عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 24-09-2021, 11:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ظاهرة المنصفات في الشعر العربي القديم

ظاهرة المنصفات في الشعر العربي القديم


د. أحمد فرحات



وتتجلى في القصيدة ملامح فنية ظاهرة، فالقصيدة كرسالة أرسلها الشاعر للمسئولين من المسلمين وتتجلى فيها ملامح الرسالة: المرسل(أبو العيال الهذلي) –المرسل إليه(أولو الأمر من القادة)-مضمون الرسالة(تبليغ القائد العام للجيش الإسلامي بما دار في معركة عانى فيها المسلمون معاناة شديدة) –ثم الخاتمة.


ونلاحظ في القصيدة جنوح الشاعر إلى وصف المعركة وما يدور فيها وصفا دقيقا، فقد أحدث الأعداء شرخا عميقا في نفوس الناس (أمْراً تَضِيقُ بهِ الصُّدُورُ) فضيق الصدور أمر يصور الحزن ويجسمه على سبيل الكناية، والفتى الذي يهوي والدماء تسيل منه، والسيد الكهل الذي تمور دماؤه، والرماح التي تتطاير في كل مكان ذات حد فاصل قاطع، كأن نصالهن السنبل، كل هذه الصور مجتمعة تجعلك كأنك واقف وسط ميدان المعركة ترى وترصد جميع الحركات والسكنات وتتفاعل مع الشاعر تفاعلا صادقا.


كما نلاحظ قلة الأساليب الإنشائية مقارنة بالأساليب الخبرية لأن الخبر أبلغ من الإنشاء في هذا الوصف؛ فالخبر أعطى الحدث درامية فعالة وتجسيدا للحدث بشكل لافت.


والقعقاع بن عمرو الفارس الذي يشيد ببلائه في المعركة في شعره، لا يجد غضاضة في الشهادة بقدرة أعدائه، وبلائهم في الدفاع عن أرضهم، فيصور شجاعتهم وحمايتهم لبلادهم فيقول(الطويل):
ولم أرَ قوماً مثل قوم رأيتهم
على وَلَجَاتِ البر أحمى وأنجبا

وأقتل للرُّوَّاس في كل مجمعٍ
إذا صَعْصَعَ الدهرُِ الجموعَ وكبكبا

فنحن حبسنا بالزمام بعدما
أقاموا لنا في عرصة الدار تُِرْتُبَا[64]

قتلناهم ما بين قلع مطلق
إلى القيعة الغبراء يوما مطنبا[65]




ولم يمنع الإنصافُ الشاعرَ أن يرثي بعض جسده، ففي المعارك الشديدة لابد من قتلى وجرحى، وأشلاء، من،الفريقين، فهذا عبد الله بن سَبْرة الحَرَشِي[66]، قطعت يده في بعض غزواته الروم، فرثاها، ومن خلال هذا الرثاء كان ضروريا أن يتناول الطرف المعادي بما فيه من صفات وملامح القوة التي جعلته يقدر على هذا البطل ويقطع يده، ولكن عزاء الشاعر أنه أطاح برأس عدوه، فكانت يده مقابل رأس عدوه، تلك إذن قسمة منصفة! فقال(البسيط):
فإنْ يكُنْ اطْرَبُونُ الرُّومِ قَطّعَهَا
فقَدْ تَرَكْتُ بِِهَا أوصَالَهُ قِطَعَا[67]

وإن يكن اطْرَبُونُ الرُّومِ قَطّعَهَا
فإن فيها بحمْدِ اللهِ مُنْتفعا

بَنَانَتَينِ وجُذْمُورا أقيمُ بها
صَدرَ القناة إذا ما آنَسُوا فَزَعَا[68]




فإذا كان الشاعر قد انتصر على عدوه، وجز رأسه، وقطعه إربا، ومزق أحشاءه، فإنه لم يبخسه حقه من إظهار شجاعته، وثباته، وقوته، وحسن بلائه في القتال، وأن العدو لم يكن صيدا سهلا يمكن الانتصار عليه بيسر، ولم يكن هذا الاعتراف بقوة الخصم إلا ضربا من ضروب الإنصاف النابع من نفسية عربية ذاقت مرارة الحرب وقسوتها، وشهدت لخصمها بحقه عليها، ثم إن هذه النفسية العربية زادها إيمانها بالله تعالى قوة وثباتا واعترافا بالحق حتى لو للخصم. وربما قال قائل إن الشاعر يهول من خصمه حتى يُعرف بقوته، والحقيقة أن الشاعر العربي ربيب أخلاق حسنة في الجاهلية أقرها الإسلام وزادها تألقا وشرفا، لأنه جعل من قتاله الأعداء والاعتراف بفضيلتهم خلقا من الأخلاق الفاضلة التي يحمد عليها. ثم ليس كل من أظهر فضيلة عدوه كان بالضرورة منتصرا عليه، فربما قاتل الرجل العدو وقتله العدو. وهذا الأعْوَر بن قُطْبَة بارزَ شَهْرَ بَرَازَ سِجسْتَان فقتل كل منهما صاحبه، فقال أخوه في ذلك(الرجز):
لم أرَ يوما كَانَ أحْلَى وَأَمَرْ
مِنْ يَومِ أَغْوَاثَ إذِ افْتَرَّ الثَّغرْ
مِنْ غَيرِ ضَحكٍ كَانَ أَسْوا وَأَبَرْ[69]

وقد كان الإنصاف لدى صحابة الرسول –صلى الله عليه وسلم-مثلا وقدوة، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول في القادسية بعد أن مَنَّ الله عليه بالنصر، يقول(الوافر):
فقد لَقِيَتْ خُيولُهُمُ خيولا
وقَدْ وقَعَ الفَوَارسُ في الضراب

وقد دلفتْ بعْرصتهم فيولٌ
كأنَّ زُهَاءَهَا إبلٌ جرابُ[70]

فلولا جمعُ قعقعاع بن عمرو
وحمّالٍ لَلَجّوا في الكِذَابِ

هُمُ منَعُوا جُمُوعَك بطعنٍ
وَضَرْبٍ مِثْل تشقيقِ الإهابِ

ولولا ذاك ألفيتم رِعَاعا
تُشَلُّ جموعُكم مثل الذباب[71]

يتبع








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]