عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-09-2021, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي النقد البيئي أو الإيكولوجي

النقد البيئي أو الإيكولوجي


د. جميل حمداوي


مقدِّمة:
من المعروف أن نظريات النقد الأدبي، التي ظهرت في مرحلة ما بعد الحَدَاثة - بين سنوات الستين والتسعين من القرن العشرين - قد ركَّزت اهتمامها على مجموعة من المفاهيم الرئيسة، كالثقافة، والتأويل، والتفكيك، والاستعمار، والعِرْق، والجنس، والتاريخ، والتناصِّ، والسياق، والقراءة، والطبقة، والمجتمع، ومن هنا، فالنقد البيئي "Ecocriticism"- هو الذي يُعْنَى بدراسة المكان، والبيئة، والطبيعة، والأرض، في النصوص والخطابات الإبداعية والأدبية والثقافية.

ويعرف هذا النقد بمصطلحات ومفاهيم أخرى، كـ"الدراسات الثقافية الخضراء /green cultural studies"، و"الشعرية أو البويطيقا البيئية /ecopoetics"، و"النقد البيئي الأدبي /"environmental literary criticism"، و"النقد الإيكولوجي/Ecocriticism "...

هذا، ويُعَدُّ "ويليام روكيرت" "William Rueckert" أوَّل مَن استعمل مصطلح النقد البيئي لدراسة العلاقات الموجودة بين الأدب والبيئة، بما فيها المكان، والطبيعة، والأرض، والحياة، وذلك في أواخر سنوات السبعين من القرن العشرين الميلادي، وبالتحديد في سنة 1978م.

وتأسيسًا على ما سبق، فما يهمنا في هذه الدراسة هو معرفة مفهوم النقد البيئي، ورصد مرتكزاته النظرية والتطبيقية، وتحديد مختلف تجسيداته النصية والخطابية: إبداعًا وأدبًا ونقدًا وكتابةً، مع تقويم هذا النقد تنظيرًا وتطبيقًا ومقصديَّة.

1- مفهوم النقد البيئي:
نعني بالنقد البيئي ذلك النقد الذي يهتم بدراسة النصوص، والخطابات الأدبية، والإبداعية، في ضوء نظرية بيئية إيكولوجية، تبحث عن مكانة البيئة أو الطبيعة أو المكان أو الأرض أو الحياة داخل الإبداع الأدبي والفني، وذلك بالتنظير والتحليل والقراءة والفحص والدراسة؛ بُغْيَة رصد رؤى الكتَّاب والمبدعين والمثقَّفين تُجَاه البيئة، وخاصةً بعد ظهور الحركات والجمعيات والمنظمات والنوادي الداعية إلى الاهتمام بالبيئة، بعد تفاقم ظاهرة التلوث عالميًّا برًّا وبحرًا وجوًّا.

وفي هذا الصدد يقول "دافيد كارتر" "David Karter" في كتابه: "النظرية الأدبية": يُضِيف النقد البيئي فئة جديدة - وهي المكان - إلى فئات: العرق، والطبقة، والجنس... إلخ، كوُجْهَات نظر لتحليل الأدب، فقد رأى الناقد "لورانس بويل" بأنه من الناحية النظرية كانت هناك لفترة طويلة فجوة بين النصوص والوقائع؛ حيث يملأ النقد البيئي هذه الفجوة: يفترض النقد البيئي بأن ثَمَّة واقعًا فوق النصوص يؤثِّر على الكائنات البشرية وأدواتهم، والعكس بالعكس.

وقال "غلين ألوف" - من جامعة أوريغون -: "لقد حان الوقت لنَسُدَّ الهُوَّة بين العلوم الصعبة والعلوم الإنسانية، ولن تفعل ذلك النظرية الأدبية".

ولكن ثَمَّة جدال في بعض المقالات في مجموعة مختارة من النقد البيئي، بأن نظريات "ميشيل فوكو" و"إدوارد سعيد" هي ذات صلة بدراسة البيئة، التي تُعَدُّ في حدِّ ذاتها بناءً ثقافيًّا"[1].

