عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 25-07-2021, 05:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,120
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (45)
الحلقة (456)
تفسير سورة المائدة (51)


حذر الله عز وجل عباده المؤمنين أيما تحذير من السؤال عما لم ينزل القرآن ببيانه؛ لأن هذا السؤال فيه إحفاء للرسول صلى الله عليه وسلم وأذية له، وبين سبحانه أن من كان قبلهم تكلفوا مثل هذه الأسئلة فكلفهم الله عز وجل ما يشق عليهم جزاء تعنتهم، فأصبحوا كافرين بها عندما تركوا العمل بها، وهذا حال كل من يتكلف ويسأل فيما لم يفرض عليه.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وما زلنا مع سورة المائدة المدنية، المباركة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ * مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ )[المائدة:101-104].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا نداء الرحمن لأهل الإيمان، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:101]، لبيك اللهم لبيك، سمعاً وطاعة، مر نفعل، انه ننته، أدب نتأدب، انصح نقبل النصيحة، نحن مستعدون؛ لكمال حياتنا، لأن المؤمن الحق الصادق الإيمان حي يسمع ويبصر ويعي ويفهم ويأخذ ويعطي، بخلاف الكافر فإنه ميت، لا يسمع النداء ولا يجيب.
حادثة نزول الآية الكريمة
هنا نادانا لينهانا عن أشياء، فنقول: انتهينا ربنا. قال تعالى: ( لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )[المائدة:101]، هذا لما أكثر المؤمنون من سؤال الرسول وأحرجوه وأتعبوه، وكان الباب مفتوحاً قبل نزول هذه الآية، فتألم وقام خطيباً وقال: ( لا تسألونني عن شيء إلا أجبتكم عنه. فسألوه، وقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: أبوك حذافة )، ولما سمعت أمه غضبت غضباً شديداً، وقالت: أرأيت يا ولدي لو كان نسبك إلى غير أبيك، ماذا يكون حالي وموقفي بين الناس؟ وحمل الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة على هذا السؤال أنه كان إذا تلاوم مع أحد الأصحاب -أي: عذله-فكأنه ينسبه إلى غير أبيه، وهذا في الجاهلية ليس في الإسلام، فأراد التأكد من صحة نسبته إلى أبيه، فسأل وما كان من حقه أن يسأل.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فقام رجل فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت الرسول، حتى أعادها ثلاث مرات، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم )، وفي لفظ: ( ولكفرتم )، ومعنى هذا: أن الله أدب المؤمنين مع رسولهم ومع علمائهم، لا يحل لنا الأسئلة التي فيها تعنت وتقعر ولا تجدي ولا ثمر، هذه الأسئلة محرمة بهذا النص: ( لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ )[المائدة:101] وترى ( تَسُؤْكُمْ )[المائدة:101].
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها )، وفي الحديث الصحيح: ( نهاكم عن ثلاث، منها: كثرة السؤال )
وكثرة الأسئلة وطرحها لا توجد أبداً خيراً ولا تثمر خيراً، فمتى نسأل؟ نسأل عند الحاجة، لنريد أن نعلم ما حرم الله علي أو ما أوجب علي.

