عرض مشاركة واحدة
  #109  
قديم 22-03-2022, 05:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثالث
الحلقة (109)
صـ241 إلى صـ 251

المسألة التاسعة

كل دليل شرعي يمكن أخذه كليا ، وسواء علينا أكان كليا أم جزئيا إلا ما خصه الدليل كقوله تعالى : خالصة لك من دون المؤمنين [ الأحزاب : 50 ] ، وأشباه ذلك ، والدليل على ذلك أن المستند إما أن يكون كليا ، أو جزئيا ، فإن كان كليا فهو المطلوب ، وإن كان جزئيا فبحسب النازلة لا بحسب التشريع في الأصل بأدلة .

[ ص: 242 ] منها عموم التشريع في الأصل كقوله تعالى : يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [ الأعراف : 158 ] ، وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا [ سبأ : 28 ] ، وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] .

وهذا معنى مقطوع به لا يخرم القطع به ما جاء من شهادة خزيمة ، وعناق أبي بردة ، وقد جاء في الحديث : بعثت للأحمر والأسود .

ومنها أصل شرعية القياس; إذ لا معنى له إلا جعل الخاص الصيغة عام الصيغة في المعنى ، وهو معنى متفق عليه ولو لم يكن أخذ الدليل كليا بإطلاق لما ساغ ذلك .

ومنها أن الله تعالى قال : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [ الأحزاب : 37 ] الآية ، فإن نفس التزويج لا صيغة له تقتضي عموما ، أو غيره ولكن الله تعالى بين أنه أمر به نبيه لأجل التأسي ، فقال : لكيلا ولذلك قال : [ ص: 243 ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ الأحزاب : 21 ] هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد خصه الله بأشياء كهبة المرأة نفسها له ، وتحريم نكاح أزواجه من بعده والزيادة على أربع فلذلك لم يخرجه عن شمول الأدلة فيما سوى ذلك المستثنى فغيره أحق أن تكون الأدلة بالنسبة إليه مقصودة العموم ، وإن لم يكن لها صيغ عموم ، وهكذا الصيغ المطلقة تجري في الحكم مجرى العامة ، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك بقوله ، وفعله فالقول كقوله : " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " ، وقوله في قضايا خاصة سئل فيها : أهي لنا [ ص: 244 ] خاصة أم للناس عامة ؟ : بل للناس عامة كما في قضية الذي نزلت فيه [ ص: 245 ] وأقم الصلاة طرفي النهار [ هود : 114 ] ، وأشباهها ، وقد جعل نفسه - عليه الصلاة والسلام - قدوة للناس كما ظهر في حديث الإصباح جنبا ، وهو يريد أن يصوم ، والغسل من التقاء الختانين .

وقوله : إني لأنسى ، أو أنسى لأسن ، وقوله : صلوا كما رأيتموني أصلي [ ص: 246 ] وخذوا عني مناسككم ، وهو كثير .
المسألة العاشرة

الأدلة الشرعية ضربان :

أحدهما : أن يكون على طريقة البرهان العقلي فيستدل به على المطلوب الذي جعل دليلا عليه ، وكأنه تعليم للأمة كيف يستدلون على المخالفين ، وهو في أول الأمر موضوع لذلك ، ويدخل هنا جميع البراهين العقلية ، وما جرى مجراها كقوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء : 22 ] ، وقوله : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ النحل : 103 ] ، وقوله : ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته [ فصلت : 44 ] ، وقوله : أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم [ يس : 81 ] ، وقوله : قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب [ البقرة : 258 ] ، وقوله : الله الذي خلقكم ثم رزقكم إلى قوله : هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء [ الروم : 40 ] ، وهذا الضرب يستدل به على الموالف والمخالف; لأنه أمر معلوم عند [ ص: 248 ] من له عقل ، فلا يقتصر به على الموافق في النحلة .

