عرض مشاركة واحدة
  #71  
قديم 24-02-2022, 06:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (71)

من صــ 241 الى صـ
ـ 248



الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ خُصُوصًا، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: أَنْتُمْ أَذَلُّ الْأُمَمِ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ دِينُ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يُبَدَّلْ فَهُوَ مَغْلُوبٌ مَقْهُورٌ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَهَلْ تَعْجَبُونَ مِنْ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، فَيَبْعَثُهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ حَتَّى يَصِيرَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ مَنْصُورًا ظَاهِرًا بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ.
وَيُقَالُ لِلنَّصَارَى: أَنْتُمْ لَمْ تُخَلِّصُوا دِينَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ مِنْ دِينِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُعَطِّلِينَ، بَلْ أَخَذْتُمْ مِنْ أُصُولِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُعَطِّلِينَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ مَا أَدْخَلْتُمُوهُ فِي دِينِكُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ عَلَى أَكْثَرِ الْكُفَّارِ حُجَّةٌ عِلْمِيَّةٌ وَلَا يَدٌ قَهْرِيَّةٌ، بَلْ لِلْكُفَّارِ فِي
قُلُوبِكُمْ مِنَ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ وَالتَّعْظِيمِ مَا أَنْتُمْ بِهِ مِنْ أَضْعَفِ الْأُمَمِ حُجَّةً وَأَضْيَقِهَا مَحَجَّةً، وَأَبْعَدِهَا عَنِ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ، وَأَعْجَزِهَا عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ؛ تَارَةً تَخَافُونَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُعَطِّلِينَ، فَإِمَّا أَنْ تُوَافِقُوهُمْ عَلَى أَقْوَالِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ تَخْضَعُوا لَهُمْ مُتَوَاضِعِينَ، وَتَارَةً تَخَافُونَ مِنْ سُيُوفِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوا بَعْضَ دِينِكُمْ لِأَجْلِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ تَذِلُّوا لَهُمْ خَاضِعِينَ.
ففيكم من ضعف سلطان الحجة، وضعف سلطان النصرة ما يظهر به حاجتكم إلى قيام الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه فالعجب منكم كيف تعدلون عما فيه سعادتكم في الدنيا والآخرة إلى ما فيه شقاؤكم في الدنيا والآخرة. هذا هو العجب ليس العجب ممن آمن بما فيه سعادة الدنيا والآخرة وفي خلافه شقاوة الدنيا والآخرة.
ومثل هذا لا يرد على المسلمين، فإنه لم يزل ولا يزال فيه طائفة قائمة بالهدى ودين الحق ظاهرة بالحجة والبيان واليد والسنان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، كما ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة" " وفي لفظ " "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة حتي يأتي الله بأمره" ".
الوجه الثامن: أن يقال لأهل الكتاب: لليهود: أنتم لما كنتم متبعين لموسى - عليه السلام - كنتم على الهدى ودين الحق وكنتم منصورين، ثم كثرت فيكم الأحداث التي تعرفونها كما قال - تعالى -:{قل ياأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون - قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل} [المائدة: 59 - 60].
وقوله - تعالى -: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] معطوف على (لعنه الله) أي من لعنه الله وغضب عليهم وعبد هو الطاغوت، ليس هو داخلا في خبر " جعل "، حتى يلزم إشكال كما ظنه بعض الناس.
وأهل الكتاب معترفون بأن اليهود عبدوا الأصنام مرات، وقتلوا الأنبياء.
وقال - تعالى -:
{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا - فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا - ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا - إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا - عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} [الإسراء: 4 - 8].
وهم معترفون بأن بيت المقدس خرب مرتين.
فالخراب الأول لما جاء " بختنصر " وسباهم إلى بابل وبقي خرابا سبعين سنة، والخراب الثاني بعد المسيح بنحو سبعين سنة، وقد قيل: هذا تأويل قوله:
{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} [المائدة: 78].
فبعد الخراب الثاني تفرقوا في الأرض ولم يبق لهم ملك. وبين الخرابين كانوا تحت قهر الملوك الكفار، وبعث المسيح - عليه الصلاة والسلام - وهم كذلك.

