عرض مشاركة واحدة
  #770  
قديم 25-09-2021, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (393)
تفسير سورة الأنعام (26)


يؤدب الله عز وجل عباده المؤمنين ناهياً لهم عن سب آلهة المشركين من الأصنام والأوثان؛ لأن ذلك قد يحملهم على سب الله عز وجل، ظناً منهم أنهم بسبهم له تعالى قد انتصروا لآلهتهم، كما أن أهل الإيمان ليسوا سبابين ولا شتامين، ولا يتعاملون مع أهل الجهل بجهالتهم، وإنما هم يستقون تربيتهم الإيمانية من كتاب ربهم جل وعلا، ومن سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
تفسير قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة بضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) .
وها نحن مع سورة الأنعام المكية ومع هذه الآيات الثلاث، فهيا نصغي نستمع إلى تجويدها وترتيلها من أحد الأبناء ثم نشرع في دراستها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[الأنعام:108-110].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]. ‏
سبب نزول الآية الكريمة وبيان حكم سب الله تعالى وسب نبيه صلى الله عليه وسلم
سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتصر في مكة وخرج من ذلك الحصار وكثر الأصحاب أصبح بعض المؤمنين يسبون ويشتمون آلهة المشركين، فما كان من المشركين إلا أن أتوا عم النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب وقالوا: إن ابن أخيك يسب آلهتنا، فإما أن يترك أو نسب إلههم. هذا معنى قوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]،
ودل هذا على أن سب الله عز وجل وشتمه كفر، ومن سب الله أو شتم أو انتقص أو قال فيه ما هو منزه عنه فقد كفر بذلك، كما أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو قال فيه كلمة سوء فقد كفر وخرج من الإسلام.
وأما من سب غير النبي كأصحابه والمؤمنين فقد أثم وقارف ذنباً وارتكب جريمة يجب أن يتوب منها أو يهلك؛ لأن سباب المسلمين فسوق وقتالهم كفر.
دلالة الآية على أصل سد الذرائع
وهنا سد الذرائع، وهذا باب معلوم عند أهل العلم، الطريق الذي يوصل العبد إلى ارتكاب محرم يجب أن لا يسلكه، إذا سببت أو شتمت امرءاً سبك أو شتمك، فلا يحل لك أن تسب وتشتم، وقد جاء في الحديث تحريم شتم الآباء: ( لعن الله من سب أبويه. فقالوا: يا رسول الله! ومن يشتم أبويه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه )، وقلَّ من يقوم ويسب أمه وأباه، ولكن يسب أباء الآخرين فيسبوا أباه. الشاهد عندنا أنه إذا كان المسلك يؤدي بك إلى فعل محذور وارتكاب منهي فينبغي ألا تسلكه، ومن هنا نهينا عن مجالسة الفساق والفاسدين خشية أن يتسرب إلينا فسادهم، نهينا أن نتزيا بزي غير الصالحين خشية أن نصبح مثلهم، وهكذا هذه الآية تدل على سد الذرائع.
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108] أي: لا تسبوا آلهتهم أو لا تسبوهم هم فيسبون إلهكم؛ لأنهم حمقى وجهلة، ويكفيهم أنهم كفار لا يؤمنون بالله، فأنت إذا سببته أو سببت اللات أو العزى أو صنمه فسوف يسب الله، فمن هنا حرم الله على المؤمنين أن يسبوا آلهة الكافرين.
الآن لو سببت عيسى عليه السلام لنصراني فإنه يسب محمداً صلى الله عليه وسلم، فلا يحل أن تسبه، ولو سببت شيخ فلان سب شيخك، فالطريق السليم أننا لسنا بسبابين ولا شتامين، لا نشتم أحداً ولا نسب أحداً خوفاً أن يسب من لا يستحق السب أو يشتم من هو بريء من الشتم.
دلالة الآية الكريمة على إطلاق الدعاء على العبادة
هذا معنى قوله جل ذكره: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108]، أي: يعبدون غير الله، وأطلق الدعاء على العبادة لأنه مخها، الدعاء هو العبادة، الدعاء مخ العبادة، وقد بينت للصالحين غير ما مرة كيف كان الدعاء هو العبادة. وإليكم الصورة لتعرفوا هذه الحقيقة: سأقول لأحدكم: قف أنت هنا واستقبل القبلة وارفع يديك.
هذا الآن كيف نقرأ وقفته؟ إن هذا العبد فقير محتاج؟ ما الدليل على فقره واحتياجه؟ أنه رفع كفيه يتكفف ويسأل، فهو فقير محتاج.
ثانياً: الذي رفع إليه كفيه فوق سماواته، ما هو عن يمينه ولا عن شماله ولا تحته، وإنما عرف أنه فوقه فرفع كفيه إليه، فهل هذه قراءة سليمة لهذا الموقف أم لا؟ والله إنها قراءة صحيحة.
ثالثاً: هو يدعو وبصوت خافت لا يسمع، حتى من إلى جنبه لا يسمعه، هذا يعلم أن من يدعوه يسمع صوته متى تحركت بالكلمات شفتاه ونطق لسانه، مؤمن بأن الله يسمع صوته.
رابعاً: عرف أنه لا يوجد في الخليقة من يقضي حاجته حتى يقبل إليه ويمد كفيه إليه، عرف أنه لا يقضيها إلا الله، فهو رافع يديه إلى الله.
فهذه كلها تدل على أن الدعاء هو العبادة، فمن دعا غير الله فقد ألهه وآمن بكمالاته ولا كمال له، آمن بأنه يسمع وهو لا يسمعه، وأنه يبصر وهو لا يبصره، وأنه يقدر على أن يعطيه وهو لا يعطيه، فهو في ضلال كبير، ولهذا لا أضل من مشرك يترك الله ويستقبل غير الله يدعوه ويسأله.
