عرض مشاركة واحدة
  #247  
قديم 07-06-2022, 03:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 296 الى صــــــــ
302
الحلقة (204)



مبحث في إضافة الطلاق إلى المرأة أو إلى جزئها
-إذا قال: طالق فقط ناوياً به طلاق امرأته، ولم يقل: أنت طالق، أو زينب طالق، أو قال: علي الطلاق ولم يقل: من امرأتي، أو من فلانة، أو قال: يد امرأتي، أو رجلها، أو شعرها، طالق، فهل يقع الطلاق عليه بذلك، أو لا؟ في الجواب تفصيل المذاهب (1) .
مبحث إذا قال: أنت حرام أو محرمة أو قال: علي الحرام أو نحو ذلك
-إذا قال لزوجته: أنت علي حرام، أو أنت محرمة، أو قال: حرمت ما أحله لي الله أو نحو هذا، ففي وقوع الطلاق به تفصيل المذاهب (2) .

__________
الحنابلة - قالوا: تنقسم الكنايات إلى قسمين: القسم الأول الكنايات الظاهرة، وهي الألفاظ الموضوعة للبينونة، كما تقدم، وهي ست عشرة كناية:
- 1 - أنت خلية.
- 2 - أنت برية، أو بريئة.
- 3 - أنت بائن.
- 4 - أنت بتة.
- 5 - أنت بتلة.
- 6 - أنت حرة.
- 7 - أنت الحرج، يعني الحرام، والإثم.
- 8 - حبلك على غاربك.
- 9 - تزوجي من شئت.
- 10 - حللت للأزواج.
- 11 - لا سبيل لي عليك.
- 12 - لا سلطان لي عليك.
- 13 - أعتقتك.
- 14 - غطي شعرك.
- 15 - تقنعي.
- 16 - أمرك بيدك.
واختلف فيما يقع بالكناية الظاهرة، فقيل: يقع بها الطلاق الثلاث إذا نوى الطلاق سواء نوى واحدة، أو أكثر أما إذا لم ينو بها الطلاق فلا يقع شيء، وهذا هو المشهور في المتون، وقد روي عن علي وابن عمر،
وزيد بن ثابت، وابن عباس، وأبي هريرة في عدة وقائع، وذلك لأن اللفظ يقتضي البينونة بالطلاق فيقع ثلاثاً بلا فرق بين المدخول بها وغيرها، وقيل يقع به ما نواه، كما يقول الشافعية، واختار هذا جماعة، لما روي من أن ركانة طلق امرأته بقوله: ألبتة، فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فاستحلفه على أنه ما أراد إلا واحدة فحلف فردها له، رواه أبو داود وصححه، وابن ماجة، والترمذي، ولكن البخاري قال: إن في هذا الحديث اضطراباً، وعلى هذه الرواية إذا نوى الطلاق ولم ينو عدداً لا واحدة ولا لأكثر لزمته طلقة واحدة كما إذا نوى واحدة، فإذا نوى أكثر لزمه ما نواه، وعلى كل حال فيشترط لوقوع الطلاق بالكناية سواء كانت ظاهرة، أو خفية - وهي الآتي بيانها في
القسم الثاني - شرطان:
الشرط الأول: أن ينوي بها الطلاق، لأن اللفظ يحتمل غير الطلاق، فلا يتعين الطلاق إلا بالنية، ويقوم مقام النية دلالة الحال كما إذا كانت بينهما خصومة، أو كان في حالة غضب، أو كان جواب سؤالها الطلاق، ففي هذه الحالة يقع الطلاق بالكناية ولو بلا نية لأن دلالة الحال تغير حكم الأقوال والأفعال، فإذا ادعى في حال الغضب أو في حال سؤالها الطلاق. أو في حال الخصومة انه لم يرد به الطلاق فإنه لا يسمع منه قضاء، ولكن بينه وبين الله لا يقع عليه شيء إن كان صادقاً، أما في غير هذه الأحوال، كما إذا كان في حالة رضا ولم تسأله طلاقها، وقال لها: أنت بائن، وادعى أنه لم ينو طلاقاً فإنه يسمع منه قضاء أيضاً، لأن النية خفية، وقد نوى ما يحتمله اللفظ.
