
13-10-2021, 04:45 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,267
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (400)
تفسير سورة الأنعام (33)
القلوب الكافرة يلقى فيها كل ما لا خير فيه من الشهوات والشبهات، وتكون مقراً ومرتعاً للشياطين، تلقي فيها كل باطل وشر وفساد، وتتعاون هذه الشياطين مع أخباث الإنس على الشر والفساد، وعلى إضلال أصحاب القلوب السقيمة، حتى لا يروا نور الله عز وجل وهدايته، ولا تدركهم رحمة الله ومغفرته، فيكونون سواء في نار جهنم وبئس المهاد.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الأنعام
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس بإذن ربنا كتاب الله، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
ما زلنا مع سورة الأنعام ومع هذه الآيات الأربع، فهيا نصغي ونستمع إلى ترتيلها وتجويدها، ثم نأخذ بإذن الله في شرحها وبيان ما تحمله من الهدى والنور لأهل الإيمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:125-128].
الإخبار عن إرادة الله تعالى في الهداية والإضلال وأثر ذلك في حياة المسلم
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125].نور هذه الآية وهدايتها: أن نلجأ في صدق إلى ربنا ليهدينا، أن نلازم بابه وأن نقرعه في كل وقت وحين، سائلين أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، سائلين الله أن يشرح صدورنا ويوسعها للأنوار الإيمانية ولقبول العمل الصالح، وللإقبال والإنابة على الدار الآخرة، والبعد والتجافي عن الدار الأولى الفانية الزائلة.
هذا ما أخبر الله تعالى به: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )[الأنعام:125]، فما دام الأمر له وبيده يهدي من يشاء ويضل من يشاء؛ فإنا نأخذ من هذا ألا مطمع في غير ربنا، فلنفزع إليه ولنلجأ إليه في هدايتنا وفي إبعادنا عن الضلال والهلاك والعياذ بالله. وقد شرحنا هذه الآية بالأمس أكثر.
امتلاء قلوب الكفرة بالرجس والقذارة
وقوله تعالى: ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125]، علمنا أن الكافرين بالله، برسوله، بلقائه، بوعده ووعيده، بشرعه، بحكمه، بوجوده، بجلاله وكماله.. هؤلاء الكافرون قلوبهم كالمراحيض، كبيوت القمامات والمزابل، الوسخ والدنس كله فيها، علتهم كفرهم، عدم إيمانهم، ولك أن تحلف بالله أنه ما من كافر إلا والنجس في قلبه، لا طهر ولا صفاء، ولو طهر القلب وصفا لاشتاق إلى ربه وطلبه، ومشى شرقاً وغرباً يسأل عن ربه كيف يتقرب إليه ويعبده؟ فهل سأل هذا الكافر ؟ وذلك لخبث نفسه، وقد علمنا أن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، فالقلب الذي انطوى على الكفر من أين يدخله النور؟ من أين تأتيه الهداية؟ والقلب الذي تفتح وانشرح وقبل هداية الله يمتلئ، تزداد الأنوار في قلبه بكل عمل صالح يعمله ويقوم به.
الإشارة إلى صراط الله المستقيم وبيان حقيقته
الآية الثانية: قال تعالى: ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126] يا عبد الله، يا رسول الله! هذا صراط ربك مستقيماً لا اعوجاج ولا انحراف فيه، أشار إليه وهو يريد الإيمان والكفر، والهداية والضلال، المؤمنون مهتدون والكافرون ضالون، صراط الله الموصل إلى رضاه عرفنا أنه الإيمان ثم الطاعة لله ورسوله بفعل ما أمرا بفعله وألزما به، وباجتناب وترك ما نهيا عنه وحرماه على المؤمنين، هذا صراط ربكم مستقيماً لا اعوجاج فيه. وقال تعالى: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )[الأنعام:126] هذا البيان، هذا التفصيل، هذا الشرح، هذه الأنوار من يستفيد منها؟ الأحياء الذين إذا ذُكروا ذكروا، وإذا ذكروا اتعظوا، وقبلوا دعوة الله ومشوا في طريقه، بخلاف الغافلين والناسين والمعرضين، لن يشاهدوا أنوار هذا الصراط المستقيم، وهو الواقع.
كرامة الله تعالى لأوليائه بإنزالهم دار السلام
هؤلاء أخبر تعالى أن لهم دار السلام عند ربهم، هذه هي كرامة الله لهم: ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ )[الأنعام:127]، دار السلام: الجنة، وسميت بدار السلام لأمرين: أولاً: لسلامة من دخلها، لا هرم ولا كبر ولا مرض ولا موت ولا فقر ولا ضعف أبداً، سلامة كاملة، وهي دار الله عز وجل، وهذه الإضافة للتشريف، كبيت الله عز وجل، والله بانيها وموجدها، فهي داره، يسكن فيها أولياءه، فدار السلام هي الجنة.(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ )[الأنعام:127]، الله وليهم يحبهم ويحبونه، أمرهم فأطاعوه، نهاهم فأطاعوه، فتمت لهم الولاية، فأصبح وليهم وأصبحوا أولياؤه، وأولياء الله قال تعالى فيهم: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62].