بَيْدَ أن النُّقَّاد لم يتَّفقوا على مفهوم محدَّد وواحد للنقد البيئي، ولم يبيِّنوا بشكل واضح ما المقصود منه؟ وذلك بسبب حَدَاثة هذا النقد في نظرية الأدب، وجِدَّتِه في معاهد الولايات المتحدة الأمريكية وجامعاتها الأكاديمية "جامعة أريغون" مثلاً.

وهكذا، يعرف "شيرلي غلوتفيلي"Cheryll" Glotfelty"، و"هارولد فروم" "Harold Fromm" النقد البيئي بأنه: "دراسة العلاقات بين الأدب والبيئة المادية"، ويطرح نقَّاد البيئة عادةً أسئلة من قَبِيل: كيف يتم تمثيل الطبيعة في هذه السونيت "Sonnet"؟ وما الدور الذي يلعبه المكان المادي في حَبْكَة هذه الرواية؟ وهل القيم التي يُعْرَب عنها في هذه المسرحية تتَّفق مع الحكمة الإيكولوجية؟ وهَلُمًّ جرًّا.

وثَمَّةَ سؤال آخر يُنْظَر إليه، وهو: هل الرجال يكتبون عن الطبيعة بشكل مختلف عن النساء؟

وليس من المستغرب أن هذا قد أدَّى إلى فئة فرعية من النقد البيئي، تُعْرَف باسم "النسوية الإيكولوجية" مع مقتطفاتها من الكاتبات المهتمات بالطبيعة.

وقد كانت "لويزه ويستلنغ" من جامعة "أريغون" مهتمة في كيفية تركيز النسوية الإيكولوجية على الطريقة التي يتجلى فيها الجنس في تصوير المناظر الطبيعية؛ حيث تعتقد أنها ترسِّخ تقليدًا من افتراض أن الأرض هي مؤنَّث، وأولئك الذين يستخدمونها ويُهَيْمِنون عليها هم الذكور: "إنَّ الأرضَ ليست امرأة، ولكن من العصور القديمة، استخدم الكتاب الصور المؤنثة لتسويغ الاستيلاء عليها"[2].

وهكذا، يبدو أن النقد البيئي هو الذي يعقد ترابطات نصية وخطابية بين الأدب والطبيعة والأرض والمكان والبيئة، وذلك في ضوء قراءات متنوعة قد تكون ثقافية، أو تفكيكية، أو تأويلية، أو نفسية، أو اجتماعية، أو تاريخية، أو جمالية، أو تخييلية...

2- سياق ظهور النقد البيئي:
ظهر النقد البيئي بشكل خاصٍّ في الثقافة "الأنجلوسكسونية" في السنوات الأخيرة من عَقْد السبعين من القرن العشرين الميلادي "1978م"، وبالضبط في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وذلك ضمن مؤسساتهما الأكاديمية ومعاهدهما الجامعية كجامعة "أوريغون"، وجامعة "نيفادا" مثلاً.

وقد رافق النقد البيئي مرحلة ما بعد الحَدَاثة التي جاءت لتصحيح مجموعة من المفاهيم، وتعرية المؤسسات الثقافية الغربية المُهَيْمِنة والمستغلَّة إن تقويضًا، وإن تشتيتًا، وإن تأجيلاً، فنتجت عن ذلك أن ظهرت دعوات للاهتمام بالعرق، والجنس، والطبقة، والتاريخ، والمؤلف، والسياق، والمكان.

وفي هذه الظروف الخاصة والعامة، ظهر النقد البيئي للتشديد على أهمية المكان والطبيعة والبيئة محليًّا وجمهوريًّا ووطنيًّا وعالميًّا، وذلك ضمن منظور نقدي إيكولوجي معاصر، بعد أن انتشر التلوث والأمراض المعدية في المجتمعات الصناعية المتقدمة وغير المتقدمة، وأصبحت الحياة الإنسانية مهدَّدة بشكل خطير فوق هذه الكرة الأرضية: برًّا وبحرًا وجوًّا.

وعليه، فإن مفهوم النقد البيئي يعود إلى مقالٍ بقلم "ويليام روكيرت" "William Rueckert" في عام 1978م على الأقل، وهو بعنوان "الأدب وعلم البيئة: تجربة في النقد البيئي".

