عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-03-2022, 01:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سكب العبرات في كيفية التخلص من الذنوب والسيئات


خامسًا: فإن توفي هذا العبد والـثمانية عشر ألف سيئة ما نقص منها إلا القليل، ماذا يكون مصير سيئاته؟ وكيف يتخلص منها؟ هذا ينتظره القبر! ففي القبر عذاب لأصحاب الذنوب والسيئات: فمن قصّر في الطهارة من بوله، ومن يغتاب الناس، ومن وقع في النميمة والإفساد بين الناس، يعذَّبُ في قبره، وهذا العذاب يرفع عنه في الآخرة، حتى إذا أراد أن يدخل الجنة لا تكون عليه سيئة واحدة، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ"، (م) 67- (2867). عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه.



وعند أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ"؛ (حم) (24283)، وكل هذا تمحيصٌ للمؤمن قبل أن يصل يوم القيامة.



كذلك بعض الناس يتخذ في الدنيا رفقة صالحة طيبة إذا غاب عنهم سألوا عنه ودعوا له، وهذا هو:

السادس: دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لك بظاهر الغيب، هذا أمره عظيم، وإياك من الرفقة السيئة، رفقةِ السوء، والعياذ بالله، التي كل مجالسها سخريةٌ واستهزاء، وضحك وعدم نظر إلى الآخرة، نسأل الله السلامة، فدعاء المؤمنين وَاسْتِغْفَارُهُمْ لك فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ، مما يخلِّصُك مما تبقى عليك من الذنوب الخطايا، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وقَالَ صلى اللهُ عليه وسلَّم: "دُعَاءُ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لَا يُرَدُّ"، (بز) (3577)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3379)، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.



ادع لأخيك لن تخسر شيئا، فدعاؤك لأخيك بظاهر الغيب لا يرد، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ"، (م) 87- (2732) عَنْ أم الدرداء.



فإذا أردت الرِّزْق، أو الشفاءَ، أو قضاءَ الديون مثلا، فادعُ لأخيك، فيقول الملك: آمين ولك مثل، وتكون قد اكتسبت الأمرين إن شاء الله.



وإياك ورفقة السوء، حتى لا تندمَ وتقولَ يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة: ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا ﴾، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ"، (ت) (2395)، (د) (4832)، (حم) (11337)، صَحِيح الْجَامِع: (7341)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3036). عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.



كذلك يا عباد الله إذا مات العبد انقطع عمله، لذلك هذا العمل عندما ينقطع تبقى روابط للميت من الأحياء، وهو السابع: مَا يُهْدَى إِلَيْك من أحبابك وأصحابك وأقاربك وأرحامك يهدى إليك بَعْدَ مَوْتِك، مِنْ ثَوَابِ صَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ، أو عمرة، أو استغفار، هو ميت لا يستطيع فِعْلَ شيءٍ، لا يستطيع أن يفعل حسناتٍ أو طاعات أو عبادات، مثلنا نحن الأحياء، ويحتاج إلى الأحياء القادرين على ذلك، وَنَحْوِ ذَلِكَ، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].



وثبت أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، (م) 14- (1631)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.



وعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: (بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ)، فَقَالَتْ: (إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ)، قَالَ: فَقَالَ: "وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ"، قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟!) قَالَ: "صُومِي عَنْهَا"، قَالَتْ: (إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ)؛ أي: ما حجَّت طوال عمرها أبدا، (أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟!) قَالَ: "حُجِّي عَنْهَا"، (م) 157- (1149).



هذا كله في القبر بعد الموت؛ أمّا يوم القيامة؛ وقد بقيت عليه من الثمانية عشر ألفا، بقيت بقية من الذنوب والخطايا، فما الذي يكفرها؟ ما الذي يمحوها؟ إنه السبب:

الثامن: أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشَدَائِدُهُ: فإذا خرج الناس من القبور خرجوا سراعا، ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾ [المعارج: 43]، أي: يخرجون من قبورهم مسرعين ويتجهون إلى مكان معين، إلى مكان الحشر.



ففي يوم القيامة يرون الشدائدَ والأهوال، لم يكن يتخيلها أحد، وأشياءَ مفزعةً ومخيفة، كلُّها تحطُّ من سيئاتِ هذا العبد المؤمن، كلُّها تمحو من خطاياه على قدرها، ومن هذا الفزع، عندما قال الله عز وجل في صفات المؤمنين الذين انتهت سيئاتهم لم يبق عليهم سيئة، قال: ﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 103]، ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [النمل: 89].