والحاصل أنه لا يقع طلاق بلفظ الكناية إلا بالنية، سواء كانت ظاهرة أو خفية ثم إن أمر النية موكول للمطلق قضاء وديانة إلا أنه إذا نوى الطلاق ولم ينو عدداً فإنه في الكنايات الظاهرة يقع به الثلاث على المشهور، وكذا إذا نوى واحدة، أما على القول الثاني وهو أنه لا يقع بالكنايات إلا ما نوى، فإنه إذا نوى طلاقاً ولم ينو عدداً وقعت عليه طلقة واحدة كما إذا نوى واحدة، فإذا نوى أكثر وقع ما نواه.
هذا في النية، أما في دلالة الحال فإنه لا يقبل دعوة عدم نية الطلاق قضاء، ولكن بينه وبين الله يعامل بما نواه.
الشرط الثاني: أن تكون النية مقارنة للفظ الكناية، فإذا قال لها: أنت بتة ولم يرد بها طلاقاً ثم نوى الطلاق بها بعد انقضاء النطق فإنه لا يقع بها شيء، وكذا إذا ترك النية في أول جزء من لفظ الكناية ونوى في الجزء الثاني فإنه لا يقع بها شيء، أما إذا نوى في أول جزء وترك النية في الجزء الثاني فإنه يقع.
القسم الثاني: الكناية الخفية، لأنها أخفى في دلالتها على الطلاق من الأولى، وهي ألفاظ: منها أخرجي، اذهبي، ذوقي، تجرعي، خليتك، أنت مخلاة، أنت واحدة، لست لي امرأة، اعتدي، استبرئي رحمك، اعزبي، الحقي بأهلك، لا حاجة لي فيك، ما بقي شيء، أعفاك الله أراحك الله مني، اختاري، جرى القلم. ومنه لفظ الفراق، والسراح، وما تصرف منهما، وكذا طلقك الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة، وأبرك الله لك.
وحكم هذه أنه إن لم ينو بها الطلاق فلا يلزمه شيء، وإن نوى الطلاق ولم ينو عدداً لزمه طلاق واحدة، وإن نوى واحدة أو أكثر لزمه ما نواه، ويشترط في وقوع الطلاق بها الشرطان المتقدمان في الكناية الصريحة) .
(1) (الحنفية - قالوا: اختلفت أنظار الباحثين في إضافة الطلاق إلى المرأة، فقال بعضهم: لا يقع الطلاق إلا إذا أسنده إلى شيء يعبر به عن المرأة بأن يذكرها باسمها، فيقول: زوجتي زينب طالق، ويسمى هذا إضافة لفظية، أو يذكرها بالضمير، كأنت طالق. أو طالقتك أو باسم الإشارة كهذه طالق، أو باسم الجنس، كأمرأتي طالق، ويسمى هذا إضافة معنوية، فإذا لم يضف الطلاق إلى المرأة بأن يذكر اسمها صريحاً لفظاً، أو يذكر لفظاً يدل عليها فإنه لا يقع عليه الطلاق ولو نوى به الطلاق، فإذا قال لها: لا تخرجي من غير إذني لأنني حلفت بالطلاق ونوى بذلك طلاقها فخرجت فإنه لا يقع عليه شيء، وذلك لأنه لم يضف الطلاق إلى المرأة، أما لو قال لها، حلفت بطلاقك فإنه يقع، وكذا لو قال شخص لآخر: اذهب معي لزيارة فلان فقال: إني حلفت بالطلاق أن لا أزوره، وهو كاذب في ادعاء الحلف، ثم ذهب لم يقع عليه الطلاق لعدم إضافته إلى المرأة، وإذا قال علي الطلاق لا أفعل كذا، ولم يقل من امرأتي، أو من هذه، أو من زينب مثلاً، أو منك، وفعل فإنه لا يلزمه طلاق، ولو نوى الطلاق.
