مزرعة أو نحو ذلك ما دامت العظام ورمم الأموات باقية، فإنها دليل على تسبيل ذلك الموضع لهؤلاء الأموات، والميت أحق بقبره ما دام فيه، أي: ما دام ما يدل عليه باقٍ.
لكن لو استحال الميت تراباً وفنيت عظامه وبلي، فحينئذٍ قال بعض العلماء: تذهب الحرمة، فيجوز أن ينبش وأن يدفن غيره في مكانه، وعلى ذلك درج عمل السلف الصالح رحمة الله عليهم، كما في قبور البقيع، فإنها نبشت، ومضى على ذلك هدي الصحابة رضوان الله عليهم، ودفن فيها الجديد من الموتى بعد أن بلي القديم.
والنبش يشرع إذا بلي الميت أو غلب على الظن أن العظام بليت، ويستثنى من هذا أن يكون المكان ضيقاً كما في قبور مكة فإذا بقي شيءٌ قليل من العظام، فإنهم اغتفروها لمكان الضرورة؛ فقد نص بعض العلماء على استثنائها لصعوبة الحفر فيها وتعذر ذلك في الغالب.
وإذا كان الموضع يشق كالمواضع السهلة التي بها الطمي والطين أكثر، ويصعب فيها وجود القبور، ويتعذر وجودها إلا بندرة، قالوا: إذا فنيت وبقي شيءٌ من العظام تغتفر، ويجوز قبر الثاني مع وجود بقيةٍ من عظام الأول إذا كانت يسيرة.
أما والعظام باقية فالدليل يقتضي تحريم قبر الثاني على الأول وإدخاله عليه، وكذلك يحرم التصرف في هذا القبر بالبناء عليه أو الزارعة فيه أو نحو ذلك من التصرفات، وما فيه من التصرف فإنه لاغٍ، فلو أنه زرع على قبورٍ لا زالت باقية، أو غلب على ظننا بقاء الجثث فيها، فإن إحياءه باطل؛ لأنه إحياءٌ لمسبلٍ وموقوف وملك للغير، وإحياء المملوك للغير ليس بإحياء شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الصحيح : ( من أحيا أرضاً ميتةً فهي له ) فنص على كونها ميتة، فإذا كان فيها الميت فإنها ليست بميتة؛ لأنها قبر، وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم داراً، فقال: ( السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ) فهي حية بوجود الأجساد فيها، وإن كانت ميتة في الظاهر، لكنها في حكم الدور وكأنها معمورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف القبور بكونها دوراً.
قال: [ويجعل بين كل اثنين حاجزاً من تراب].
أي: فإذا وجدت الضرورة لقبر الاثنين، فيجعل بين كل اثنين حاجزاً؛ حتى يكون أشبه بالفصل، قالوا: درج على ذلك عمل السلف رحمة الله عليهم، فكأنه فصل الموضع الأول عن الموضع الثاني، وحينئذٍ كأنه تعدد القبر كما لو قبروا بجوار بعضهم مع وجود الحائل من التراب.
حكم القراءة على القبر
قال المصنف رحمه الله: [ولا تكره القراءة على القبر].
المراد بالقراءة: قراءة القرآن، وجمهور العلماء من السلف رحمة الله عليهم كالحنفية والمالكية والشافعية وطائفة من أصحاب الإمام أحمد -وهي الرواية الثانية عنه- على أنه لا تشرع القراءة على القبور؛ وأنها من الحدث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ على قبور أصحابه، ولا قرأ أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا من بعدهم من السلف الصالح من الأئمة ومن أُمرنا بالائتساء بهم، فحينئذٍ فإن هذا الفعل يعتبر من البدعة والحدث.
وجاءت رواية عند الإمام أحمد أنه رخص في ذلك، وفي ذلك ما يحكى عن ابن عمر رضي الله عنهما.
والصحيح مذهب الجمهور: أنه لا تشرع القراءة على القبر؛ فإن وقعت إجارةً كأن يستأجر مقرئاً يقرأ على القبر، فالإجماع قائم على المنع والتحريم، وإنما الخلاف في المحتسب، وهو الذي يقرأ على القبر تبرعاً، أما من استؤجر للقراءة فإن الإجماع منعقد على أنها إجارة باطلة، وفي ذلك حديث (يس)، أنه إذا قرئ على القبور (يس) أنه يخفف عنه ذلك اليوم، ويكون له من الحسنات والأجور على عدد الموتى، وهو حديثٌ ضعيف.
