عرض مشاركة واحدة
  #244  
قديم 07-06-2022, 03:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,388
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 262 الى صــــــــ
274
الحلقة (201)


الشافعية - قالوا: ينقسم الطلاق من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام: الأول: السني. الثاني: البدعي. الثالث: ما ليس بسني ولا بدعي، فالسني يتحقق بقيود أربعة:
الأول: أن تكون المرأة مدخولاً بها، فإن لم تكن مدخولاً بها فإن طلاقها لا يوصف بكونه سنياً أو بدعياً.
الثاني: أن تكون ممن يعتد بالإقراء - جمع قرء - وهو الطهر من الحيض، لأن العدة عند الشافعية تعتبر بالطهر لا بالحيض، فلو طلقها قبل أن ينتهي طهرها بزمن يسير ثم حاضت، فإن الزمن اليسير من الطهر يحسب لها طهراً كاملاً كما سيأتي في العدة، فإذا كانت يائسة من الحيض، أو كانت صغيرة لا تحيض، أو كانت حاملاً بوطء العقد الصحيح، أو طلب أن يخالعها، وهي حائض، فإن طلاقها لا يوصف بكونه سنياً، ولا بدعياً، وكذلك لأن عدتها معروفة ولا اشتباه فيها، فإن الصغيرة واليائسة من الحيض تعتد بثلاثة أشهر، والحامل تعتد بوضع الحمل، فلا يتصور تطويل العدة عليهن، فإذا كانت الحامل ممن يحضن حال الحمل، فإنه يصح طلاقها وهي حائض إذا كان حملها ظاهراً، فإن لم يظهر
حملها وطلقها وهي حائض فطلاقها بدعي لأنه قد يؤدي إلى الندم بعد ظهور الحمل، فإن الرجل قد يندم على طلاقها ثلاثاً مع وجود ولده معها، أما الحامل من زنا، أو الحامل من الوطء بشبهة، فإن طلاقها وهي حامل بدعي، فإذا تزوج شخص امرأة غير حصينة فأباحت نفسها لغيره وهو غائب عنها فحملت من الزاني ثم حضر الزوج وأنكر حملها فإنه لا يجوز له أن يطلقها في هذه الحالة، بل يمسكها حتى تضع حملها وتطهر من النفاس وذلك تطويل عليها، وإذا كانت تحيض وهي حامل فإن له أن يطلقها بعد أن تطهر من حيضها حتى ولو جامعها في هذا الطهر، لأنها حبلى فلا يتصور حبلها مرة أخرى.
هذا هو ظاهر كلام الشافعية، وهو كما يظهر تطبيق للقاعدة المقررة لهذا، وهي أنه يحرم تطويل العدة على المرأة، بل يجب أن يطلقها الرجل فتشرع في العدة بدون إبطاء عملاً بقوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} أي لوقت الشروع في عدتهن، كما ستعرفه قريباً، ولكن قد يقال: إن الزانية لا تستوجب هذه الرأفة، لأن الزانية التي ثبت كونها زانية تستحق الرجم، وهو أكبر عقوبة دنيوية، فكيف يعقل أن يرأف الشارع بها فيأمر بعدم تطويل عدتها؟ على أن للرجل المعذرة في عدم الصبر على البقاء معها لما يلحقه من المذمة والعار، والفرار من هذا مطلوب شرعاً، ولذا قال بعض المحققين من الشافعية: أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لمن زنت وهي بعيدة عنه ثم تزوجها وهي حامل من الزنا، فإنه في هذه الحالة يكون راضياً بها، فلا يصح له أن يطلقها إلا في حال طهرها أن حاضت وهي حامل، وإلا فإنه يجب عليه إمساكها حتى تضع حملها وتطهر ثم يطلقها بعد ذلك، وهو وجيه، وإن كان الظاهر من كلامهم الإطلاق كما ذكرنا، أما الموطوءة بشبهة، وهي التي ظنها شخص امرأته فوطئها وهي نائمة لا تدري أو نحو ذلك مما تقدم، ثم حملت من هذا الوطء فإنه لا يصح طلاقها وهي حامل مطلقاً، سواء كانت تحيض وهي حبلى، أو لا، فإن حاضت ثم طهرت من الحيض وهي حامل فإنه لا يصح له طلاقها بل يجب إمساكها حتى تضع الحمل ثم تطهر من النفاس ثم يطلقها بعد ذلك.