ويوم القيامة ستقترب الشمسُ من رؤوس العباد، ويغرقُ الناسُ في أعمالهم، فمنهم من يغرق إلى ركبتيه، أو إلى نصفه، أو إلى أذنيه، على قدر أعمالهم السيئة يغرق الإنسان، حتى لا يحاسب بعد ذلك في النار، نسأل الله السلامة.



كذلك وبعد أن انتهى المؤمنون من الصراط المستقيم، وما بقي أمامهم إلا بابُ الجنة يوقف المؤمنون على قنطرة، وهي: السبب التاسع في الخلاص من الذنوب: القنطرةُ تنصب بين الجنة والنار: لمظالم كانت بين المؤمنين، وحقوقٌ بينهم، حتى إذا هذِّبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة، وهذا ما ثبت عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا»، (خ) (6535).



وهذا آخر ما يحدث لهذا المؤمن، بينما بقي بعضهم في النار؛ لأن بعض الناس عندهم ذنوبٌ لا تمحوها إلا النار، نسأل الله السلامة، فيبقون فيها إلى ما شاء الله، لكن الله يرحمهم بتوحيدهم لله، ماتوا موحدين، ماتوا على كلمة لا إله إلا الله، لذلك هؤلاء الناس ماذا يكون لهم من خير؟



يأذن الله لهم بالشفاعة، وهو:

السبب العاشر في الخلاص من الذنوب والسيئات: شفاعةُ الشافعين فيمن دخل النيران على قدر ما بقي من ذنوبهم، فتشفع الملائكة في من شاءت، وتخرج ناسا من النار، بإذن من الله، ويشفع النبيون بما شاءوا من أقوامهم وغيرهم ممن مات على التوحيد، لذلك خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم نصف الأمة تدخل الجنة، أو الشفاعة فاخترت الشفاعة.



فعن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَدْرُونَ مَا خَيَّرَنِي رَبِّيَ اللَّيْلَةَ؟" قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهُ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهَا، =أي: من أهل الشفاعة، فـ= قَالَ: "هِيَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"، (ت) (2441)، (جه) (4317) واللفظ له.

وفي وراية: "وَهِيَ لِمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا"، وفي أخرى: «إِنَّهَا لِمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، (حم) (19724).



ولذلك كل نبيٍّ له دعوة، ودعوة الأنبياء مجابة، وكل نبي تعجل دعوته إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ادخرها شفاعة لأهل الكبائر من هذه الأمة، ماتوا وعليهم هذه الذنوب الكثيرة، وهي ذنوب كبيرة، فيشفع لهم، ثبت عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (مَا زِلْنَا نُمْسِكُ عَنِ الاسْتِغْفَارِ لأَهْلِ الْكَبَائِرِ، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْ فِي نَبِيِّنَا) صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "﴿ إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ قَالَ: فَإِنِّي أَخَّرْتُ شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قَالَ: (فَأَمْسَكْنَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا كَانَ فِي أَنْفُسِنَا)، (صم) (830)، (طس) (5942)، (يع) (5813)، وحسنه الألباني في ظلال الجنة: (830).



ويُؤذَنُ للمؤمنين الذين دخلوا الجنة مبكِّرين، كلُّ واحدٍ له أن يشفع، فمنهم من يشفع في رجل، ومنهم في رجلين، ومنهم من يشفع في سبعين، كالشهيد يشفع في سبعين في أهل بيته، ومنهم؛ من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من المؤمنين الذين دخلوا الجنة؛ يشفع في عدد قبيلة بأكملها، كما قال صلى الله عليه وسلم.



فقد ثبت في الحديث أن الشهيد ("... يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ")، (ت) (1663)، (جه) (2799)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (5182)، وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ: (1374).



وجاء عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرَّجُلَ يَشْفَعُ لِلرَّجُلَيْنِ وَالثَلَاثةِ، وَالرَّجُلُ لِلرَّجُلِ"، (خز) في التوحيد: (ص 205)، انظر الصَّحِيحَة: (2505).



وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي") ("مِثْلُ الْحَيَّيْنِ أَوْ مِثْلُ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ)؛ =مُثنَّى حيٍّ؛ أي: قبيلتين = ("رَبِيعَةَ وَمُضَرَ") = وهما قبيلتان مشهورتان بكثرة أعدادها = فَقُلْنَا: (سِوَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!) = أي: هل سيشفع أحد غيرك = قَالَ: ("سِوَايَ")، (ت) (2438)، (جه) (4316)، (حم) (22215)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (5363)، الصَّحِيحَة: (2178)،صحيح الترغيب: (3646).



وانتظم يا عبد الله، وكن مع إخوانك المسلمين، خصوصًا أهل التوحيد الضعفاء والصالحين، المتمسكين بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أَكثر من هذه الرفقة الصالحة، لماذا؟

لأنهم يوم القيامة سيشفعون لك، يؤذن لهم الشفاعة، فيقولون يوم القيامة بعد أن يتجاوزوا النار، ويتجاوزوا الصراط وإخوان لهم بقوا في جهنم، فـ("يَقُولُونَ: رَبَّنَا؛ إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا")، (فَأَدْخَلْتَهُمْ النَّارَ؟!")، (خ) (7439)، (م) (302- (183)، (س) (5010). ويبقون واقفين حتى يشفعوا فيهم ويدخلونهم ربهم الجنة، وهذا الحديث طويل، واقتصرنا على هذا اللفظ منه.



أما المحرومون من الشفاعة، فهم الذين يكثرون اللعن والسب والشتم، سواء بالقول أو بالكتابة بالقلم، أو على النقر على الفسبكة والتوترة، ما عندهم إلا هذا، هؤلاء محرومون لا يؤذن لهم بالشفاعة لأحد، هذا ما ثبت عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، (م) 86- (2598).



أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.





الخطبة الآخرة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فإذا انتهت الملائكة من شفاعاتها، والأنبياء عليهم السلام من شفاعاتهم والمؤمنون من شفاعاتهم، وبقيت بقية في جهنم من هذه الأمة، من الموحدين لم يشفع فيهم أحد، ماذا يقول رب العزة؟



فالنار محرمة على أن يخلدَ فيها موحِّدٌ، وهناك جماعات وفرق ومجموعات كبيرة من الموحدين في جهنم ما شفع فيهم أحد.



فيكون مسكُ الختام وهو عفو أرحم الراحمين مِنْ غَيْرِ شَفَاعَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].



عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الشفاعة: "... فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ"، =قبضة من قبضته، وفي وراية: (يخرج ثلاث حثيات) أو (حفنات من جهنم)، في أناس أميتوا، حتى لا يشعروا بالعذاب بعد أن أميتوا وأصبحوا حمما، أو فحما، وجيء بهم بعفو أرحم الراحمين ضبائرَ ضبائر، أي: حُزَم حُزَم = "فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ = أو الحيا، هذا النهر يحيي الموتى بأمرِ الله عز وجل، فتبدأ هذه الأجساد بالنمو والعودة إلى حالتها الطبيعية، وتُنفخ فيها الروح، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة بعفو أرحم الراحمين، لا بعملِ كثير قدموه، ولا بشفاعةِ شافعين، وإنما بتوحيدهم لربِّ العالمين، يرحمهم فيدخلهم الجنة برحمته، فماذا يسميهم أهل الجنة؟ يقولون عنهم: الجهنميون، (خ) (6559). فيغير الله هذا الاسم القبيح، ويضع على رقابهم بطاقات مكتوب عليها: عتقاء الله من النار، ففي صحيح مسلم في حديث الشفاعة الطويل، قال: "فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ، فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ؛ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللهِ، الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ،..."، (خ) (7439)، (م) 302- (183) واللفظ له.



وفي رواية: "وَيُكْتَبُ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَلْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّارِ"، (حم) (12469)، فاللهم أعتق رقابنا من النار.



فهذا ما أخبرنا به رسول الله، الذي صلى عليه الله في كتابه، وصلت عليه الملائكة، وأمر المؤمنين أن يصلوا عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].



اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.



اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.




اللهم لا تدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددته إلى أهله سالِمًا غانمًا يا رب العالمين.



اللهم فُكَّ أسر المأسورين، وسجن المسجونين، واقضِ الدين عن المدينين، ونفِّس كرب المكروبين، برحمتك يا أرحم الراحمين.




﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]