عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 10-10-2021, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قطوف تربوية من كتاب العيال لابن أبي الدنيا

قطوف تربوية من كتاب العيال لابن أبي الدنيا

سعيد امختاري
• حدثني بشر بن معاذ العقدي، حدثنا أبو عمارة الرازي، حدثنا يونس، قال: حذق ابن لعبد الله بن الحسن بن أبي الحسن فقال عبد الله: إن فلانا قد حذق فقال الحسن: «كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزورا وصنعوا طعاما للناس»[43]
• « حدثني القاسم بن هاشم، حدثنا عبد العزيز القرشي، حدثنا الحسن بن واصل بن الحسن، قال: كان المهاجرون يعرفون حق معلمي أبنائهم »[44].
إن التأمل في هذه النصوص الثلاثة يبين لنا حقيقة النظرة الثاقبة التي كان ينظر بها سلفنا إلى ميدان التربية والتعليم، فقول عبد الله بن عيسى: "لا تزال هذه الأمة بخير ما تعلم ولدانها القرآن"، يحمل من الدلالات العميقة الشيء الكثير، وهو صادق رحمه الله، فقوة الأمة في تعلم قرآنها، وهو المصدر الذي لا يضل من تمسك به، وهو مصدر المعرفة الإسلامية بحق، وأي معرفة جاءت من خارج القرآن والمنهج القرآني فهي معرفة لا تناسب هذه الأمة، لذلك قال رحمه الله: هذه الأمة، لأن وجود الأمة الإسلامية مرتبط بالقرآن، فإذا تخلت الأمة الإسلامية عن القرآن فقد تخلت عن وجودها، وقوتها وهيبتها وثقافتها، وما حصل اليوم من تدهور وفشل ذريع في العلم والمعرفة لدى الأمة الإسلامية إنما سببه البعد عن القرآن، فلن تنعم هذه الأمة بالخير إلا في ظلال القرآن، وهذا النص تحدث عن الأمة ثم ذكر الولدان الذين يتعلمون القرآن، وذلك أنهم كانوا ينظرون إلى الولدان على أنهم رجال المستقبل وعلماؤه، وبناة الحضارة الإسلامية، فإن هم تعلموا القرآن في صغرهم، بنوا حضارة قرآنية في كبرهم، وإن هم تعلموا غير القرآن فشلوا في كبرهم وضاعت منهم القوة، وحل بينهم الضعف والدعة والكسل والاستكانة، وهذا ما حصل الآن بالتأكيد. لقد ترك الناس القرآن الذي يجدد في الأمة النشاط المعرفي وصاروا تبعا لغيرهم لذلك لم يلحقوا الغرب أبدا لأن المراحل التي تمر بها الثقافة الغربية حتى يوصلها المقلدون إلى المجتمعات الإسلامية كثيرة، بحيث ينشئ الغرب نظرية ما مثلا، ثم يجربها، وأن ينجح فيها أو لا ينجح، ثم يقوم المقلدون بترجمتها ومحاولة فهمها والتخطيط لتنزيلها، حتى تكون تلك النظرية في الغرب بين أمرين: إما متجاوزة قد استنفدت أغراضها، وإما فاشلة قد أعلنت إفلاسها، فالمقلد إذن بين نارين: إما العمل على تطبيق ما تم التخلي عنه أو ظهر فشله وعدم صلاحيته وإما انتظار الجديد الذي سيمر بنفس المراحل.
والعجيب من بعض الناس كما قال المفكر الإسلامي البارز عبد الكريم بكار حينما قال: " كثيرا ما يحلو لبعض الباحثين أن ينسبوا انعدام الروح العلمية إلى سيطرة ثقافتنا التراثية على مناهج البحث وعقول الباحثين، ويدعون أن تلك الثقافة ثقافة سحرية بيانية، وهي في الجملة لا تشجع التفكير العقلاني، ولا البحث الحر. يقولون هذا مع أن كثيرا ممن يعمل مراكز البحث العلمي في البلاد الإسلامية، بعيدون عن الثقافة الإسلامية، كما أن كثيرا منهم تلقوا تعليمهم وتدريبهم في جامعات غربية، لكن ذلك لم يجعل منهم باحثين متميزين"[45].
لهذا لا نزال نردد مع ابن أبي الدنيا قول عبد الله بن عيسى: لا تزال هذه الأمة بخير ما تعلم ولدانها القرآن".
ومن الفوائد التربوية الجليلة تشجيع الحذاق الذي أصبح البعض يسميها اليوم بتكريم المتفوقين، وهي عند علماء سلفنا الصالح مذكورة بمصطلح أكثر عمقا وأجمل معنى، إذ التفوق قد يكون بأسباب خارجية أحيانا، مثل الغش أو الاستعانة بالغير. ولكن الحذق لا يكون إلا ذاتيا، والنص الذي مر بنا من قبل ذو فائدة عظيمة في هذا المجال، لذلك أورده ابن أبي الدنيا فقال:، حدثنا يونس، قال: حذق ابن لعبد الله بن الحسن بن أبي الحسن فقال عبد الله: إن فلانا قد حذق فقال الحسن: كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزورا وصنعوا طعاما للناس، ولا أحد يجهل قيمة الجزور ونحرها، ولا يجهل أحد قيمة من تنحر له الجزور. إن العرب عرفوا بنحر الجزور لإكرام ذوي المكانات، وفي جميل المناسبات، وقد روي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه لما أكمل حفظ سورة البقرة نحر جزورا، فكيف نتخيل إذن أن يكون طموح هذا المتعلم الحاذق، الذي تنحر له الجزور إذا حذق أي مهر وتمكن وتفنن وبرع في حفظ القرآن، وتعلم علومه المتعلقة به كالقراءات والتفسير وغير ذلك؟.
بل يرى محقق كتاب العيال أن الكلمة الوارد في الأصل هي اليوم، وقال ربما هي القوم بمعنى قبل القوم، أي قبل أقرانه[46] - والله أعلم-.
وفي مثل هذا الخبر الجميل أورد ابن أبي الدنيا خبرا آخر لا يقل عنه أهمية إن لم يكن أبلغ أثرا وأكثر فائدة في التكريم والرفعة، وهو:
• حدثنا إسحاق بن إبراهيم الباهلي الصواف، حدثنا عبد الجبار أبو خبيب الكرابيسي، قال: كان معنا ابن لأيوب السختياني في الكتاب فحذق الصبي فأتينا منزلهم فوضع له منبر فخطب عليه ونهبوا علينا الجوز، وأيوب قائم على الباب يقول لنا: ادخلوا وهو خاص لنا[47].
إنه التحفيز والتشجيع في أعلى مستوياته، ولقد صدع رؤوسنا ثلة من المقلدين بتعريفات وليم جيمس الإفرنجي الغربي للتحفيز هو وأمثاله، وكأن التحفيز من حسنات الغربيين المستعمرين، ولكن الناظر في تراث آبائه وأجداده، يجد المعنى الحقيقي للتحفيز الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا، كان هذا عندنا يوم حرمت الكنيسة التفكير على الغربيين، وكان هذا عندنا يوم قتل الغربيون أهل التفكير العلمي، ولكن الغرب الذكي استطاع صرف الناس عن تراثهم الإسلامي، وتلقينهم أن الغرب وحده هو الأب الروحي لكل الأفكار التربوية، يا له من وضع تعيشه أمة الإسلام اليوم!!!!.
أن تنحر الجزور للحاذق وأن تقام له حفلة علمية، وأن ينصب له منبر يخطب عليه، فأي بهاء كان على التربية والتعليم، وأي تحفيز كان للمتعلم، وأي حفاوة خص بها المتعلم في تاريخ الثقافة الإسلامية!!.
ومن أبرز أنواع التحفيز الذي لا تكتمل التربية والتعليم إلا به، تحفيز المعلم الذي يعلم النشء، ذاك الذي قال فيه الشاعر:
إن المعلم والطبيب كلاهما
لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه
واصبر لجهلك إن جفوت معلما

