عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17-07-2021, 05:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,160
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (44)
الحلقة (455)
تفسير سورة المائدة (50)

امتن الله عز وجل على العرب في الجاهلية أن وفر لهم الأمن والرخاء في ديارهم وخاصة سكان الحرم من قبائل قريش، وذلك بسبب وجود البيت الحرام، والأشهر الحرم، والهدي، والقلائد، والتي كانت تقوم مقام السلطان عند العرب، وتذكير العرب بهذه الفضائل والخصائص ليعلموا أن الله عليم بكل ما ينفع عباده ويصلح أحوالهم، سواء قبل إرسال الرسل أو بعده، وأنه حين يرسل الرسل فإنما يرسلهم لتبليغ الناس مراد الله عز وجل وأمره.

تفسير قوله تعالى: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليلة التي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم لنا هذا الفضل يا ذا الفضل العظيم.
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، ومع هذه الآيات الأربع، فهيا نتلوها وندبر ونتفكر ثم نأخذ في شرحها وبينان مراد ربنا تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ )[المائدة:97]، أربعة، ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ * قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:97-100]، (لَعَلَّكُمْ): هذه (لعل) الإعدادية، يعدكم للفلاح.
تعريف الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد

قول ربنا: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ )[المائدة:97]، ما هي الكعبة؟ البيت الحرام. لم سميت كعبة؟ لأن العرب يسمون البناء المربع: كعبة، مع النتوء والعلو ككعب الرجل لنتوئه وظهوره، فهي كعبة لكونها مربعة البناء، وهي كعبة لكونها ناتئة وظاهرة، وقد تقدم لنا الحرم، والكعبة هي أصله، فكل ما حولها -حوالي عشرين كيلو متر غرباً وثلاثين شرقاً-كلها حرم، وهي بيت حرام لا يحل فيها باطل ولا منكر ولا ضلال ولا فساد ولا شر.(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا )[المائدة:97]، قياماً وقواماً بمعنى واحد، من قام يقوم، أي: حياة أهل مكة قائمة على أساس البيت؛ لأنه يحج ويعتمر ويأتيه الناس من الشرق والغرب، فبذلك فاز ساكنو الحرم بهذه المكرمة؛ لأنهم والوا الله في بيته، إذاً: فهو هيأ لهم سبل عيشهم ورغدهم فيه، ( قِيَامًا لِلنَّاسِ )[المائدة:97]، الذين يسكنون في الحرم، ولم يتركوا بيت الله عز وجل يعبث به العابثون أو يفسد فيه المفسدون.
(وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ )[المائدة:97] كذلك، أي: وجعل الشهر الحرام حراماً، والشهر: اسم جنس، والمراد به هنا الأشهر الأربعة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، هذه هي الأشهر الحرم، أشهر السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ثلاثة متواليات والرابع فرد، أو ثلاثة سرد والرابع فرد، والرابع هذا هو أعظم الشهور عند العرب، ويقال فيه: شهر مضر، ويقال فيه: شهر الأصم والأصب، أما كونه موصوفاً بالأصم؛ فلأنه إذا أهل هلاله لم تسمع صوتاً للسلاح، قعقعة السلاح تنتهي، فهو أصم، يعظمونه أكثر من الأشهر الأخرى، إذا أهل هلال رجب ما بقي واحد يخرج سيفه من غمده، وكونه الأصب؛ لأن الخير يصب فيه صباً، ويقال فيه: شهر الله أيضاً، هذه الثلاثة الأشهر الأربعة هي المراد من قوله تعالى: ( وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ )[المائدة:97]، من جعلها حراماً؟ الله. لماذا؟ لصالح أهل الحرم.
(وَالْهَدْيَ )[المائدة:97]، ما يهدى لبيت الله من شرق الجزيرة، من غربها، من شمالها، من جنوبها، يهدون الإبل والبقر والغنم يتوسلون بذلك إلى الله ويتقربون إليه، وإن كانوا لا يعرفونه معرفة حقيقة، لكن هكذا غرز الله في قلوبهم؛ لحكمة أرادها؛ ليعيش أهل الحرم في سعادة.
(وَالْقَلائِدَ )[المائدة:97]، جمع: قلادة، والقلادة أن تأخذ قشرة من شجر الحرم وتعلقها في عنقك أو في يدك وتمشي إلى البحرين، ما إن يرى الرجل القشرة في يدك حتى يبتعد عنك، وكذلك بعيرك، ناقتك تخاف أن تسلب في الطريق فعلق عليها قلادة وامش، كل من يراها يهاب، يخاف، من طبع القلوب على هذا؟ لا يقوى على هذا إلا الله: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ )[المائدة:97]، الكل قيام للناس، والمراد من الناس: سكان الحرم، وهذه من أعظم الآيات الدالة على وجود الله، على علم الله، على حكمة الله، على رحمة الله، على قدرة الله، وهذه هي صفات الكمال التي هي صفات الرب تبارك وتعالى. هذا معنى قوله جل ذكره: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ )[المائدة:97] .
معنى قوله تعالى: (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ...)
