
24-02-2022, 07:46 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,801
الدولة :
|
|
نماذج من فاعلية الرعيل الأول
نماذج من فاعلية الرعيل الأول
سعيد بن محمد آل ثابت
تساؤلات:
1- من الذي دخل في صراع مع الشرك وأربابه؟
2- ومن الذي نشر الإسلام وما جاء به من الهداية والحق والعدل والخير؟
3- دماء من سالت في سبيل إنقاذ الإنسان المسحوق لعبادة غير الله؟
4- من الذي ترجم الحضارات الأخرى واستخرج منها حضارة مستقلة؟
بفاعلية الرعيل الأول دخلت الأمة الإسلامية التاريخ من أوسع أبوابه وكوّنت حضارة متميزة في كافة المستويات، وغرست بتقديرها للعمل وحرصها على النفع وتوجيهها للطاقات نحو عمل الخير منابت المعرفة وتقديس العمل، حتى أصبح مؤشر تفاخرهم في البذل والعطاء والعلم والتعلم. روى قتادة عن أنس قال: افتخرت الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة: حنظلة، ومنا الذي حمته الدَّبْر: عاصم بن ثابت ومنا الذي اهتز لموته عرش الرحمن: سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين: خزيمة بن ثابت. فقال الخزرجيون: منا أربعة نفر قرؤوا القرآن، على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لم يقرأه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل. يعني بقوله: لم يقرأه كله أحد من الأوس، وأما من غيرهم فقد قرأه على بن أبي طالب، رضي الله عنه، وعبد اللّه بن مسعود، في قول، وسالم مولى أبي حذيفة وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وغيرهم؛ ذكر هذا أبو عمر[1].
نظرة سريعة إلى الرعيل الأول كافية لحمل النفس إلى التطلع الدائم لاقتفاء أثرهم والسير على طريقهم، (فقد تحملوا الأذى البدني المروع الذي صب عليهم من أكابر المجرمين كما ساهم القرآن الكريم، تحملوا خسارة التجارات والأموال، وصبروا على مشقة الجوع والعطش، حتى حوصروا في الشعب، وصبروا على الغربة، حين غادروا الديار، وهجروا الأوطان، وأرخصوا الأهل والمال، فتركوها وراءهم ظهريًا، ورحلوا إلى بلاد بعيدة، وأقوام غرباء عنهم في اللغة والبلاد والعادات، وهذه تضحية جسيمة بالغة الجسامة، إذا ما قيست بحياة العربي الذي كان يحب وطنه وقومه يعيش حرًا، ويلوذ بقبيلته واهله، ويصعب عليه أن يفارقهم إلا ريثما يعود لهم بعد رحلة قصيرة)[2]. (ولقد كان لتحملهم وصبرهم وكفاحهم أعظم الآثار في انتشار الإسلام، ونجاح الدعوة بعد أن علمهم إيمانهم القوي، وعقيدتهم الثابتة. اقتضى الله بحكمته أن يمتحن النفوس ويبتليها، فيظهر بالامتحان طيبها من خبيثها، ومن يصلح لإيمانه وكرامته، ومن لا يصلح ومن يقدر على تحمل أعباء الدعوة ومن لا يقدر، وليمحص النفوس التي تصلح لها، ويخلصها بكير الامتحان، كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو غشه إلا بالامتحان)[3]. (وكان لعلمهم أعظم الآثار في تهذيب النفس، وتقوى الله، واتباع الصراط المستقيم، والبعد عن الشر وأهله، وتعميم الخير وإقامة الحق والعدل، ونشر دعوة الإسلام، عندما كانوا يختلفون إلى مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيصيبون منها علمًا وهدى وفضائل وسجايا وآدابًا وأحكامًا، ما اتسعت لذلك أوقاتهم، وساعدت عليه ظروفهم)[4]. (ولقد كان لتضحياتهم أعظم الآثار في نجاح الدعوة؛ لأن الدعوات لا تقوم إلا بالبذل، ولا تثبت في وجه الأعاصير إلا بالتضحيات الجسام، وحمايتها وحياطتها بكل غال ونفيس من الأنفس والأموال والأهل)[5].