والصحيح الذي هو من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن السنة إذا قُبِر الميت أن يقام على قبره، وأن يدعى له؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما انتهى من دفن الميت : ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل ) فدل على أن المشروع هو الدعاء، وهذا هو ظاهر التنزيل في قول الحق تبارك وتعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ } [الحشر:10] فدل على أن المشروع هو الدعاء، والدعاء أنفع وأصلح للميت والحي: أما للميت فلأنه رحمة جعلها الله للأموات عند الأحياء؛ ولما يكون بسبب هذا الدعاء من الخير له؛ فيفسح له في القبر وينور له فيه، خاصةًَ إذا كان الداعي مخلصاً لله عز وجل.
وفيه مصلحةٌ للحي؛ لأن الحي يكتب الله أجره بإحسانه لأخيه المسلم ودعائه وترحمه واستغفاره له؛ ولذلك وصف الله الأخيار بأنهم يترحمون على إخوانهم الأموات الذين سبقوهم بالإيمان، ومن حق المسلم على المسلم بعد موته أن يترحم عليه وأن يدعو له وأن يستغفر له.
أما بالنسبة للقراءة فقلنا: إن الصحيح أنها لا تشرع، لا تخصيصاً بسورةٍ معينة ولا تشرع عموماً، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتأمل لفعله صلوات الله وسلامه عليه وهديه يعلم علماً واضحاً بيناً أنه لا يشرع أن يقرأ على القبر؛ لأنه لو كان مشروعاً لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفعله من بعده من الخلفاء الذين أمرنا بالاستنان بسنتهم، فحيث لم يفعل ذلك لا من رسول صلى الله عليه وسلم ولا من الخلفاء الراشدين، فإنه يبقى على الحظر؛ لأن أمور العبادة توقيفية، ولا يجوز لأحدٍ أن يجتهد فيها ولو كان الأمر مستحسناً.
حكم إهداء ثواب القربات لميت أو لحي
قال المصنف رحمه الله: [وأيّ قربة فعلها وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك].
القربة: ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، ويشمل ذلك الطاعات، سواء كانت قولية أو فعلية، ظاهرة أو باطنة، لأن العبد إذا فعلها فإنه يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى أحبه ووفقه وسدده، وأحسن له العاقبة في الأمور.
فكلما كان العبد أقرب لله كلما كان أقرب لرحمة الله وعفوه وتيسيره ولطفه له في الدنيا والآخرة؛ ولذلك فالوصف بالقربة وصفٌ شرعي، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي عن الله تعالى: ( ما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ) فهذا يدل على أن العبد يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ويزداد قرباً من الله عز وجل على حسب ما يكون منه من الخير والطاعة والبر.
أقسام القربات في إهداء الثواب
فالقربات تنقسم إلى ثلاثة أقسام -قسمين يقبلان للانقسام إلى ثلاثة-: النوع الأول: القربة البدنية المحضة.
النوع الثاني: القربة المالية المحضة.
والنوع الثالث: القربة الجامعة بين البدن والمال.

فأما القربة البدنية المحضة: فكالصلوات وكقراءة القرآن وكالصيام.
وأما القربة المالية المحضة: فالصدقات، كأن يتصدق ذو مال على فقير أو معسر أو نحو ذلك، أو يذبح شاةً ينويها صدقة على أمواته، أو يضحي أضحية ينويها عن والده أو والدته، فهذه قربةٌ ماليةٌ محضة.
والقربة الجامعة بين البدن والمال: الحج والعمرة؛ فإن الذي يحج يجمع في حجه بين عبادة البدن وعبادة المال: أما عبادة البدن: فبفعل المناسك والشعائر.
وأما عبادة المال: فإنفاقه للوصول إلى هذهِ المناسك وبلوغ هذه المشاعر.
فأما ما كان من القرب البدنية المحضة فإن الجماهير على أنه لا يشرع فعل قربةٍ بدنيةٍ للميت إلا ما استثنى الشرع، فلا يجوز أن يصلي الحي عن الميت، ولا الحي عن الحي، ولا أحدٌ عن أحد؛ لأنها قربةٌ بدنية لا تصح إلا من المكلف نفسه، وعلى هذا فلو صلى عن والديه ما صلى فإنها لا تصح أن تكون قربة للغير.