القيد الثالث: أن يكون طلاقها في الطهر، سواء كان في ابتداء الطهر، أو في وسطه، أو في آخره، بشرط أن ينطق بالطلاق قبل أن ينزل بها الحيض، فلو نطق ببعض لفظ الطلاق وهي طاهرة واللفظ الثاني وهي حائض، بأن قال لها: أنت، وهي طاهرة، ثم نزل بها الدم، فقال لها: طالق فالطلاق يكون بدعياً، ولكن لا إثم فيه، ولا يحسب لها هذا الطهر الذي وقع فيه لفظ أنت بدون طالق، خلافاً لمن قال: إنه طلاق سني، وإن اللحظة التي وقع فيها لفظ أنت تعتبر طهراً كاملاً، ومثل ذلك ما إذا طلقها مع آخر وقت حيضها فإن طلاقها وإن كان حال الحيض ولكن لم يطول عليها العدة لأنها ستشرع في العدة عقب الطلاق مباشرة، وكذا إذا علق طلاقها بمضي بعض الطهر، كأن قال لها: أنت طالق إذا مضى نصف طهرك أو ثلثه أو بعضه، ومثله إذا علق على آخر حيضها، كأن قال لها: أنت طالق عند آخر حيضك، لأنه في كل هذه الأحوال يتحقق الغرض من الطلاق السني وهو عدم تطويل عدة المطلقة.

القيد الرابع: أن يكون الطلاق في طهر لا وطء فيه، ولا وطء في الحيض الذي قبله لجواز أن تحمل ولم يظهر حملها فيقع في الندم.
فهذا هو الطلاق السني عند الشافعية، ومحصله أن يطلق الرجل زوجته المدخول بها التي تحيض في طهر لم يطأها فيه، ولا في الحيض الذي قبله إذا كانت غير حامل، أو كانت حاملاً من الزنا لا تحيض فيه، ويقابله الطلاق البدعي، وهو ما وجد فيه عكس القيود التي ذكرت في السني، وهي أولاً: أن يطلق امرأته المدخول بها وهي في أول حيضها، أو نفاسها، أو في وسطه، أما إذا طلقها في آخر وقته فإنه لا يكون بدعياً، ثانياً: أن لا يطلقها وهي حامل من زنا إذا كانت لا تحيض وهي حامل، وإلا فإنه يصح في هذه الحالة أن يطلقها بعد الطهر من الحيض، ولو وطئها، لأنه لا يتصور حملها ثانياً، كما تقدم، فإن كانت لا تحيض فإن عليه إمساكها حتى تلد ثم يطلقها.
هذا إذا تزوجها وهي حامل من الزنا، أما إذا زنت وهي زوجة له فإنه يطلقها بدون انتظار، أما إذا كانت حاملاً من وطء بشبهة فإنه لا يطلقها إلا إذا وضعت الحمل ثم طهرت من النفاس، سواء كانت تحيض وهي حامل، أو لا، أما الحامل من الوطء بالعقد الصحيح فإنه لا يطلقها متى ظهر حملها بدون انتظار، لأنه عرف أن الولد له، وأنه لا يندم على فراقها، ثالثاً: أن لا يتعلق طلاقها على بعض حيضها، أو على آخر لحظة من طهرها، رابعاً: أن لا يطلقها في آخر وقت الطهر بحيث ينزل لها الحيض قبل أن يكمل طلاقها. خامساً: أن لا يطلقها في طهر جامعها فيه. أو في حيض قبله.
