عرض مشاركة واحدة
  #136  
قديم 12-06-2022, 03:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,422
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (136)
صـ7 إلى صـ 18






الْفَصْلُ الرَّابِعُ

فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

وَلَابُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةٍ تُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ هَاهُنَا ، وَالْمُرَادُ الْعُمُومُ الْمَعْنَوِيُّ ، كَانَ لَهُ صِيغَةٌ مَخْصُوصَةٌ أَوْ لَا ، فَإِذَا قُلْنَا فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَفِي تَحْرِيمِ الظُّلْمِ أَوْ غَيْرِهِ إِنَّهُ عَامٌّ فَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ ، بِدَلِيلٍ فِيهِ صِيغَةُ عُمُومٍ أَوْ لَا ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ هُنَا إِنَّمَا هِيَ الِاسْتِقْرَائِيَّةُ ، الْمُحَصِّلَةُ بِمَجْمُوعِهَا الْقَطْعَ بِالْحُكْمِ حَسْبَمَا تَبَيَّنَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ ، وَالْخُصُوصُ بِخِلَافِ الْعُمُومِ ، فَإِذَا ثَبَتَ مَنَاطُ النَّظَرِ وَتَحَقَّقَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَسَائِلُ :
[ ص: 8 ] المسألة الأولى

إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة ; فلا تؤثر فيها معارضة : قضايا الأعيان ، ولا حكايات الأحوال ، والدليل على ذلك أمور : أحدها أن القاعدة مقطوع بها بالفرض ; لأنا إنما نتكلم في الأصول الكلية القطعية ، وقضايا الأعيان مظنونة أو متوهمة ، والمظنون لا يقف للقطعي ولا يعارضه .

والثاني : أن القاعدة غير محتملة لاستنادها إلى الأدلة القطعية ، وقضايا الأعيان محتملة ; لإمكان أن تكون على غير ظاهرها ، أو على ظاهرها وهي مقتطعة ومستثناة من ذلك الأصل ; فلا يمكن والحالة هذه إبطال كلية القاعدة بما هذا شأنه .

والثالث : أن قضايا الأعيان جزئية ، والقواعد المطردة كليات ، ولا تنهض [ ص: 9 ] الجزئيات أن تنقض الكليات ، ولذلك تبقى أحكام الكليات جارية في الجزئيات وإن لم يظهر فيها معنى الكليات على الخصوص ; كما في المسألة السفرية بالنسبة إلى الملك المترف ، وكما في الغنى بالنسبة إلى مالك النصاب والنصاب لا يغنيه على الخصوص ، وبالضد في مالك غير النصاب وهو به غني .

والرابع : أنها لو عارضتها ; فإما أن يعملا معا ، أو يهملا أو يعمل بأحدهما دون الآخر ، أعني في محل المعارضة ; فإعمالهما معا باطل ، وكذلك إهمالهما ; لأنه إعمال للمعارضة فيما بين الظني والقطعي ، وإعمال الجزئي دون الكلي ترجيح له على الكلي ، وهو خلاف القاعدة ; فلم يبق إلا الوجه الرابع ، وهو إعمال الكلي دون الجزئي ، وهو المطلوب .

فإن قيل : هذا مشكل على بابي التخصيص والتقييد ; فإن تخصيص العموم وتقييد المطلق صحيح عند الأصوليين بأخبار الآحاد وغيرها من الأمور المظنونة وما ذكرت جار فيها ; فيلزم إما بطلان ما قالوه ، وإما بطلان هذه القاعدة ، لكن ما قالوه صحيح ; فلزم إبطال هذه القاعدة .