وقد بقي هذا المفهوم هامدًا لبعض الوقت، حتى أيقظت "شيرل بورغيس غلوتفيلي" الاهتمام به مجددًا في أحد المشاريع، من خلال نشر دراسة استقصائية في هذا المجال، وهي التي قامت بتحريرها مع "هارولد فروم" تحت عنوان "مجموعة مختارة من النقد البيئي: أعلام في أدب علم البيئة" "1966م".

وفي عام 1992م، تأسَّست رابطةٌ لدراسة الأدب والبيئة "ASLE"، وكان لها مَجَلَّتها الخاصة، وكان لها أيضًا نشرة إخبارية، وموقع على الإنترنيت".[3]

ولا يَعْنِي هذا أن النقد البريطاني لم يهتمَّ بالطبيعة والبيئة، فثَمَّة دراسات إيكولوجية لمجموعة من النقَّاد، قد ركَّزت اهتمامها على الطبيعة بشكل من الأشكال ضمن منظورات نقدية متنوعة: بيئية، وثقافية، واجتماعية، وإعلامية، وسياسية، وتوجيهية... كالدراسات التي قام بها "روبرت ماكفارلين" في مجال النقد البيئي على سبيل التخصيص.

3- رواد النقد البيئي:
يمكن الحديث عن مجموعة من الأعلام النقدية التي اهتمت بالنقد البيئي، سواء أكان ذلك في بريطانيا أم في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بين هذه الأسماء نستحضر كلاًّ من: "روبرت ماكفارلين"، و"ويليام روكيرت"، و"شيرل بروغيس غلوتفيلي"، و"لورانس بويل"، و"غلين ألوف"، و"هارولد فروم"، و"لويزا ويستلنغ"، و"دافيد كارتر"، و"جريغوري جرارد"، وغيرهم

ويمكن الحديث عن رابطة متخصِّصة في نقد الإبداع البيئي، وهي رابطة لدراسة الأدب والبيئة "ASLE".[4]

وإذا أخذنا الكاتب الإنجليزي "روبرت ماكفارلين"، فقد كتب مقالةً تحت عنوان "حيثما تكون الأشياء البرية"، وقد نُشِرت في إحدى طبعات "الغارديان" بتاريخ: 30 يوليوز 2005م، وقد أظهرت: "الصفحة الأولى من باب المراجعة صورة له مع عنوان "مكتبة المناظر الطبيعية: روبرت ماكفارلين عن كلاسيكيات البيئة".

وفي هذه المقالة يجادل "ماكفارلين" بوجود منظور جديد عن الاهتمامات التي يجب على الأدب والدراسة الأدبية التركيز عليها.

وفي مقالة أخرى تسبق هذه المقالة اقترح "ماكفارلين" إقامة مكتبة من كلاسيكيات الكتابة الطبيعية من بريطانيا وإيرلندا، والعمل على نشرها، فهذه ستكون سلسلة من الكتابات المحلية التي ركَّزت على أماكن معينة، والتي عملت دائمًا على التفرد، وليس على التعميم مطلقًا".

فأي كتاب - من أجل أن يدرج - يجب أن يبرهن على الاعتقاد أنَّ مصير البشرية ومصير الطبيعة لا يتجزأان، ويجب أن تقترب من البيئة الطبيعية: ليس من منظور الإخضاع والاكتساب والاستخدام على المدى القصير، ولكن وفقًا لمبادئ ضبط النفس والمعاملة بالمثل.

وقد بدأ "ماكفارلين" أساسًا في عمليَّة إنشاء تراث أدبي؛ حيث يكون الأدب البريطاني واعيًا للإيكولوجيا، التي يمكن أن تستخدم أساسًا لهذا النهج البيئي في دراسة الأدب.[5]

هذا، وقد خصَّص "دافيد كارتر" النقد البيئي بفقرة مقتضبة داخل كتابه القيم "النظرية الأدبية"، ضمن فصل الاتجاهات الجديدة في مرحلة ما بعد الحداثة الأدبية والنقدية والثقافية.[6]
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]