وقال بعضهم: إذا نوى طلاقها لزمه الطلاق، وذلك لأن نية الطلاق تجعل الإضافة إلى المرأة موجودة، فكأنه قال: حلفت بالطلاق منك أو بطلاقك، ولكن بعض المحققين من شيوخنا رجح الرأي الأول، وجعله مدار الفتوى، مستدلاً بأن المذهب اشترط إضافة الطلاق إلى المرأة بذكر اسمها أو ما يدل عليها من ضمير أو اسم إشارة، أو لفظ عام، أما نية الإضافة فإنها لا تكفي وعلى هذا لا تعتبر صيغة الطلاق إلا إذا ذكر فيها ما يدل على المطلقة، ولا يرد أن العرف قد استعمل كلمة عليّ الطلاق، وعليّ الحرام في تطليق الزوجة، والعرف يعمل به عند الحنفية، فينبغي أن يقع به الطلاق بدون إضافة، والجواب أن العرف لا يعول عليه إذا ناقض نصاً صريحاً أو خالف شرطاً من الشروط. وقد عرفت أنهم قد اشترطوا أن يضاف الطلاق إلى المرأة لفظاً لا نية، بأن يذكر ما يدل عليها من اسم صريح، أو ضمير، أو نحو ذلك، ومتى ثبت ذلك فلا معنى للعمل بالعرف الذي يناقض هذا الشرط، وهذا الرأي حسن، وينبغي أن يعمل به في زماننا خصوصاً بعد أن أصبح معمول به في القضاء والافتاء أن تعليق الطلاق يبطله، فلو فرضنا ونظرنا إلى العرف فإنه الآن قد أصبح متعارفاً بين الناس أن - عليّ الطلاق - لا يقع به الطلاق حتى لو أضافه إلى المرأة، كما أنه أصبح متعارفاً بين الناس أن الطلاق الثلاث لا يقع به إلا واحدة، فالنظر إلى العرف يقضي أن تكون الفتوى الآن على أن الطلاق المعلق المضاف لا يقع به شيء عند الحنفية، وأن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة لا يقع به إلا واحدة عندهم.
ويتفرع على اشتراط إضافة الطلاق إلى المرأة أن الرجل إذا أضاف الطلاق إليه دونها فإنه يلغو ولا يعمل به، مثلاً إذا قال لها: أنا منك طالق، أو أنا منك بريء لا يقع به شيء ولو نوى به طلاقها لأنه أضاف الطلاق إلى نفسه والرجل ليس محلاً للطلاق، بخلاف ما إذا قال لها: أنا منك بائن، أو منك حرام أو أنا عليك حرام وذلك لأن معنى الإبانة الانفصال وإزالة ما بينهما من وصلة ومعنى التحريم إزالة حل الاستمتاع الحاصل بينهما، ولا يخفى أن المعنيين مشتركان بين الرجل والمرأة، فيصح نسبتهما إلى كل واحد منهما، فلو قال أنا بائن ولم يقل منك، أو قال أنا حرام ولم يقل عليك فإنه لا يقع به شيء ولو نوى الطلاق، لأنه لم يضفه إلى المرأة بل أضافه إلى نفسه فقط. والشرط أن يضيفه إليها، فإذا قال لها: أنت بائن ولم يقل مني، أو قال: أنت حرام ولم يقل علي، فإنه يلزمه بالنية، لأنك قد عرفت أن هذه الألفاظ من باب الكنايات، على أنه إذا جعل الزوج أمر طلاق المرأة بيدها وقالت له: أنت بائن مني ولم تقل وأنا منك بائنة، فإنها لا تطلق وذلك لأنها وإن حلت محل الزوج في إيقاع الطلاق، ولكنها لم تضف الطلاق إلى نفسها فلا يقع.