أما القسم الثالث وهو ما لا يوصف بكونه سنياً، ولا بدعياً. فهو طلاق غير المدخول بها. والصغيرة التي لا تحيض، والآيسة من الحيض، والحامل من وطء العقد الصحيح، فإن هذا الطلاق جائز متى تحقق فيه شرط الجائز، وهو أن يكون الرجل غير محب لزوجته، فلا يطيب له الاستمتاع بها ولا ترضى نفسه بالانفاق عليها بدون استمتاع، فإنه يباح له في هذه الحالة طلاقها فإذا كانت صغيرة أو آيسة من الحيض فله أن يطلقها متى انصرفت نفسه عنها بكره في أي وقت وبأي طلاق، ومثل ذلك ما إذا كانت، غير مدخول بها ورآها فكرهها ولم تتجه نفسه إلى الاستمتاع بها، فإنه يباح له طلاقها كذلك، ولكن هذا الطلاق لا يوصف بسني. ولا بدعي بالمعنى المتقدم، لأنك قد عرفت أن السني هو ما اجتمعت فيه قيود أربعة: أن تكون المرأة مدخولاً بها، وأن لا تكون في أول حيضها أو نفاسها أو وسطهما، وأن تكون في طهر لم يجامعها فيه، وأن لا تكون حبلى من زنا أو من وطء بشبهة على التفصيل المتقدم، والبدعي بخلاف السني، وهذه القيود غير موجودة في هذا القسم، كما هو ظاهر.
ولا يخفى أن الأقسام الثلاثة تعتبر بها الأحكام الخمسة التي تقدم ذكرها، فالطلاق السني تارة يكون واجباً، وتارة يكون حراماً، وتارة يكون مكرهاً، وتارة يكون مندوباً، وتارة يكون جائزاً، كالطلاق البدعي. فمثال الطلاق الواجب أن يعجز الزوج عن النفقة والوطء ولم ترض به الزوجة، فإنه في هذه الحالة يجب الطلاق في الوقت الذي حدده الشارع حتى ولو رضيت المرأة بالطلاق في وقت
غيره لأن ذلك ليس حقاً خاصاً بها وحدها، وقد ترضى ثم تندم، فالأصح التحريم ولو رضيت، ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
أحدها: الخلع: فإذا سألته أن يخالعها في نظير مال وهي حائض، أو نفساء، أو حامل من زنا أو نحو ذلك فإنه يصح خلعه، ولا يقال له: بدعي.
ثانيها: الطلاق بسبب الإيلاء، فإذا حلف أن لا يأتي زوجته فإنه ينتظر أربعة أشهر فإن لم يرجع لها وجب تخييره بين الطلاق والرجوع، وإن امتنع وجب تطليقها ولو حائضاً، أو نفساء الخ.
ثالثها: طلاق الحكمين في حال الشقاق، فإذا حكما بالطلاق لمصلحة وجب أن ينفذ بدون انتظار ومثل ذلك طلاق القاضي عليه.
وبذلك تعلم أن الطلاق يكون واجباً فيما إذا عجز الزوج عن القيام بواجب الزوجية، أو كان مولياً أو قضى بالطلاق الحكمان، وفي الحالة الأولى ينبغي مراعاة وقت الطلاق السني وفي غيرها لا.
ومثال الطلاق الحرام أن يكون تحت الرجل أكثر من زوجة فيبيت عند كل واحدة نوبتها حتى إذا جاءت نوبة من يكرهها طلقها بدون أن يبيت عندها، فهذا الطلاق قبل إعطائها حقها حرام ثم هذا الحرام قد يكون سنياً إذا وقع في طهر لم يجامعها فيه، أو في آخر حيض، وقد يكون بدعياً إذا وقع قبل آخر الحيض والنفاس، أو وقع في طهر جامعها فيه، أو في حيض قبله ومثال المندوب أن تكون الزوجة غير عفيفة فإن طلاقها يندب، وقد يكون هذا الطلاق سنياً، وقد يكون بدعياً على الوجه المتقدم، على أنه ينبغي مراعاة التفصيل في مسألة الزانية، فإنه إذا ثبت له أن امرأته قد زنت وهي في عصمته فلا يكلف بالانتظار في تطليقها، أما إذا تزوجها وهو يعلم أنها زانية فإنه يجب عليه أن يراعي الوقت السني، لأنه قد رضي بها من أول الأمر، فلا معنى لتألمه منها بعد، ومثال المكروه أن تكون الزوجة مستقيمة وهو يرغب فيها، ولكن زينت له شهوته سواها فطلاقها في هذه الحالة مكروه، ومع هذا فقد يكون حراماً إذا كان بدعياً، وقد يكون غير حرام إذا كان سنياً، ومثال المباح أن تكون مستقيمة ولكنه لا يحبها ولا يطيب له الاستمتاع بها ولا تسمح نفسه بالإنفاق عليها بدون استمتاع، فإنه في هذه الحالة يباح له طلاقها بدون كراهة، وقد يكون هذا المباح حرماً إن طلقها بدعياً، وإلا فلا إن طلقها طلاقاً سنياً.
