
01-10-2021, 09:41 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,122
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الاول
الحلقة (50)
صـ 347 إلى صـ 353
يَحْدُثَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بِفِعْلِ الرَّبِّ لِذَلِكَ وَإِحْدَاثِهِ [لَهُ] (1) ، كَمَا لَا يَحْدُثُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ حَادِثٌ إِلَّا بِخَلْقِ الرَّبِّ لِذَلِكَ وَإِحْدَاثِهِ لَهُ. فَقَوْلُهُمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ الْعَامِّ وَبَيْنَ التَّعْطِيلِ (2) الْخَاصِّ الَّذِي يَكُونُونَ فِيهِ شَرًّا مِنَ الْقَدَرِيَّةِ (3) ، وَرَدُّهُمْ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، وَهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
وَقَدْ ذُكِرَ (4) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ كَلَامِ أَرِسْطُو فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَبَيَّنَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةِ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى خَيْرٌ مِنْهُمْ بِكَثِيرٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا أَرِسْطُو وَالْقُدَمَاءُ فِي إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى هِيَ طَرِيقُ الْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَأَثْبَتُوا عِلَّةً غَائِيَّةً كَمَا ذُكِرَ.
فَلَمَّا رَأَى ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا فِيهَا مِنَ الضَّلَالِ عَدَلُوا إِلَى طَرِيقَةِ الْوُجُودِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ، وَسَرَقُوهَا مِنْ طَرِيقِ (5) الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَجُّوا بِالْمُحْدَثِ عَلَى الْمُحْدِثِ، فَاحْتَجَّ أُولَئِكَ بِالْمُمْكِنِ عَلَى الْوَاجِبِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ وَاجِبٍ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ تَعْيِينِهِ فَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَهُمْ سَلَكُوا (6)(1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(2) ن، م: الْعَامِّ وَالتَّعْطِيلِ.
(3) ن، م: الْخَاصِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَسْوَأَ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ.
(4) ا، ب: وَقَدْ ذَكَرْنَا.
(5) ن، م: طُرُقِ.
(6) ن، م: يَسْلُكُونَ.
**********************************
طَرِيقَةَ التَّرْكِيبِ، وَهِيَ أَيْضًا مَسْرُوقَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِلَّا فَكَلَامُ أَرِسْطُو فِي الْإِلَهِيَّاتِ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ مَعَ كَثْرَةِ الْخَطَأِ فِيهِ، وَلَكِنَّ ابْنَ سِينَا وَأَمْثَالَهُ وَسَّعُوهُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَأَسْرَارِ الْآيَاتِ وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ، بَلْ وَفِي مَعَادِ الْأَرْوَاحِ بِكَلَامٍ لَا يُوجَدُ لِأُولَئِكَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الصَّوَابِ فَجَرَوْا فِيهِ عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا فِيهِ مِنْ خَطَأٍ بَنَوْهُ عَلَى أُصُولِ سَلَفِهِمُ الْفَاسِدَةِ.
وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِينَا فِي الْوَحْيِ وَالْمَنَامَاتِ وَأَسْبَابِ الْعِلْمِ بِالْمُسْتَقْبَلَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ أَمْرُ ذَكَرَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقُلْهُ قَبْلَهُ الْمَشَّاءُونَ سَلَفُهُ.
[رد ابن ملكا ومتابعيه على سلفهم من الفلاسفة]
وَأَمَّا أَبُو الْبَرَكَاتِ صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " وَنَحْوُهُ، فَكَانُوا بِسَبَبِ عَدَمِ تَقْلِيدِهِمْ لِأُولَئِكَ، وَسُلُوكِهِمْ طَرِيقَةَ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ بِلَا تَقْلِيدٍ، وَاسْتِنَارَتِهِمْ بِأَنْوَارِ النُّبُوَّاتِ أَصْلَحَ قَوْلًا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَأَثْبَتَ (1) عِلْمَ الرَّبِّ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَرَدَّ عَلَى سَلَفِهِ رَدًّا جَيِّدًا، وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَفْعَالَهُ وَبَيَّنَ مَا بَيَّنَهُ مِنْ خُطَّاءِ سَلَفِهِ (2) ، وَرَأَى فَسَادَ قَوْلِهِمْ فِي أَسْبَابِ الْحَوَادِثِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَثْبَتَ لِلرَّبِّ مَا يَقُومُ بِهِ الْإِرَادَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَوَادِثِ، وَقَوْلُهُمْ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَدَثَتِ (3) الْحَوَادِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِمَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ، فَلَا يُثْبِتُونَ أُمُورًا مُتَجَدِّدَاتٍ مُخْتَلِفَةً
(1) ن، م، ا: فَأَثْبَتُوا، وَهُوَ خَطَأٌ.
