
28-11-2021, 03:58 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة :
|
|
رد: الضمـير وكيف نربيه!؟
نعـم يقول سعـد:
"ما اسمـك يــا هـذا؟".
فقـال ذلكـم الجنـدي النبيل الصــادق الوفــي:
"والله لا أقـول لكـم اسمـي لتشكـروني، ولا لغـيركم ليقــربـوني أو يحمــدونني،
ولكني أحمدُ الله وأرضـى بثــوابـه".
كــانوا عمليين، كــانــوا صـادقـين، كانوا مخلصين، كانوا أمناءَ أوفياءَ شرفاءَ.
لم يكونوا مهرجين ولا ممثلين ولا مقلدين، ولا نفعيين ولا منافقين؛ لأن الضمـير ومـراقبة الله هـو الذي كان يحكـم، وهو الذي كان يسـود، فسادت الفضيلة، وسادت العدالة والمســاواة، وأخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومَن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعــة الدنيا والآخـرة.
فما أجمل صحوة الضمير ويقظته يا أيها الكــرام، وما أجمل ذلكم الضمير الذي نادى من مملكة قلب نبي الله يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز، فقال: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23].
وهو الضمير نفسه الذي جعل ماعز الأسلمي يأتي بنفسه إلى محكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم طائعًا مختارًا؛ ليعترف بجريمة الزنا، وليقام عليه حدُّ الله.
وهو ذلكم الضمير الذي جعل عثمان بن عفان يتبرع بكامل قافلته في عام الرمادة، رغم فرصة الربح التي لا تعوض لكنه باعها لله وتركها لله.
وفي هذا العام نفسه (عام الرمادة) الذي أصاب المسلمين فيه مجاعةٌ قاتله جعلت الخليفة عمر بن الخطاب يأمر بذبح جـزور وتوزع علـى فقـراء وجوعـى المدينة، وعند الغـداء يُوضع على مائدة الخليفة عمر ويقدم أمامه أشهى ما فيها من لحـمٍ وطعـام، فلمَّا رأى الفـاروق ذلك قال: من أيـن هــذا؟
فقالوا له: إنَّه من الجـزور الذي أمـرت بذبحه وتوزيعه للناس اليوم.
فقال الـزاهـد التقـي الـورع!!
قال الخليفة العادل: بـخٍ بـخ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وتركتُ للناس كراديسها، ثم أزاح الطعــام الذي أمامه بيمينه وقال: "يا أسلـم، ارفـع عني هذا الطعام، وائتني بخبزي وزيتي، فـوالله إن طعامكم هذا عليَّ حـرام حتى يشبع منه فقــراء المسلمين".
يوم اشتهت زوجته الحلوى قال لها:
من أين لي ثمنُ الحلوى فأشريها، ما زاد عن قوتنا فالمسلمين به أولى، قومي إلى بيتِ المال رديها،
كذاك أخلاقه كانت وما عهدت بعد النبوة أخلاقٌ تحاكيها.
أقول مـا سمـعتم، واستغفروا اللـَّه لـي ولــكم من كل ذنـب، فيـا فوز المستغفرين، ويا نجاة التائبين.
الخطبة الثانية
أمَّا بعد إخواني الكــرام، فحديثنا اليوم يدور حول موضوعٍ مهم للغاية، إنه (الضمــير وكيف نربيه)،
الضميرُ الذي إذا ما اختفى أو مات من حياة النَّاس، ستجد من يُعطيك شهادة تعليمية دون أن تدرس يومًا واحدًا، ستجد شاهد يبيع ضميره ويزوِّر أحداث شهادته، وحوَّل الظالم إلى مظلوم والمظلوم إلى ظالم،
ستجد طبيبًا يُهملُ معالجة مرضاه في المستشفى؛ ليضطرهم للذهاب إلى عيادته الخاصة، ستجد من يخون أمته ويبيع وطنه ويدمِّر مجتمعه، نعم، عندما يباع الضمير ستجد الموظف يرتشي، والكاتب يزوِّر، والجندي يُخلُ في عمله، والطبيب يُهمل في علاج مريضه، والمعلم يُقصر في واجبه، والقاضي يظلم في حكمه، والمرأة تفرط في واجباتها الأسرية، والتاجر يغش ويحتكر في تجارته، عندما يباع الضمير تُهملُ الواجبات، وتَضيع الحقوق والأمانات، ويُوسَّدُ الأمرُ إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتُحاكُ المؤامرات، وتُقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة.