والآن إلى النماذج، وهي أشتات بين أشياخ وشباب وصبية ونساء:
• أبو بكر الصديق رضي الله عنه. قال ابن القيم رحمه الله عن شجاعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (وكان الصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله... برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه، في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم ويشجعهم، ولو لم يكن له إلا ثبات قلبه يوم الغار، وليلته، وثبات قلبه يوم بدر، وهو يقول للنَّبي يا رسول الله كفاك بعض مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعدك، وثبات قلبه يوم أحد، وقد صرخ الشيطان في النَّاس بأن محمدًا قد قتل، ولم يبق أحد مع رسول الله إلا دون عشرين في أحد، وهو مع ذلك ثابت القلب ساكن الجأش، وثبات قلبه يوم الخندق وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وثبات قلبه يوم الحديبية، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب، حتى إنَّ الصديق ليثبته ويسكنه ويطمئنه، وثبات قلبه يوم حنين حيث فر النَّاس وهو لم يفر، وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول لها الجبال، وعقرت لها أقدام الأبطال، وماجت لها قلوب أهل الإسلام، كموج البحر عند هبوب قواصف الرياح، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصياح، وخرج النَّاس بها من دين الله أفواجًا، وأثار عدو الله بها أقطار الأرض عجاجًا، وانقطع لها الوحي من السماء، وكاد لولا دفاع الله لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم، وكيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهرهم، وحبيبهم، وطاشت الأحلام، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام، واشْرَأَبَّ النفاق، ومد أهله الأعناق، ورفع الباطل رأسًا كان تحت قدم الرسول موضوعًا، وسمع المسلمون من أعداء الله ما لم يكن في حياته بينهم مسموعًا، وطمع عدو الله أن يعيد النَّاس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام، وأن يصد قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهود، والتمجس، والشرك، وعبادة الصلبان، فشمَّر الصديق رضي الله عنه من جده عن ساق غير خوار، وانتضى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظهور عزائمه جوادًا لم يكن يكبو يوم السباق، وتقدم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنَّما همه اللحاق، وقال والله لأجاهدن أعداء الإسلام جهدي، ولأصدقنهم الحرب حتى تنفرد سالفتي، أو أفرد وحدي، ولأدخلنهم في الباب الذي خرجوا منه، ولَأَرُدَّنَّهُمْ إلى الحق الذي رغبوا عنه، فثبَّت الله بذلك القلب الذي لو وزن بقلوب الأمة لرجحها جيوش الإسلام، وأذلَّ بها المنافقين، والمرتدين، وأهل الكتاب، وعبدة الأصنام، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها، وجرت الملة الحنيفية على سننها ومنهاجها، وتولَّى حزب الشيطان وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذن الإيمان على رؤوس الخلائق ﴿ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون ﴾ [المائدة: 56].
هذا وما ضعفت جيوش عزماته، ولا استكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيَّدة ومنصورة، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن، بل لم تزل مغلوبة مكسورة، تلك لعمر الله الشَّجَاعَة التي تضاءلت لها فرسان الأمم، والهمَّة التي تصاغرت عندها عليات الهمم، ويحق لصديق الأمة أن يضرب من هذا المغنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوة بكمال التعصب)[6]. وعن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: (خطبنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال: أيها النَّاس، أخبروني بأشجع النَّاس، قالوا: لو قلنا أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني ما بارزت أحدًا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع النَّاس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر الصديق، إنا لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشًا فقلنا: من يكون مع النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه، وهذا أشجع النَّاس، قال علي: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش فهذا يجؤه، وهذا يتلتله، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، قال: فوالله ما دنا منه إليه أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى أخضل لحيته، ثم قال علي: أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ قال: فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ والله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه) [7]
• عمر بن الخطاب رضي الله عنه. عن محمد بن إسحاق قال: (فلما قدم عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو ابن العاص، على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون، أسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلًا ذا شكيمة، لا يرام ما وراء ظهره، امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة بن عبد المطلب، حتى غزا قريشًا، فكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلَّى عند الكعبة وصلَّينا معه، وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة)[8]
• القراء الأربعة. قال عليه الصلاة والسلام: "استقرئوا القرآنمنأربعة:من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل[9]". دليل العناية من قبلهم بالقرآن وحذقهم في ذلك.
• عمرو بن سلمة رضي الله عنه.كان عمرو بن سلمة -وهو من صغار الصحابة- حريصًا على تلقي العلم فكان يتلقى الركبان ويستفتيهم ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه كلهم وتأهَّل لإمامتهم[10]
• زيد بن ثابت رضي الله عنه. قال له عليه الصلاة والسلام: "يَا زَيْدُ، تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي"، قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ كِتَابَهُمْ، مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ"[11].
• نقرأ كثيرا في السيرة (استصغر فلان في غزوة كذا وكذا): ومن هؤلاء: البراء بن عازب وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت ورافع والخدري وابن عمر - رضي الله عنهم -، وهذا دليل على استعدادهم وحبهم للبذل والعطاء المتأصل في شغاف قلوبهم.