(2) ب: وَبَيَّنَ مَا بَيَّنَ خَطَأُ سَلَفِهِ.
(3) ا، ب، م: حَدَثَ.
********************************
عَنْ وَاحِدٍ بَسِيطٍ لَا صِفَةَ لَهُ وَلَا فِعْلَ كَمَا قَالَ أُولَئِكَ، بَلْ وَافَقُوا قَوْلَ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو الَّذِينَ يُثْبِتُونَ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْحَادِثَ الْمُعَيَّنَ إِنَّمَا حَدَثَ لَمَّا حَصَلَتْ عِلَّتُهُ التَّامَّةُ الَّتِي لَمْ تَتِمَّ إِلَّا عِنْدَ حُدُوثِهِ، وَتَمَامُ الْعِلَّةِ كَانَ بِمَا يُحْدِثُهُ الرَّبُّ تَعَالَى وَمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ إِرَادَتِهِ وَأَفْعَالِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (1) مِمَّا يَقُولُونَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَلِهَذَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ مُدَبِّرًا لِهَذَا الْعَالَمِ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِيهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ وَالْعُلُومِ وَغَيْرِهَا، وَيَقُولُونَ إِنَّ مَنْ نَفَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَنْفِهِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لِمُجَرَّدِ تَنْزِيهٍ وَإِجْلَالٍ مُجْمَلٍ، وَإِنَّهُ يَجِبُ التَّنْزِيهُ وَالْإِجْلَالُ مِنْ هَذَا التَّنْزِيهِ وَالْإِجْلَالِ.
فَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ: فَعِنْدَ حُدُوثِ الْحَادِثِ (2) الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ، وَلَا يَكْفِي عَدَمُ الْأَوَّلِ.قَالُوا (3) : بَلْ حَصَلَ مِنْ كَمَالِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ مَا أَوْجَبَ حُدُوثَ الْمَقْدُورِ، وَلَا نَقُولُ إِنَّ حَالَ الْفَاعِلِ (4) قَبْلُ وَبَعْدُ وَاحِدٌ لَمْ يَتَجَدَّدْ أَمْرٌ يَفْعَلُ بِهِ الثَّانِي، [بَلْ تَتَنَوَّعُ] (5) أَحْوَالُ الْفَاعِلِ، وَنَفْسُهُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِتِلْكَ الْأَحْوَالِ الْقَائِمَةِ بِهِ، لَكِنَّ وُجُودَ الْحَالِ الثَّانِي مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ مَا(1) ا، ب: وَأَفْعَالِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. . إِلَخْ.
(2) ن، م: الْحَوَادِثُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3) قَالُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(4) ا: وَلَا يَقُولُونَ إِنَّ الْفَاعِلَ؛ ب: وَلَا يَقُولُ إِنَّ الْفَاعِلَ.
(5) ا، ب: يَفْعَلُ بِهِ الثَّانِي بِتَنَوُّعِ. . إِلَخْ.
*****************************
يُضَادُّهُ، وَنَفْسُ الْفَاعِلِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَالِ الثَّانِي.
فَوَاجِبُ الْوُجُودِ لَا يَحْتَاجُ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ أَنْ يُضَافَ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْمُمْكِنَاتِ، بَلْ نَفْسُهُ الْوَاجِبَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِكُلِّ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْفَاعِلُ لِلْمَلْزُومِ وَلَوَازِمِهِ، وَالْفَاعِلُ لِأَحَدِ الْمُتَنَافِيَيْنِ (1) عِنْدَ عَدَمِ الْآخَرِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.لَكِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى تَحْرِيكِ الْجِسْمِ بَدَلًا عَنْ تَسْكِينِهِ، وَعَلَى تَسْكِينِهِ بَدَلًا عَنْ تَحْرِيكِهِ، وَعَلَى تَسْوِيدِهِ (2) بَدَلًا عَنْ تَبْيِيضِهِ، وَعَلَى تَبْيِيضِهِ (3) بَدَلًا عَنْ تَسْوِيدِهِ، وَهُوَ يَفْعَلُ أَحَدَ الضِّدَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ إِذَا حَصَلَتْ إِرَادَتُهُ التَّامَّةُ مَعَ قُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ، وَنَفْسُهُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُهَا لِلْأَوَّلِ شَرْطًا فِي حُصُولِ الثَّانِي، فَلَيْسَتْ فِي تِلْكَ مُفْتَقِرَةً إِلَى غَيْرِهَا، بَلْ كُلُّ مَا سِوَاهَا فَقِيرٌ إِلَيْهَا، وَهِيَ غَنِيَّةٌ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا.وَهَؤُلَاءِ تَخَلَّصُوا مِمَّا وَرَدَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ وَمِنْ فَسَادِ تَمْثِيلِهِمْ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ إِذَا مَثَّلُوا قَوْلَهُمْ بِمَا يُعْقَلُ (4) مِنْ حَرَكَةِ الْحَيَوَانِ وَالشَّمْسِ، لَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَرْقِ وَالنَّقْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [مَا يَرِدُ عَلَى] (5) مَنْ قَبْلَهُمْ.