وكما أن الأحكام المذكورة تعتري السني، والبدعي. فكذلك تعتري القسم الثالث وهو ما ليس بسني، ولا بدعي. فإن طلاق الصغيرة، والآيسة، والحامل قد يكون واجباً وذلك في حالة ما إذا عجز عن الإنفاق والوطء، أو حكم بالطلاق الحكمان في الشقاق أو كان الزوج مولياً، أو قضى القاضي عليه بطلاقها، وقد يكون محرماً، وذلك فيما إذا طلقها قبل أن يقسم لها، وقد يكون مكرهاً وقد يكون مندوباً الخ ما تقدم.
هذا، وقد اقتصر بعضهم على القسمين الأولين، وهما السني، والبدعي، وأدخل القسم الثالث
في السني، وذلك لأنه أراد من السني الجائز، والجائز تحته فردان، أحدهما: الطلاق في الوقت الذي عينه الشارع لطلاق ذوات الحيض الخاليات من الحمل بالعقد الصحيح. وثانيهما: الطلاق للصغيرة والآيسة، والحامل في أي وقت إذ الشارع لم يحدد لهن وقتاً، وقد عرفت أن كل قسم من القسمين تعتريه الأحكام الخمسة التي ذكرناها.
وبعضهم فسر الجائز بما ليس بحرام، فشمل الأقسام الأربعة: الواجب، والمندوب، والمكروه، والمباح، ويقابلة البدعي، وهو الحرام، والذي فسر بهذا صرف النظر عن ضابط السني الذي تقدم وأراد به الأحكام الأربعة التي يوصف بها الطلاق بالمعنى المتقدم، فيقال: الطلاق واجب، أو مكروه، أو مندوب أو مباح، وأراد من البدعي الحرام، سواء وجد فيه الضابط المذكور في البدعي، أو لا، كما إذا طلقها قبل أن يقسم لها، وعلى كل حال فهذا مجرد اصطلاح.
هذا، ويتضح مما تقدم أن الشافعية لا يعتبرون عدد الطلقات في السني، والبدعي، فله أن يطلقها واحدة، واثنتين، وثلاثاً. ولهذا لا يتصور في القسم الثالث كونه بدعياً، أو سنياً، خلافاً للحنفية والمالكية، الذين اعتبروا العدد، فلهذا قالوا: إن طلاق الصغيرة، والآيسة. ونحوهما يكون سنياً وبدعياً، باعتبار عدد الطلقات، كما بيناه عندهم نعم قال الشافعية:
إن الأولى له أن يطلقها ثلاث طلقات متفرقة على الطهر إن كانت من ذوات الحيض، وعلى الأشهر إن لم تكن.
الحنابلة - قالوا: ينقسم الطلاق إلى ثلاثة أقسام: الأول، الطلاق السني، وهو أن يطلق زوجته المدخول بها إذا كانت غير حامل، وكانت من ذوات الحيض طلقة واحدة رجعية في طهر لم يجامعها فيه إذا لم يكن قد طلقها في حيض قبل هذا الطهر ثم راجعها، فقوله: المدخول بها خرج به غير المدخول بها، وقوله: غير حامل خرج به الحامل، وقوله: من ذوات الحيض خرج به اليائسة، والصغيرة. فإن كلهن لا يوصف طلاقهن بسني ولا بدعي لا في عدد الطلاق ولا في الزمن، فللزوج أن يطلق إحداهن في أي وقت وبأي عدد، وقوله: طلقة واحدة رجعية بأن يطلقها ثم يتركها حتى ينقضي عدتها، وبذلك يحصل له غرضه، فإن طلقها ثانية قبل انقضاء عدتها كره، وإن طلقها ثلاثاً حرم، سواء طلقها الثلاث بكلمة واحدة، أو طلقها في أطهار متعددة قبل أن يراجعها. وقوله: في طهر لم يجامعها فيه خرج به ما إذا جامعها في الطهر ثم طلقها، فإنه بدعي محرم، حتى ولو طلقها في آخر الطهر ما دام حملها غير ظاهر. وقوله: إذ لم يكن طلقها في حيض قبله الخ معناه أنه إذا طلقها وهي حائض ثم راجعها فإنه لا يحل له أن يطلقها في الطهر الذي يلي هذا الحيض، بل يلزمه أن يطأها بعد أن تطهر من الحيض الذي طلقها فيه وراجعها ثم يمسكها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بعد ذلك من قبل أن يقربها.
