الموضوع: عليك بالمشورة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-09-2021, 11:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي عليك بالمشورة

عليك بالمشورة





اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْحَزْمِ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أَنْ لَا يُبْرِمَ أَمْرًا وَلَا يُمْضِيَ عَزْمًا إلَّا بِمَشُورَةِ ذِي الرَّأْيِ النَّاصِحِ، وَمُطَالَعَةِ ذِي الْعَقْلِ الرَّاجِحِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْمَشُورَةِ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا تَكَفَّلَ بِهِ مِنْ إرْشَادِهِ، وَوَعَدَ بِهِ مِنْ تَأْيِيدِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] .

قَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ تَأَلُّفًا لَهُمْ وَتَطْيِيبًا لِأَنْفُسِهِمْ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَمَرَهُ بِمُشَاوِرَتِهِمْ لِمَا عَلِمَ فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ لِيَسْتَنَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَتْبَعَهُ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ وَإِنْ كَانَ عَنْ مَشُورَتِهِمْ غَنِيًّا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نِعْمَ الْمُؤَازَرَةُ الْمُشَاوَرَةُ وَبِئْسَ الِاسْتِعْدَادُ الِاسْتِبْدَادُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ تَرِدُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ فَيُسَدِّدُهَا بِرَأْيِهِ، وَرَجُلٌ يُشَاوِرُ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَيَنْزِلُ حَيْثُ يَأْمُرُهُ أَهْلُ الرَّأْيِ، وَرَجُلٌ حَائِرٌ بِأَمْرِهِ لَا يَأْتَمِرُ رُشْدًا وَلَا يُطِيعُ مُرْشِدًا.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ: مَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ لَمْ يُشَاوِرْ، وَمَنْ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ كَانَ مِنْ الصَّوَابِ بَعِيدًا. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْمُشَاوَرَةُ رَاحَةٌ لَك وَتَعَبٌ عَلَى غَيْرِك. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الِاسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ خَاطَرَ مَنْ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَا خَابَ مَنْ اسْتَخَارَ، وَلَا نَدِمَ مَنْ اسْتَشَارَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مِنْ حَقِّ الْعَاقِلِ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْيِهِ آرَاءَ الْعُقَلَاءِ، وَيَجْمَعَ إلَى عَقْلِهِ عُقُولَ الْحُكَمَاءِ، فَالرَّأْيُ الْفَذُّ رُبَّمَا زَلَّ وَالْعَقْلُ الْفَرْدُ رُبَّمَا ضَلَّ.


وَقَالَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ:
إذَا بَلَغَ الرَّأْيُ الْمَشُورَةَ فَاسْتَعِنْ ... بِرَأْيِ نَصِيحٍ أَوْ نَصِيحَةِ حَازِمِ
وَلَا تَجْعَلْ الشُّورَى عَلَيْك غَضَاضَةً ... فَإِنَّ الْخَوَافِيَ قُوَّةٌ لِلْقَوَادِمِ


فَإِذَا عَزَمَ عَلَى الْمُشَاوَرَةِ ارْتَادَ لَهَا مِنْ أَهْلِهَا مَنْ قَدْ اسْتَكْمَلَتْ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ:
إحْدَاهُنَّ: عَقْلٌ كَامِلٌ مَعَ تَجْرِبَةٍ سَالِفَةٍ فَإِنَّ بِكَثْرَةِ التَّجَارِبِ تَصِحُّ الرَّوِيَّةُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ لِابْنِهِ مُحَمَّدٍ: احْذَرْ مَشُورَةَ الْجَاهِلِ وَإِنْ كَانَ نَاصِحًا كَمَا تَحْذَرُ عَدَاوَةَ الْعَاقِلِ إذَا كَانَ عَدُوًّا فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يُوَرِّطَك بِمَشُورَتِهِ فَيَسْبِقَ إلَيْك مَكْرُ الْعَاقِلِ وَتَوْرِيطُ الْجَاهِلِ.

وَقِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَبْسٍ: مَا أَكْثَرَ صَوَابَكُمْ! قَالَ: نَحْنُ أَلْفُ رَجُلٍ وَفِينَا حَازِمٌ وَنَحْنُ نُطِيعُهُ فَكَأَنَّا أَلْفُ حَازِمٍ.
وَكَانَ يُقَالُ: إيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ رَجُلَيْنِ: شَابٌّ مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ قَلِيلُ التَّجَارِبِ فِي غَيْرِهِ، أَوْ كَبِيرٌ قَدْ أَخَذَ الدَّهْرُ مِنْ عَقْلِهِ كَمَا أَخَذَ مِنْ جِسْمِهِ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: كُلُّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إلَى الْعَقْلِ، وَالْعَقْلُ يَحْتَاجُ إلَى التَّجَارِبِ. وَلِذَلِكَ قِيلَ: الْأَيَّامُ تَهْتِكُ لَك عَنْ الْأَسْتَارِ الْكَامِنَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: التَّجَارِبُ لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ، وَالْعَاقِلُ مِنْهَا فِي زِيَادَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ اسْتَعَانَ بِذَوِي الْعُقُولِ فَازَ بِدَرَكِ الْمَأْمُولِ.


وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:
وَمَا كُلُّ ذِي نُصْحٍ بِمُؤْتِيك نُصْحَــهُ ... وَلَا كُلُّ مُؤْتٍ نُصْحَهُ بِلَبِيبِ
وَلَكِنْ إذَا مَا اسْتَجْمَعَا عِنْدَ صَاحِبٍ ... فَحُقَّ لَهُ مِنْ طَاعَةٍ بِنَصِيبِ


وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ ذَا دِينٍ وَتُقًى، فَإِنَّ ذَلِكَ عِمَادُ كُلِّ صَلَاحٍ وَبَابُ كُلِّ نَجَاحٍ. وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الدِّينُ فَهُوَ مَأْمُونُ السَّرِيرَةِ مُوَفَّقُ الْعَزِيمَةِ.
وَالْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ نَاصِحًا وَدُودًا، فَإِنَّ النُّصْحَ وَالْمَوَدَّةَ يُصَدِّقَانِ الْفِكْرَةَ وَيُمَحِّضَانِ الرَّأْيَ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا تُشَاوِرْ إلَّا الْحَازِمَ غَيْرَ الْحَسُودِ، وَاللَّبِيبَ غَيْرَ الْحَقُودِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَشُورَةُ الْمُشْفِقِ الْحَازِمِ ظَفَرٌ، وَمَشُورَةُ غَيْرِ الْحَازِمِ خَطَرٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:


أَصْف ضَمِيرًا لِمَنْ تُعَاشِـــــــــرُهُ ... وَاسْكُنْ إلَى نَاصِحٍ تُشَاوِرُهُ
وَارْضَ مِنْ الْمَرْءِ فِي مَوَدَّتِــــــهِ ... بِمَا يُؤَدِّي إلَيْك ظَاهِــــــرُهُ
مَنْ يَكْشِفْ النَّاسَ لَا يَجِدْ أَحَدًا ... تَصِحُّ مِنْهُمْ لَهُ سَرَائِــــــــرُهُ
أَوْشَكَ أَنْ لَا يَدُومَ وَصْـــــلُ أَخٍ ... فِي كُلِّ زَلَّاتِهِ تُنَافِــــــــــرُهُ

وَالْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ سَلِيمَ الْفِكْرِ مِنْ هَمٍّ قَاطِعٍ، وَغَمٍّ شَاغِلٍ، فَإِنَّ مَنْ عَارَضَتْ فِكْرَهُ شَوَائِبُ الْهُمُومِ لَا يَسْلَمُ لَهُ رَأْيٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ خَاطِرٌ. وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: كُلُّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إلَى الْعَقْلِ وَالْعَقْلُ يَحْتَاجُ إلَى التَّجَارِبِ. وَكَانَ كِسْرَى إذَا دَهَمَهُ أَمْرٌ بَعَثَ إلَى مَرَازِبَتِهِ فَاسْتَشَارَهُمْ فَإِنْ قَصَّرُوا فِي الرَّأْيِ ضَرَبَ قَهَارِمَتِهِ وَقَالَ: أَبْطَأْتُمْ بِأَرْزَاقِهِمْ فَأَخْطَئُوا فِي آرَائِهِمْ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ:
وَلَا مُشِيرَ كَذِي نُصْحٍ وَمَقْدِرَةٍ ... فِي مُشْكِلِ الْأَمْرِ فَاخْتَرْ ذَاكَ مُنْتَصِحًا
وَالْخَصْلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِي الْأَمْرِ الْمُسْتَشَارِ غَرَضٌ يُتَابِعُهُ، وَلَا هَوًى يُسَاعِدُهُ، فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ جَاذِبَةٌ وَالْهَوَى صَادٌّ، وَالرَّأْيُ إذَا عَارَضَهُ الْهَوَى وَجَاذَبَتْهُ الْأَغْرَاضُ فَسَدَ. وَقَدْ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:


وَقَدْ يَحْكُمُ الْأَيَّامَ مَنْ كَانَ جَاهِـــــــلًا ... وَيُرْدِي الْهَوَى ذَا الرَّأْيِ وَهُوَ لَبِيبُ
وَيُحْمَدُ فِي الْأَمْرِ الْفَتَى وَهُوَ مُخْطِئٌ ... وَيُعْذَلُ فِي الْإِحْسَانِ وَهُوَ مُصِيبُ


فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ الْخَمْسُ فِي رَجُلٍ كَانَ أَهْلًا لِلْمَشُورَةِ وَمَعْدِنًا لِلرَّأْيِ، فَلَا تَعْدِلْ عَنْ اسْتِشَارَتِهِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا تَتَوَهَّمُهُ مِنْ فَضْلِ رَأْيِك، وَثِقَةً بِمَا تَسْتَشْعِرُهُ مِنْ صِحَّةِ رَوِيَّتِك، فَإِنَّ رَأْيَ غَيْرِ ذِي الْحَاجَةِ أَسْلَمُ، وَهُوَ مِنْ الصَّوَابِ أَقْرَبُ، لِخُلُوصِ الْفِكْرِ وَخُلُوِّ الْخَاطِرِ مَعَ عَدَمِ الْهَوَى وَارْتِفَاعِ الشَّهْوَةِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الِاسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ خَاطَرَ مَنْ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ. وَقَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ لِابْنِهِ: شَاوِرْ مَنْ جَرَّبَ الْأُمُورَ فَإِنَّهُ يُعْطِيك مِنْ رَأْيِهِ مَا قَامَ عَلَيْهِ بِالْغَلَاءِ وَأَنْتَ تَأْخُذُهُ مَجَّانًا.


وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: نِصْفُ رَأْيِك مَعَ أَخِيك فَشَاوِرْهُ لِيَكْمُلَ لَك الرَّأْيُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَنْ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ ضَلَّ، وَمَنْ اكْتَفَى بِعَقْلِهِ زَلَّ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الْخَطَأُ مَعَ الِاسْتِرْشَادِ أَحْمَدُ مِنْ الصَّوَابِ مَعَ الِاسْتِبْدَادِ.


_____________________________________________

اسم الكاتب: كتاب أدب الدنيا والدين





منقول



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]