ويقال للنصارى: أنتم ما زلتم مقهورين مغلوبين مبددين في الأرض، حتى ظهر قسطنطين وأقام دين النصرانية بالسيف، وقتل من خالفه من المشركين واليهود. لكن أظهر دينا مبدلا مغيرا ليس هو دين المسيح - عليه السلام - ومع هذا فكانت أرض العراق وفارس كفارا - المجوس وغيرهم - مجوسا ومشركين. وكانوا في بعض الأزمنة يقهرون النصارى على بلادهم، وأما أرض المشرق والمغرب ففيهما من أنواع المشركين أمم، وكان الشرك والكفر ظاهرا في أرض اليمن والحجاز والشام والعراق، فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أظهر به توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ظهورا لم يعرف في أمة من الأمم، ولم يحصل مثله لنبي من الأنبياء، وأظهر به من تصديق الكتب والرسل والتوراة والإنجيل والزبور، وموسى وعيسى وداود وسليمان وغيرهم من الرسل ما لم يكن ظاهرا لا عند أهل الكتاب ولا غيرهم، فأهل الكتاب وإن كانوا خيرا من غيرهم فلم يكونوا قائمين بما يجب من الإيمان بالله ورسله ولا باليوم الآخر ولا شرائع دينه، ولا كانوا قاهرين لأكثر الكفار، ولا كانوا منصورين عليهم ولهذا قال: - تعالى -.:
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب} [التوبة: 29]. .

أما اليهود ففيهم من التنقص من الأنبياء في سبهم، وذكر عيوب نزههم الله عنها، ما هو معروف. حتى إن منهم من يقول أن سليمان كان ساحرا، وداود كان منجما لم يكن نبيا، إلى أمثال ذلك.
مما يطول وصفه. ففيهم من الكفر بالأنبياء، من جنس ما كان في سلفهم الخبيث. .

وأما النصارى - فمع غلوهم في المسيح وأتباعه - يستخفون بغيره فتارة يجعلون الحواريين مثل إبراهيم وموسى أو أفضل منهم، وتارة يقولون - كما قال اليهود -: " إن سليمان لم يكن نبيا بل سقط من النبوة "، وتارة يجعلون ما خاطب الله به داود وغيره من الأنبياء إنما أريد به المسيح، مع أن اللفظ لا يدل على ذلك، بل يتأولون كتب الله بمجرد هوى أنفسهم، وتارة يقولون: إن الواحد منهم إذا أطاع الله بما يزعمون أنه طاعة، صار مثل واحد من الأنبياء، ويسوغون لمثل هؤلاء أن يغيروا شرائع الأنبياء ويضعوا دينا ابتدعوه ومحمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته أقاموا توحيد الله الذي كان عليه إبراهيم وموسى وسائر الرسل وآمنوا بكل كتاب أنزله الله وكل رسول بعثه الله، وأقاموا دين الرحمن إقامة لم يقمها أحد من الأمم. فعامة أهل الأرض مع محمد - صلى الله عليه وسلم -: إما مؤمن به باطنا وظاهرا - وهم أولياء الله المتقون وحزبه المفلحون وجنده الغالبون - وإما مسلمون له في الظاهر تقية وخوفا من أمته، وهم المنافقون.
وإما مسالمون له بالعهد والذمة والهدنة - وهم أهل الذمة والهدنة في جميع الأرض - وإما خائفون من أمته.
وحيث كان الواحد والطائفة من أمته متمسكا بدينه، كان نوره ظاهرا وبرهانه باهرا معظما منصورا، يعرف فضله على كل من سواه.
وهذا أمر يعرفه الناس في أرض الكفار من المشركين وأهل الكتاب؛ لما خص الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأمته من الهدى ودين الحق. وقد أظهروا دين الرب في مشارق الأرض ومغاربها بالقول والعمل. فهل يقول من عنده علم وعدل: إنه لا فائدة في إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنه يستغنى بما عند أهل الكتاب عن رسالته؟!

الوجه التاسع: أن يقال: هم معترفون بانتفاع المشركين به غاية الانتفاع، فإنه أقام توحيد الله ودينه فيهم، وأنه عظم المسيح. ورد على اليهود قولهم فيه وأهانهم وحينئذ فهذا من أعظم الفوائد وأجل المقاصد وأعظم نعم الله على عباده، ثم هو - مع ذلك - قال: إن الله أرسله وأمره بذلك.

فإن كان كاذبا فالكذاب المفتري على الله من شر الكفار، ومن يكون كذلك لا يحصل منه هذا الخير العظيم، الذي ما حصل مثله من أحد من الأنبياء، فإنه أزال دين المشركين، ودين المجوس، وقمع اليهود وكل واحدة من هذه الثلاث لم يقدر عليها أحد قبله من الأنبياء والمرسلين.
وإن كان صادقا؛ فهو قد أخبر أنه رسول الله إلى النصارى وغيرهم من الأمم، وأخبر عن الله بكفر كل من لم يؤمن به. وهذا الوجه ممن يخاطب به كل صنف، فيقال لكل صنف من الأمم: أنتم معترفون بأن من سواكم إذا اتبعوا دين محمد - صلى الله عليه وسلم - كان خيرا لهم مما هم عليه؛ فاليهود معترفة بأن النصارى إذا اتبعوه كان خيرا لهم من دين النصارى، والنصارى معترفون بأن اليهود إذا اتبعوه كان خيرا لهم من دين اليهود، وأهل الكتاب اليهود والنصارى معترفون بأن من سواهم إذا اتبعوا محمدا كان خيرا لهم مما هم عليه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]