وذهب إسحاق بن راهويه رحمه الله إلى القول بجواز أن يصلي الحي عن الميت، وينوي هذه الصلاة عن الميت سواء كانت فريضة أو نافلة، واحتج بدليلٍ دقيق وهو: مسألة الحج عن الميت، فإنه لما أنكر عليه: كيف تقول بجواز الصلاة عن الميت مع أنها قربة بدنية يكاد الإجماع يكون على منعها؟ قال: أرأيتم لو حج حيٌ عن ميت أيجوز ذلك؟ قالوا: نعم.
قال: أرأيتم لو طاف أيصلي؟ قالوا: نعم.
قال: أليست الصلاة عبادة بدنية؟ قالوا: بلى.
فكأنه يرى أن ركعتي الطواف لما أذن بها الشرع عن الميت، دل على مشروعية الصلاة عنه؛ لأنه سيصلي عنه ركعتي الطواف، وركعتي الطواف من العبادات البدنية.
والجواب عن هذا الدليل: بأن إجازة العبادة البدنية -أعني: ركعتي الطواف- جاء تبعاً ولم يأت أصلاً، وفرقٌ بين العبادة المقصودة وبين العبادة التبعية التي تقع تبعاً للشيء، ولهذا نظائر في الشرع، ولذلك يقولون: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل، ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من باع نخلة قد أُبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع )، فجعلها للمبتاع بالشرط، مع أنها بعد التأبير لم يبد صلاحها، وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه ) ، قالوا: ففي حديث ابن عمر : ( من باع نخلة قد أبرت ...) وقعت الثمرة تبعاً للأصول، فجاز الشيء تبعاً ولم يجز أصلاً، فالصلاة أصلاً لا تصح، لكنها تبعاً تصح، هذا مع وجود الخلاف فيما إذا صلى ركعتي الطواف، هل يقصدها على الميت أو يقصدها عن نفسه أصالةً ويكون ثوابها للميت.
فهذا حاصل ما ذُكر؛ والصحيح أن العبادة البدنية لا تصح عن الميت، إلا ما استثناه الشرع من صيام النذر، قالت: ( يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية عنها؟ قالت: نعم.
قال: فدين الله أحق أن يقضى ) فأجاز لها عليه الصلاة والسلام أن تفعل العبادة البدنية المحضة من الصيام عن أمها، وجعل ذلك بمثابة قضاء الدين، فدل على مشروعية فعل هذه العبادة البدنية عن الميت إذا مات ولم يفعلها.
وهل تلتحق بذلك الكفارات كصيام الكفارات وصيام رمضان أو لا يلتحق؟ وجهان للعلماء: منهم من خصه بما ورد به النص.
ومنهم من قال: النص على النذر معللٌ بعلةٍ نصية، وهي قوله: (أرأيت لو كان على أمك دينٌ) وهذه العلة النصية يستوي فيها سائر الواجبات، وهو الصحيح؛ أعني أن سائر الصيام الواجب يشرع لك أن تصومه عن الميت.
هذا بالنسبة لما استثناه الشرع: استثنى ركعتي الطواف تبعاً من العبادات البدنية، واستثنى صيام الفريضة في النذر ورمضان والكفارات ونحو ذلك، وأما صيام النافلة عن الميت فلا؛ لأن الأصل الحظر في العبادة البدنية.
وأما بالنسبة للعبادة المالية المحضة: فالنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشروعية ذلك كما في الصحيح من حديث سعد ، قال: ( يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها وما أراها لو بقيت إلا أوصت )، والشيء الذي ينفلت زمامه من الإنسان لا يتداركه، بمعنى: أن الموت نزل بها قبل أن تدرك نفسها فتتصدق، وهذا أشبه بموت الفجأة، فموت الفجأة لا يستطيع الإنسان أن يتدارك فيه، قال: أفأتصدق عنها؟ فأذن له صلوات الله وسلامه عليه أن يتصدق عنها، فتصدق بحائطه المخراف، وكان من أفضل بساتينه رضي الله عنه وأرضاه؛ وذلك لأنه من البر؛ ولعظيم حق الأم، فدل على مشروعية الصدقة عن الميت.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]