عندما يباع الضمير، تغفو العقول، وتثورُ الأحقاد، وتتعطل إنسانية الإنسان وتفقد حواسه قيمتها، ويغدو صاحب عقلٍ لا يفقه وصاحب عينٍ لا تبصر، وصاحب أذن لا تسمع: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122].
أحبتي الكــرام، في إحـدى الأيام أراد الخليفة الفاروق عمر بن الخطـاب رضي الله عنه أن يختبر ويقيس ضمير الرعية، فخرج في ثـوبٍ تنكُّري، وكان عمر يلبس ثوبًا كأحــد الـرعية بلا نقوش ولا نياشين ولا أوسمـة.
وكان يخـرج بلا مواكـب وبلا حــرس أو جنود أو درجات نارية أو طوابير أو هيلمان، فخرج ليستطلع ضمير الأمة هل أصابه الغش؟
وهل أصابته الخيانة؟ أو أصابته الانحرافات!
فوجد راعيًا يرعى غنمًا، فقال له الفاروق مختبرًا إياه والراعـي لا يعرف أنَّه الخليفة عمر، فقال له:
"يا هذا اعطنا غنمــةً نتغدى عليها اليوم"، فقال له الراعي: يا هــذا إنَّها ليست ملكًا لي، وإنَّما هي مِلْكٌ لسيدي وأخاف إن تصرفت فيها أن اكـــون بذلك قد خنت الأمــانة والله يقــول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
إنَّه درسٌ مهـم من راعي غنم لكل مـن أحيط بأمانةٍ، فخانها وتساهل فيها وفــرَّط فيها.
فقال له عمر: سأُعطيك ثمنها دنانير مـن ذهب ودراهــم مـن فضة.
ظـنَّ عمر أنَّ للذهب رنينًا يخـدع القلوب ويأسِر الأرواح، ويسحـر النفوس، وأنَّ للفضة بريقها الذي تنخلـع لها الأفئدة.
فماذا قال الراعـي؟!
ومـاذا لو كان واحدًا من أولئك الذين لا ضمـير لهم ولا أمانة ولا ذمـة ولا خــوف من الله.
قال الراعي: ومــاذا أقــول لسيدي لو سألني عنهـا!
قال عمر: إذا سألك عنها فقل له: أكلها الذئب!
فقال الراعي الأمين بلسان الإيمان والضمير الحي: "يا هـــذا إذا كــذبت علـى سيدي الأصغــر فأين الله، أين الله؟!
فــأين الله يا مــن تأخذ خلسةً حــقَّ غيرك؟
أيــن الله يـا مــن تفــرِّط في أمانـات النَّاس؟!
أين الله يا مــن تتعامــل بالربا؟
أين الله يا مـن تتاجــر بالحــرام؟
أين الله يا مــن ترتكب كل ما حـرَّم الله؟!
أين الله يا مــن تخاف من نظر المخلوق ولا تخاف من نظــر الخالق جل جلاله؟!
• لقــد وقــف الفاروق عمـر أمـام صخـرةٍ صلبة مـن الفـــولاذ الــرقابي!
• وقـف الفاروق أمــام يقظـة ضمير وسلامـةِ قلب كأنَّه طائـر ناحل الجناحين!
• وقـف الفاروق أمــام ضميرٍ عمـلاق وأمــام جبلٍ أشـمَّ مـن جبال الخـوف والمراقبة والضمير الحي.
ولقـد كان هذا الموقـف سببًا في أن عمر بن الخطاب يشتري هـذا الراعي من سيده ويعتقه، بل يشـتري له الأغنام ويقــول له: "لقد أعتقتك هـذه الكلمة مِن رِقِّ الدنيا، وأسال الله أن تنجيك مـن عـــذاب النار يـوم القيامة".
فليس الضمــير يا أيها الكرام، خطبًا تُلقـى، ولا دروسًا تُلقَّن.
وليس الضمــيرُ قصورًا ترفَع.
ولا مصانع تبنى، ولا شركات تُشيَّد.
إنَّمـا الضمــير كُل الضمــير هــو الـذي يقــوم علــى مبــدأ:
[أن تعبد الله كأنَّك تــراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يـــراك].
يقـــوم علــى مبــدأ:
﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 218، 219].
يقـــوم علــى مبــدأ:
﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الملك: 13].
يقـــوم علــي مبــدأ:
﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7].
ثم اعلمــوا أنَّ الله أمركــم بأمــرٍ بدأ به نفسه وثنـى به ملائكته المسبحــةِ بقدسه، وثلَّثَ به عبــاده من جنِّـه وإنســه، فقــال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|