وبهذا تعلم أن الطلاق الصريح إذا أضافه إليه لا يقع حتى ولو أضافه إليها أيضاً، وأن الكناية التي
يكون معناها مشتركاً بينهما إذا أضافها إليه وإليها ونوى بها الطلاق وقع، كأنا منك بائن، وإذا أضافها إليها وحدها دونه فإنه يصح ويقع، كما إذا قال لها: أنت بائن أنت حرام وإذا أضافها إليه وحده كأنا بائن فإنه لا يقع بها شيء، وإذا جعل أمرها بيدها فإنه لا يقع إلا إذا أضافته إلى نفسها وأضافته إليه، فيقول: أنا منك بائنة، أنت مني بائن، أنا حرام عليك، أنت حرام علي.
والحاصل أن الحنفية قالوا: يشترط لإيقاع الطلاق أن يضاف إلى المرأة بأن يأتي باسمها، أو يأتي بالضمير الدال عليها، سواء كان ضمر خطاب كأنت طالق، أو ضمير غيبة، كهي إذا أعاد الضمير عل امرأته، أو اسم إشارة عائد إليها، كهذه طالق، فهذه الألفاظ تدل على المرأة وضعاً، ويقوم مقام ذلك ذكرها بجزئها، بشرط أن يكون ذلك الجزء شائعاً في بدنها، كالنصف، والثلث، والربع، أو يعبر به عن المرأة، بمعنى أنه يشتهر التعبير بذلك الجزء عن جميع الذات، وذلك، كالرقبة والعنق، والبدن، والجسد، والفرج، والوجه، والرأس، فإن هذه الألفاظ قد اشتهر استعمالها في ذات الإنسان، فأما الفرج فقد ورد "لعن الله الفروج على السروج" وأما غيره من الألفاظ فاستعمالها في الذات ظاهر، فلا يقع بالإضافة إلى المرأة إلا إذا وجد أحد الأمرين: الإضافة إلى الجزء الشائع من نصف وثلث الخ، لأن الطلاق لا يتجزأ، أو الإضافة إلى جزء اشتهر استعماله في الكل حتى أصبح حقيقة عرفية. أما إذا لم يكن جزءاً شائعاً، أو لم يكن جزءاً يستعمل في الكل عرفاً فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوى به المجاز، بأن ينطق بالجزء وينوي به الكل لعلاقة الجزئية، فإذا قال: يدك طالق ولم تكن اليد مشتهرة في التعبير بها عن الكل عند الناس لا تطلق إلا إذا أراد باليد جميع المرأة ومثل اليد الرجل، والفخذ، والشعر، والأنف، والسن، والريق، والعرق، والثدي، والدبر. أما الاست فقد قالوا: إنه يقع به لأنه وإن كان مرادفاً للدبر، ولكن اشتهر استعماله في جميع المرأة، ومثله البضع، فإنه وإن كان مرادفاً للفرج ولكن لا يقع به لأنه لم يشتهر استعماله في الجميع. وكذلك الظهر، والبطن، فإنهما لم يشتهر استعمالهما في الكل فلا يقع بهما، فإذا اشتهر استعمالهما في الكل عند قوم وقع بهما بدون نية المجاز.
فالمدار على شهرة استعمالها في الكل بحيث لو اشتهر استعمال اليد في الكل وقع بها بدون نية المجاز وهكذا.
وبالجملة فأجزاء الجسم منها ما يقع به الطلاق بدون نية المجاز، وهي الأجزاء الشائعة والأجزاء التي اشتهر استعمالها في الكل بدون قرينة، كالرقبة الخ، ومنها ما يقع به الطلاق إذا نوى به استعماله في جميع البدن كاليد ونحوها. ومنها ما لا يقع به شيء حتى ولو نوى به جميع البدن، كالريق، والسن، والشعر، والظفر، والعرق لأن هذه لم يعهد التعبير بها عن الإنسان. ومثلها الأجزاء الباطنية التي لا يستمتع بها، كالقلب، والكبد، والطحال، فإنه إذا أضاف الطلاق إليها لا يقع ولو نوى بها جميع بدنها.
