
15-02-2022, 08:38 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,156
الدولة :
|
|
رد: قيود وأوهام
فأما رسل الله - عليهم الصلاة والسلام - فقد أدوا الأمانة وبلغوا الرسالة، ومضوا إلى ربهم خالصين من هذا الالتزام الثقيل.. وهم لم يبلغوها دعوة باللسان وفقط، ولكن بلغوها -مع هذا- قدوة ممثلة في العمل، وجهاداً مضنياً بالليل والنهار لإزالة العقبات والعوائق.. سواء كانت هذه العقبات والعوائق شبهات تحاك، وضلالات تزين، أو كانت قوى طاغية تصد الناس عن الدعوة وتفتنهم في الدين، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين؛ بما أنه المبلغ الأخير، وبما أن رسالته هي خاتمة الرسالات.. فلم يكتف بإزالة العوائق باللسان، إنما أزالها كذلك بالسنان ﴿ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ [الأنفال: 39] وبقي الواجب الثقيل على من بعده.. على المؤمنين برسالته.. فهناك أجيال وراء أجيال جاءت وتجيء بعده - صلى الله عليه وسلم - وتبليغ هذه الأجيال منوط - بعده - بأتباعه. ولا فكاك لهم من التبعة الثقيلة تبعة إقامة حجة الله على الناس؛ وتبعة استنقاذ الناس من عذاب الآخرة وشقوة الدنيا إلا بالتبليغ والأداء.. على ذات المنهج الذي بلغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأدى.. فالرسالة هي الرسالة؛ والناس هم الناس.. وهناك ضلالات وأهواء وشبهات وشهوات.. وهناك قوى عاتية طاغية تقوم دون الناس ودون الدعوة؛ وتفتنهم كذلك عن دينهم بالتضليل وبالقوة.. الموقف هو الموقف؛ والعقبات هي العقبات، والناس هم الناس. ولا بد من بلاغ، ولا بد من أداء.. بلاغ بالبيان، وبلاغ بالعمل حتى يكون المبلغون ترجمة حية واقعية لما يبلغون.. وبلاغ بإزالة العقبات التي تعترض طريق الدعوة؛ وتفتن الناس بالباطل وبالقوة.. وإلا فلا بلاغ ولا أداء..إنه الأمر المفروض الذي لا حيلة في النكوص عن حمله.. وإلا فهي التبعة الثقيلة. تبعة ضلال البشرية كلها؛ وشقوتها في هذه الدنيا، وعدم قيام حجة الله عليها في الآخرة! وحمل التبعة في هذا كله، وعدم النجاة من النار.. فمن ذا الذي يستهين بهذه التبعة؟ وهي تبعة تقصم الظهر وترعد الفرائص وتهز المفاصل؟!)[70].
وقد ذكرنا مع كل قيد ووهم ما يفل عقدته بإذن الله، ونؤكد أيضاً في مقاومة هذا العوائق بالتالي:
• الاستعانة بالله ومتابعة الدعاء بالهداية والسداد كما صح ذلك عن رسول الله. وقد قال ابن مسعود: إذا أراد الله بعبد خيراً سدده وجعل سؤاله عما يعينه وعلّمه فيما ينفعه[71]. وقد ذكر الماوردي[72]: أن الأقدار الغلابة لا تأتي بالمغالبة، وقد قصد أن هداية الله للإنسان تقيه الانبتات دون مسير وثمرة، ثم قال رحمه الله: ونحن نسأل الله تعالى أكرم مسئول، وأفضل مأمول، أن يحسن إلينا التوفيق فيما منح، ويصرف عنا الرغبة فيما منع؛ استكفافا لتبعات الثروة، وموبقات الشهوة. وهذا لعمري من أبلغ الدعاء وأوجزه.
• دفع الذنوب وخواطرها، فإن لها شؤم على الفرد والمجتمع، قالت عائشة رضي الله عنها: أقلّوا الذنوب، فإنكم لن تلقوا الله بشيء أفضل من قلة الذنوب. والإنسان خطاء وجُبل على الذنب والخطأ ولكن المؤمن ديدنه الأوبة والاستغفار، فلا يأتيه الشيطان إلا مساً دون تمكن ولا يستقله رحولاً بل يطوف كالثعلب، ولكن سرعان ما يفوق المؤمن ويسترجع قوته ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]، فالمؤمن الحصيف يتبع السيئة الحسنة مباشرة كما في الخبر "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها.." الحديث؛ فهي بلا شك تذهبها وتزيلها قال جلّ من قائل سبحانه: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]. وقد قال أبو عبيدة - رضي الله عنه -: التهلكة: أن يذنب العبد ذنباً ثم لا يعمل بعده خيراً حتى يهلك.