الدعاء هو العبادة، والعبارة القائلة: (الدعاء مخ العبادة) لا بأس بها؛ لأن الإنسان يحيا بمخه، فلو فسد المخ هلك، ولو ترك العبد الدعاء بطلت العبادة وما بقي لها معنى.
فالله تعالى يقول: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108] أي: يعبدونهم، وهم الأصنام والأحجار وغير الأصنام والأحجار من كل المعبودات المؤلهة، فلا نسب إله مشرك ولا بوذي ولا هندوسي ولا مسيحي ولا يهودي إلى يوم القيامة حتى لا يسب الله عز وجل ونكون السبب في ذلك، والمسلم ليس بسباب ولا شتام، والسب والشتم ليس من صفات المؤمنين أبداً.
معنى قوله تعالى: (فيسبوا الله عدواً بغير علم)
( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا )[الأنعام:108] أي: ظلماً واعتداءً ( بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]؛ إذ لو علموا ما سبوه، لو عرفوا الله وكماله وصفاته فهل سيسبونه؟ لو يقطعون ويحرقون ويصلبون لا يسبون الله، لكن لا علم لهم. لو كانوا عالمين ما سبوا الله عز وجل، فشخص قوي ذو إرادة وقدرة تعرف أنه لو سببته لضربك لن تسبه، لن تقدر على أن تسبه بين الناس خشية أن يعذبك، فكيف بالله عز وجل؟! فلو عرفوه ما سبوه.
معنى قوله تعالى: (كذلك زينا لكل أمة عملهم)
ثم قال تعالى وقوله الحق: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] كهذا التزيين، وهو أن المشركين ينتصرون لآلهتهم ويقدسونها ويمدحونها ولا يسمحون بسبها ولا انتقادها،لم؟ كهذا التزيين زين الله تعالى لكل أمة عملهم، كل جماعة يقومون بعمل زينه الله لهم بحسب سنته في أن الشخص إذا أقبل على الشيء ورغب فيه وأخذ يزاوله العام بعد العام يصبح ذلك الشيء أحب شيء إليه، ولا يرى الجمال إلا به ولا الخير ولا الحسن إلا فيه. وهذه قاعدة لن تنخرم ولن تسقط إلى يوم القيامة، كل من زاول عملاً وباشره وروض نفسه عليه يوماً بعد يوم وشهراً بعد آخر وعاماً بعد عام يصبح في فطرته وغريزته يسري مع دمه.
يقول الخالق جل جلاله: ( كَذَلِكَ )[الأنعام:108] التزيين الذي شاهدناه في المشركين، حيث شكوا أن المسلمين يسبون آلهتهم، مع أن آلهتهم ملعونة وباطلة، لكن بما أنهم عبدوها والتفوا حولها وتوالدوا من أجلها وكانوا وكانوا أصبحت مؤلهة عندهم مقدسة، ما يسمحون لأحد أن ينالها بسوء، يموتون ولا يعصون الآلهة.
إذاً: يقول تعالى: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108]، كهذا التزيين زين لكل أمة من الأمم وجماعة من الجماعات وفرد من الأفراد، الذي زين له الأغاني والضرب على العود والصوت هل تستطيع أن تقنعه بأن هذا لا يجوز وباطل؟ لا تستطيع، فقد أحبه، والذي ألف لعب الورق أو الكيرم ما يستطيع أن يجلس يوماً أو يومين دون أن يلعبه، انطبع في نفسه وأحبه أم لا؟ لو نهيته أو سببته يسبك ويشتمك.
والذي أقبل على الخير وأحبه وروض نفسه عليه فأصبح مفطوراً على حب الخير ما يقوى على فعل الشر أو حتى سماعه، هذه سنة من سنن الله في الخلق من باب ربط المسببات بأسبابها.
(كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] الذي يعملونه، إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر، إن كان إيماناً وتوحيداً فإيمان وتوحيد، وإن كان شركاً أو كفراً فهو كذلك، أما خرجوا يقاتلون من أجل عاداتهم ودينهم الباطل؟
فهذه قاعدة نأخذها ونعمل بها ونعرف أن من اعتاد شيئاً فسوف يتأثر به ويصبح لا يرى فيه شيناً ولا قبحاً ولا سوءاً، فإن أردت أن تصلحه وتهديه فلا تسب ذلك، ولكن حاول أن تقنعه بأن هذا العمل لا يفيده ولا ينتج له خيراً، هكذا على دعاة الإسلام أن يعرفوا هذه الحقيقة: لا نسب ولا نشتم آلهة المشركين ولا غيرهم حتى لا يسبوا إسلامنا ويسبوا نبينا وديننا.
وهكذا يقول تعالى: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] الذي يعيشون عليه ويعملونه خيراً أو شراً، هذا التزيين حسب سنته تعالى أن من ألف الشيء وروض نفسه شيئاً فشيئاً يصبح مفطوراً عليه لا يحب غيره، هل لأن الله أكرهه وألزمه به؟ هذا يتنافى مع دين الله وشرعه، ولكن الإنسان إذا أقبل على شيء باطلاً كان أو حقاً، خيراً أو شراً، ومشى وراءه زمناً يصبح في فطرته، ويصبح في قلبه ونفسه، فإن كان قبيحاً يراه أزين ما يكون، أليس الكفرة الآن يسخرون من الإسلام ويرون أنه دين رجعي ودين تخلف، لم؟ هذا هو عملهم: الكفر والإلحاد والعلمانية والباطل، ثبتوا عليه زمناً فأصبحوا لا يرون الدين شيئاً، بل يرونه معوقاً للكمال ومانعاً من السعادة في الدنيا.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]