عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-06-2022, 07:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة: "خيركم خيركم لأهله"

خطبة: "خيركم خيركم لأهله"
د. عبدالعزيز حمود التويجري

الخطبة الأولى
الحمد لله العليِّ الأعلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ذو الخُلق الأسمى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].


أخرج الإمام مسلم عن سعد بن هشام، قال: ((دخلت على عائشة رضي الله عنهافقلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خُلُقَ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن))؛ قال ربنا عز وجل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].


يخزُن لسانه إلا فيما يعنيه، ويُكرِم كريم كل قوم ويوليه، يُحسن الحسن ويقويه، ويُقبح القبيح ويوهيه.
نبيٌّ زَكِيٌّ أَريحيٌّ مهذبٌ
شريف مَنيف سربُهُ غيرُ مهملِ




وأولَى الناس بخُلُقِه العظيم وإحسانه الكريم أقربهم إليه: زوجاته وأهل بيته؛ وكان يقول: ((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي)).


ولما حَكَتْ عائشة رضي الله عنها عن أمِّ زَرْعٍ في زوجها حين قالت: ((زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟ أنَاسَ من حُلِّيٍّ أُذُنيَّ، وملأ من شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وبجَّحني فبَجِحتْ إليَّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشَقٍّ، فجعلني في أهل صَهِيلٍ وأطِيطٍ ودائِسٍ ومَنقٍّ، فعنده أقول فلا أُقبَّح، وأرقد فأتصبَّح، وأشرب فأتقنَّح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: كنت لكِ كأبي زرع لأمِّ زرع)).


بل هو عليه الصلاة والسلام أفضل من أبي زرع وأكرم؛ فقد كان في بيته أفضلَ الأزواج، دائم السرور والابتهاج، يملأ البيت أُنسًا ومزاحا، وبِشرًا وأفراحًا، طيب الشذى، عديم الأذى، لطيف المحشَرِ، جميل المظهر، طيب المخبر، لا يعاتب ولا يغاضب، ولا يطالب ولا يضارب، يؤثِر الصَّفْحَ على العتاب، والحِلم على السِّباب، ومن حبه للبنات، وعطفه على الضعيفات، يحمل أمامة، وهو في الإمامة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها، وكان يقوم لفاطمة الزهراء، والدرة الغراء، ويُجلسها مكانه، ويطأ لها أركانَه، فكأنَّ سرور الحياة صُبَّ عليها، وكأن الدنيا وُضعت بين يديها.
يلين لكلِّ ذي ضعفٍ وعجزٍ
وكم لان لذي جهل فَلَانا
رسولٌ يحمِل الأطفالَ لطفًا
ويجعل عاتقَيه لهم حِصَانا
ويختصِر القراءة حين يبكي
صبيٌّ والموفَّق من ألانا
يلاطِف أهلَه أكرِم بزوجٍ
يعِفُّ الأهلَ يغمُرهم حنانا
يقاسِمهم متاعبَهم معينًا
ويخدُمهم فكَمْ وَضَعَ الجِفانا
وعزتُنا بغير الدين ذلٌّ
وقدوتُنا شمائلُ مصطفانا


ألا فاستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عَوان عندكم، وقد أخذتموهن بأمان الله، وإن من حكمة الرجل وأناته أن يحلم حين تجهل عليه المرأة أو تصخب، فإنما خُلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يَزَلْ أعوجَ.


والأب قوام الأسرة ومنه تتلقى القدوة والتربية، فالبيت من بنين وبنات ترتقب أفعاله، وتستنُّ بأخلاقه، وما تصنعه من تعامل وأخلاق مع الزوجة سيخلق طابعًا لهم بعد الزواج، فلتكن أخلاقنا مرآتَنا، وقيمنا تنبُع من تعاملاتنا: ((وما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا يُنزَع من شيء إلا شَانَهُ)).


﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].


وما جعل الله القِوامة للرجل؛ إلا لِما فيه التعقُّل وضبط النفس، وعدم مؤاخذة المرأة حين تراجعه أو تقاطعه؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((كنا - معشرَ قريش - قومًا نغلِب النساء، فلما قدِمنا المدينة، وجدنا قومًا تغلِبهم نساؤهم، فطفِق نساؤنا يتعلمْنَ من نسائهم، قال: فتغضبت يومًا على امرأتي، فإذا هي تراجِعني، فأنكرتُ أن تراجعني، فقالت: ما تنكِر أن أراجِعَك، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنَه، وتهجُره إحداهن اليوم إلى الليل))؛ [متفق عليه].
قمرٌ تسلسلَ من ذُؤابة هاشمٍ
في السِّرِّ منها والصريح الأمجدِ




والرجلُ الشَّهْمُ لا ينتظر رضاه باعتذار زوجته، بل ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].


والتغافُلُ ستْرُ البيوت، والتناصُح قِوام الأسر، والأبوان أركان البيت، فمتى ما كانا متماسكَينِ متعاونَينِ تجمَّلت وتعطَّفت وبرَّت أروقته من بنين وبنات، ودام عزُّها وبقيَ ذخرُها.


إنه لا يستفيد من تزعزُعِ الأسرة والبيت إلا الإعلام الذي ينتظر هاربات البيوت؛ ليصنعهن خنجرًا في خاصرة المجتمع، لينزف ما بقيَ من حيائه وغَيرته وقوامته.


توجهات تنشطت في قلب القِيَم، وعَكْسِ المفاهيم، وتحويل العلاقات العائلية إلى وظيفة رتيبة أشبه بمحاضِنَ تفريخ، عَزَفَ الرجال عن الزواج لوجود السُّبُلِ المحرمة، وتشويه سمعة الرجل ليكن الزواج شبحًا أمام البنت، بينما يريها الإعلام الخادع أن تأمين مستقبلها، وأمان حياتها، هي وحدتها، والعيش من كدِّ يدها، وإرهاق حياتها، فلا سكن للمرأة إلا بزوج تأوي إليه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].


بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات؛ فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]