عرض مشاركة واحدة
  #768  
قديم 25-09-2021, 11:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (392)
تفسير سورة الأنعام (25)

يوجه الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم لأن يلزم ما يوحيه إليه ربه ويعرض عن أهل الشرك والضلالة، لأنه عز وجل قد أتاهم بالآيات القرآنية والآيات الكونية لتحملهم على الإيمان بما جاءهم به هذا النبي، فمن قبل الحق، واتبع الهدى، وأبصر الصراط المستقيم؛ فقد انتفع ونجا، وأما من أعرض عن الحق وتنكب الصراط، فإنما هو أعمى، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
تفسير قوله تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة تقدم لنا أن قلنا: إنها تقرر المبادئ العظمى الثلاثة:
أولاً: توحيد الله عز وجل، أي: لا إله إلا الله، فلا يعبد إلا هو في الحياة.
ثانياً: تقرير النبوة المحمدية، وأن محمداً رسول الله.
ثالثاً: البعث الآخر، يوم القيامة وما يتم في ذلك أولاً من حساب، ثم الجزاء إما بالنعيم المقيم وإما بالعذاب الأليم.
كل آيها تدور حول هذه المعتقدات الثلاثة، وها نحن الآن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نستمع تلاوتها مرتلة مجودة ثم نأخذ في تدارسها وبيان ما جاء فيها بإذن ربنا تعالى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:104-107].
المراد بالبصائر وما يبصر بها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، هذا خبر أم لا؟ من المخبر؟ الله جل جلاله، الله منزل الكتاب باعث الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرنا بهذا الخبر، ولنعم ما أخبر به عز وجل: ( قَدْ )[الأنعام:104]، التي تفيد التحقيق ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، واحد البصائر: بصيرة، والبصيرة: العين المبصرة، بصيرتك عينك التي تبصر بها، أليس كذلك؟فما هذه البصائر التي جاءتنا لنبصر بها فنعرف الحياة على حقيقتها حلوها ومرها، وباطلها وحقها، وربحها وخسرانها، إنها -والله- لآيات الله القرآنية، كل آية تهدي إلى أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن للحياة نهاية، وللحياة الثانية بداية ونهايتها استقرار إما في الملكوت الأعلى وإما في أسفل سافلين، هذه البصائر آيات الله القرآنية، نبصر بها ماذا؟ ما يضرنا وما ينفعنا، نبصر بها ما يسعدنا وما يشقينا، نبصر بها الحق، نبصر بها الباطل، نعرف بها الإيمان، نعرف بها الكفر والشرك وهكذا، فمن حرمها فهو أعمى -والله- لا يبصر شيئاً، فمن آمن بهذا القرآن الكريم وقرأه وتدارسه وفهمه وعرف ما فيه أصبح ذا بصيرة نافذة لا يجهل شيئاً من هذه الحياة ظاهرها كباطنها، ومن أعرض عنه واستكبر وكذب وأنكر وجحد وكفر فهو في عداد العميان، هل الأعمى يعرف الطريق إلى دار السلام؟ لا يعرف.
إذاً: فعلى البشرية أبيضها وأسودها أن تؤمن بهذا القرآن، وإذا آمنت به أنه كلام الله ووحيه وجب أن تجتمع عليه وتتدارسه لتعرف معاني هذه الآيات لتبصر بها الحياة على حقيقتها.
تغييب القرآن الكريم عن الحياة العملية في بلاد المسلمين وأثر ذلك عليهم
ومما أكرر القول فيه -وقد لا تسمعونه في غير هذا المجلس- أن أعداء الإسلام ذلكم الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والنصرانية عرفوا هذه الحقيقة وما عرفناها، عرفوا أن هذا القرآن بصائر، وأن من عرفه عرف الحياة ظاهرها وباطنها وعرف كيف ينجو من آلامها وشقائها وكيف يسعد بالآخرة وما فيها، عرفوا هذا معرفة ولم يعرفه من المسلمين عدد بنسبة واحد إلى مليون.فمن ثم قالوا: هيا نعميهم. كيف تعمونهم؟ قالوا: نبعدهم عن القرآن، وقالوا: القرآن تفسيره حرام، صوابه خطأ وخطؤه كفر، فانكمشت الأمة عن القرآن، وما أصبح في القرى ولا المدن من يقول: قال الله كذا وكذا، وإذا قال ذلك قيل له: اسكت! أنت تعرف كلام الله؟!