فالجواب من وجهين : أحدهما أن ما فرض في السؤال ليس من مسألتنا بحال ; فإن ما نحن [ ص: 10 ] فيه من قبيل ما يتوهم فيه الجزئي معارضا وفي الحقيقة ليس بمعارض ; فإن القاعدة إذا كانت كلية ، ثم ورد في شيء مخصوص وقضية عينية ما يقتضي بظاهره المعارضة في تلك القضية المخصوصة وحدها ، مع إمكان أن يكون معناها موافقا لا مخالفا ; فلا إشكال في أن لا معارضة هنا ، وهو هنا محل التأويل لمن تأول ، أو محل عموم الاعتبار إن لاقى بالموضع الاطراح والإهمال كما إذا ثبت لنا أصل التنزيه كليا عاما ثم ورد موضع ظاهره التشبيه في أمر [ ص: 11 ] خاص يمكن أن يراد به خلاف ظاهره ، على ما أعطته قاعدة التنزيه ; فمثل هذا لا يؤثر في صحة الكلية الثابتة ، وكما إذا ثبت لنا أصل عصمة الأنبياء من الذنوب ، ثم جاء قوله : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ونحو ذلك ، فهذا لا يؤثر لاحتمال حمله على وجه لا يخرم ذلك الأصل ، وأما تخصيص العموم ; فشيء آخر لأنه إنما يعمل بناء على أن المراد بالمخصص ظاهره من غير تأويل ولا احتمال ; فحينئذ يعلم ويعتبر كما قاله الأصوليون ، وليس ذلك ما نحن فيه
[ ص: 12 ] فصل

وهذا الموضع كثير الفائدة ، عظيم النفع بالنسبة إلى المتمسك بالكليات إذا عارضتها الجزئيات وقضايا الأعيان ; فإنه إذا تمسك بالكلي كان له الخيرة في الجزئي في حمله على وجوه كثيرة ; فإن تمسك بالجزئي لم يمكنه مع التمسك الخيرة في الكلي ; فثبت في حقه المعارضة ، ورمت به أيدي الإشكالات في مهاو بعيدة ، وهذا هو أصل الزيغ والضلال في الدين ; لأنه اتباع للمتشابهات ، وتشكك في القواطع المحكمات ، ولا توفيق إلا بالله .

ومن فوائد سهولة المتناول في انقطاع الخصام والتشغيب الواقع من المخالفين .

ومثال هذا ما وقع في بعض المجالس ، وقد ورد على غرناطة بعض طلبة العدوة الأفريقية ; فأورد على مسألة العصمة الإشكال المورد في قتل موسى للقبطي ، وأن ظاهر القرآن يقضي بوقوع المعصية منه عليه السلام بقوله : هذا من عمل الشيطان [ القصص : 15 ] وقوله : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي [ القصص : 16 ] [ ص: 13 ] فأخذ معه في تفصيل ألفاظ الآية بمجردها ، وما ذكر فيها من التأويلات بإخراج الآيات عن ظواهرها ، وهذا المأخذ لا يتخلص ، وربما وقع الانفصال على غير وفاق ; فكان مما ذاكرت به بعض الأصحاب في ذلك : أن المسألة سهلة في النظر إذا روجع بها الأصل ، وهي مسألة عصمة الأنبياء عليهم السلام ; فيقال له : الأنبياء معصومون من الكبائر باتفاق أهل السنة وعن الصغائر باختلاف ، وقد قام البرهان على ذلك في علم الكلام ; فمحال أن يكون هذا الفعل من موسى كبيرة ، وإن قيل : إنهم معصومون أيضا من الصغائر ، وهو صحيح ; فمحال أن يكون ذلك الفعل منه ذنبا ، فلم يبق إلا أن يقال : إنه ليس بذنب ، ولك في التأويل السعة بكل ما يليق بأهل النبوة ولا ينبو عنه ظاهر الآيات فاستحسن ذلك ، ورأى ذلك مأخذا علميا في المناظرات ، وكثيرا ما يبني عليه النظار ، وهو حسن ، والله أعلم .
[ ص: 14 ] المسألة الثانية

ولما كان قصد الشارع ضبط الخلق إلى القواعد العامة ، وكانت العوائد قد جرت بها سنة الله أكثرية لا عامة ، وكانت الشريعة موضوعة على مقتضى ذلك الوضع ; كان من الأمر الملتفت إليه إجراء القواعد على العموم العادي ، لا العموم الكلي التام الذي لا يختلف عنه جزئي ما .

