
02-08-2021, 05:05 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,181
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (50)
الحلقة (362)
تفسير سورة المائدة (57)
الحواريون هم أتباع موسى الذين آمنوا به ونصروه، وهم هنا يطلبون من عيسى عليه السلام آية تدلهم على صدق نبوته، شأنهم في ذلك شأن كل بني إسرائيل، فطلبوا منه أن يدعو ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء، لتكون عيداً لهم وآية دالة على وحدانية الله وعظمته، فاستجاب الله لهم وأنزلها عليهم؛ لكنه توعد من يكفر منهم بعدها فإنه سيعرض نفسه لعذاب لم يذقه أحد من قبل.
تفسير قوله تعالى: (وإذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ راجين أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة نودعها، فنحن في آخر آياتها، والسورة مدنية، مباركة، ميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ )[المائدة:112-115].
دلالة الأخبار القرآنية على صدق الرسالة المحمدية
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الأنباء، هذه الأخبار، هذه الأحاديث، هذه الأحداث من أين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يعرفها وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب وبلغ أربعين سنة ولم يعلم شيئاً؟إذاً: الإخبار بهذا والتحدث عنه في صدق دال دلالة قطعية على أن محمداً -والله- لرسول الله، وعلى اليهود والنصارى أن يؤمنوا، أن يصدقوا برسالته، ويدخلوا في ظل دينه لينجوا ويسعدوا، وإلا فهم خاسرون هالكون، يطلبون برهنة وتدليلاً على صدق نبوته، فهل يوجد دليل أكثر من هذا؟ من أعلمه؟ من حدثه بهذا؟ من كان حاضراً مع الحواريين وعيسى وهم يسألونه وهو يجيب؟ هذه وحدها تشهد أن محمداً رسول الله.
اذكر يا رسولنا ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ )[المائدة:112]، والحواريون: هم أصحاب عيسى، كأصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والعشرة المبشرين بالجنة وأهل بدر وأهل الإيمان والهجرة، الحواريون: جمع حواري، بمعنى: الناصر والمؤيد.
ماذا قال الحواريون؟ قالوا: ( يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )[المائدة:112]، نادوه باسمه العلم مضافاً إلى والدته مريم البتول العذراء بنت عمران، ومعنى مريم: الخادمة أو خادمة الله.
توجيه سؤال الحواريين عن استطاعة الله تعالى
قال الحواريون: ( يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ )[المائدة:112]، واحتار الصحابة والتابعون والمفسرون في توجيه هذه الجملة، كيف يقولون: ( هَلْ يَسْتَطِيعُ )[المائدة:112]؟ فهل الله عاجز وهو الذي خلق السماوات والأرض والجنة والنار والخلق كله، هل يقال: هل يستطيع أو لا يستطيع؟ ومن الأجوبة أن المراد من ( هَلْ يَسْتَطِيعُ )[المائدة:112]، أي: هل يطيعك فيما تطلب منه، كما تقول في الاستفعال: استخبرته، استنبأته هل يفعل؟ أي: طلبت منه أن يفعل كذا. استعملته أي: طلبت منه العلم، فـ(هل يستطيع) بمعنى: هل يطيعك الله فيما لو دعوته أن ينزل علينا مائدة من السماء، فلهذا قلنا معاني المفردات في الكتاب: ( هَلْ يَسْتَطِيعُ )[المائدة:112]، أي: هل يطيع ويرضى لو طلبت منه هذا؟
لأنه كيف يقولون لمن خلق السماوات والأرض والعوالم كلها: يقدر أو لا يقدر أن ينزل علينا مائدة، سفرة عليها خبز ولحم!