هذا، وإذا قال لها: روحك طالق أو نفسك طالق، فإنها تطلق لأنهما يعبر بهما عن الكل، كما لا يخفى.
الشافعية - قالوا: إذا قال لزوجته: طالق، ولم يقل أنت، فإنه لا يقع به الطلاق، ولو نوى تقدير أنت إلا إذا قال: - طالق - في جواب سؤال المرأة طلاقها، فإذا قالت له: هل تطلقني؟ فقال لها: طالق لزمه الطلاق حينئذ، ومثل ذلك ما إذا قال لها: حرام علي ولم يقل: أنت، فإنه لا يقع به الطلاق، ولو نوى تقدير أنت، وهذا بخلاف عليّ الطلاق، أو الطلاق يلزمني، أو عليّ الحرام أو الحرام يلازمني لا أفعل كذا، فإنه يقع به الطلاق، وإن لم يضفه إلى المرأة، فلا يشترط في إيقاعه عندهم أن: علي الطلاق من فلانة، أو منك، أو من امرأتي، بل لو قال: علي الطلاق وسكت فإنه يكون بمنزلة أنت طالق على الصحيح، وبعضهم يقول: إنه لا يقع به الطلاق إلا بالنية فهو من باب الكناية لا من باب الصريح، فلو قال لزوجته: أنا منك طالق وأضاف الطلاق إلى نفسه لا إليها ونوى به الطلاق فإنه يقع، وقد عرفت أن الرجل وإن كان ليس محلاً للطلاق ولكن لما كان مقيداً بالنسبة لزوجته من بعض الوجوه بحيث لا يجوز له أن يتزوج أختها أو يتزوج خامسة عليها إن كان متزوجاً لأربع، فإنه يصح أن ينسب إليه الطلاق، فيقال: إنه طالق من هذا القيد، فإذا نوى به الطلاق لزمه، وكذا إذا قال لها: أنا منك بائن، ونوى به الطلاق فإنه يلزمه الطلاق.
وكما يقع الطلاق بإضافته إلى المرأة يقع بإضافته إلى جزئها المتصل بها، كيد، وشعر، وظفر، ودم، وسن، فخرج بقوله: جزئها إضافة الطلاق وإلى فضلتها كريقها، ومنيها، ولبنها، وعرقها، فإنه لا يقع به شيء، وبقوله: المتصل بهذا الجزء المنفصل، كما إذا قال لمقطوعة اليمين: يمينك طالق فإنه لا يقع به شيء.
المالكية - قالوا: كل لفظ ينوي به الطلاق يقع به الطلاق، فلو قال: طالق بدون إضافة إلى المرأة أو إلى جزئها ونوى طلاقها واحدة أو أكثر لزمه ما نواه حتى لو قال لها: اسقيني ونوى طلاقها ثلاثاً لزمه الثلاث، على أنهم قالوا: إن الصريح يقع به الطلاق وإن لم ينو. وقد عرفت أن ألفاظ الصريح منحصرة في أربعة: منها أن يقول لها أنا طالق منك، فهو صريح يقع به الطلاق وإن لم ينو مع كونه أضاف الطلاق إلى نفسه لا إلى المرأة، خلافاً للحنفية والحنابلة فإنهم يقولون: إنه لا يقع به الطلاق ولو نواه، وخلافاً للشافعية الذين يقولون: إنه يقع به الطلاق إذا نواه.
