عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17-09-2021, 01:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,007
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة نقدية لآراء المرزباني في (الموشح) عن أبي العتاهية



كأنَّما يعكس لنا الصُّورة نفسها في أبيات الشافعي:





فَإِذَا سَمِعْتَ بِأَنَّ مَجْدُودًا حَوَى

عُودًا فَأَثْمَرَ فِي يَدَيْهِ فَصَدِّقِ




وَإِذَا سَمِعْتَ بِأَنَّ مَكْدُودًا أَتَى

مَاءً؛ لِيَشْرَبَهُ، فَغَاضَ فَحَقِّقِ




وَأَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بِالْهَمِّ امْرُؤٌ

ذُو هِمَّةٍ يُبْلَى بِرِزْقٍ ضَيِّقِ [34]











والصورة في قول المتنبي:





ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ

وَأَخُو الْجَهَالَةِ وَالشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ [35]











فهذه الثَّورة منه ومن الشافعي والمتنبِّي هي واحدة، ليس أساسها الحِقْد على ما في أيدي الناس من مالٍ وجاهٍ وتحكُّم وسُلْطة؛ بل أساسها الثَّورة على تلك الماديَّة التي تحكَّمَت في النفوس، وجعلت الناس ينظرون إلى بعضهم البعض من خلال لَمَعان الفضَّة وبريق الذهب، ويَطْرحون جانبًا صاحب العقل وصاحب العلم والمعرفة؛ فالغِنَى الحقيقيُّ هو غنى العلم، كما أنَّ الشرف الحقيقي هو شرف الأدب والتقوى.







فإذا كان النَّسْج مُهلهَلاً عند المرزباني، فإنَّ القصيدة بكيانها المستقلِّ كوحدةٍ مُتكاملة لا يمكن أن تنفصل أبدًا، وبِلُغتها المعبِّرة جدًّا تَعْكس لنا مقدار ذلك التوجُّع، وذلك الاشمئزاز، وذلك التعجُّب... وكلّ تلك المشاعر المختلطة عند أبي العتاهية، وإن شئت فقل: المُهلهَلة - إن جاز التعبير أولاً، وإن صحَّ أن يكون النَّسج هناك مهلهلاً ثانيًا.







الخاتمة:



وبعد..



فلئن أسأتُ الأدب مع الشيخ أبي عبدالله المرزباني بما أوردتُه من ردودٍ على بعض مآخِذِه على مجموع أبيات متفرِّقات لأبي العتاهية، فلَعلِّي أُحْسِن حينما أجزم - بلا مُنازع - أنَّ كتابه (الموشَّح) من كتب النَّقد التي تُعدّ قاعدةً ومرجعًا للكثير من النُّقاد من بعد عصره وإلى وقتنا الحاضر، وليس هو كتابَ رواية - مثلاً - أو مرجعًا للنُّصوص كما نظر إليه البعض هذه النظرة الضيِّقة.







والأمَرُّ من هذا قول أحدهم أنَّ الموشح من عمل الصولي، وإنما المرزباني راوية له[36].







إنَّ أقوالهم هذه هي من الظُّلم البَيِّن للكتاب، وكذلك لصاحبه، حينما يَضْربون بجهوده في عمَلِه هذا الجليل عُرضَ الحائط، وهو فنَّان يعرض فنَّ الآخَرين؛ هُم أبدَعوا، وهو نَظَّم ونسَّق وعَرَض، وليس بالقليل ذا العمل حين يعرض جميع المذاهب والاتِّجاهات، ويسوق مختلف المواقف والنَّظرات التي كانت معروفةً في النَّقد العربي.







ولقد كان من خُلقه - رحمه الله - أنَّه كان أمينًا في النَّقل كلَّ الأمانة، ومُنصِفًا للشُّعراء، متَّبِعًا منهج السَّلَف في هذا، كيف لا وهو الذي يعيش مع العلم وأهل العلم، حتَّى ذكر أنَّ عنده خمسين لحافًا لأهل العلم الذين كانوا يبيتون في داره، وليس من شكٍّ في أنَّ هؤلاء جميعًا كانوا إمَّا أُدَباء أصدقاء أندادًا، وإمَّا تلامذة كبارًا يساعدون شيخهم نسخًا أو إملاءً[37].







بل كان الملك البويهيُّ يَسْعى إليه بِنَفسه؛ تكريمًا لعِلْمه، وتبجيلاً لقدره[38].







وقال عنه أبو عليٍّ الفارسيُّ: "إنَّ أبا عبيدالله المرزباني من مَحاسن الدُّنيا".







وإنَّه والله لكذلك بما قدَّمَ من مُؤلَّفاتٍ تتجاوز العشرات في شتَّى المَجالات بما أثرى المكتبة العربيَّة.