القسم الثاني: الطلاق البدعي الحرام، وهو بخلاف السني، فإذا طلق امرأته وهي حائض، أو طلقها في طهر جامعها فيه. أو طلق المدخول بها أكثر من واحدة، أو طلقها واحدة وأردفها في العدة
بغيرها، فإن أردفها بواحدة فقط كان مكروهاً، وإن أردفها باثنتين كان حراماً، أو طلق المدخول بها في طهر عقب حيض طلقها فيه وراجعها، فإن طلاقه يكون بدعياً محرماً.
القسم الثالث: مالا يوصف بسني، ولا بدعي، وهو طلاق الصغيرة، والآيسة، من الحيض، والحبلى التي ظهر حملها) .
(8) (المالكية - قالوا: يفترض عليه أن يرتجعها لأنه قد فعل معصية فيجب عليه الإقلاع عنها، فإن امتنع هدده الحاكم بالسجن إن لم يفعل، فإن أصر بعد ذلك سجنه، فإن أصر بعد السجن هدده بالضرب، فإن امتنع بعد التهديد ضربه بالسوط بحسب ما يراه مفيداً، وقيل: يضربه بدون تهديد إذا ظن أن التهديد لا ينفع، وكل ذلك يفعله معه في مجلس واحد، بمعنى أن يستحضره ثم يأمره بالرجعة إلى زوجته فإن امتنع قال له: إن لم تفعل أسجنك، فإن أبى أمر بإدخاله السجن. فإن لم يفعل يستحضره، ويقول له: إن لم ترجع أضربك فإن أبى ضربه بالسوط بحسب ما يراه، فإن امتنع بعد ذلك كله ارتجعها الحاكم، بأن يقول: ارتجعت له زوجته، أو ألزمته بها، أو حكمت عليه بها، وبذلك تصبح زوجة له ترثه إذا مات ويرثها إذا ماتت وإذا عاشا يحل له وطؤها، ويكون لها عليه حقوق الزوجية.
ثم إذا ارتجعها باختياره، أو ارتجعها له الحاكم حال الحيض الذي طلقها فيه، فإنه يمسكها حتى تطهر، ويندب له بعد ذلك أن يمسكها في الطهر من الحيضة التي طلقها فيها، ويجب عليه أن يطأها لأن تركها في هذه الحالة ظلم لها يأثم به، فإذا حاضت مرة ثانية ابتعد عنها حتى تطهر، فإذا طهرت طلقها قبل أن يمسها، وكل ذلك مندوب، فإذا طلقها ثانياً في الطهر الأول، فإنه لا يجبر على رجعتها ثانياً، لأنه يكون بذلك قد خالف المندوب فقط.
هذا، وتفترض عليه الرجعة ما دامت في العدة على المشهور، فإذا غفل عن هذا الحكم حتى طهرت ثم حاضت ثم طهرت وبعد ذلك تنبه له وهي في الحيضة الأخيرة التي يليها الطهر الذي تنقضي به عدتها فإنه يفترض عليه أن يرتجعها، وهذا هو المشهور، وبعضهم يرى أنها تستمر إلى نهاية الحيضة الثانية، فإن طهرت منها فإنه لا يفترض عليه ارتجاعها.
