
13-10-2021, 04:42 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,267
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (399)
تفسير سورة الأنعام (32)
هداية الله عز وجل قريبة من عباده، وهو سبحانه المتفرد بتهيئتها لمن شاء من أولياءه، فمن أراد له الهداية سبحانه شرح صدره للإسلام، وهيأ قلبه لقبول الحق والتصديق به، حتى يستحق أن يكون من ورثة جنة النعيم، وساكني دار السلام مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. تفسير قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن نواصل دراسة سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة التي تعالج القضايا العظمى في الإسلام:
أولاً: توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، لا إله إلا الله.
ثانياً: إثبات النبوة المحمدية، وتقرير رسالته، وأنه حقاً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثالثة: عقيدة البعث الآخر، الحياة الثانية، قيام الساعة، النشور، أسماء متعددة وكلها تدور على مبدأ أننا سنعود أحياء في عالم آخر لنجزى على كسبنا وعملنا في هذه الحياة.
وها نحن مع هذه الآيات الثلاث من قوله تعالى: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )[الأنعام:125]، إلى قوله: ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ )[الأنعام:127]، فهيا نستمع إلى ترتيل الآيات الثلاث، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما تحمله من الهدى والنور لأهل الإيمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:125-127].
اختصاص الله تعالى بالهداية والإضلال وبيان طريق تحصيل الهداية
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ )[الأنعام:125].في الآيات السابقة طالب المشركون بالآيات والمعجزات ليؤمنوا، والله يعلم أنهم لا يؤمنون، فما استجاب لهم فيما طلبوه، وها هو ذا تعالى يقرر هذه الحقيقة، وهي: أن الهداية بيد الله، والإضلال بيد الله، فمن فزع إلى الله ولجأ إليه واطرح بين يديه وذرف الدموع على خديه، سائلاً ضارعاً ليله ونهاره أن يهديه ويشرح صدره؛ استجاب الله تعالى له وشرح صدره ونور قلبه وزكى نفسه وهيأه لجواره في الملكوت الأعلى.
(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )[الأنعام:125] لهذا الطريق السوي المستقيم الموصل أولاً إلى رضا الله، ثم إلى جواره، فالله عز وجل لا يخيبه، فاطلب يا عبد الله، واطلببي يا أمة الله، لا بد من قرع الباب، لا بد من الضراعة والسؤال والدعاء والبكاء، هذه أنوار الله لا يهبها إلا لمن يطلبها في صدق، أما المعرض، أما المتكبر، أما اللاهي المشغول فكيف يفوز بهذا الرضوان الإلهي والله يقول: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )[الأنعام:125] إلى أين؟ إلى الإيمان بالله ولقائه، الإيمان برسول الله وما جاء به من شرائع الهدى، من يرد الله هدايته ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ )[الأنعام:125]، يشرحه: يوسعه، أصل الشرح للكلمة: بيان ما فيها، ومنه الشريحة للحم، يشرحها حتى تتسع، وشرح الصدر توسعته.
(يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ )[الأنعام:125] فيرضى به ويقبل عليه ويطلبه، ويرحل من بلد إلى بلد ليظفر به ويحصل عليه، هذا الذي هو أهل لأن يهديه الله عز وجل.
بعد ضيق الصدر بتكاليف الشريعة عن الهداية الإلهية
أما الذي يأتيه الإسلام إلى بيته فيعرض عنه ويغلق بابه، يعرض عليه صباح مساء وهو لاو رأسه متكبر لا يريده؛ فكيف يهديه الله؟ حاشاه تعالى أن يهديه.وهذا ظاهر قوله عز وجل: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )[الأنعام:125]، الصدر الضيق ما يتحمل أبداً أنوار الإيمان تدخل فيه، لا يستطيع أن يؤمن بوجود الله رباً وإلهاً، لا يستطيع أبداً أن يؤمن بأنه لا يعبد بحق إلا الله، لا يؤمن أبداً بأن محمداً رسول الله، لا يؤمن بأن البعث حق ولا بد من الجزاء على كسبه في هذه الدنيا، صدره ضيق عن هذا وحرج، والحرج: الضيق، ومثله كالذي يحاول أن يصعد إلى السماء، فليقم أحدنا وليقفز مرتين، أو سبعاً، أو عشرين.. فهل سيصعد إلى السماء؟ بل يهبط، كلما قفز هبط، هذا الذي يصعد في السماء.