• نقرأ كثيرًا في السيرة عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك، قال: فخدمته في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا[12]. وفيها هذا دليل على حب الصحابة لتفعيل الصغار في خدمة الدين والرسالة، وإبقائهم على ذلك مهما كانت الحاجة لهم في الأسرة وأعمال البيت. ويؤكد هذا ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه عن هند وأسماء ابنتي حارثة: (ما كنت أرى هندا وأسماء ابنتي حارثة إلا خادمين لرسول الله من طول لزومهما بابه وخدمتهما إياه)[13].
• عبد الله بن عباس رضي الله عنه.كان حريصًا على السنة، فقد كان ينام على باب أحد الصحابة، فيحكي عن نفسه فيقول كما عندالدارميبسند صحيح: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثر. أي: في هذا الوقت قد مات الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كثر، ولو لم نسألهم الآن فإنه سيأتي يوم يموتون هم أيضًا، فلا بد أن نسألهم ونتعلم منهم، وذلك حتى نعرف العلم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له صاحبه الأنصاري مستغربًا: واعجبًا لك ياابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك. وفيهم كبار الصحابة، كأمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وغيرهم؟ وكان عُمْرُ عبد الله بن عباس عندما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة، وكأن الأنصاري استقله لصغر سنه. يقولعبد الله بن عباس:فترك ذلك. أي: أن صاحبه الأنصاري لم يذهب فيسأل الصحابة، قالابن عباس: وأقبلت أنا على المسألة، وإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه في قيلولته، فأتوسد ردائي على بابه، فتسف الريح التراب على وجهي. فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك. فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث. وبعد مرور فترة من الزمن على طلب العلم يقولابن عباسرضي الله عنهما: فبقي الرجل - أي: صاحبه الأنصاري- حتى رآني وقد اجتمع الناس عليّ يسألونني العلم. أي: صارابن عباس رضي الله عنهما من علماء المسلمين، ورحل الناس إليه لطلب العلم، بينما صاحبه الأنصاري ندم على ذلك، ولذا جاء عنه أنه قال: كان هذا الفتى -أيعبد الله بن عباس -أعقل مني. لكن الندم عند ذلك لا ينفع، والوقت الذي يذهب منك لا يرجع مرة أخرى، والذكي هو الذي لا يضيع وقته، وكل شيء يمكن أن يعوض إلا الأيام والليالي. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كنتُ في بيتِ ميمونةَ بنت الحارثِ فوضَعتُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم طَهورَه، فقال: منوضع هذا؟ فقالت: عبدُ اللهِ. فقال: اللَّهمَّ فقِّهْه في الدِّينِ وعلِّمْه التَّأويلَ"[14]. وفي هذا حرص الصحابي على خدمة الرسول وعدم إدخار جهد في ذلك ولو بتهيئة الماء للوضوء، وكذلك حب النبي لهذا الأمر ودليل ذلك سؤاله عمن وضعه ثم الدعاء العظيم الذي جازى به ابن عباس نتيجة عمله.
• أبو أيوب رضي الله عنه. (شيخ سيستشهد على أعتاب القسطنطينية).
• عبد الله الأنصاري رضي الله عنه يروي أبي نضرة، عن جابر قال أبي: أرجو أن أكون في أول من يصاب غدًا، فأوصيك ببناتي خيرًا، فأصيب، فدفنته مع آخر، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته ودفنته وحده بعد ستة أشهر، فإذا الأرض لم تأكل منه شيئًا، إلا بعض شحمة أذنه. عن جابر بن عبد الله قال: لمّا قُتل أبي يوم أُحُد جعلتُ أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعل أصحاب رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، ينهونني والنبي، صَلَّى الله عليه وسلم، لا ينهاني. قال وجعلتْ عمّتي فاطمة بنت عمرو تبكي عليه فقال النبيّ، صَلَّى الله عليه وسلم: "تبَكِّيه أو لا تُبَكّيه، ما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رفعتموه". رواه البخاري. وعن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أَبي صَعْصَعَة: أَنه بلغه أَن عمرو ابن الجموح وعبد اللّه بن عَمْرو بن حرام الأَنصاريين ثم السَّلَمِيَّينِ كانا قد حَفَرَ السَّيْلُ عن قبرهما وكان قبرُهما مما يَلِي السَّيْل، وكانا في قَبْرٍ، واحد، وكانا ممن اسْتُشْهِد يوم أُحد، فحفروا عنهما ليُغَيِّرَا من مكانِهما، فوُجدا لم يَتَغَيَّرَ كَأَنَّمَا مَاتَا بالأَمْس وكَانَ أَحدُهما قد وضع يده على جُرْحه، فدُفن وهو كذلك، فأُمِيطت يدُه عن جُرْحه، ثم أُرْسِلت فرَجَعَتْ كَمَا كانت. وكان بين يوم أُحُد وبين يومَ حُفِر عنهما سِت وأَربعون سنة". وكان الذي قَتَلَ عبدَ اللّهِ أُسَامَةُ الأَعْور بن عُبَيْد وقيل: بل قتله سُفْيَان بن عَبْدِ شَمْس أَبو أَبِي الأَعْوَر السَّلَمِيّ. (كان عبد اللّه عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا نَقِيبًا، كان نقيبَ بني سَلِمة هو والبَرَاءَ بن مَعْرُور)[15].