تأديب المؤمنين بأمرهم بترك السؤال عما لا ينفع
والآداب المحمدية منها قوله: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، فالذي لا يعنيك بمعنى: لا أنت تريد أن تقوم به وتفعله، ولا أنت تريد أن تتخلى عنه وتتركه، فلم تسأل عنه؟ ولهذا أدبنا الله عز وجل بهذه الآية: ( لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )[المائدة:101]، فلو قال الرسول: نعم لوجب الحج كل سنة، ومن يحج كل عام؟ لو قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن حذافة: أبوك فلان فكيف تكون حاله وحال أمه وأسرته؟ فما دام قد بين الله ما أحل لنا وما حرم فلا حاجة أبداً إلى التعنت والسؤال، ما أحله حلال وما حرمه حرام وما سكت عنه فهو رحمة منه لنا، لا نتعب أنفسنا ولا نشقيها.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ )[المائدة:101]، الآن ما بقي القرآن ينزل، وانتهت تلك الأزمة الأولى، لكن بقينا على مبدأ الآداب الإسلامية والأخلاق النبوية، إذا كنت في حاجة إلى مسألة فاسأل، وإذا ما كنت في حاجة إلى أن تعرف حكمها، أو ما أنت بفاعل ولا تارك فلم تسأل؟ وكثرة السؤال ممنوعة مطلقاً حتى في المال، فالمحتاج أيضاً لا ينبغي أن يلح في أسئلته: أعطوني واكفوني وافعلوا بي، تسأل مرة واحدة؛ لأن هذا أدب عام خالد بخلود هذه الأمة والقرآن الكريم.
(وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ )[المائدة:101] فلا بأس، تنزل الآية ويبين الرسول الحكم، ولكن الله عفا عما سلف مما سألتم، ( وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ )[المائدة:101]، فلهذا ما آخذهم ولا عذبهم، غفر لهم وحلم عليهم فلم يعذبهم.
تفسير قوله تعالى: (قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين)
ثم قال لهم: ( قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ )[المائدة:102]، أسئلة تعنت هذه، من بينها أسئلة اليهود، أما قالوا لموسى عليه السلام: ( أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً )[النساء:153] ننظر إليه، وهل هذا السؤال يطلبه إنسان؟يسمعون كلامه وهو يناجيه بجبل الطور وهم سبعون شخصاً معه أو ستون، ولما سمعوا الكلام قالوا: نريد أن نرى وجه ربنا، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون.
وقوم صالح في شمال الحجاز قالوا: يا صالح! لتدلل على نبوتك ورسالتك؛ أخرج لنا من هذا الجبل ناقة. وقام يصلي ودعا الله، فانشق الجبل وخرجت الناقة، فما هي النهاية؟ حاولوا عقرها وقتلوها، وكانت النهاية أن دمرهم الله دماراً كاملاً، نتيجة أنهم يسالون عن أشياء ما هم أهلاً لها.
وأصحاب عيسى قالوا: هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ فأنزلها الله واشترط أن من كفر بعدها يعذبه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، وهكذا، فالتعنت والأسئلة التي لا تجدي وتثير الفتن والمتاعب والمشاغب -والله- لا تجوز إن تأدبنا بآداب ربنا ورسولنا.
فلا نسأل عالماً ذا علم إلا عن مسألة أنا في حاجة إلى معرفتها، أيحل لي هذا أو لا يحل، أيجب أن نفعل هذا أو نتركه، في هذه الحدود، أما سؤال التنطع والتقعر فهذا منهي عنه ومكروه ولا يجوز وفيه أذية، فتسأل على قدر حاجتك، فإذا كنت جائعاً تسأل طعاماً، إذا أكلت وشبعت فلا تسأل مرة ثانية، أنت ظمآن فاسأل على قدر ظمئك، أنت عار تريد كسوة تستر عورتك تسأل بقدر حاجتك، وهذا هو حال المؤمنين في كل حياتهم، ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، فالذي ما يعنيك ولا تنتفع به ولا يضرك لا تسأل عنه، وهذه المحنة يتخبط فيها المسلمون منذ قرون شرقاً وغرباً، أكثر الفتن والمتاعب والمصاعب ناتجة عن هذه.
تفسير قوله تعالى: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ...)
وفي الآية الثانية قال تعالى: ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ )[المائدة:103]، أي: ما سن الله بحيرة ولا سائبة ولا شرع هذا ولا سنه أبداً، هذا من فعل المشركين الكافرين، ولا شك أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن هذه الأربع، فأخبر تعالى أنه: ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ )[المائدة:103]، فما البحيرة؟ وما السائبة؟ وما الوصيلة؟ وما الحامي؟ هذه ابتدأت يوم ضعفت الديانة الإسماعيلية، فهذا عمرو بن لحي الخزاعي ذهب إلى الشام، فوجد العمالقة يعبدون الأصنام، فسأل أن يعطوه صنماً يأخذه إلى الحجاز، إلى الجزيرة؛ ليعبدوه، فهو أول من جاء بالأصنام، وجاء بهبل، هو الذي جاء به من الشام ووضعه عند البيت، ولهذا رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في النار يجر قصبه -أمعاءه ومصارينه- ممزقة وهو يسحبها في النار، هذا أول من أحدث الشرك في الجزيرة: عمرو بن لحي الخزاعي.
فالبحيرة: من بحر الشيء: بقرة أو ناقة تشق وتبحر أذنها وتعلم أنها للآلهة، وأنها يتوسل بها ويستشفع بها إلى الله، وتترك فلا تركب ولا تذبح ولا يؤكل منها.
والسائبة: التي تسيب للآلهة وتترك، لا يؤخذ وبرها ولا صوفها ولا حليبها ولا تؤكل.
والوصيلة: التي تلد أول ما تلد أثنى، أو تصل أنثى بذكر بحسب ترتيباتهم، هذه الوصيلة أيضاً تترك للآلهة.
والحامي بمعنى: المحمي، الجمل الذي بلغ كذا يحمونه للآلهة فلا يركبون عليه ولا يبيعونه ولا يأكلون لحمه، يتركونه للآلهة يتقربون به إلى الله عز وجل.
فلما سئل الرسول أجاب الرحمن عز وجل: ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ )[المائدة:103]، أبداً ما سن هذا ولا شرعه ولا قرره، هذا من عمل الجاهلية، ( وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ )[المائدة:103]، نسبوا هذا إلى الله كذباً عليه والله ما جعل هذا.
وإذا نظرنا إلى واقع العالم الإسلامي منذ أكثر من ألف سنة نجد لهذا نظائر في قباب وأشجار ومعابد، كل هذا يدعون أنهم يتوسلون به إلى الله، ويستشفعون به إلى الله، والله ما شرعه ولا أمر به ولا جاء الرسول به أبداً، القباب تضرب وتبنى وينزل تحتها من ينزل يحرسها ويحميها، ويأتي نساؤنا ورجالنا يتبركون ويتمرغون ويدفعون مقابل ذلك نقوداً في يد هذا القائم على الضريح، كل هذا من زينه؟ الشيطان الذي يريد أن يضل الإنسان ولا يهتدي، وشجرة -والله- يعكفون عليها ويعبدونها.
إذاً: عرفنا أن هذا من الشيطان، ( وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:103]، من أين لهم العقل؟ كلهم لا يعقلون إلا ما شاء الله، الذي يفتري الكذب ويختلقه على الله هل هذا مؤمن؟ هل يستحق كرامة؟ تكذب على من؟ على الله فتقول: أحل الله والله ما أحل، وتقول: حرم الله والله ما حرم!

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]