فإذا صرح بإضافة الطلاق إلى جزء المرأة، فإن كان الجزء متصلاً وكان من المحاسن التي يتلذذ بها الرجل، كالشعر، والريق - فإن الريق يتلذذ به - والعقل، والكلام، لأنهما من الأمور التي توجب إعجاب الرجل والتذاذه قطعاً، خصوصاً الكلام إذا كان رقيقاً فإن اللذة به محسة، فإنه يقع به الطلاق أما إذا كان الجزء منفصلاً ونوى الإضافة إليه، كما إذا قال لها: شعرك طالق، وأراد شعرها الذي حلقته فإنها لا تطلق، وإذا لم ينو المتصل ولا المنفصل تطلق، ولو أضاف الطلاق إلى جزء لا يتلذذ به: كالسعال، والمخاط ودمع العين فإنها لا تطلق.
هذا، وقد صرح المالكية بأن الرجل الذي يقول هذا يكون آثماً فيحرم عليه أن يطلق بعض تطليقة، أو يطلق المرأة، وإذا فعل يؤدب عليه.
الحنابلة - قالوا: الإضافة إلى المرأة لا تشترط في الطلاق الصريح، إنما يشترط أن لا يضيف الرجل الطلاق إليه، فلو قال: علي الطلاق، أو الطلاق يلزمني، أو يلزمني الطلاق، أو علي يمين بالطلاق ولم يذكر المرأة، أو لم ينم به الطلاق يلزمه، وإذا نوى به أكثر من واحدة لزمه ما نواه، فلو نوى بقوله: علي الطلاق أو أنت طالق طلاق امرأته ثلاثاً لزمه الثلاث، أما إذا قال: أنا طالق منك ونوى به الطلاق فإنه لا يقع به شيء، لأن الرجل قد أضاف الطلاق إلى نفسه، وهو غير محل للطلاق.
وكما يقع الطلاق بإضافته إلى المرأة يقع بإضافته إلى جزء متصل بها، فلو قال لها، نصفك طالق أو جزء منك طالق طلقت، وكذا إذا قال لها: يدك طالق وكانت لها يد، أو قال لها: أصبعك طالق فإنها تطلق، أما إضافة الطلاق إلى الأجزاء البعيدة، كالشعر، والظفر، والسن فإنها لا تطلق بها، ومثلها الإضافة إلى الفضلات، كالريق، والمني، والبصاق، ونحو ذلك. وكذا الإضافة إلى الصفة كالبياض، والسواد، وإذا قال لها: روحك طالق لا تطلق لأن الروح لا يستمتع بها وليست جزءاً بل هي أمر معنوي، أما إذا قال: حياتك طالقة، فإنها تطلق لأنها لا بقاء لها إلا بالحياة) .
(2) (الحنفية - قالوا: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام أو محرمة، أو حرمتك علي أو حرمت نفسي عليك، فإنه ينظر فيه إلى العرف، فإن كان المتعارف بين الناس استعمال هذه الألفاظ في الطلاق البائن وقع بائناً أو في الطلاق الرجعي وقع رجعياً. ولا يلزم في وقوعه النية لأنه في هذه الحالة يكون من باب الصريح لا من باب الكناية، لأنه متى تعورف استعمال أنت محرمة في الطلاق كان مثل قوله: أنت طالق بلا فرق، أما إذا كان العرف لا يستعملها في الطلاق إلا بالنية كانت من باب الكناية لا يقع بها شيء إلا بالنية، ولكن العامي لا يفرق في استعمالها بين الطلاق البائن والطلاق الرجعي، وإنما يستعملها في تحريم وطء المرأة والاستمتاع بها، وهذا لا يكون إلا بالطلاق البائن، لأن الطلاق الرجعي لا يحرم الاستمتاع بالمرأة عند الحنفية فيتعين حمل طلاق العامي بهذه العبارات على البائن، أما الذي يعرف الفرق فيعمل بنيته، وهذا لا ينافي كونه ملحقاً بالصريح، لأنك قد عرفت أن الصريح نفسه ينقسم إلى رجعي، وبائن، فإذا نوى به عدداً فإنه يلزمه، فلو قال: أنت حرام ونوى به الثلاث لزمه الثلاث، بخلاف ما إذا نوى به طلقتين، فإنه لا يلزمه إلا واحدة كما تقدم في الكناية.