• ترك الأوهام وعدم الالتفات للعقبات، وقد قالوا أصدق ما قالت العرب قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : قيمة المرء فيما يحسن، وذكر ابن تيمية أن ذلك بحق العامة، وأما الخاصة فقيمة المرء عندهم فيما يطلب. والمحدق يجد البون بين اللفظين، وبالتالي فإن العامل حين يطلب ويقاوم ويصارع دون الرضوخ لأي عائق تكن قيمته سامية ومرتبته سامقة وخطوته سابقة.
• العيش في بيئات المصلحين. وهذا السر في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يأكل الذئبُ القاصية". رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وقد كان السلف الصالح لا يراهنون على إخوانهم أبداً حتى وصل بهم الأمرُ أن يقرنوهم بالصلاة في أهميتها وعظمها. عن محمد بن واسع قال: ما بقي في الدنيا شيءٌ ألذُّ به إلا الصلاةَ جماعة ولقيا الإخوان[73]. وقال الحسن البصري: لم يبق من العيش إلا ثلاثٌ: أخٌ لك تصيب من عشرته خيراً، فإن زغت عن الطريق قومك، وكفافٌ من عيش ليس لأحد عليك فيه تبعة، وصلاةٌ في جمع تُكفى سهوَها، وتستوجب أجرَها[74]. قال الحسن البصري عن المؤمن: هو مرآةٌ، إن رأى منه ما لا يعجبه: سدده وقومه ووجهه، وحاطه في السر والعلانية[75]. وقال عمر بن عبد العزيز: من وصل أخاه بنصيحة له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجبَ حقه...[76]. ولذا فإن من معاني البيئات الصالحة المصلحة دفع الإنسان لمعالي الأمور والأخذ بيده إذا أصابه الفتور، بخلاف بيئة التثبيط والتحبيط وقد قال طلحة رضي الله عنه: لا تشاور بخيلاً في صلة، ولا جباناً في حرب. وقد صدق الفاروق رضي الله عنه: لا تصاحب الفاجر فيعلمك من فجوره.
• توطين النفس على العمل مع الطوارئ والأزمات والاستعداد للعمل في أي بيئة، وهذا يجعل في النفس مرونة في التعاطي مع الأحداث الراهنة وإعادة التأطير الإيجابي لأي معضلة.
• الاطلاع والقراءة في سير الأنبياء وآثار السلف وقصص الفاعلين فإن لها أنموذجاً وهدياً للعامل، يقيس عليها نفسه، ويرفع إليها سقفه. قال الإمام ابن حزم عن نفسه: (كانت فيّ عيوب فلم أزل بالرياضة واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم والأفاضل من الحكماء في الأخلاق، وآداب النفس حتى أعان الله عز وجل)[77].
• البداية المحرقة والحاضرة؛ قال عمر رضي الله عنه: التؤدة في كل شيء خير إلا ما كان من أمر الآخرة. ومن لازمها التدرج بلا ريب، وهي لا تعني الاستعجال بطبيعة الحال، ففاعلية لا انفعالية، وقد يصيب بعض الأخيار القعود والإحباط حين يرى القوم بذلوا وقدموا فنالوا وحصّلوا فيكلّ ويملّ ويجفل! وابن القيم يرسم هذه الوصية القيّمة: "فيا من يرى علو تلك المرتبة لا تنس الدرج، كم خاض بحراً ملحاً حتى وقع بالعذب! وكم تاه في مهْمهٍ قفرٍ حتى سمى بالدليل! وكم أنضَّ مراكب الجسم! وفض شهوات الحس! وواصل السرى - ليلاً ونهاراً - وأوقد نار الصبر في دياجي الهوى" [78].
[1] "سير أعلام النبلاء"، (7/ 114).
[2] "سير أعلام النبلاء"، (7/ 119).
[3] "سير أعلام النبلاء"، (7/ 119).
[4] "سير أعلام النبلاء"، )7/ 120).
[5] "سير أعلام النبلاء"، (5/ 358).
[6] "سير أعلام النبلاء"، (5/ 87).
[7] "الزهد للإمام أحمد"، (ص:469).
[8] "العبودية".
[9] " الزهد للإمام أحمد"، ص: (448 - 449).
[10] "الزهد للإمام أحمد"، ص: (446 - 447).
