عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-02-2022, 07:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (78)

من صــ 297 الى صـ
ـ 304

فنقول: للناس في مقصود العبادات مذاهب: منهم من يقول: المقصود بها تهذيب أخلاق النفوس، وتعديلها؛ لتستعد بذلك للعلم، وليست هي مقصودة في نفسها، ويجعلونها من قسم الأخلاق، وهذا قول متفلسفة اليونان، وقول من اتبعهم من الملاحدة والإسماعيلية وغيرهم من المتفلسفة الإسلاميين كالفارابي، وابن سينا، وغيرهما،
ومن سلك طريقهم من متكلم، ومتصوف، ومتفقه، كما يوجد مثل ذلك في كتب أبي حامد، والسهروردي المقتول، وابن رشد الحفيد، وابن عربي، وابن سبعين، لكن أبو حامد يختلف كلامه؛ تارة يوافقهم، وتارة يخالفهم.
وهذا القدر فعله ابن سينا وأمثاله ممن رام الجمع بين ما جاءت به الأنبياء، وبين فلسفة المشائين - أرسطو، وأمثاله، ولهذا تكلموا في الآيات، وخوارق العادات، وجعلوا لها ثلاثة أسباب: القوى الفلكية، والقوى النفسانية، والطبيعية؛ إذ كانت هذه هي المؤثرات في هذا العالم عندهم، وجعلوا ما للأنبياء وغير الأنبياء من المعجزات، والكرامات، وما للسحرة من العجائب هو من قوى النفس. لكن الفرق بينهما أن ذلك قصده الخير، وهذا قصده الشر، وهذا المذهب من أفسد مذاهب العقلاء، كما قد بسط الكلام عليه في موضع آخر. فإنه مبني على إنكار الملائكة، وإنكار الجن، وعلى أن الله لا يعلم الجزئيات، ولا يخلق بمشيئته وقدرته، ولا يقدر على تغيير العالم،
ثم إن هؤلاء لا يقرون من المعجزات إلا بما جرى على هذا الأصل، وأمكن أن يقال فيه هذا، مثل: نزول المطر، وتسخير السباع، وإمراض الغير، وقتله، ونحو ذلك. وأما قلب العصا حية، وإحياء الموتى، وإخراج الناقة من الهضبة، وانشقاق القمر، وأمثال ذلك فلا
يقرون به، وقد علم بطرق متعددة ما يكون من الخوارق بسبب أفعال الجن، وبسبب أفعال الملائكة. وأحوال الجن معلومة عند عامة الأمم: مسلمهم، وكافرهم، لا يجحد ذلك إلا من هو من أجهل الناس، وكذلك من فسرها بقوى النفس، وهذا غير إخبار الله عنهم فيما أنزله من الكتب. وأما الملائكة فأمرهم أجل، وهم رسل الله في تدبير العالم كما قال تعالى: {فالمدبرات أمرا} [النازعات: 5]،
وقال: {فالمقسمات أمرا} [الذاريات: 4] وقد ذكر الله تعالى في كتبه من أخبارهم، وأصنافهم ما يطول وصفه، وآثارهم موجودة في العالم، يعرف ذلك بالاعتبار كما قد بسط في موضعه؛ إذ المقصود هنا ذكر مذاهب الناس في العبادات، وهؤلاء غاية ما عندهم في العبادات، والأخلاق، والحكمة العملية، أنهم رأوا النفس فيها شهوة، وغضب من حيث القوة العملية، ولها نظر من جهة القوة العلمية. فقالوا: كمال الشهوة في العفة، وكمال الغضب في الحلم، والشجاعة، وكمال القوة النظرية في العلم. والتوسط في جميع ذلك بين الإفراط والتفريط هو العدل. وما ذكروه من العمل متعلق بالندب لم يثبتوا خاصية النفس التي هي محبة الله، وتوحيده، بل ولا عرفوا ذلك كما لم يكن عندهم من العلم بالله إلا قليل مع كثير من الباطل،
كما بسط الكلام عنهم في موضعه. ومحبة الله وتوحيده هو الغاية التي فيها صلاح للنفس، وهو عبادة الله وحده لا شريك له. فلا صلاح للنفس، ولا كمال لها إلا في ذلك، وبدون ذلك تكون فاسدة، لا صلاح لها، كما قد بسط الكلام على ذلك في موضع آخر، ولهذا كان هذا هو دين الإسلام الذي اتفقت عليه الرسل، قال الله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36]، وقال:، {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]،

