عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 14-10-2021, 11:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,562
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (57)
صـ204 إلى صـ 213

المسألة الخامسة

تقدم الكلام على التكليف بما لا يدخل تحت مقدور المكلف ، وبقي النظر فيما يدخل تحت مقدوره ، لكنه شاق ، فهذا موضعه; فإنه لا يلزم إذا علمنا من قصد الشارع نفي التكليف بما لا يطاق ، أن نعلم منه نفي التكليف بأنواع المشاق ، ولذلك ثبت في الشرائع الأول التكليف بالمشاق ، ولم يثبت فيها التكليف بما لا يطاق .

وأيضا; فإن التكليف بما لا يطاق قد منعه جماعة عقلاء ، بل أكثر العلماء من الأشعرية وغيرهم .

[ ص: 205 ] [ ص: 206 ] وأما المعتزلة; فذلك أصلهم ، بخلاف التكليف بما يشق ، فإذا كان كذلك; فلا بد من النظر في ذلك بالنسبة إلى هذه الشريعة الفاضلة .

ولا بد قبل الخوض في المطلوب من النظر في معنى " المشقة " ، وهي في [ ص: 207 ] أصل اللغة من قولك : شق علي الشيء يشق شقا ومشقة إذا أتعبك ، ومنه قوله تعالى : لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس [ النحل : 7 ] .

والشق هو الاسم من المشقة ، وهذا المعنى إذا أخذ مطلقا من غير نظر إلى الوضع العربي; اقتضى أربعة أوجه اصطلاحية :

أحدها : أن يكون عاما في المقدور عليه وغيره ، فتكليف ما لا يطاق يسمى مشقة ، من حيث كان تطلب الإنسان نفسه بحمله موقعا في عناء وتعب لا يجدي; كالمقعد إذا تكلف القيام ، والإنسان إذا تكلف الطيران في الهواء ، وما أشبه ذلك ، فحين اجتمع مع المقدور عليه الشاق الحمل إذا تحمل في نفس المشقة; سمي العمل شاقا والتعب في تكلف حمله مشقة .

والثاني : أن يكون خاصا بالمقدور عليه; إلا أنه خارج عن المعتاد في الأعمال العادية ، بحيث يشوش على النفوس في تصرفها ، ويقلقها في القيام بما فيه تلك المشقة .

إلا أن هذا الوجه على ضربين :

أحدهما : أن تكون المشقة مختصة بأعيان الأفعال المكلف بها ، بحيث لو وقعت مرة واحدة لوجدت فيها ، وهذا هو الموضع الذي وضعت له الرخص المشهورة في اصطلاح الفقهاء; كالصوم في المرض والسفر ، والإتمام في السفر ، وما أشبه ذلك .

والثاني : ألا تكون مختصة ولكن إذا نظر إلى كليات الأعمال والدوام عليها ، صارت شاقة ، ولحقت المشقة العامل بها ، ويوجد هذا في النوافل وحدها إذا تحمل الإنسان منها فوق ما يحتمله على وجه ما ، إلا أنه في الدوام [ ص: 208 ] يتعبه ، حتى يحصل للنفس بسببه ما يحصل لها بالعمل مرة واحدة في الضرب الأول ، وهذا هو الموضع الذي شرع له الرفق والأخذ من العمل بما لا يحصل مللا ، حسب ما نبه عليه نهيه عليه الصلاة والسلام عن الوصال ، وعن التنطع والتكلف ، وقال : خذوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لن يمل حتى تملوا .

وقوله : القصد ، القصد تبلغوا .

والأخبار هنا كثيرة ، وللتنبيه عليها موضع آخر; فهذه مشقة ناشئة من أمر كلي وفي الضرب الأول ناشئة من أمر جزئي .

[ ص: 209 ] والوجه الثالث : أن يكون خاصا بالمقدور عليه ، وليس فيه من التأثير في تعب النفس خروج عن المعتاد في الأعمال العادية ، ولكن نفس التكليف به زيادة على ما جرت به العادات قبل التكليف شاق على النفس ، ولذلك أطلق عليه لفظ التكليف ، وهو في اللغة يقتضي معنى المشقة; لأن العرب تقول : كلفته تكليفا إذا حملته أمرا يشق عليه وأمرته به ، وتكلفت الشيء إذا تحملته على مشقة ، وحملت الشيء تكلفته إذا لم تطقه إلا تكلفا ، فمثل هذا يسمى مشقة بهذا الاعتبار لأنه إلقاء بالمقاليد ، ودخول في أعمال زائدة على ما اقتضته الحياة الدنيا .

والرابع : أن يكون خاصا بما يلزم عما قبله; فإن التكليف إخراج للمكلف عن هوى نفسه ، ومخالفة الهوى شاقة على صاحب الهوى مطلقا ، ويلحق الإنسان بسببها تعب وعناء ، وذلك معلوم في العادات الجارية في الخلق .

فهذه خمسة أوجه من حيث النظر إلى المشقة في نفسها ، انتظمت في أربعة :

فأما الأول; فقد تخلص في الأصول ، وتقدم ما يتعلق به .

وأما الثاني : وهي :
[ ص: 210 ] المسألة السادسة

فإن الشارع لم يقصد إلى التكاليف بالشاق الإعنات فيه ، والدليل على ذلك أمور :

أحدها : النصوص الدالة على ذلك; كقوله تعالى : ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم [ الأعراف : 157 ] .

وقوله : ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا [ البقرة : 286 ] الآية .

وفي الحديث : " قال الله تعالى : قد فعلت " .

وجاء : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 286 ] .

يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [ البقرة : 185 ] .

[ ص: 211 ] وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج : 78 ] .

يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا [ النساء : 28 ] .

ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم [ المائدة : 6 ] الآية .

وفي الحديث : بعثت بالحنيفية السمحة .

وما خير بين شيئين; إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما .

[ ص: 212 ] وإنما قال : " ما لم يكن إثما " ; لأن ترك الإثم لا مشقة فيه ، من حيث كان مجرد ترك ، إلى أشباه ذلك مما في هذا المعنى ولو كان قاصدا للمشقة لما كان مريدا لليسر ولا للتخفيف ، ولكان مريدا للحرج والعسر ، وذلك باطل .

والثاني : ما ثبت أيضا من مشروعية الرخص ، وهو أمر مقطوع به ، ومما علم من دين الأمة ضرورة; كرخص القصر ، والفطر ، والجمع ، وتناول المحرمات في الاضطرار ، فإن هذا النمط يدل قطعا على مطلق رفع الحرج والمشقة ، وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق والتكلف والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال ، ولو كان الشارع قاصدا للمشقة في التكليف ، لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف .

والثالث : الإجماع على عدم وقوعه وجودا في التكليف ، وهو يدل على عدم قصد الشارع إليه ، ولو كان واقعا لحصل في الشريعة التناقض [ ص: 213 ] والاختلاف ، وذلك منفي عنها; فإنه إذا كان وضع الشريعة على قصد الإعنات والمشقة ، وقد ثبت أنها موضوعة على قصد الرفق والتيسير; كان الجمع بينهما تناقضا واختلافا ، وهي منزهة عن ذلك .

وأما الثالث : وهي :


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]