عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18-01-2022, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصبر عند الشدائد

الأقدار مكتوبة، والأقضية ماضية: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، في صحيح مسلم مرفوعًا: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء)، فلا حيلة للعبد ولا قوة له، وما عليه إلا أن يسلِّم لأمر الله مع حسن الظن به والتوكل عليه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].




يجري القضاء وفيه الخير نافلة

لمؤمن واثق بالله لا لاهي


إن جاءه فرح أو نابه ترحٌ

في الحالتين يقول الحمد لله






قال شريح القاضي: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله – عز وجل – عليها لأربع، أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.



ذكر التنوخي في كتابه الفَرَج بعد الشدة أن صاحب خبر المسجونين رأى رجلًا في المُطْبق – وهو سجن تحت الأرض – مغلولًا على ظهره لبنة من حديد، فسألته عن قصته فقال: أنا والله مظلوم كنت في ليلة من الليالي في دعوة صديق لي، فخرجت من عنده مغلسًا، فلما صرت في قطعة من الشارع، فإذا بالعُسس فرُهِبْت ولم أدر ما أعمل، ففتحت دكانًا فدخلته ليجوزَ ويذهبَ عني، لكنه بلغ الموضع الذي أنا فيه وأمر رجاله بتفتيش المكان، فدخلوا بمِشْعَلٍ رأيت في ضوئه رجلًا مذبوحًا على صدره سكين ففزعت، فلمَّا رأوه ورأوني قائمًا لم يشكوا في أني القاتل، فأخذوني فحبسوني فضُربت ضربًا شديدًا، وعوقبت أصنافًا من العقوبات، وأنا أنكر وعندهم أني أتجلَّد وهم يزيدونني، فاجتمع أهلي بأسباب السلطان واستشهدوا خلقًا كثيرًا على حسن سيرتي، فأعفيت من القتل، ونقلت إلى هذا المُطْبق وثُقِّلتُ بهذا الحديد، وتُركت على هذه الصورة مُذْ ست عشرة سنة، قال الرجل: فاستعظمت محنته، وبُهِتُّ من حديثه، فقال: مالك؟ والله ما آيسُ مع هذا من فضل الله – عز وجل – فإن من ساعة إلى ساعة فرجًا، قال: فوالله ما خرج كلامُه من فيه حتى ارتفعت ضجةٌ عظيمة، وكُسِر الحبس، فإذا هي الفتنة قد ثارت في أيام المقتدر بالله.



ويروي لبيب العابد فيقول: رأيت يومًا حيةً داخلة في جحرها، فأمسكت ذنبها فانثنت عليَّ، فنهشت يدي فشُلَّت، ومضى على ذلك زمان طويل، فشُلَّت يدي الأخرى، ثم جَفَّت رجلاي، ثم عَميت ثم خُرِست، وكنت على ذلك الحال ملقى سنةً كاملة، لم تبقَ لي جارحة صحيحة إلا سمعي أسمع به ما أكره، وأنا طريح على ظهري، لا أقدر على الكلام ولا على الحركة، وكنت أُسقى وأنا ريَّان، وأترك وأنا عطشان، وأهمل وأنا جائع، وأطعم وأنا شبعان.



فلما كان بعد سنة دخلت امرأةٌ إلى زوجتي، فقالت: كيف أبو علي لبيب؟ فقالت: لا حي فيُرجى، ولا ميت فيُسلى، فأقلقني ذلك وآلمني ألَمًا شديدًا، وبكيت ورغبت إلى الله – عز وجل – في سري بالدعاء، فلما كان في بقية ذلك اليوم ضرب على جسمي شيئًا عظيمًا كاد يُتلفني، ولم أزل على ذلك الحال إلى أن دخل الليل وانتصف، فسكن الألم قليلًا، فنمت فما أحسست إلا وقد انتبهت وقت السحر وإحدى يدي على صدري، ثم وقع في قلبي أن أحركها فتحركت، فقبضت رجلي فانقبضت، فرددتها فرجعت ففعلت ذلك مرارًا، ثم رمت الانقلاب من غير أن يقلبني أحد، ورمت القيام فأمكنني وقمت، وسرت في الظلمة وأنا لا أطمع في بصري، فخرجت من البيت إلى صحن الدار، فرأيت السماء والكواكب تزهر قلت: يا قديم الإحسان لك الحمد.



ثم صحت بزوجتي فقالت: أبو علي؟ فقلت الساعة صرت أبا علي!! أسرجي السراج، فأسْرَجَت فانقطعت بعد ذلك إلى الله – عز وجل – ولزمت عبادته، وصارت عادته أن يقول يا قديم الإحسان لك الحمد يقولها في حَشْوِ كلامِه.




فالزم يديك بحبل الله معتصمًا

فإنه الركن إن خانتك أركان










قال بعض الصالحين: استعمل في كل بليةٍ تَطْرُقُك حسن الظن بالله – عز وجل - في كشفها، فإن ذلك أقرب بك إلى الفرج، وصدق الحق إذ يقول: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].



بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطـبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.



أما بعد:

فيقول الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف: 110]، كلما اشتد الكرب اعلم أن الفَرَج قد اقترب، فآخر الهم هو أول الفرج، فلن يَغلب عسرٌ يسرين، فلا بد للظلام أن ينقشع، ولا بُدَّ لليل البهيم أن ينجلي، كان ابن شبرمة إذا نزلت به شدة يقول: سحابة ثم تنقشع.






هي الأيام والغِيَرُ

وأمر الله منتظرُ


أتيئَس أن ترى فرجاُ

فأين الله والقدرُ؟






يقول تعالى عن يعقوب – عيه السلام - حين فقد أحب ولده ومع ذلك لم يقنط: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، هو جل وعلا لم يُغلق بابَه، لم يُسدل حجابَه، لم تنفد خزائنُه، لم ينته فضلُه، كلُّ الحبال تنقطع إلا حبلُه، كلُّ الآمال تخيب إلا فيه، كل الأبواب تُغلق إلا بابه.




لا يأس يسكننا فإن كبر الأسى

وطغى فإن يقين قلبي أكبرُ


في منهج الرحمن أمن مخاوف

وإليه في ليل الشدائد نجأرُ






عبدَ الله، توِّج همومَك بدعاء الكرب، ودعاء الهم، ودعوة ذي النون، فأما الكرب فقد كان يقول عليه الصلاة والسلام عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم)؛ [البخاري ومسلم]، وكان يقول: (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسك طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت)؛ [صحيح أبي داود].



وأما دعاء الهم، فحديث ابن مسعود مرفوعًا: (ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سَمَّيت به نفسك، أو أنزلتَه في كتابك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك - أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذَهاب همي، إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرحًا، فقيل يا رسول الله: ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها)؛ [المسند، وصححه أحمد شاكر].



وأما دعوة ذي النون يونس بن متَّى - عليه السلام - فحديث: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له)؛ [الترمذي وصححه الألباني].



حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم – عليه السلام – لَما أُلقي في النار، فنجَّاه الله منها ومن كيد أعدائه، وقالها محمد – صلى الله عليه وسلم – بعد غزوة أحد، فقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران:173-174].





وإني لأدعو الله والأمر ضيِّق


عليَّ فما ينفك أن يتفرجا


ورُبَّ فتى ضاقت عليه وجوهه

أصاب له في دعوة الله مخرجا






عباد الله صلوا وسلموا على مَن أُمرتُم بالصلاة والسلام عليه..








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]