أما كون الشريعة على ذلك الوضع ; فظاهر ، ألا ترى أن وضع التكاليف عام ؟ وجعل على ذلك علامة البلوغ ، وهو مظنة لوجود العقل الذي هو مناط التكليف لأن العقل يكون عنده في الغالب لا على العموم ; إذ لا يطرد ولا ينعكس كليا على التمام ; لوجود من يتم عقله قبل البلوغ ، ومن ينقص وإن كان بالغا ، إلا أن الغالب الاقتران .

وكذلك ناط الشارع الفطر والقصر بالسفر لعلة المشقة ، وإن كانت المشقة قد توجد بدونها وقد تفقد معها ، ومع ذلك ; فلم يعتبر الشارع تلك النوادر ، بل أجرى القاعدة مجراها ، ومثله حد الغنى بالنصاب ، وتوجيه الأحكام [ ص: 15 ] بالبينات ، وإعمال أخبار الآحاد والقياسات الظنية إلى غير ذلك من الأمور التي قد تتخلف مقتضياتها في نفس الأمر ، ولكنه قليل بالنسبة إلى عدم التخلف ; فاعتبرت هذه القواعد كلية عادية لا حقيقية .

وعلى هذا الترتيب تجد سائر الفوائد التكليفية .

وإذا ثبت ذلك ظهر أن لابد من إجراء العمومات الشرعية على مقتضى الأحكام العادية ، من حيث هي منضبطة بالمظنات ، إلا إذا ظهر معارض ; فيعمل على ما يقتضيه الحكم فيه ، كما إذا عللنا القصر بالمشقة ; فلا ينتقض بالملك المترف ولا بالصناعة الشاقة ، وكما لو علل الربا في الطعام بالكيل ; [ ص: 16 ] فلا ينتقض بما لا يتأتى كيله لقلة أو غيرها كالتافه من البر وكذلك إذا عللناه في النقدين بالثمنية لا ينتقض بما لا يكون ثمنا لقلته ، أو عللناه في الطعام بالاقتيات ، فلا ينتقض بما ليس فيه اقتيات ، كالحبة الواحدة ، وكذلك إذا اعترضت علة القوت بما يقتات في النادر ; كاللوز ، والجوز ، والقثاء ، والبقول ، وشبهها ، بل الاقتيات إنما اعتبر الشارع منه ما كان معتادا مقيما للصلب على الدوام وعلى العموم ، ولا يلزم اعتباره في جميع الأقطار .

[ ص: 17 ] وكذلك نقول : إن الحد علق في الخمر على نفس التناول حفظا على العقل ، ثم إنه أجري الحد في القليل الذي لا يذهب العقل مجرى الكثير اعتبارا بالعادة في تناول الكثير ، وعلق حد الزنى على الإيلاج وإن كان المقصود حفظ الأنساب ; فيحد من لم ينزل لأن العادة الغالبة مع الإيلاج الإنزال ، وكثير من هذا .

فليكن على بال من النظر في المسائل الشرعية أن القواعد العامة إنما تنزل على العموم العادي .
[ ص: 18 ] المسألة الثالثة

لا كلام في أن للعموم صيغا وضعية ، والنظر في هذا مخصوص بأهل العربية ، وإنما ينظر هنا في أمر آخر وإن كان من مطالب أهل العربية أيضا ، ولكنه أكيد التقرير هاهنا ، وذلك أن للعموم الذي تدل عليه الصيغ بحسب الوضع نظرين : أحدهما : باعتبار ما تدل عليه الصيغة في أصل وضعها على الإطلاق ، وإلى هذا النظر قصد الأصوليين ; فلذلك يقع التخصيص عندهم بالعقل والحس وسائر المخصصات المنفصلة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]