وفي هذا الصدد يورد الإمام ابن أبي الدنيا خبرا مرويا مر بنا قبل قليل وهو أن المهاجرين: كانوا يعرفون حق معلمي أبنائهم، أي يوقرونهم ويبجلونهم ويحترمونهم، لذلك كان المعلم يقدم على العطاء بدون عجز أو كلل، أما اليوم فصار المعلم آخر من يهتم به، بل صارت المذكرات والقوانين ضده وحده، فتجرأ الأبناء وآباؤهم على الحط من كرامة هذا المعلم، فصار هو ايضا لا يأتي إلى الفصل إلا وهو متبرم عاجز كسلان لا يرى فائدة من مجهود يبذله، وأذكر أنني كنت في بلجيكا فتعرفت على معلم قرآن شيخ كبير في مسجد من المساجد، فقال لي ذات مرة بأن معلمة بلجيكية جاءته فقالت له: إن التلاميذ الذين يدرسون عندك القرآن يسبونني باللغة العربية، فقال لها وأنا يسبونني باللغة الهولندية، فتبين لها أن الخلل مشترك في أسلوب التربية لا في اللغة التي يتكلمها المتعلم في بلده.
وقد عقد الإمام ابن أبي الدنيا بابا جليلا بعد هذا الأبواب، وهو:
♦ باب تعليم الرجل أهله وتعليم ولده وتأديبهم:
حشد في هذا الباب عددا كبيرا من الأثار التي تحمل الرجل مسؤولة تربية أبنائه، بدأ بذكر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأبناء وتأديبهم الأدب الحسن، يضيق المقام هنا عن ذكرها لأنها معروفة لدى القارئ، ولكنني سأنتقي من هذا الباب بعض النصوص التي أرى فيها فوائد تربوية حضارية وهي أقرب إلى النظرة المنهجية، من ذلك مثلا أن المتعلم غالبا ما تكون تصرفاته الاجتماعية وسلوكه بناء على التربية التي تلقاها في المدرسة، منها مثلا:
• عن عنبسة بن عمارة، قال: قال ابن عمر لرجل: «يا هذا أحسن أدب ابنك فإنك مسئول عنه وهو مسئول عن برك»[48]
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]