[11] "مجموع فتاوى ابن تيمية"، (7 / 10).
[12] "سيرة ابن هشام" (1/ 344).
[13] "الزهد للإمام أحمد"، (ص:357).
[14] "سير أعلام النبلاء"، (7/ 125).
[15] "مفتاح دار السعادة"؛ لابن القيم، (1 / 168).
[16] "العوائق"؛ لمحمد الراشد، (ص: 148).
[17] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:258)، بتصرف.
[18] "عدة الصابرين"؛ لابن القيم، (ص: 93).
[19] اليوم المعمعاني: الشديد الحر.
[20] "كتاب الزهد"؛ للإمام أحمد، (ص:433).
[21] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:201).
[22] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:198).
[23] "الفوائد"، (ص: 35).
[24] "الجواب الكافي"؛ لابن القيم، (ص: 44).
[25] مسند أحمد ح 11048.
[26] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:248)، بتصرف.
[27] "رسائل الإصلاح"؛ لمحمد الخضر حسين، (2/ 87)، بتصرف.
[28] " الزهد للإمام أحمد"؛ (ص: 11)، "مناقب أحمد"؛ لابن الجوزي (ص:140).
[29] "حلية الأولياء"، (3/ 128)، " سير أعلام النبلاء"، ( 6\198).
[30] " سير أعلام النبلاء"، ( 6\199).
[31] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:230).
[32] "عيون الأخبار"؛ لأبن قتيبة، ( 2 / 18).
[33] "الزهد"؛ لابن المبارك.
[34] "مجموع فتاوى ابن تيمية"، ( 18/ 283).
[35] مسند أحمد ح 15224، سنن الترمذي ح 2298، سنن الدارمي ح 2614.
[36] "العوائق"؛ لمحمد الراشد، (ص: 88).
[37] "تهذيب التهذيب"، (7/ 7).
[38] "مجموع فتاوى ابن تيمية"، ( 18 / 295 –297).
[39] "الإبانة"، (1 / 189 – 190).
[40] "الإبانة"، ( 1 / 190 – 191).
[41] "الإبانة"، ( 2 / 505).
[42] "الإبانة"، ( 2 / 605).
[43] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:247).
[44] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:275).
[45] "الفوائد"، (ص: 19).
[46] " سير أعلام النبلاء"، (5/ 355).
[47] " حلية الأولياء"، )2/ 321 (، وسير أعلام النبلاء، (5/ 224).
[48] "سير أعلام النبلاء"، (4\ 259).
[49] " سير أعلام النبلاء"، (3/ 221(.
[50] " سير أعلام النبلاء" (5/ 240)
[51] "تهذيب التهذيب"، ( 1/ 447).
[52] "تهذيب التهذيب"، (8/ 424).
[53] " الزهد للإمام أحمد"، (ص: 11)، "مناقب أحمد"؛ لابن الجوزي. (ص:140).
[54] "الفوائد"، ( ص:56).
[55] "الهمة العالية معوقاتها ومقوماتها"؛ لمحمد الحمد، ص 32-34)، بتصرف.
[56] "عدة الصابرين"، (ص: 121).
[57] "الموافقات للشاطبي"، ( 1 / 178-179).
[58] صحيح البخاري ح 4537 ، صحيح مسلم ح 5092.
[59] صحيح البخاري ح 4360 ، صحيح مسلم ح 4991.
[60] صحيح مسلم ح 4754.
[61] صحيح البخاري ح 5966.
[62] "مجموع فتاوى ابن تيمية"، ( 14 / 480-483).
[63] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:136).
[64] "الزهد"؛ لعبد الله بن المبارك، (ص: 390).
[65] "صيد الخاطر"؛ لابن الجوزي، (ص: 224).
[66] "سيرة عمر"؛ لابن عبد الحكم، (ص: 146).
[67] البخاري ح631.
[68] "طبقات ابن سعد"، (5/ 397).
[69] "قوة الإرادة وطرق تنميتها"؛ لصالح مراد (ص:34).
[70] "الظلال"، ص(809-810).
[71] "الإبانة"، (1 / 419).
[72] "أدب الدين والدنيا".
[73] " الزهد للإمام أحمد"، (ص: 440).
[74] "تاريخ بغداد"، (6/ 99).
[75] "الزهد لابن المبارك"، (ص: 232).
[76] "تاريخ الطبري"، (6 / 572).
[77] "الأخلاق والسير"، ص 33-34).
[78] "بدائع الفوائد"، (3/ 747).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|