أمَّا كتابه هذا فهو سجل ضخم للثَّقافة العربية حتَّى نهاية القرن الرابع الهجري، ومرجعٌ شامل لا غِنَى عنه، وكتاب في النَّقد التطبيقي؛ لأنَّه يُحاول أن يلمَّ شَتات الأمثلة والشَّواهد الشعريَّة المُبعثرَة، ويجعل منها مادَّة تطبيقية لتلك القواعد والأصول الأدَبِيَّة التي تَعارف عليها النُّقاد خلال أربعة قرون، وهو لا يُمثِّل نقدَ شخص، بل هو نَقْد عصرٍ - هو الرَّابع الهجريُّ - حين استقرَّت الأفكار ونَضجت المذاهب، وبلغ الأمر ذِرْوتَه، وهو المَنْزلة العالية التي بلَغَها النَّقد العربي بالرَّغم من أنَّه أغفل المتنبِّي والآمدي.







وأخيرًا: أرجو أن أكون مِمَّن وُفِّق في عمَلِه قدر استطاعته في هذا البحث المتواضع، ولعَلِّي أختم ببيتَيْن من الشِّعر للشيخ المرزباني، يقول فيهما:





وَلِي وَلَهَا إِذَا الكَاسَاتُ دَارَتْ

رُقَى سِحْرٍ يَفُكُّ عُرَى الْهُمُومِ




مُعَاتَبَةٌ أَلَذُّ مِنَ الأَمَانِي

وَبَثُّ جَوًى أَدَقُّ مِنَ النَّسِيمِ [39]











والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.







[1] "شرح ديوان أبي العتاهية"، ص17.




[2] "النَّقْد عند اللغويِّين في القرن الثاني"، سينية أحمد، ص161.




[3] ديوانه، ص15.




[4] ديوانه، ص223.




[5] ديوانه، ص244.




[6] ديوانه، ص23.




[7] "المرشد إلى فَهْم أشعار العرب"، عبدالله الطيب، ص241.




[8] ديوانه، ص217.




[9] انظر: ديوانه، ص16، 39، 224.




[10] ديوانه، ص14.




[11] انظر: ديوانه، ص33، 13، 12.




[12] انظر: "الموشح"، للمرزباني، ص402.




[13] المرجع السابق، ص405.




[14] المرجع السابق , ص 398 , 399 , 400.




[15] المرجع السابق، ص398 - 399 - 400.




[16] انظر: "الموشح"، للمرزباني، ص399.




[17] المرجع السابق، ص404.




[18] انظر: "المرزباني والموشح"، منير سلطان، ص417.




[19] "ديوان الشافعي"، شرح: نعيم زرزور، ص61.




[20] "الموشح"، للمرزباني، ص405 - 406.




[21] "المرزباني والموشح"، منير سلطان، ص419.




[22] هو أحمد بن عبيدالله بن محمد بن عمار، أبو العبَّاس الثقفي الكاتب (ت 314)، له عدة مصنَّفات، هي: "كتاب الأنواء"، "مثالب أبي نواس"، "أخبار عدي"، "أخبار ابن الرومي"، وغيرها.




[23] "الموشح"، للمرزباني، تحقيق: علي البجاوي، ص403.




[24] "دلائل الإعجاز"، للمرزباني، تحقيق: محمود شاكر، ص83.




[25] وردت كلمة (أحمل) في "الموشح" هكذا بالحاء المهملة.




[26] "الموشح"، للمرزباني، تحقيق: علي البجاوي، ص404.




[27] "المرشد إلى فهم أشعار العرب"، عبدالله الطيب، ص185.




[28] انظر قول ابنِ عمَّار الذي سبق الكلامُ عنه في "الموشح"، ص403.




[29] مشخلبة: كلمة عراقية، وهي تتَّخَذ من الليف والخرَز أمثال الحلي؛ انظر هامش "الموشح"، ص401.




[30] انظر: القافية التائية، لأبي العتاهية أيضًا في ديوانه، ص50، مما استحسنها كذلك صاحب "الأغاني"، وقال عنها: هي أرفَعُ ما يكون شعرًا.




[31] "شرح ديوان أبي العتاهية"، دار الكتب العلمية، بيروت، ص241.




[32] هذه الرواية هي التي وردت في "الموشح"، ص402، والتي كان عليها مدار المأخذ؛ انظر: "الموشح"، للمرزباني، تحقيق: علي البجاوي، ص401.




[33] انظر القصة في: "ديوان أبي العتاهية"، ص241.




[34] "ديوان الشافعي"، تحقيق: نعيم زرزور، ص81.




[35] "ديوان المتنبي"، أبو البقاء العكبري، الجزء الثالث، ص124.




[36] قال هذا: ج. هيوارث عند تحقيقه كتاب "الأوراق"، للصولي؛ انظر: "المرزباني والموشح"، ص421.




[37] "مناهج التأليف عند العلماء العرب"، مصطفى الشكعة، ص275.




[38] المرجع السابق، ص270.




[39] المرجع السابق، ص271.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]