عرض مشاركة واحدة
  #720  
قديم 06-08-2021, 08:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,160
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام - (1)
الحلقة (368)
تفسير سورة المائدة (1)


الله عز وجل هو خالق السماوات والأرض، وخالق الظلمات والنور، ومدبر الخلائق والأكوان، لا يكون شيء في السماوات أو في الأرض أو بينهما إلا بإذنه، وهو الذي خلق هذا الإنسان من طين، وعلم ما يختلج في صدره وما يتردد في فكره وسره، ومع ذلك تجد الجهال من خلقه يكفرون به سبحانه، ويعدلون به أصنافاً وأوثاناً لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً، فضلاً عن أن تملكه لغيرها، فسبحان من بيده الهدى والضلال.
بين يدي سورة الأنعام
القضايا العقدية المقررة في سورة الأنعام
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات، إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).
وها نحن الليلة مع فاتحة سورة الأنعام، سورة الأنعام من السبع الطوال، هذه السورة -معاشر المستمعين والمستمعات- زفَّها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون ألف ملك ولهم زجل وتسبيح.
هذه السورة المكية تقرر ثلاثة مبادئ:
أولاً: توحيد الله تعالى.
وثانياً: إثبات لقاء الله تعالى.
وثالثاً: رسالة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
توحيد الله، لقاء الله، تقرير النبوة المحمدية.
وهذه السورة لجلالتها وددنا لو أنها يحفظها كل مؤمن ومؤمنة، وخاصة طلاب العلم، سواء الذين يطلبون الصناعة أو الكيمياء، أو الطب، أو علم الفلك، حفظ هذه السورة خزينة من خزائن النور، صاحبها لا يضل بإذن الله تعالى.
فهيا ندرس هذه الآيات الثلاث منها:
تفسير قوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ...)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:1-3] من خير وشر.
السور المفتتحة بالحمد
معاشر المستمعين والمستمعات! السور التي افتتحت بحمد الله عز وجل في كتاب الله خمس: أولاها: الفاتحة. وثانيتها: الأنعام. وثالثتها: الكهف. ورابعتها: سبأ. وخامستها: فاطر.أول سورة في كتاب الله هي: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الفاتحة:2]، افتتح الله تعالى بها كتابه، فهي فاتحة الكتاب، ولا تصح صلاة بدون قراءتها.
والسورة الثانية الأنعام، وسميت بالأنعام لذكر لفظ الأنعام فيها أربع مرات، والأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم: الضأن والماعز، هذه هي الأنعام التي أحلها الله تعالى لنا.
معنى قوله تعالى: (الحمد لله)
فهذه السورة مفتتحة بكلمة: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )[الأنعام:1]، أي: المدح والثناء الجميل الحسن هو لله، الحمد: الثناء بالجميل، فالثناء الحسن هو حق الله عز وجل. و(أل) هنا للاستغراق، جميع المحامد هي حق الله عز وجل، هي لله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )[الأنعام:1] عز وجل.و(الله) هذا الاسم علم على ذات الرب عز وجل، كل ذاتٍ لها اسم تعرف به، حتى الإنسان والحيوان بل والنباتات، هذا عنب وهذا تفاح، والله جل جلاله بارئ النسم وخالق الخلق له اسم هو (الله)، وله تسعة وتسعون اسماً منها (الله)، ناده: يا ألله، ناده: (اللهم) وسل حاجتك، وارفع إليه شكواك، والله يسمع دعاءك أينما كنت ولو كنت في جوف سمكة بالبحر الأسود المظلم، يسمع صوتك، وقد سمع صوت يونس ذي النون عليه السلام وهو في ظلمة بطن الحوت، في ظلمة البحر، في ظلمة الليل، إذ قال تعالى عنه: ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )[الأنبياء:87]، إذ نادى في الظلمات: ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، ( لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )[الأنبياء:87] ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )[الأنبياء:88].