• معاذ ومعوذ أبناء عفراء رضي الله عنهم (روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: بينما أنا في الصف يوم بدر إذ رأيت غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما - ما بين الاثني عشر سنة والأربعة عشر سنة - قال: فجاءني أحدهما فغمزني، وقال: يا عم! هل تعرف أبا جهل؟ فقلت: يا ابن أخي! وما تريد منه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن التقى سوادي بسواده - أي: جسمي بجسمه أو شخصي بشخصه - ما أتركه حتى يموت الأعجل منا، قال: لئن التقى سوادي بسواده لا أتركه حتى يموت الأعجل منا، قال: وجاءني الغلام الآخر فغمزني وقال لي مثلما قال الأول، وكل منهما حريص على أن يقتل أبا جهل قبل أخيه؛ قال: فلم أنشب - أي: لم يمر إلا وقت قصير - حتى رأيت أبا جهل يجول في الناس - أي: يضطرب، قلق، يذهب ويأتي ليس له مكان ثابت - قال: فلما رأيته، قلت لهما: هذا صاحبكما، قال: فابتدراه فضربه كل بسيفه فقتلاه، ثم اختصما على سلبه -السلب: ما يكون عند الرجل المقتول من المغانم، والمجاهد إذا قتل الكافر فله سلبه؛ متاع ويكون ملكًا للمجاهد الذي قتله، فاختصم هذان الغلامان فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل يقول: أنا -لأن قتل عدو الله ورسوله شرف- فقال عليه الصلاة والسلام: "هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا. فقال: أرياني، فلما نظر إلى سيفهما، قال: كلاكما قتله".
• عمير بن الوقاص رضي الله عنه. عن عامر بن سعد عن أبيه قال: (رأيت أخي عمير بن أبي وقاص - قبل أن يعرضنا رسول الله للخروج إلى بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله فاستصغره فقال: ارجع، فبكى عمير، فأجازه رسول الله، قال سعد: فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل في بدر وهو ابن ستة عشر سنة، وقتله عمرو بن عبد ود)[16].
• بقي بن مخلد الأندلسي رحمه الله. (قد قسم أيامه على أعمال البر: فكان إذا صلى الصبح قرأ حزبه من القرآن في المصحف، سدس القرآن، وكان أيضا يختم القرآن في الصلاة في كل يوم وليلة، ويخرج كل ليلة في الثلث الأخير إلى مسجده، فيختم قرب انصداع الفجر.وكان يصلي بعد حزبه من المصحف صلاة طويلة جدا، ثم ينقلب إلى داره -وقد اجتمع في مسجده الطلبة- فيجدد الوضوء، ويخرج إليهم، فإذا انقضت الدول، صار إلى صومعة المسجد، فيصلي إلى الظهر، ثم يكون هو المبتدئ بالأذان، ثم يهبط ثم يسمع إلى العصر، ويصلي ويسمع، وربما خرج في بقية النهار، فيقعد بينالقبور يبكي ويعتبر.فإذا غربت الشمس أتى مسجده، ثم يصلي، ويرجع إلى بيته فيفطر، وكان يسرد الصوم إلا يوم الجمعة، ويخرج إلى المسجد، فيخرج إليه جيرانه، فيتكلم معهم في دينهم ودنياهم، ثم يصلي العشاء، ويدخل بيته، فيحدث أهله، ثم ينام نومة قد أخذتها نفسه، ثم يقوم. هذا دأبه إلى أن توفي.وكان جلدا، قويا على المشي، قد مشى مع ضعيف في مظلمة إلىإشبيلية، ومشى مع آخر إلى إلبيرة، ومع امرأة ضعيفة إلى جيان[17].
• شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. (قال ابن القيم: وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إلي وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدّ سقطت قوتي)[18]. (وقال البزار: أما عن تعبده فإنه قل أن سُمع بمثله؛ لأنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله تعالى ما يراد له لا من أهل، ولا من مال)[19]. (قال ابن القيم: ما رأيت أحدًا أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائي. وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم، وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله، فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا الكلام، فسرُّوا به ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه)[20]. (وقال البزار: كان من أشجع الناس، وأقواهم قلبًا. ما رأيت أحد أثبت جأشًا منه، ولا أعظم عناءً في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم. واخبر غير واحد أن الشيخ كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بين واقيتهم، وقطب ثباتهم، إن رأى من بعضهم هلعًا، أو رقة أو جبانة شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة، وبين له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة. وكان إذا ركب الخيل يتحنك، ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيرًا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فهم خوض رجل لا يخاف الموت. وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكة أمورًا عظيمة يعجز الواصف عن وصفها. قالوا: ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله، ومشورته، وحسن نظره)[21].
• نور الدين محمود رحمه الله. (هو الملك العادل تقي الملوك، ليث الإسلام، كان مولده 511ه. كان رحمه الله حامل رايتي العدل والجهاد، قل أن ترى لعيون مثله. أظهر السنة بحلب، وقمع الرافضة، وفتح مصر، وقهر دولتها الرافضية، وهرب منه الفرنج، وباد وزيره صلاح الدين العبيدين واستأصلهم، وأقام الدولة العباسية)[22]. قال ابن خلكان: (كان زاهدًا عابدًا، متمسكًا بالشرع مجاهد كثير البر والأوقاف، له من المناقب ما يستغرق الوصف). وقال الخطيب البغدادي: (كان نور الدين لم ينشف له لِبَدٌ من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، يلبس الصوف ويلازم السجادة والمصحف)[23]. (وقال له القطب النيسابوري الفقيه: بالله عليك عليك لا تخاطر بنفسك وبالإسلام؛ فإن أصبت في معركة لا يبقى من المسلمين أحد إلا أخذه السيف. فقال له نور الدين: ومن محمود حتى يقال له هذا؟ من قبلي حفظ الله البلاد والإسلام، ذلك الله الذي لا إله إلا هو)[24]. ورثى العماد الأصفهاني في ديوانه نور الدين قائلًا:
الدَّين في ظُلم لغيبة نوره
والدهُر في غُمم لفقد أميره
فليندُبِ الإسلامُ حامَي أهله
والشام حافظ ملكه وثغوره
ما أعظم المِقدار في أخطاره
إذ كان هذا الخطب في مقدوره
ما أكثَر المتأسَّفين لفقد من
قرَّت نواظرُهُم بفقد نظيره
ما أغوصَ الإنسانَ في نسيانه
أو ما كفاه الموت في تذكيره
من للمساجد والمدارس بانيا
لله طوعا عن خُلُوصِ ضَمِيره
من ينصر الإسلام في غزواته
فلقد أصيب بُركنه وظهيره)
وللنساء شقائق الرجال صور ومشاهد تفتت معها أصنام الذل والخمول والرجعية الجاهلية:
• خديجة رضي الله عنها (رفيقة النبوة ومؤازرة الدعوة). هي أوّل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وأمّ أولاده، وخيرة نسائه، وأول من آمن به وصدقه. وكانت خديجة رضي الله عنها تحب النبي صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، وتعمل على نيل رضاه والتقرّب منه، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة لما رأت من ميله إليه. وعند البعثة كان لها دورٌ مهم في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والوقوف معه، بما آتاها الله من رجحان عقل وقوّة الشخصيّة، فقد أُصيب عليه الصلاة والسلام بالرعب حين رأى جبريل أوّل مرّة، فلما دخل على خديجة قال: "زمّلوني زمّلوني"، ولمّا ذهب عنه الفزع قال: "لقد خشيت على نفسي"، فطمأنته قائلةً: (كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق). رواه البخاري، ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل ليبشّره باصطفاء الله له خاتمًا للأنبياء عليهم السلام. ولما علمت رضي الله عنها بذلك لم تتردّد لحظةً في قبول دعوته، لتكون أول من آمن برسول الله وصدّقه، ثم قامت معه تسانده في دعوته، وتؤانسه في وحشته، وتذلّل له المصاعب، فكان الجزاء من جنس العمل، بشارة الله لها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. رواه البخاري و مسلم. وقد حفظ النبي صلى الله عليه وسلم لها ذلك الفضل، فلم يتزوج عليها في حياتها إلى أن قضت نحبها، فحزن لفقدها حزنًا شديدًا، ولم يزل يذكرها ويُبالغ في تعظيمها والثناء عليها، ويعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين فيقول: "إني قد رزقت حبّها" رواه مسلم، ويقول: "آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء". رواه أحمد، حتى غارت منها عائشة رضي الله عنها غيرة شديدةً. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِيَّاهَا".
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|