عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17-09-2021, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (388)
تفسير سورة الأنعام (21)


الله عز وجل ينزل آياته القرآنية والكونية الدالة على وحدانيته وعظمته وقدرته، فهو سبحانه فالق الحبة والنواة وما هو أصغر منها، وهو مخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي، خالق الليل والنهار، ومقدر الأكوان والأجرام، كل هذا ليبين لعباده أنه سبحانه مستحق العبادة والتمجيد، دون هذه الأصنام والأوثان التي يعبدها أصحاب القلوب المريضة والعقول الحائرة، التي لا تغني عن نفسها شيئاً فضلاً عن أن تغني عمن يعبدها أو تضره أو تنفعه.
تفسير قوله تعالى: (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، راجين أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث، وهيا نستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نأخذ -بفضل الله- في شرحها وبيان مراد ربنا تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )[الأنعام:95-98]. ‏
أهمية معرفة الله تعالى وطريق تحصيلها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! لنعلم ما قد سبق أن علمناه، ولكننا غافلون وننسى، وحالنا دال على واقعنا، إن معرفة الله عز وجل من الضروريات، والذي لا يعرف الله معرفة حقيقية يقينية أنى له أن يعبده، وكيف يعبده وما عرفه؟معرفة الله لها شأنها، فيجب على كل آدمي ذكراً أو أنثى أن يسأل عن الله حتى يعرفه، فإذا عرفه أحبه أكثر من حبه لنفسه، وخافه أكثر من كل مخوف، وبذلك يسهل عليه أن يعبده عبادة تسعده في الدارين، تكمله وتسعده في هذه الحياة وفي الحياة الآتية التي هي لازمة ولا محالة منها.
ومن طلب الله عز وجل وأراد أن يعرفه فعليه بالكتابين: كتاب الله القرآن العظيم، اقرأ واستمع وتدبر وتأمل تتجل لك صفات الرب الدالة عليه آياته، فتعرف الله بأسمائه وصفاته، ويدلك على معرفته حبك له، وخوفك منه: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28].
الكتاب الثاني: كتاب الكون، انظر في هذه الأكوان العلوية والسفلية، هذه النجوم وهذه الأفلاك، هذه الشمس وهذا القمر، انظر إلى هذه النباتات والجمادات، انظر إلى نفسك وما حولك: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )[فصلت:53].
والمعرض الغافل اللاهي كالبهيمة لا هم له إلا الأكل والشرب والنكاح، كيف يعرف ربه؟ فالذي ما طلب ربه لا يجده، ولا يحصل معرفته، فيجب أن نتذكر ونتفكر حتى نعرف الطريق إلى ربنا عز وجل.
معنى قوله تعالى: (إن الله فالق الحب والنوى)
وها نحن مع هذه الآيات الثلاث والتي بعدها، حيث يقول تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )[الأنعام:95] من يفلق الحب لتخرج منه السنبلة؟ هل هو أبي أو أمي؟ حبة ميتة يفلقها وتخرج منها السنبلة، من يفعل هذا سوى الله؟ ونواة التمر من يفلقها حتى تخرج الفسيلة وتصبح نخلة عالية ذات قنوان وتمور، من يفعل هذا؟ إنه الله تعالى. من يشير إلى كائن بأن هذا فعل فلان؟ فكيف -إذاً- لا يعبد الله تعالى وتعبد الأهواء والشهوات، وتعبد الأصنام والتماثيل والأحجار، أو تعبد الكواكب والنجوم، ويعمى الإنسان عن خالقها ومكونها وموجدها؟
(إِنَّ اللَّهَ )[الأنعام:95] يا من أعرضوا عن ذكره وأقبلوا عن دنياهم وهواهم، وتمثلت لهم الشياطين في أصنام وأحجار وعبدوها، اعلموا أن الله ( فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )[الأنعام:95]، ولا أحد في الكون يفلق الحب ليخرج منه الزرع أو يفلق النواة ليخرج منها الشجرة أو يخرج منها النخلة، من فعل هذا؟ ما هناك جواب إلا الله، إذاً: لم لا يُحب ولا يُخاف؟ لم يلتفت إلى غيره ويترك هو؟
صور من قدرة الله تعالى على إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي
ثانياً: ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ )[الأنعام:95] ولهذا صور: فالنطفة المذرة ميتة، من يخرج منها إنساناً ذكراً أو أنثى، طفلاً أو طفلة؟ هل يد الإنسان؟ أو أطباء الناس؟ أو السحرة؟ الجواب: لا أحد إلا الله، وهذا الإنسان الحي من يخرج منه تلك النطفة المذرة؟ من أوجدها فيه؟ من أخرجها منه؟ إنه الله تعالى.
والحب الميت يخرج الله منه سنابل وأشجاراً، والسنابل والأشجار يخرج منها حباً ميتاً، وأقرب من هذا البيضة تخرج منها الدجاجة، والبيضة ميتة تعبث بها بيدك، فيخرج الله منها الدجاجة حية، والدجاجة الحية تخرج ميتاً، فمن أخرج هذا الميت من هذا الحي؟ هل هناك من يشارك الله في هذا؟ ليس في الكون كله من يفعل ذلك إلا الله، فلهذا يجب ألا يكون معبود العالمين سوى الله تعالى، لم تعبد الأهواء والدنيا والشهوات، وتعبد الأصنام والأحجار، وتعبد بعض المخلوقات كما عبدوا عيسى وألهوه وألهوا أمه، وكما عبدوا اللات والعزى ومناة من أوثان الجاهلية الأولى؟!