الحنفية - قالوا: في حكم الرجعة من الطلاق البدعي رأيان:
أحدهما:
أنه مستحب وهو ضعيف.
ثانيهما: أنه فرض، كما يقول المالكية، وقد استدل قائل الأول بأن الرجل إذا طلق طلاقاً بدعياً فقد وقع في المعصية بالفعل، ومتى يتعذر ارتفاعها، فلا يقال: إن الرجعة واجبة لرفع المعصية، والجواب: أن الرجعة واجبة لإزالة أثر المعصية وهو تطويل العدة على المرأة، وقد يقال: إذا رضيت المرأة بتطويل العدة فلا يكون للرجعة في هذه الحالة معنى إلا الإضرار بالمرأة، خصوصاً إذا كانت بينهما نفرة، فإنها تعتبر الرجعة شراً، وأيضاً إذا كان لا بد من طلاقها فإن في إمساكها تعذيباً لها قد تفضل معه تطليقها في هذا الوقت ألف مرة، على أنه لا معنى لإباحة الخلع في الحيض لأنه برضاها وفي نظير عوض ومنع غيره، وهذا وجيه فالذي أعتقده في الجواب أن العلة في وجوب الرجعة ليست تطويل العدة فقط، بل العلة هي لفت نظر المسلمين إلى التؤدة في أمر الطلاق فلا يجعلونه وسيلة لإطفاء غضبهم. أو سلاحاً يؤذون به المرأة متى أرادوا، لأنهم قد يندمون في كثير من الأحيان حيث لا ينفعهم الندم، فإن سورة الغضب قد تستولي على الرجل فيطلق المرأة ثم يندم، فإذا طلقها طلاقاً بدعياً فرضت عليه الرجعة رغم أنفه وأنفها ليكون لهما من الوقت متسع حتى إذا ذهب غيظهما أمكنهما أن يتفاهما ويصطلحا بل ربما أثرت فيهما المعاشرة تأثيراً يقضي إلى عدم العودة إلى مثل هذا، فإذا ضم إليه تطويل العدة في بعض الصور يكون ذلك في غاية الحسن.
أما إباحة الخلع فإن المرأة التي ترضى بأن تفارق زوجها على مال. والرجل الذي يرضى بأخذ هذا المال ليفارقها فإن الزوجية بينهما لا معنى لها، فقد باعته وباعها علانية، فلم يكن هناك أمل في تحسن الحالة.
هذا، والحنفية لا يقولون بصحة رجعة الحاكم، كما يقول المالكية، وإنما يقولون: إن كل معصية لا حد فيها ولا كفارة يجب فيها التعزير بما يراه الحاكم زاجراً عن العودة، وحيث إن الشارع اعتبر الرجعة في رفع أثر المعصية كانت الرجعة بمنزلة التوبة فإذا رجع فقد ارتفع عنه التعزير، وإلا فالحاكم يعزره بما يراه زاجراً له عن العودة إلى المعصية.
ثم إذا ارتجعها في الحيض الذي طلقها فيه فإنه يجب عليه أن يمسكها إذا طهرت من ذلك الحيض حتى تحيض ثانياً وتطهر من ذلك الحيض، فإذا كان مصراً على طلاقها فلا يقربها في حيضها الثاني ولا بعد أن تطهر منه ثم يطلقها إذا شاء، وهذا هو الصحيح من المذهب، وبعضهم يقول: إن له أن يطلقها بعد أن تطهر من الحيض الذي طلقها، وارتجعها فيه، كما تقدم، وهل تجب الرجعة ما دامت في العدة، كما يقول المالكية أو لا؟ والجواب: أن الرجعة لا تجب إلا في الحيض الذي طلقها فيه، فلو لم يفعل حتى طهرت تقررت المعصية ولا تنفع الرجعة، وهذا هو الصحيح وبعضهم يرى أن الرجعة تستمر إلى أن يأتي الطهر الثاني. بذلك تعلم أن الشافعية والحنابلة اتفقوا على أن الرجعة سنة، والمالكية والحنفية اتفقوا على أن الرجعة فرض، ولكن المالكية والحنفية اختلفوا في تفاصيل المسألة على الوجه الذي ذكرناه) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]