أبشروا يا من هم مؤمنون صادقون في إيمانهم، هذا وعد الله كما نجى يونس ينجي المؤمنين من ظلمات الجهل، من ظلمات الفقر، من أية ظلمة من الظلمات، ادع وارفع يديك إليه واسأل حيثما كنت فإنه قريب مجيب، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
(الحمد): الوصف بالجميل، الثناء الحسن، إذ كل جميل يليق بالله عز وجل، كل حسن الله أهله، كل ثناء بالطيب والخير هو لله عز وجل، ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )[الأنعام:1].
آداب مدح الناس وحمدهم
وهنا ألفت النظر إلى أننا لا يصح منا أن نحمد من ليس هو بأهل للحمد، وإلا كنا كاذبين، فلا يُحمد شيء إلا إذا كان له وصف جميل يستحق به الثناء والحمد، ومن حمد أو مدح وأثنى على من ليس لذلك بأهل فهو كاذب والعياذ بالله، وهذا الله عز وجل في هذه الفواتح الخمس يذكر الحمد له ويذكر سببه.الحمد لله لم؟ كيف؟ ( رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )[الفاتحة:2-4]، أما يحمد على هذا؟ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )[الأنعام:1]، أما يحمد على هذا؟ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا )[الكهف:1]، ( قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا )[الكهف:2]، كيف لا يحمد؟ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )[سبأ:1]، تحمد الذي له بعير أو شاة، فكيف بالذي له ما في السماوات والأرض؟ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )[فاطر:1]، وخالقها.
فمن هنا بيَّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم آداباً فزنا بها:
أولاً: لا نحمد إلا من كان أهلاً للحمد، وإذا حمدناه أو مدحناه فلا ينبغي أن نمدحه في وجهه، نذكره بالخير وهو غائب، أما أن نمدحه في وجهه فقد قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قطعت عنق صاحبك ).
وقد قررنا -والحمد لله والله شاهد- وبينا منذ عشرات السنين أنه حين يأخذ العرب يمدحون رئيسهم ويتبجحون ويحمدونه؛ لا يشعر حتى يطغى ويتجبر ويتكبر ويفعل العجب، ولفتنا النظر وقلنا: لا يصح هذا أبداً، الرسول صلى الله عليه وسلم ما أذن لصاحب أن يمدح رجلاً بين يديه، وقال: ( قطعت عنق صاحبك)، ولو شئنا لسمينا الزعماء الذين أضللناهم وألقيناهم في الضلال بسبب مدحنا وثنائنا وتبجحنا حتى طغوا، ومن أبسط ما يكون: طالب علم يشاهد ذكاءه أو فطنته أو حرصه فيأخذ في مدحه ينتكس، يرى نفسه أنه أعلم الناس، أذكى الناس، فيهبط من حيث لا يشعر.
إذاً: فالله عز وجل يحمد نفسه وهو أهل للحمد والثناء، ومع هذا يذكر علة ذلك الحمد وسببه، وحسبنا أن يعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أننا إذا مدحنا لا نغالي ونبالغ، ولا نمدح في وجه الشخص حتى لا يتأثر أو يصاب بمحنة، فنذكره بخير في حال غيبته لا مواجهة.
فها هو تعالى يحمد نفسه، ويذكر سبب ومقتضى هذا الحمد: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ )[الأنعام:1]، ما بنى قصراً أو سفينة، أو حرر إقليماً، أو غزا وانتصر على جيش، خلق السموات والأرض، ووالله ما كانا موجودين وأوجدهما، وأنت لا تدعى إلى غيب، بل ارفع رأسك إلى السماء تشاهد كواكبها ونجومها وهواءها وأمطارها وشهبها، ضع رأسك للأرض تشاهد هذه المخلوقات، من خلقها سوى الله؟ والله لا خالق إلا هو، ولم يوجد في البشرية من ادعى خلق كوكب من الكواكب، خلق السموات السبع والأرضين السبع أيضاً، وقد كان الله ولا شيء، لا سماوات ولا أرضون، وأوجدهما العزيز الجبار، أهذا لا يستحق الحمد؟ إذا لم يحمد هو فمن يحمد؟
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ )[الأنعام:1] فهذه الأجرام التي تشاهد ويلمس بعضها ويحس أوجدها الله عز وجل.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]