ثم قال تعالى: ( ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[المائدة:97]، ( ذَلِكَ )[المائدة:97] فعلناه من جعل الشهر الحرام والهدي والقلائد والبيت من أجل أن تعلموا ( أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )[المائدة:97]، فلا يخفى عليه في العوالم العلوية والسفلية شيء، ومعنى هذا: راقبوه، واحذر أن يشاهدك على معصيته، أو يراك على فسق من فسوق الناس وفجورهم، ومعنى هذا: آمنوا به واتقوا؛ لأنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض، وهو بكل شيء دق أو جل، صغر أو كبر، في أي مكان عليم، وكيف لا وهو خالقه؟ هو موجده فكيف لا يعلمه؟! هذا الذي يربي في النفس مخافة الله عز وجل، ويصبح الرجل أو المرأة دائماً يراقب الله، ما يستطيع أن يخرج عن طاعته ولو بكلمة، هذا هو التعليل الكريم: ( ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا )[المائدة:97]، أي: فعلنا ذلك ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[المائدة:97]، دق أو جل، عظم أو صغر، كون المرء يسترق نظرة والله يعلمها، ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )[غافر:19]، أحياناً العين تريد أن تخون فتنظر إلى امرأة إلى جنبك أو أمامك فيعلم ذلك ربنا عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم)
وقال بعد ذلك: ( اعْلَمُوا )[المائدة:98] يا عباد الله علماً يقنياً، ماذا نعلم؟ ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[المائدة:98]، هذا الرب العظيم، الذي خلق هذا الخلق وأدار الكون بهذه الصورة، اعلموا أنه شديد العقاب، عقابه إذا عاقب شديد ما يقدر عليه ولا يطاق، والعقاب هو العذاب المترتب على الجريمة، كالذي يأخذ من عقبه؛ إذ لا يأتي العذاب إلا بعد الجريمة، ( اعْلَمُوا )[المائدة:98]، علماً يقينياً، ( أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[المائدة:98]، إذا عاقب الأمة أو الفرد أو الجماعة فعقابه شديد. هذه واحدة.والثانية: ( وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:98]، أي: إن تبتم ورجعتم إليه بعد عصيانه والفسق عن أمره تجدوه غفوراً رحيماً، وهاتان الصفتان لا توجدان إلا لله، قوة وشدة ومعفرة ورحمة، وهذا ما يعرف بالموعظة بالترغيب والترهيب، رهبنا بكلمة: ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[المائدة:98]، ورغبنا بقوله: ( وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:98]، غفور لمن تاب، بهذا القيد، لا تفهم أبداً أن شخصاً يستمر على فسقه وفجوره ويموت على ذلك ويغفر له، لا يغفر إلا لمن تاب فقط، أما إذا دخل النار ومكث فيها أحقاباً واحترق فذاك شيء ثان، فأهل التوحيد لا يخلدون في النار.
إذاً: الترغيب بقوله: ( وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:98]، والترهيب في قوله: ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[المائدة:98].
تفسير قوله تعالى: (ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون)
قال تعالى: ( مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ )[المائدة:99]، ما على الرسول إلا أن يبلغ في بيان واضح تصل كلماته إلى النفوس من البلاغة، تبلغ كلماته الطيبة الحكيمة نفوس الناس في صورة حسنة، هذه مهمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا يغني ولا يفقر، لا يمرض ولا يصح، لا يعطي ولا يمنع، مهمته أن يبلغ فمن أجاب البلاغ وسار في مسلك الصالحين نجا، ومن تكبر وأعرض هلك، والرسول ليس مسئولاً عنه، ( مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ )[المائدة:99]، أي: التبليغ، يبلغ ماذا؟ ما أمر الله أن يحدث به الناس ويبلغه للناس، هذا فرض وهذا واجب، هذا حلال وهذا حرام، آمنوا بربكم وتقربوا إليه وتزلفوا بطاعته، هذا الذي يبلغ، أما المعاقبة والجزاء فبيد الله عز وجل، وفي هذا تخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بشر قد يحمل هماً لإعراض الناس وعدم استجابتهم وعدم هدايتهم وإقبالهم على الله، فخفف الله عنه وبين له: أن مهمتك أن تبين فقط، لا أن تهدي الناس، لا تملك هداية القلوب.(مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ )[المائدة:99]، (تُبْدُونَ): أبدى الشيء يبديه: إذا أظهره وأعلنه، وكتمه: إذا أخفاه وجحده، فالرسول مهمته البلاغ، ونحن الذين قد بلغنا الله يعلم حالنا في الظاهر والباطن، ما نعلنه ونظهره يعلمه ويحاسبنا به ويعطينا على قدره، وما نكتمه كذلك لا يخفى عليه، فهو يحاسبنا على الظاهر والباطن، ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ )[المائدة:99]، أي: ما تظهرون من أقوال أو أعمال، ( وَمَا تَكْتُمُونَ )[المائدة:99] أيضاً من نيات واعتقادات.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]