فمن توجيهات الصحابة والتابعين أن ( هَلْ يَسْتَطِيعُ )[المائدة:112]، بمعنى: أيطيعك إذا أنت دعوته وطلبت منه أن ينزل علينا مائدة؟
وقرئ: (هل تستطيع)، وهنا زال الإشكال، هل تستطيع أن تدعو ربك يا عيسى لينزل علينا مائدة من السماء، ولو كانت هذه القراءة قراءة مجمعاً عليها ما بقي إشكال، لكن القراءة التي عليها جمهور القراء هي: ( هَلْ يَسْتَطِيعُ )[المائدة:112].
وهنا شيء آخر أيضاً يصلح جواباً: وهو أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا من مكة مجاهدين يقاتلون المشركين في الطائف، ومروا بشجرة من السدر فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، كما قال قوم موسى لموسى: ( اجْعَل لَنَا إِلَهًا )[الأعراف:138]، بالأمس دخلوا في الإسلام وانتصر الإسلام وأضاءت الدنيا بنوره مشارقها ومغاربها ويقولون: اجعل لنا ذات أنواط! أي: شجرة نعلق بها رماحنا وسيوفنا ونتبرك بها لننتصر إذا قاتلنا! فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( سبحان الله! ما زدتم أن قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى: ( اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ )[الأعراف:138] )، لما نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق من البحر مشوا فإذا بقرية فيها من يعبد وثناً، فلما شاهدوا ذلك ( قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا )[الأعراف:138]، وهم مع موسى، فلا عجب أن يقول تلك المقالة لعيسى بعض أتباعه، وليس بشرط أن يكون الحواريون أنفسهم، بل من معهم من الجهلة ممن لم يعلموا بعد، يوجد بينهم من قال هذه الكلمة: ( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ )[المائدة:112]، ويؤيد هذا قوله لهم: ( اتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:112]، لو كان كلامهم ليس كفراً ولا محرماً لما قال لهم: اتقوا الله.
تذكير عيسى عليه السلام قومه بتقوى الله تعالى
إذاً: ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً )[المائدة:112]، ما هي المائدة؟ هي الخُوان، ويقال فيه: الخِوان أيضاً بالكسر والضم، وهو ما نسميه بالسفرة سواء كان عليها طعام أم لا. (أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ )[المائدة:112]، من فوق من الملكوت الأعلى، فعيسى عليه السلام تأثر وقال: ( اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )[المائدة:112]، فهذا القول ما يصدر عن المؤمنين، فكيف يصدر عنكم أنتم؟ ( اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )[المائدة:112] في قولكم: ( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ )[المائدة:112]، وهذا المقام واضح.
تفسير قوله تعالى: (قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ...)
فحاولوا أن يعتذروا فقالوا: ( نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا )[المائدة:113]، قلوبنا ما اطمأنت ولا سكنت لأمور الغيب، ومن ذلك رؤيتهم لله عز وجل ودار السلام وما فيها ودار الشقاء وما فيها، هذه كلها من الإيمان، والرؤية لذلك تسكن بها القلوب وتطمئن النفوس، وهذا إبراهيم الخليل عليه السلام قال: ( أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي )[البقرة:260]، هل كان إبراهيم يشك في أن الله يحيي الموتى؟ لا والله، وهو يشاهد الإحياء يومياً في المخلوقات، ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى )[البقرة:260]، أنا مؤمن، ( وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي )[البقرة:260]، فالمشاهدة أقوى تأثير من التصديق بالقلب، فأنت تسمع بالمسجد النبوي وأنت في الهند أو في اليابان، وهذا سماع ما هو بيقين، لكن كونك فيه أعظم ما بقي ارتياب أو شك.
إذاً: فأمر الله تعالى إبراهيم أن يأتي بطير ويذبحه ويوزع اللحوم ويناديها فتأتيه، ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[البقرة:260]، وفعل إبراهيم.
إذاً: ( قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا )[المائدة:113] في إخبارك أنك نبي الله ورسوله وأنك تبلغ عنه، ( وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ )[المائدة:113] على تلك المائدة ونحدث بها من بلغنا ومن سيبلغنا فيزداد إيمان المؤمنين.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|