لَكِنَّ هَؤُلَاءِ (6) يُقَالُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ فِي
(1) ن، م: الْمُتَنَاقِضَيْنِ.
(2) ن، م: وَتَسْوِيدِهِ.
(3) ن، م: وَتَبْيِيضِهِ.
(4) ن، م: بِمَا يَفْعَلُ.
(5) عِبَارَةُ " مَا يَرِدُ عَلَى ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مِثْلَ ابْنِ سِينَا وَمُتَابِعِيهِ.
********************************
الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى [شَيْءٍ مِنْ] (1) ذَلِكَ؟ وَأَنْتُمْ فَجَمِيعُ مَا تَذْكُرُونَهُ أَنْتُمْ وَأَمْثَالُكُمْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ الْفِعْلِ، لَا عَلَى دَوَامِ فِعْلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا مَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ دَوَامُ الْفَلَكِ أَوْ مَادَّةُ الْفَلَكِ (2) أَوِ الْعُقُولُ أَوِ النُّفُوسُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، مِمَّا يَقُولُ الْقَائِلُونَ بِالْقِدَمِ:
إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُقَارِنًا لِلرَّبِّ تَعَالَى قَدِيمًا بِقِدَمِهِ أَبَدِيًّا بِأَبَدِيَّتِهِ؟ .فَيُخَاطِبُونَ أَوَّلًا مُخَاطَبَةَ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّلِيلِ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ أَصْلًا (3) ، بَلْ إِنَّمَا طَمِعُوا فِي مُنَاظَرَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ (4) الَّذِينَ قَالُوا:
إِنَّ جِنْسَ الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ صَارَ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنَعًا مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، وَصَارَ الْفَاعِلُ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ لَا فِي زَمَانٍ، وَإِنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْقَدِيمُ مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ، لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَفْعَلُ مِنَ الْأَزَلِ، إِلَى أَنْ تَكَلَّمَ وَفَعَلَ (5) ، ثُمَّ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ يَتَعَطَّلُ عَنِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ فَتَفْنَى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، أَوْ تَفْنَى حَرَكَتُهُمَا، كَمَا قَالَهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فِي فَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكَمَا قَالَهُ أَبُو الْهُذَيْلِ [الْعَلَّافُ] (6) فِي فَنَاءِ الْحَرَكَاتِ.
وَجَعَلُوا مُدَّةَ فِعْلِ الرَّبِّ وَكَلَامَهُ مُدَّةً فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ.
(1) شَيْءٍ مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
(2) ن، م: أَوْ مَادَّتُهُ.
(3) ا، ب: أَبَدًا.
(4) أَيْ أَنَّ ابْنَ سِينَا وَأَمْثَالَهُ رَغْمَ ضَعْفِ أَدِلَّتِهِمْ إِنَّمَا اسْتَعْلَوْا وَنَفَقَتْ بِضَاعَتُهُمْ بِسَبَبِ بَعْضِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ (الَّذِينَ قَالُوا كَيْتَ وَكَيْتَ) .
(5) ن، م: إِلَى أَنْ فَعَلَ وَتَكَلَّمَ.