إذاً: ماذا نصنع بهذا القرآن؟ قالوا: حولوه إلى المقابر وإلى الموتى، واستجبنا لظلمة نفوسنا وأصبحنا لا نجتمع على آية نتدارسها ولا سورة في يوم ولا في عشرة، وأصبح القرآن يقرأ فقط على الموتى، إذا مات أبي أو أخي أو أمي نجمع كذا من أهل القرآن في قريتنا أو في حينا ثلاث ليال أو سبع ليال يقرءون القرآن بصوت واحد يترنمون به، ويأكلون اللحم والطعام، ويوضع في جيوبهم الريالات ويمشون وقد أعتقنا والدنا.
وذكرت لكم ما بلغنا أن في ديار الشام في تلك الأيام تكونت نقابة، بالتلفون بالرقم كذا، إذا احتجت إلى طلبة القرآن لميت فاتصل بهم هاتفياً وقل لهم: أريد عشرة من أهل القرآن فقد مات الوالد رحمة الله عليه، يقولون لك: من فئة المائة ليرة أم الخمسين؟ إذا كنت غنياً ثرياً فمائة، وإذا كنت فقيراً فخمسون ليرة، هكذا والله من إندونيسيا إلى موريتانيا شرقاً وغرباً أكثر من سبعمائة سنة.
ومن أراد البرهنة العقلية المنطقية السياسية نقول له: هل استعمر العالم الإسلامي وحكمه الكفار أم لا؟ استعمر من إندونيسيا إلى موريتانيا، ما نجى الله إلا هذه البقعة بلاد الحرمين، فكيف يسلط الله الكافرين على المسلمين وهو القائل: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا )[النساء:141]؟ أن هؤلاء هم المؤمنون بحق وصدق، الذين يصدق عليهم أنهم المؤمنون.
كيف وصلوا إلى استعمارنا واستغلالنا والتحكم فينا؟ لأننا متنا وعمينا عن الآيات المبصرة وما عرفناها، القرآن النور والروح حولناه إلى الموتى، تدخل إلى المقبرة فتجد طلبة القرآن عاكفين على القبور ينادونك: جنيهاً فقط نقرأ على أمك! وهكذا.
سعادة المسلمين الأوائل بالقرآن الكريم
إذاً: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، وهل أبصر بها المسلمون؟ إي ورب الكعبة، كيف تحولت هذه العروبة وهذه البادية إلى أنوار؟ وأهلها صاروا أشباه الملائكة وسادوا العالم وقادوا البشرية شرقاً وغرباً إلى هدايتها وكمالها وسعادتها ثلاثمائة سنة؟ هل بالقرآن أم بالفلسفة؟ من يرد هذا من ذوي العقول والبصائر؟ فلما عرف العدو هذا سلب هذا القرآن من عندهم فهبطوا.إذاً: قولوا: صدق الله العظيم. ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، فحفظة القرآن العارفون به يعرفون ما أحل الله وما حرم، يعرفون ما أمر الله به ليفعل وما نهى عنه ليترك، إذ هذا سبيل السلام وطريق السعادة، فعل المأمور وترك المنهي به تزكو النفس وتطيب وتطهر، ويصفو العقل ويستنير ويواصل عبد الله مسيره إلى دار السلام.
(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، هذه الآية نزلت في مكة والمشركون حول من نزلت عليه يطعنون ويسبون ويشتمون ويتواصون بالباطل، فماذا يقول الله لهم؟ ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104]، هو هذا الواقع أم لا؟ جاءتكم البصائر فمن أبصر فلنفسه عرف الطريق طريق السعادة والكمال فسعد وكمل، ( وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104] أي: على نفسه، تبقى في الظلام والهلاك والدمار والخراب.
معنى قوله تعالى: (وما أنا عليكم بحفيظ)
(وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104] كأنما الله تعالى يقول لرسوله: قل يا رسولنا لقومك المشركين الذين تقدمت الآيات في بيان هدايتهم، قل لهم: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104] أي: على نفسه، وأما أنا ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، ما أنا بوكيل على هدايتكم ولا مسئول عن ضلالكم وشقاوتكم ولا سعادتكم وكمالكم، ما أنا إلا مبلغ فقط وقد بلغت. الله يعلم رسوله أن يقف هذا الموقف ويقول هذا القول حتى لا يكرب ولا يحزن ولا يتألم: ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، أي: لست موكلاً بهدايتكم مكلفاً بها، فلهذا تؤلمونني إذا كفرتم وأصررتم على الشرك والباطل، يقول تعالى ذلك ليذهب عن رسوله ألم الحزن وألم الكرب الذي يعانيه من المشركين.
هذه الآية الأولى أعيد تلاوتها: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104]، وما رسول الله عليهم بحفيظ، ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، أي: لست بملزم بهدايتكم ولا بموكل بها، أنا لا أملك هذا، ما كلفت به، أقدم لكم البصائر فمن أبصر فلها ومن عمي فعليها.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]