عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-09-2021, 03:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (386)
تفسير سورة الأنعام (19)

الذين كفروا بالله عز وجل، وأنكروا دينه، وكذبوا رسله، إنما حملهم على ذلك أنهم حرموا معرفة الله حق معرفته، فلم يعرفوا صفاته الدالة على جلاله وكماله وعظمته، وهذا كان حال كفار قريش، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسألهم عمن أنزل التوراة على اليهود الذين يبدون بعضها ويخفون البعض الآخر حسب أهوائهم وأطماعهم، ثم أمره أن يجيبهم -لأنهم لن يجيبوا من تلقاء أنفسهم- بأن الله هو منزل التوراة وكل الكتب السابقة، كما أنه هو منزل القرآن الذي ينكرونه، وقد جاء بالتصديق لما بين يديه من الكتاب، وجاء نذيراً لأهل مكة ومن حولهم من الأعراب.
تفسير قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد- من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، فلنستمع إليها مجودة مرتلة من أحد الأبناء، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:91-92].
معاشر الأبناء والإخوان! قول ربنا جل ذكره: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )[الأنعام:91] إي والله ما قدروا الله حق قدره وهم يعبدون معه أصناماً آلهة، ما قدروا الله حق قدره إذ أنكروا رسالته وكذبوا رسوله، ما قدروا الله حق قدره إذ حرموا من معرفة صفاته الدالة على جلاله وكماله ورحمته وعدله وإفضاله وإحسانه، ما قدروا الله حق قدره لا سيما إذ قالوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، أنكروا الوحي، وكذبوا الرسول، وكذبوا أن يكون القرآن كلام الله ووحيه، فهل الذي خلق البشر لا ينزل عليهم كتاباً يهديهم إلى سبيل سعادتهم وكمالهم؟ ولا ينزل عليهم كتاباً ليعلمهم ما يكملون به ويسعدون؟ أيتركهم كالبهائم يأكل بعضهم بعضاً؟! والله ما قدروا الله حق قدره وقد قالوا هذا القول.
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91] أي: الوحي، كذبوا بالتوراة والإنجيل والزبور وكل شيء، الكل أنكروه وقالوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، يقولون هذا ليموهوا على العوام، ولا شك أنهم رؤساء الضلالة الذين كانوا يقودون أهل مكة ومن حولهم.
معنى قوله تعالى: (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس ...)
فعلم الله رسوله الحجاج وكيف يرد عليهم قولهم الباطل فقال تعالى: ( قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ )[الأنعام:91]؟ وهم يعرفون هذا حق المعرفة، حيث تجارتهم في الشام في طول السير وهم متصلون باليهود والنصارى يعرفون أن الله أنزل التوراة على موسى، وأنزل الإنجيل على عيسى، لكن للمكابرة والتغطية والمجاحدة يقولون: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، فعلم الله رسوله أن يرد عليهم فيقول: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ )[الأنعام:91] ألا وهو التوراة، والتوراة نور، على ذلك النور اهتدى خلق وأمم كثيرة، هذا الكتاب الذي هو نور وهدى طريق مستقيم إلى السعادة في الدارين من أنزله؟ ثم قال: ( تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ )[الأنعام:91]، وفي قراءة سبعية: ( يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً )، وهذه القراءة رجحها ابن جرير وهي تتفق مع هذا التفسير، أو نقول: الكلام الآن مع بني إسرائيل، مع اليهود، ولا يبعد أنهم زاروا مكة واتصلوا برجالها، وقالوا لهم: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، علموهم ذلك ليجاحدوا ويكابروا، قالوا: لا تقبلوا فكرة نزول القرآن على محمد، وإن قال لكم: أنزل الله التوراة فقولوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، اثبتوا على هذا. لأن اليهود يريدون منهم مواصلة الشرك والكفر والبقاء على ما هم عليه كالبهائم، فلا يبعد هذا.
(قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ )[الأنعام:91] جمع قرطاس، وهو ورقة يكتب فيها الشيء الذي يريد أن يكتبه.
(قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا )[الأنعام:91] تظهرون ما فيه صالحكم، وما يحقق لكم غرضكم وأهدافكم، ( وَتُخْفُونَ )[الأنعام:91] الأخرى التي فيها ضد ما تريدون، ( وَتُخْفُونَ كَثِيرًا )[الأنعام:91]، والقراءة التي رجحها ابن جرير هي: (يجلعونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً) وهم اليهود، يجعلونها قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً؛ فالمشركون قالوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، هذه الفكرة من أعطاهم إياها؟ اليهود، فقال تعالى: قل لهم: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ )[الأنعام:91]، هذا الكتاب اليهود يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً، ما فيه مصلحة لدعوتهم الباطلة ومواقفهم المخزية ضد دعوة الحق يظهرونه، والآخر يخفونه!