وقال: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85]، وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} [الزخرف: 45]، وقال تعالى:{ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} [المؤمنون: 51]، وقال لما ذكر قصص الأنبياء: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون} [الأنبياء: 92]،

وقال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13]، وقال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} [الروم: 30]وقد قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]
فالغاية الحميدة التي بها يحصل كمال بني آدم وسعادتهم ونجاتهم عبادة الله وحده، وهي حقيقة قول القائل: لا إله إلا الله، ولهذا بعث الله جميع الرسل، وأنزل جميع الكتب، ولا تصلح النفس وتزكو وتكمل إلا بهذا، كما قال تعالى: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} [فصلت: 6] أي لا يؤتون ما تزكو به نفوسهم من التوحيد، والإيمان.
وكل من لم يحصل له هذا الإخلاص لم يكن من أهل النجاة والسعادة كما قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]في موضعين من كتابه، وهذا أول الكلمات العشر التي أنزلها الله على موسى حيث قال: أنا الله لا إله إلا أنا إلهك الذي أخرجتك من أرض مصر، من التعبد، لا يكون لك إله غيري ; لا تتخذ صورا، ولا تمثالا، ما في السماوات من فوق، ومن في الأرض من أسفل، وما في الماء من تحت الأرض ; لا تسجد لهن ; ولا تعبدهن إني أنا ربك العزيز.
وقد شهد المسيح عليه السلام أن هذا هو أعظم وصية في الناموس، فعبادة الله وحده لا شريك له، وأن يكون الله أحب إلى العبد من كل ما سواه، هو أعظم وصية وكلمة جاء بها المرسلون كموسى، والمسيح، ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، وضد هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله تعالى: قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} [البقرة: 165]
وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وبين أن النفس ليس لها نجاة ولا سعادة ولا كمال إلا بأن يكون الله معبودها ومحبوبها، الذي لا أحب إليها منه، ولهذا كثر في الكتب الإلهية الأمر بعبادة الله وحده،
ولفظ العبادة يتضمن كمال الذل بكمال الحب. فلا بد أن يكون العابد محبا للإله المعبود كمال الحب، ولا بد أن يكون ذليلا له كمال الذل، فمن أحب شيئا ولم يذل له لم يعبده، ومن خضع له ولم يحبه لم يعبده، وكمال الحب والذل لا يصلح إلا لله وحده، فهو الإله المستحق للعبادة التي لا يستحقها إلا هو، وذلك يتضمن كمال الحب، والذل، والإجلال، والإكرام، والتوكل،
والعبادة. فالنفوس محتاجة إلى الله من حيث هو معبودها ومنتهى مرادها وبغيتها، ومن حيث هو ربها وخالقها. فمن آمن بالله رب كل شيء وخالقه، ولم يعبد إلا الله وحده، بحيث يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، وأخشى عنده من كل ما سواه،

وأعظم عنده من كل ما سواه، وأرجى عنده من كل ما سواه، بل من سوى بين الله وبين بعض المخلوقات في الحب بحيث يحبه مثل ما يحب الله، ويخشاه مثل ما يخشى الله، ويرجوه مثل ما يرجو الله، ويدعوه مثل ما يدعوه، فهو مشرك الشرك الذي لا يغفره الله، ولو كان مع ذلك عفيفا في طعامه ونكاحه، وكان حكيما شجاعا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]