عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12-03-2022, 07:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,247
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (85)

من صــ 353 الى صـ
ـ 360


وأيضا: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -: طاف في عمرته، وفي حجته، والمسلمون معه بين الصفا والمروة، وقال:
" «لتأخذوا عني مناسككم» "، والطواف بينهما من أكبر المناسك، وأكثرها عملا، وخرج ذلك منه مخرج الامتثال لأمر الله بالحج في قوله: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] وفي قوله: {وأتموا الحج والعمرة} [البقرة: 196]، ومخرج التفسير والبيان لمعنى هذا الأمر، فكان فعله هذا على الوجوب، ولا يخرج عن ذلك إلا هيئات في المناسك وتتمات، وأما جنس تام من المناسك، ومشعر من المشاعر يقتطع عن هذه القاعدة، فلا يجوز أصلا، وبهذا احتج أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال عمرو بن دينار: " «سألنا ابن عمر عن رجل قدم بعمرة، فطاف بالبيت ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، وبين الصفا والمروة سبعا، وقد كان لكم في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة» " متفق عليه، وزاد البخاري: " «وسألنا جابر بن عبد الله، فقال: لا يقربنها حتى يطوف بالصفا والمروة» ".
وأيضا: فما روى ابن عمر وعائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: " «من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهد، وذكر الحديث» " متفق عليه. وهذا أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو للإيجاب لا سيما في العبادات المحضة، وفي ضمنه أشياء كلها واجب.
وعن عائشة قالت: " «أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل» " متفق عليه، فأمره بالحل بعد الطوافين، فعلم أنه لا يجوز التحلل قبل ذلك.
وعن أبي موسى قال: " «أهللت بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: هل معك من هدي؟ قلت: لا، فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أمرني فأهللت» "، وفي لفظ: " «فطف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل» " متفق عليه. . .
ثم من قال: هو واجب يجب بتركهما هدي، قال: قد دلت الأدلة على وجوبهما لكن لا يبلغ مبلغ الركن، لأن المناسك ; إما وقوف، أو طواف، والركن من جنس الوقوف نوع واحد، فكذلك الركن من جنس الطواف يجب أن يكون طوافا واحدا ; لأن أركان الحج لا يجوز أن تتكرر من جنس واحد كما لا يتكرر وجوبه بالشرع.
ولأن الركن يجوز أن يكون مقصودا بإحرام، فإنه إذا وقف بعرفة، ثم مات فعل عنه سائر الحج، وتم حجه، وإذا خرج من مكة قبل طواف الزيارة رجع إليها محرما للطواف فقط. والسعي لا يقصد بإحرام، فهو كالوقوف بمزدلفة ورمي الجمار، ولأن نسبة الطواف بهما إلى الطواف بالبيت، كنسبة الوقوف بمزدلفة إلى وقوف عرفة، لأنه وقوف بعد وقوف، وطواف بعد طواف، ولأن الثاني لا يصح إلا تبعا للأول ; فإنه لا يجوز الطواف بهما إلا بعد الطواف بالبيت، ولا يصح الوقوف بمزدلفة إلا إذا أفاض من عرفات، وقد دل على ذلك قوله {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158] وقوله: {فإذا أفضتم من عرفات} [البقرة: 198] الآية، فإذا كان الوقوف المشروع بعد عرفة ليس بركن، فالطواف المشروع بعد طواف البيت أولى أن لا يكون ركنا ; لأن الأمر بذلك في القرآن أظهر ; وذلك لأن ما لا يفعل إلا تبعا لغيره، يكون ناقصا عن درجة ذلك المتبوع، والناقص عن الركن هو الواجب ; ولهذا كل ما يفعل بعد الوقوف بعرفة تبعا له فهو واجب، وطرد ذلك أركان الصلاة، فإن بعضها يجوز أن ينفرد عن بعض ;
فإن القيام يشرع وحده في صلاة الجنازة، والركوع ابتداء في صلاة المسبوق، والسجود عند التلاوة والسهو، ولو عجز عن بعض أركان الصلاة أتى بما بعده، فعلم أنه ليس بعضها تبعا لبعض، وهنا إذا فاته الوقوف بعرفة لم يجز فعل ما بعده.
ولأنه لو كان ركنا لشرع من جنسه ما ليس بركن كالوقوف من جنسه الوقوف بمزدلفة.
ولأنه لو كان لتوقت أوله وآخره كالإحرام والطواف والوقوف، والسعي لا يتوقت.