وقوله تعالى: ( وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ )[الأنعام:91] هذا يعود إلى العرب، بما أنزل الله عليهم من هذا القرآن العظيم، فهذه السورة -سورة الأنعام- سبقها سور نزلت، والرسول يتلوها عليهم ويبين لهم ما فيها من الهدى والخير.
معنى قوله تعالى: (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)
ثم قال تعالى له: ( قُلِ اللَّهُ )[الأنعام:91] هذا جواب السؤال: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ )[الأنعام:91] لهم: ( اللَّهَ )[الأنعام:91] الذي أنزل الكتاب! جواب للسؤال الأول، قالوا: ما أنزل الله من شيء، فقل: أنزل الله تعالى التوراة.(قُلِ اللَّهُ )[الأنعام:91] أي: هو الذي أنزل الكتاب، ( ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ )[الأنعام:91]، بين لهم الحقيقة التي أنكروها، قل: الله الذي أنزل الكتاب، واتركهم في خوضهم وباطلهم يلعبون كالصبيان، طول الليل والنهار وهم يهرفون ويتكلمون بلا طائل ولا نتيجة أبداً، وهذا شأن الضلال الخارجين عن هدى الله عز وجل.
وفي هذا تعليم الله لرسوله وكيف يحتج على المشركين، وكيف يرد على باطلهم، وكيف يبين لهم الطريق، ولكن بأمر الله عز وجل وتدبيره.
تفسير قوله تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى وما حولها...)
ثم قال لهم: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )[الأنعام: 92]، إنه القرآن العظيم (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ )[الأنعام: 92]، فالكتب السالفة -التوراة، الإنجيل، الزبور، صحف إبراهيم وموسى- القرآن مصدق لها، ما أنكر كتاباً منها ولا كذبه، ولا كذب ما جاء في كتاب من تلك الكتب، (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى )[الأنعام: 92] يا رسولنا بهذا الكتاب، والمراد من أم القرى مكة، والقرى: الحواضر والمدن، لا على اصطلاح الجغرافيين المعاصرين، فالقرى: المدن التي يتجمع فيها الناس ويسكنونها بكثرة، فأم القرى وأم العواصم والحواضر مكة.(وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا )[الأنعام: 92] من بلاد العرب ومن حولهم من العجم، كلمة (من حولها) وراءها دائماً وأبداً. ‏
معنى قوله تعالى: (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون )
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام: 92] أي: بالقرآن، ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ )[الأنعام: 92] بالمعاد والحياة الثانية، وما يجري فيها وما يتم من جزاء عادل، فأهل الإيمان والصلاح في دار السلام، وأهل الشرك والكفر والمعاصي في دار البوار، هذا الذي يتم في الدار الآخرة، ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:92].لتنذر أم القرى ومن حولها، وتنذر الذين يؤمنون بالآخرة، ( يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام: 92] أي: بالقرآن ( وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:92].
وهنا إشارة إلى أنه عند نزول هذه السورة ما كان هناك شرائع وأحكام إلا الصلاة؛ إذ هي أول فريضة فرضت وأول عبادة تعبد الله بها المؤمنين في مكة، وما فرضت إلا في السنة العاشرة من الوحي، فصلى الرسول والمؤمنون بمكة ثلاث سنوات، ثم لما انتقل المدينة وهاجر أخذت الشرائع والأحكام تنزل حكماً بعد آخر.
فقوله تعالى: ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )[الأنعام: 92] يشير إلى القرآن العظيم، و(مبارك) أي: الخير فيه إلى يوم القيامة، ( مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ )[الأنعام: 92] من الكتب السابقة، ما أنكر القرآن الكتب السابقة بل قرر وجودها ودعا إلى الإيمان بها، بل وفرضه على المؤمنين، ( وَلِتُنذِرَ )[الأنعام: 92] يا رسول الله ( أُمَّ الْقُرَى )[الأنعام: 92] يعني: أهلها، ( وَمَنْ حَوْلَهَا )[الأنعام: 92] من المدن والقرى، ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام: 92]، وهنا بيان سبب الكفر والشرك والمعاصي، وهو التكذيب بالبعث والجزاء، هو عدم الإيمان بالدار الآخرة.
أما من آمن بأن هناك حياة أخرى يتم فيها الجزاء على الكسب في هذه الدنيا؛ فهذا مستعد لأن يؤمن بكل ما أمر الله بالإيمان به، ومستعد لأن يطيع الله ورسوله فيما يستطيع ويقدر عليه، بخلاف المكذب بالبعث والدار الآخرة.
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام: 92] أي: بهذا القرآن الكريم، وبمن نزل عليه وأنزل عليه، ( وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:92] تلك الصلاة التي فرضها الله عليهم يحافظون عليها فيؤدونها في أوقاتها وبشروطها وأركانها التي لا بد منها، لتزكي أنفسهم وتطهرها.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]