وإذا عرفت أن المدار في إيقاع الطلاق بهذه العبارات على العرف تعلم أنه إذا كان العرف لا يستعمل هذه الألفاظ في الطلاق أصلاً، لا صريحاً، ولا كناية فإنه لا يقع بها شيء أصلاً، فالتقوى بإيقاع الطلاق بهذه الألفاظ تتبع العرف.
هذا إذا أضافها إلى المرأة كما هو واضح في الأمثلة المذكورة، أما إذا لم يضفها إلى المرأة كأن قال: علي الحرام ولم يقل: منك، أو قال: الحرام يلزمني، أو كل حل عليّ حرام، أو قال: علي الطلاق. أو الطلاق يلزمني، فقد عرفت انه لا يقع به شيء، لأنهم قد اشترطوا إضافة الطلاق إلى المرأة بذكر ما يدل عليها من اسم، أو ضمير، أو إشارة، والعرف لا يغير الشرط. فلو قال: علي الحرام من امرأتي، أو من زينب، أو منك أو من هذه، فإن كان العرف يستعمله في الطلاق الصريح وقع بدون نية، وإن كان يستعمله في الطلاق كناية وقع الطلاق بالنية، وإذا لم يستعمله في الطلاق أصلاً لم يقع به شيء.
هذا، وإذا قال: علي الطلاق منك لا أفعل كذا ونوى به الثلاث فإنها تلزمه، لأن الطلاق المذكور بلفظ الجنس الذي يصدق بالواحد والكثير، فإذا نوى به اثنتين فإنه لا يصح. المالكية - قالوا: لو قال لها: أنت علي حرام، أو أنت حرام، وإن لم يقل: علي. أو أنا منك حرام كان ذلك من الكنايات الظاهرة التي يلزم بها الطلاق بدون نية، ثم إن كانت الزوجة مدخولاً بها لزمه الطلاق الثلاث بصرف النظر عن كونه نوى واحدة، أو أكثر، وإن كانت غير مدخول بها ولم ينو عدداً لزمه الثلاث أيضاً، وإن نوى عدداً لزمه ما نواه، سواء كان واحدة، أو أكثر، أما إذا قال: الحلال علي حرام، أو حرام علي ما أحل لي، أو ما أرجع إليه حرام، فإنه إذا نوى إخراج زوجته واستثناءها من المحرم عليه، فإنه يصح، ولا تحرم، وإلا حرمت، لأن قوله: الحلال علي حرام يشمل جميع ما أحله الله له وهو لا يملك إلا تحريم زوجته، فإذا نواه حرمت وإلا فلا، وإذا قال لها: الحرام حلال، ولم يقل علي، أو قال: حرام علي، أو علي حرام، ولم يقل: أنت، أو قال: يا حرام، فإنه إذا نوى إخراج امرأته من الحرام فلا يلزمه شيء، وإن نوى إدخالها كان كناية صريحة يلزم به الثلاث في المدخول بها وغيرها إن ينو في غير المدخول بها عدداً، وإذا حرم جزءاً منها كأن قال: وجهك علي حرام فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها بدون نظر إلى نيته، ويلزمه الثلاث في غير المدخول بها إن لم ينو عدداً، فإن نوى عدداً لزمه ما نواه، فإذا قال لها: وجهك على وجهي حرام - بتخفيف اللام - ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يلزم به شيء إلا بالنية.
وثانيهما: أنه مثل قوله: وجهك علي حرام، وهو الراجح، أما إذا قال لها: ما أعيش فيه حرام، فإن فيه خلافاً، فبعضهم قال: إنه مثل وجهك علي حرام، وبعضهم قال: إنه لا يلزمه به شيء إلا بالنية، وهو الظاهر، لأن الزوجة ليست من العيش فلم تدخل إلا بالنية.