معنى قوله تعالى: (ذلكم الله فأنى تؤفكون)

إن الله جل جلاله وعظم سلطانه هو فالق الحب والنوى، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ( ذَلِكُمُ اللَّهُ )[الأنعام:95]، ذلكم الذي يفعل ما سمعتم هو الله، إذاً: ( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )[الأنعام:95] كيف تصرفون عنه إلى غيره؟ كيف تصرفون عن معرفته، عن طلب حبه ورضاه، كيف تصرفون عنه إلى الأوثان والأصنام والشهوات والأهواء؟ ( فَأَنَّى ) كيف، يا للعجب! كيف يؤفكون؟ من يأفكهم ويصرفهم؟ الشياطين هي التي تلعب بقلوبهم وبنفوسهم.عجب هذا! ( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )[الأنعام:95] كيف تصرفون عن الله عز وجل وتعبدون غيره؟ أو كيف تصرفون عن عبادته وذكره وتلتهون بالأباطيل والألعاب وتنسون ربكم؟ أمر عجب.
تفسير قوله تعالى: (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً...)
وقوله: ( فَالِقُ الإِصْبَاحِ )[الأنعام:96] الإصباح: الصبح، فمن يفلق رأس الليل ويشقه ويخرج منه الصبح؟ إنه الله سبحانه وتعالى، ولو اجتمعت يد البشرية كلها والإنس والجن على أن يأتون بالفجر الآن فهل يستطيعون؟فمن يفلق ذلك الظلام ويشقه ويخرج منه نور الصباح؟ من يفعل هذا سوى الله؟ كيف لا يتعرف إليه، كيف لا يعبد؟ كيف لا يذل له ويخضع؟ لولا أن الشياطين تعبث بقلوب الإنس والجن لتصرفهم عن الحق ليعبدوا الباطل.
(فَالِقُ الإِصْبَاحِ )[الأنعام:96]، وتعرفون قولهم: فلق رأسه، أي: أخرج مخه، فظلمة الليل كيف تفلق ويخرج منها الصبح والإصباح؟ هل يد إنسان تفعل هذا؟ لو اجتمعت البشرية كلها فلن تفعل هذا، والله تعالى يفعل هذا لماذا؟ هل لأنه في حاجة إليه؟ لا والله، ولكنه من أجلك يا ابن آدم، من أجلك أيها الإنسان، فاذكر هذه النعمة واشكر الله عليها.
(فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا )[الأنعام:96] تسكن فيه الأبدان والأرواح، وتسترجع ما فقدته في عمل النهار، فيسكن كل شيء في الإنسان ويهدأ ويستقر، وينام نوماً يعوضه طاقاته التي بددها في النهار في أعماله.
مخالفة الناس السنة الإلهية والنبوية بالسهر في الليل لغير حاجة ومصلحة
ونحن ما شكرنا هذه النعمة، والذي نشكوه أننا حولنا الليل إلى نهار، عكسنا مراد الله، أحلف بالله لو كنت أملك الأمر لما زدت في الكهرباء من بعد العشاء فوق ساعة ونصف، الآن أطفالهم وأولادهم يلعبون طول الليل، ونساؤهم ورجالهم يسهرون، نعكس مراد الله! هل يليق هذا؟ هل رسول الله ما علم؟ لقد نهى رسول الله المؤمنين عن الحديث والتحدث بعد صلاة العشاء ليناموا، ولم يسمح إلا بمؤانسة ضيف أو طلب علم أو زوجة تلاعبها، نهى عن النوم قبل صلاة العشاء، فمكروه أن تنام قبل صلاة العشاء، ونهى عن الحديث بعد صلاة العشاء، هذه هي التعاليم المحمدية، ونحن عكسنا فأصبح الليل كله كالنهار، وتأتي عجائب المفاسد والشرور، وخاصة الأحداث الذين يتيهون في الليل، ولو كان الظلام دامساً عاماً فهل هناك من سيخرج؟
في أوروبا يختلف الوضع عنه عندنا، إذا جاء الليل يقل ذلك النور وذلك الهيجان، ودعنا من الكفار، فنحن نقول: امتن الله علينا بأن جعل الليل سكناً، فقلنا: نجعله حركة، بدل السكون حركة، ثم لو كنا نعمل بجد فنصنع وننتج مضطرين فإنا نقول: ممكن أن يعفو الله عنا، فنحن في حاجة إلى هذا العمل، لكن السهر كله لهو وأحاديث وأباطيل، المفروض أنه إذا صلينا العشاء نغلق أبوانا، لا دكان ولا مصنع ولا معمل، والناس في بيوتهم يذكرون الله وينامون ليستيقظوا آخر الليل، وعلى الأقل يستيقظون مع الفجر ليصلوا صلاة الصبح.
الآن كفرنا هذه النعمة وجحدناها، وأنكرناها وما بالينا بها، ( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا )[الأنعام:96] يسكن فيه الإنسان براً أو فاجراً، كافراً أو مؤمناً، من فعل هذا؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]