والثاني : مبني على الموافقة في النحلة ، وذلك الأدلة الدالة على الأحكام التكليفية كدلالة الأوامر والنواهي على الطلب من المكلف ، ودلالة كتب عليكم القصاص في القتلى [ البقرة : 178 ] ، كتب عليكم الصيام [ البقرة : 183 ] ، أحل لكم ليلة الصيام الرفث [ البقرة : 187 ] ، فإن هذه النصوص وأمثالها لم توضع وضع البراهين ولا أتي بها في محل استدلال ، بل جيء بها قضايا يعمل بمقتضاها مسلمة متلقاة بالقبول ، وإنما برهانها في الحقيقة المعجزة الدالة على صدق الرسول الآتي بها ، فإذا ثبت برهان المعجزة ثبت الصدق ، وإذا ثبت الصدق ثبت التكليف على المكلف .

فالعالم إذا استدل بالضرب الأول أخذ الدليل إنشائيا كأنه هو واضعه ، وإذا استدل بالضرب الثاني : أخذه معنى مسلما لفهم مقتضاه إلزاما والتزاما ، فإذا أطلق لفظ الدليل على الضربين فهو إطلاق بنوع من اشتراك اللفظ; لأن الدليل بالمعنى الأول خلافه بالمعنى الثاني ، فهو بالمعنى الأول جار على الاصطلاح المشهور عند العلماء ، وبالمعنى الثاني نتيجة أنتجتها المعجزة فصارت قولا مقبولا فقط .
[ ص: 249 ] المسألة الحادية عشرة

إذا كان الدليل على حقيقته في اللفظ لم يستدل به على المعنى المجازى إلا على القول بتعميم اللفظ المشترك بشرط أن يكون ذلك المعنى مستعملا عند العرب في مثل ذلك اللفظ ، وإلا فلا .

فمثال ذلك مع وجود الشرط قال تعالى : يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي [ يونس : 31 ] فذهب جماعة إلى أن المراد بالحياة والموت ما هو حقيقي كإخراج الإنسان الحي من النطفة الميتة ، وبالعكس ، وأشباه ذلك مما يرجع إلى معناه ، وذهب قوم إلى تفسير الآية بالموت والحياة المجازيين المستعملين في مثل قوله تعالى : أومن كان ميتا فأحييناه الآية [ الأنعام : 122 ] وربما ادعى قوم أن الجميع مراد بناء على القول بتعميم اللفظ المشترك واستعمال اللفظ في حقيقته ، ومجازه ، ولهذا الأصل أمثلة كثيرة .

[ ص: 250 ] ومثال ما تخلف فيه الشرط قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا [ النساء : 43 ] .

فالمفسرون هنا على أن المراد بالسكر ما هو الحقيقة ، أو سكر النوم ، وهو مجاز فيه مستعمل ، وأن الجنابة والغسل منها على حقيقته فلو فسر على أن السكر هو سكر الغفلة والشهوة ، وحب الدنيا المانع من قبول العبادة في اعتبار التقوى كما منع سكر الشراب من الجواز في صلب الفقه ، وأن الجنابة المراد بها التضمخ بدنس الذنوب والاغتسال هو التوبة ، لكان هذا التفسير غير معتبر; لأن العرب لم تستعمل مثله في مثل هذا الموضع ولا عهد لها به ، لأنها لا تفهم من الجنابة والاغتسال إلا الحقيقة ، ومثله قول من زعم أن النعلين في قوله تعالى : فاخلع نعليك [ طه : 12 ] إشارة إلى خلع الكونين ، فهذا على ظاهره لا تعرفه العرب لا في حقائقها المستعملة ولا في مجازاتها وربما نقل في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : تداووا ، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء أن فيه إشارة إلى التداوي بالتوبة من أمراض الذنوب وكل ذلك غير [ ص: 251 ] معتبر ، فلا يصح استعمال الأدلة الشرعية في مثله ، وأول قاطع فيه أن القرآن أنزل عربيا ، وبلسان العرب ، وكذلك السنة إنما جاءت على ما هو معهود لهم ، وهذا الاستعمال خارج عنه ولهذا المعنى تقرير في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله ، فإن نقل في التفسير نحوه عن رجل يعتد به في أهل العلم فالقول فيه مبسوط بعد هذا بحول الله .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]