(6) الْعَلَّافُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
****************************
فَطَمِعَ هَؤُلَاءِ (1) فِي هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ (2) فِي أُصُولِهِمْ، وَأَقَامُوا (3) الشَّنَاعَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُبْتَدِعِينَ (4) ، وَظَنُّوا أَنْ لَا قَوْلَ إِلَّا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ، أَوْ قَوْلُ أُولَئِكَ الْفَلَاسِفَةِ الْمُلْحِدِينَ (5) ، وَرَأَوْا أَنَّ الْعَقْلَ يُفْسِدُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ، وَرَأَوُا السَّمْعَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ أَقْرَبَ وَعَنِ الْمُلْحِدِينَ أَبْعَدَ،
فَقَالُوا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ ضَرَبُوا الْأَمْثَالَ وَخَيَّلُوا، وَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْإِخْبَارُ بِالْحَقَائِقِ. وَدَخَلُوا مِنْ بَابِ الْإِلْحَادِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِحَسَبِ مَا أَنْكَرُوهُ مِنَ السَّمْعِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ الْفَلَاسِفَةُ الَّذِينَ نَفَوْا صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَفْعَالِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ - الَّذِينَ قَبْلَ هَؤُلَاءِ - أَعْظَمَ إِلْحَادًا وَتَحْرِيفًا لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ وَالْأُمُورَ الِاخْتِيَارِيَّةَ الْقَائِمَةَ بِهِ، وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ (6) بِقِدَمِ الْعَالَمِ.
وَكِلْتَا (7) الطَّائِفَتَيْنِ خَرَجَتْ عَنْ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ، كَمَا خَرَجَتْ عَنْ صَحِيحِ الْمَنْقُولِ، بِحَسَبِ مَا أَخْطَأَتْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ إِلَى قَبُولِ غَيْرِهِ، وَكَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ قَبُولِهِ مَا لَمْ يَلْزَمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ الْحَقَّ، وَكَانَ الْقَوْلُ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ
(1) الَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. .
(2) ن، م: وَمَنْ تَبِعَهُمْ.
(3) ن، م: وَإِقَامَةُ.
(4) م، ا، ب: الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُبْتَدِعِينَ.
(5) الَّذِينَ يُنْكِرُونَ النُّبُوَّاتِ مِنْ أَمْثَالِ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ وَأَبِي زَكَرِيَّا الرَّازِيِّ.
(6) ن، م: مَعَ هَذَا.
(7) ن، م، ا: وَكُلًّا، وَهُوَ خَطَأٌ.
*******************************
الْقَائِمَةِ بِالرَّبِّ بِاخْتِيَارِهِ (1) يُنَافِي كَوْنَهُ فَاعِلًا وَمُحْدَثًا.
وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ سِينَا فِي " إِشَارَاتِهِ " أَقْوَالَ الْقَائِلِينَ بِالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ، لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا قَوْلَ مَنْ أَثْبَتَ قُدَمَاءَ مَعَ اللَّهِ [تَعَالَى] (2) غَيْرَ مَعْلُولَةٍ، كَالْقَوْلِ الَّذِي يُحْكَى عَنْ ذِيمُقَرَاطِيسَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ - وَاخْتَارَهُ ابْنُ زَكَرِيَّا الْمُتَطَبِّبُ (3) وَقَوْلُ الْمَجُوسِ الْقَائِلِينَ بِأَصْلَيْنِ قَدِيمَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، وَقَوْلُ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَئِمَّةِ الْمِلَلِ وَلَا أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا مَا يَقُومُ بِالرَّبِّ مِنَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا [بِمَشِيئَتِهِ] (4)
إِذَا شَاءَ فِعَالًا بِمَشِيئَتِهِ، وَذَكَرَ حُجَجَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاظِرَ (5) أَنْ يَخْتَارَ أَيَّ الْقَوْلَيْنِ تُرَجِّحُ، مَعَ تَمَسُّكِهِ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ هَذَا جَعَلَهُ أَصْلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصُومِهِ (6) .
وَاعْتَرَضَ (7) عَلَيْهِ الرَّازِيُّ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الصِّفَاتِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ الرَّازِيُّ، بَلْ نَفْيُ الصِّفَاتِ مِمَّا يُقَوِّي شُبْهَةَ
(1) ، ب: وَاخْتِيَارُهُ.
(2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
(3) الْمُتَطَبِّبُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
(4) بِمَشِيئَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5) ا (فَقَطْ) : الْمَنَاظِرَ.
(6) انْظُرِ ابْنَ سِينَا: الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ 3/122 - 132 حَيْثُ يَعْرِضُ لِلْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَسْأَلَةِ قِدَمِ الْعَالَمِ، ثُمَّ يَقُولُ (ص [0 - 9] 32) : " فَهَذِهِ هِيَ الْمَذَاهِبُ وَإِلَيْكَ الِاعْتِبَارُ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ بَعْدَ أَنْ تَجْعَلَ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَاحِدًا ". انْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ وَشَرْحَ الطُّوسِيِّ (ص [0 - 9] 32 - 143) .
(7) ن، م: وَأَعْرَضَ.
*****************************************
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|