العمل الصالح طريق الولاية والنزول بدار السلام
وقوله: ( بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127]، كيف تحققت لهم الولاية وأصبحوا حقاً أولياء الله؟ أخبر تعالى عنهم أنهم أولياؤه وهو وليهم بسبب العمل، لا النوم والعبث، ولكن السهر الدائم والعبادة المتواصلة، ونحن -والحمد لله- على علم بأن ولاية الله تتحقق للعبد بعد الإيمان بحب ما يحب الله وكره ما يكره الله، وفعل المحبوب لله، والابتعاد عن المكروه لله، ذلكم طريق الوصول إلى ولاية الله، والكل عمل.فقال تعالى: ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127]، أي: بسبب أعمالهم الصالحة التي زكت نفوسهم، وطيبت أرواحهم، وطهرت قلوبهم، فلذلك والاهم الله وأحبهم ورضي بهم أولياء، فهو وليهم بالعمل لا باللهو واللعب: ( بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127].
وما سر هذا العمل؟ هذا العمل عبادات قنّنها وشرعها الله، وفائدتها وثمارها تزكية النفس البشرية وتطييبها وتطهيرها، فإذا زكت نفسك وطابت وطهرت وأصبحت كأرواح الملائكة أحبك الله ورضي عنك وقبلك في دار السلام، ليس هناك من تطيب نفسه بدون عمل، والله ما كان، هل هناك من يشبع بدون أكل؟ مستحيل، فكيف تطيب نفسه بدون أن يعمل أدوات التزكية والتطييب والتطهير؟! هل هناك ثوب يبقى معلقاً مائة سنة يطيب بدون أن يغسل وينظف؟ مستحيل.
(بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127] من الصالحات، من الصلاة إلى غير الصلاة من كل العبادات، مع اجتنابهم المخبثات والمدسّيات للنفس من سائر الذنوب والآثام.
تفسير قوله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس...)
ثم يقول تعالى: ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا )[الأنعام:128]، إنسهم وجنهم، برهم وفاجرهم، أولهم وآخرهم، يحشرهم جميعاً في ساحة واحدة تسمى ساحة فصل القضاء والحكم بين الناس، وذلكم يوم القيامة يوم البعث من القبور والنشور والاجتماع حول محكمة الله عز وجل.(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ )[الأنعام:128]، اذكر يا أيها السامع الكريم، اذكر يا رسولنا يوم يحشرهم جميعاً ويناديهم قائلاً: يا معشر الجن والإنس! ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ )[الأنعام:128]، والمعشر: الجماعة المختلطون أمرهم واحد، معشر الجن: جماعة الجن، معشر الإنس: جماعة الإنس، معشر الرجال: جماعة الرجال، معشر النساء: جماعة النساء.
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ )[الأنعام:128]، والجن -كما علمتم- مأخوذ من الاجتنان الذي هو الستر والتغطية، فسموا بعالم الجن وبالجن؛ لأنهم لا يرون، هل فيكم من يراهم؟ وسمي الجنين في بطن أمه جنيناً لأنه لا يعرف أذكر أم أنثى.
عوالم المكلفين الأربعة
الجن عالم من عوالم أربعة، أولها: عالم الملائكة، تعرفون هذا العالم؟ هذا العالم لا يعرف عدد أفراده إلا الله خالقهم، وهم درجات، أفضلهم الملائكة المقربون حملة العرش، وأفضل الملائكة جبريل رسول رب العالمين إلى رسله وأنبيائه. وكل واحد منا معه عشرة ملائكة، ستة حراس وحفظة له، وأربعة يتناوبونه: اثنان بالليل واثنان بالنهار، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك راكع أو ساجد ).
هذا العالم كله نور وكله طهر وصفاء، طبعهم الله على هذا، لا يعرفون معصية لله، وأذكركم بخبر هاروت وماروت، لما تعجبا من معاصي بني آدم كيف يعصون ربهم، فغرز الله فيهم غرائز بني آدم وأنزلهم إلى الأرض، وإذا بهما يجترحان السيئات وندما وعرفا، فهما معلقان بين السماء والأرض.
عالم الجن عالم ثان قبل عالم بني آدم، عالم الملائكة مادة خلقه من النور، المادة التي خلق الله منها الملائكة هي النور، والمادة التي خلق الله منها عالم الجن هي النار المحرقة الملتهبة، والمادة التي خلق الله منها الإنس هي الطين، وهذا مبين في كتاب الله رب العالمين، وإنكاره كفر والعياذ بالله.
نريد أن نعرف العالم الرابع، وهم من فسقوا وفجروا وكفروا وتمردوا من عالم الإنس ومن عالم الجن، وهو عالم الشياطين، الذين فسقوا عن أمر الله وخرجوا عن طاعته وتمردوا، ومسخهم وطمس نور الخيرية فيهم وأصبحوا شياطين، هذا عالم الشياطين.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|