هذا، وقد عرفت أن المالكية يعولون على العرف في الكناية الظاهرة، فيقولون: إن كل لفظ لا يصطلح الناس على استعماله في الطلاق ولا يتعارفون بينهم عليه لا يقع به شيء إلا بالنية. لأنه يكون كناية خفيفة لا ظاهرة.
الحنابلة - قالوا: إذا قال: علي الحرام، أو يلزمني الحرام، أو الحرام يلزمني، فقال بعضهم: إنه كناية فيكون طلاقاً بالنية، وقال بعضهم: إذا نوى تحريم المرأة يكون ظهاراً، والصحيح أن العرف معتبر في ذلك، فإن كان يستعمله في الطلاق كان كناية، وإن كان يستعمله في الظهار كان ظهاراً، وإذا قال لها: أنت علي حرام، أو ما أحل الله علي حرام، أو الحل علي حرام، أو حرمتك، فإن ذلك يكون ظهاراً حتى ولو نوى به الطلاق لا يلزمه، ومثل ذلك ما إذا قال: فراشي علي حرام، ونوى به امرأته فإنه يكون ظهاراً، وإذا قال لها أنا منك حرام، فإنه لا يقع به شيء.
الشافعية - قالوا: إذا قال لها: أنت علي حرام، أو أنت على الحرام، أو حرمتك، فإن هذه الألفاظ تصلح لأن تكون كناية عن الطلاق وعن الظهار، فإذا نوى بها الطلاق وقع، سواء نوى واحدة، أو أكثر، وكذا إذا نوى بها الظهار، فإنه يصح ويلزمه كفارة الظهار الآتي بيانها، وإذا نوى بها الطلاق، والظهار جميعاً، فإن كان المنوي أولاً الظهار عومل بهما جميعاً فيكون عليه كفارة ظهار ويلزمه الطلاق الذي نواه، أما إذا كان المنوي أولً الطلاق فإن كان بائناً، ثم نوى الظهار فهو ملغى لا كفارة له، لأنها بانت منه أولاً، فأصبحت غير محل للظهار، وإن كان رجعياً، ثم نوى الظهار وقف العمل بالظهار فإذا راجعها عاد الظهار ولزمته كفارته، وإلا فلا، وهذا هو المعتمد.
أما إذا نوى بها تحريم عين المرأة أو تحريم فرجها، أو بدنها، أو جزء من أجزائها، فإنه لا يلزم بذلك طلاق، لأن هذه الأشياء أعيان، والأعيان لا توصف بالتحريم، وكذا إذا لم ينو بها شيئاً من طلاق أو ظهار، فإنه لا يلزمه شيء، فإذا قال لامرأته: حرمتك، وهو ينوي تحريم جسمها، أو فرجها، ثم وطئها كان عليه كفارة يمين، وإنما تلزم كفارة اليمين إذا لم يقم بالزوجة مانع وقت قوله لها: حرمتك، كأن كانت في حالة إحرام بالنسك، وقد اختلف في الحائض والنفساء، فقيل: إذا كانت حائضاً، أو نفساء، وقال لها: حرمتك فلا كفارة عليه، وقيل بل عليه كفارة. فإذا حرم عيناً غير زوجته، كأن قال: شرابي علي حرام أو لباسي، كان لغواً من القول لا شيء فيه لأنه غير قادر على تحريم ما أحل الله له.
وإذا قال: علي الحرام، أو حلال الله علي حرام، أو الحرام يلزمني، أو علي الحلال، فإنها كناية يلزم بها ما نواه، وإن اشتهر استعمالها في الطلاق، وذلك لأنها لم توضع للطلاق بخصوصه، ومثلها الألفاظ المتقدمة وهي أنت حرام وما بعدها، فإنها وإن اشتهر استعمالها في الطلاق إلا أنها لم توضع له بخصوصه، فلذا لم تكن طلاقاً صريحاً على المعتمد، ونظر فيها إلى النية) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]