ومن قال: إنه ركن احتج على ذلك بما روت صفية بنت شيبة أخبرتني حبيبة بنت أبي تجراة إحدى نساء بني عبد الدار قالت: " «نظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى وإن ميزره ليدور من شدة السعي، حتى أقول إني لأرى ركبتيه، وسمعته يقول: " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» "، وفي رواية: " «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم، وهو يسعى حتى أرى ركبته من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» " رواه أحمد،ورواه أيضا عن صفية امرأة أخبرتها «أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة - يقول: كتب عليكم السعي فاسعوا» ".
وأيضا: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أمر به كما أمر بالطواف بالبيت في قرن واحد، وأمره على الوجوب كما تقدم، وما ثبت وجوبه: تعين فعله، ولم يجز أن يقام غيره مقامه إلا بدليل.
وأيضا: فإنه نسك يختص بمكان، يفعل في الحج والعمرة، فكان ركنا كالطواف بالبيت، وذلك لأن تكرره في النسكين دليل على قوته.
واختصاصه بمكان دليل على وجوب قصد ذلك الموضع، وقد قيل: نسك يتكرر في النسكين، فلم ينب عنه الدم كالطواف والإحرام.
وأيضا: فإن الأصل في جميع الأفعال أن يكون ركنا، لكن ما يفعل بعد الوقوف لم يكن ركنا ; لأنه لو كان ركنا لفات الحج بفواته، والحاج إذا أدرك عرفة فقد أدرك الحج، والسعي لا يختص بوقت.
وأيضا: فإن أفعال الحج على قسمين ; مؤقت وغير مؤقت، فالمؤقت إما أن يفوت بفوات وقته، أو يجبر بدم، لكون وقته إذا مضى لم يمكن فعله. وأما غير المؤقت: إذا كان واجبا فلا معنى لنيابة الدم عنه، لأنه يمكن فعله في جميع الأوقات، والطواف والسعي: ليسا بمؤقتين في الانتهاء فإلحاق أحدهما بالآخر أولى من إلحاقه بالمزدلفة ورمي الجمار ; لأن ذلك يفوت بخروج وقته، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين توابع الوقوف (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
فالمرصدون للعلم عليهم للأمة حفظ علم الدين وتبليغه؛ فإذا لم يبلغوهم علم الدين أو ضيعوا حفظه كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين؛ ولهذا قال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} فإن ضرر كتمانهم تعدى إلى البهائم وغيرها فلعنهم اللاعنون حتى البهائم. كما أن معلم الخير يصلي عليه الله وملائكته ويستغفر له كل شيء حتى الحيتان في جوف البحر والطير في جو السماء.
وكذلك كذبهم في العلم من أعظم الظلم. وكذلك إظهارهم للمعاصي والبدع التي تمنع الثقة بأقوالهم. وتصرف القلوب عن اتباعهم وتقتضي متابعة الناس لهم فيها؛ هي من أعظم الظلم ويستحقون من الذم والعقوبة عليها ما لا يستحقه من أظهر الكذب والمعاصي والبدع من غيرهم؛ لأن إظهار غير العالم - وإن كان فيه نوع ضرر - فليس هو مثل العالم في الضرر الذي يمنع ظهور الحق ويوجب ظهور الباطل؛ فإن إظهار هؤلاء للفجور والبدع بمنزلة إعراض المقاتلة عن الجهاد ودفع العدو؛ ليس هو مثل إعراض آحاد المقاتلة؛ لما في ذلك من الضرر العظيم على المسلمين.
فترك أهل العلم لتبليغ الدين كترك أهل القتال للجهاد وترك أهل القتال للقتال الواجب عليهم كترك أهل العلم للتبليغ الواجب عليهم كلاهما ذنب عظيم؛ وليس هو مثل ترك ما تحتاج الأمة إليه مما هو مفوض إليهم؛ فإن ترك هذا أعظم من ترك أداء المال الواجب إلى مستحقه. وما يظهرونه من البدع والمعاصي التي تمنع قبول قولهم وتدعو النفوس إلى موافقتهم وتمنعهم وغيرهم من إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أشد ضررا للأمة وضررا عليهم من إظهار غيرهم لذلك.
ولهذا جبل الله قلوب الأمة على أنها تستعظم جبن الجندي وفشله وتركه للجهاد ومعاونته للعدو: أكثر مما تستعظمه من غيره. وتستعظم إظهار العالم الفسوق والبدع: أكثر مما تستعظم ذلك من غيره؛ بخلاف فسوق الجندي وظلمه وفاحشته؛ وبخلاف قعود العالم عن الجهاد بالبدن. ومثل ذلك ولاة الأمور كل بحسبه من الوالي والقاضي؛ فإن تفريط أحدهم فيما عليه رعايته من مصالح الأمة أو فعل ضد ذلك من العدوان عليهم: يستعظم أعظم مما يستعظم ذنب يخص أحدهم.

(والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب (165) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (166)

وصف الذين آمنوا بأنهم أشد حبا لله من المشركين لأندادهم.
وفي الآية " قولان ": قيل: يحبونهم كحب المؤمنين الله والذين آمنوا أشد حبا لله منهم لأوثانهم.
وقيل: يحبونهم كما يحبون الله والذين آمنوا أشد حبا لله منهم وهذا هو الصواب؛ والأول قول متناقض وهو باطل فإن المشركين لا يحبون الأنداد مثل محبة المؤمنين لله وتستلزم الإرادة والإرادة التامة مع القدرة تستلزم الفعل فيمتنع أن يكون الإنسان محبا لله ورسوله؛ مريدا لما يحبه الله ورسوله إرادة جازمة مع قدرته على ذلك وهو لا يفعله فإذا لم يتكلم الإنسان بالإيمان مع قدرته دل على أنه ليس في قلبه الإيمان الواجب الذي فرضه الله عليه.
(فصل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

من أحب غير الله ووالى غيره كره محب الله ووليه ومن أحب أحدا لغير الله كان ضرر أصدقائه عليه أعظم من ضرر أعدائه؛ فإن أعداءه غايتهم أن يحولوا بينه وبين هذا المحبوب الدنيوي، والحيلولة بينه وبينه رحمة في حقه، وأصدقاؤه يساعدونه على نفي تلك الرحمة وذهابها عنه، فأي صداقة هذه ويحبون بقاء ذلك المحبوب ليستعملوه في أغراضهم وفيما يحبونه وكلاهما ضرر عليه. قال تعالى: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب}. قال الفضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد: هي المودات التي كانت لغير الله، والوصلات التي كانت بينهم في الدنيا {وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}.

فالأعمال التي أراهم الله حسرات عليهم: هي الأعمال التي يفعلها بعضهم مع بعض في الدنيا كانت لغير الله، ومنها الموالاة والصحبة والمحبة لغير الله. فالخير كله في أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ولا حول ولا قوة إلا بالله.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]