ولهذا -معاشر المستمعين والمستمعات- يجب أن نقرع باب الله عز وجل في صدق، وأن نسأله الليل والنهار أن يشرح صدورنا وينور قلوبنا، وأن يقبلنا في عبيده وأوليائه الصالحين، ولا يكون فينا أبداً شيء اسمه غفلة أو إعراض أو تكالب على الدنيا وبعد عن الإنابة إلى الآخرة، هذه سنن الله عز وجل: الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع.. سنن لا تتبدل، كذلك من طلب الله وجده، من قرع باب الله فتح له، من أقبل على الله يطلب هدايته ونوره وحكمته ورحمته يظفر بها، أما المشغول اللاهي التائه الضائع فإنه لو يعرض عليه الإيمان لا يقبل، ضيق صدره، ما يطيق أبداً أن تستر امرأته وجهها وتمشي في الشارع، ما يقوى أبداً على فضيلة من فضائل الإسلام وعلى هداية من هدايات الرسول صلى الله عليه وسلم، لضيق صدره، فلهذا نكثر من الدعاء: اللهم اشرح صدورنا، ونور قلوبنا. اللهم اشرح صدورنا، ونور قلوبنا.
أعيد الآية الكريمة وتأملوا: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )[الأنعام:125] من أبيض وأسود، عربي وعجمي، في الأولين أو في الآخرين، من ذكر أو أنثى على حد سواء، ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ )[الأنعام:125] ويوسعه، فيفرح بالصلاة والزكاة، يفرح بالواجبات، لا ضيق أبداً ولا هم لا كرب ولا حزن، بل يفرح إذا جاءه الأمر بفعل كذا أو بترك كذا.
(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ )[الأنعام:125] لإعراضه وتكبره واستكباره وعناده وحربه لرسول الله وأولياء الله ( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )[الأنعام:125].
معنى قوله تعالى: (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون)
قال تعالى: ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125]، هكذا يشرح ويضيق، وهكذا يجعل الرجس -وهو النجس والوسخ والدرن- في قلوب الذين لا يؤمنون، فيا ويل الكافرين، يا ويل الذين لا يؤمنون، قلوبهم وسخة نجسة، أنى لها أن تقبل نور الله أو تقبل هداية الله عز وجل؟ حين تعرض عليه الهداية يتكبر ويلوي رأسه، قد يسخر منك ويضحك؛ وذلك لهذا النجس وهذا الرجس الذي في قلبه، من جعل هذا؟ الله عز وجل، كيف جعله؟ هل ظلم العبد فجعل في قلبه الرجس؟ لا. بل العبد أعرض عن الله، أبى أن يؤمن، أقبل على الأوساخ والزبالات فحصلت في قلبه، ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125]، لو آمنوا لنور قلوبهم وزكى أرواحهم وطهرها، لكن رضوا بالكفر والإلحاد والفسق والفجور والظلم والشر، إذاً: أصيبت قلوبهم بالنجس، أصبحت نجسة، هكذا يحصل للذين لا يؤمنون بالله، بلقاء الله، بشرع الله، برسول الله، بما أمر الله أن يؤمن به عبد الله وأمة الله، هذه سنته في خلقه: ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ ) [الأنعام:125] الوسخ والنجس، على من؟ ( عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125]، من هم هؤلاء؟ هم الكفار، الملاحدة، المشركون.. قل ما شئت من أنواع الكفر، كل من لا يؤمن بالله ولقائه، بالله ورسوله، بالله وشرعه فهو كافر، لا يقال فيه: مؤمن.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|