عرض مشاركة واحدة
  #676  
قديم 17-07-2021, 04:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,012
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (40)
الحلقة (351)
تفسير سورة المائدة (46)

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون .. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة ومع الثلاث الآيات التي تدارسنا بعضها بالأمس.
وإليكم تلاوتها مرة أخرى، وتأملوا يفتح الله عليكم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:87-89].
شرف المؤمنين بنداء الإيمان
أولاً: أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن نداء الله للمؤمنين بعنوان الإيمان فيه شرف لهم عظيم، إذ تأهلوا لأن يناديهم الرب تبارك وتعالى، وهذه فضيلة الإيمان، لولا إيمانهم الصادق الحق الصحيح ما تأهلوا لأن يناديهم، كان سيقول لرسوله: قل لهم، كما قال تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ )[الأعراف:158]، ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )[الكافرون:1]، أما الله فيتنزه أن ينادي المشركين والهابطين من بني الناس، ولكن ينادي الأحياء، فمن هنا عرفنا أن الإيمان الحق بمثابة الروح، المؤمن حي والكافر ميت، وبرهنا ودللنا على أن أهل الذمة في ديارنا نحن -المسلمين- لا نكلفهم بصيام ولا صلاة ولا جهاد ولا رباط ولا زكاة؛ لأنهم كالأموات، يوم يحيون بـ(أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) مرهم يفعلوا، وانههم يتركوا؛ لكمال حياتهم.
حادثة نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، نادانا هنا ليقول ناهياً مانعاً لنا من أن نحرم ما أحل الله لنا: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]. ذكروا أن لهذه الآية سبباً في نزولها، والقرآن ما نزل دفعة واحدة، نزل في خلال ثلاث وعشرين سنة، بحسب متطلبات الأمة، كلما جد أمر نزل قرآن يبين الحكم فيه.
وعظ الحبيب صلى الله عليه وسلم رجاله موعظة رقت لها القلوب، فقام عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون رضي الله عنهما وآخر، وجاءوا إلى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق ، عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وسألوها عن قيام الرسول في الليل؟ فقالت: كان يقوم وينام. فقال أحدهم: أما أنا فلا أنام بعد اليوم، أحيي الليل كله؛ لأن الرسول مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسألوها عن صيام الرسول؟ فقالت: كان يصوم ويفطر. فقال أحدهم: إذاً سأصوم الدهر ولا أفطر. وسألوها: هل كان يأتي النساء؟ قالت: نعم، فقال أحدهم: إذاً: أنا لن آتي النساء أبداً. رغبة منهم في حب الله وولايته، رغبة منهم في الانقطاع إلى الله.
وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقام خطيباً وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فسد باب الرهبنة التي يعيش عليها النصارى، يحرمون على أنفسهم ما أحل الله لهم، ونزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87].
فالنوم طيب يحتاج إليه الآدمي فكيف تحرمه على نفسك؟ وإتيان النساء مشروع وفيه خير، ومما أباح الله وأذن فيه ورغب فيه، فكيف تحرمه أنت على نفسك؟ والصيام ضده الإفطار، فالإفطار يقوي البدن ويزيد في طاقته لينهض بتكاليف الله ومستلزمات هذه الحياة، فكيف تحرم الإفطار لتصوم أبداً؟
وقال لهم: ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، بينت لكم أن الذي يحرم أو يحلل بدون الله اعتدى على الله، فمن الذي له الحق أن يحرم أو يبيح؟ إنه المالك العالم بمصائر الأمور، أما الجاهل الذي لا يملك فكيف يحرم أو يحلل، بأي حق؟
(وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، والاعتداء: مجاوزة الحد، قد يكون بينك وبين أخيك بسبه أو شتمه أو انتهاك عرضه أو أخذ ماله، قد يكون بينك وبين نفسك تلزمها بصيام الدهر أو بقيام الليل بدون نوم أو بحرمانها من النساء وإنجاب البنين والبنات، هذا اعتداء على نفسك، واعتداء على الله؛ لأن الله هو المشرع لحكمته وعلمه ورحمته، فلا يصح لآدمي أن يحلل أو يحرم، وإنما الذي يحرم ويحلل هو الله عز وجل، أولاً: لأنه المالك، ثانياً: لأنه العليم بالمنافع والمضار، ثالثاً: لأنه رحيم بأوليائه وعباده، فلا يحرم عليهم طيبات ينتفعون بها.
أمر المؤمنين بأكل الحلال الطيب وتقوى الله تعالى
ثم قال لهم ولنا: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ )[المائدة:88] حال كونه ( حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، فليس الحرام برزق ولا تقل: هذا رزق رزقنيه الله وهو جيفة أو مال مغصوب أو مال ربا.ثانياً: أن يكون طيباً غير مستخبث ولا مستقذر؛ لأنه يسبب مرضك وانحطاط قوتك، فلا بد أن يكون المطعوم والمأكول أولاً مما أذن الله به، والله لم يأذن في مال الربا ولا في مال التلصص ولا السرقة ولا الخيانة أبداً، ولا مال المؤمنين، فما أذن فيه لا بد أن يكون مما أحل الله، ثانياً: أن يكون طيباً ليس بمستقذر ولا مستخبث بحيث تشمئز منه النفس أو يسبب مرضاً للإنسان، هذه مظاهر ربوبية الله ورحمته بعباده.
ثم قال لنا: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:88]، أي: خافوه، نتقي الله بأي شيء؟ يتقى الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر والنواهي، فيما أمر الله بفعله أو قوله أو اعتقاده، وفيما نهى الله عن اعتقاده أو قوله أو عمله، ومن هنا وجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أوامر الله بالضبط، ونواهيه كذلك، وإلا فلن يستطيع أن يتقي الله، لا يمكن أن تتحقق تقوى الله للعبد وهو ما عرف أوامره ولا نواهيه، ومن هنا قلنا: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس شرطاً أن يكون هناك قرطاس وقلم، وإنما تسأل بلسانك وتطبق بجوارحك يوماً بعد يوم؛ لقول الله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من كان لا يعلم أوامر الله أو نواهيه يجب عليه أن يسأل العلماء.
تفسير قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ...)
لما عرف أولئك الأصحاب رضوان الله عليهم وقد حلف أحدهم أن لا يأتي النساء وآخر أن لا ينام وثالث أن لا يأكل، وارتبكوا ماذا يصنعون في أيمانهم التي حلفوها؛ فرج الله عنهم وأنزل الآية الثانية فبين فيها كيف الخروج من اليمين، وهذا عام لكل مؤمن ومؤمنة، اسمع ما قال تعالى: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظ هذه الآية، هذه مادة من قانون الحياة ودستور دخول الجنة: (
لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ )[المائدة:89]، بماذا؟ ( بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، والأيمان: جمع يمين.
أنواع اليمين وأحكامها
وهنا الأيمان خمس ممكن أن نحصيها ونحفظها، لو كانت تتعلق بالتجارة والبيع لحفظت، لكن هذه علمية ربانية لا يحفظها إلا ولي الله، فكونوا أولياء الله، وليقل أحدكم: لن أبرح مكاني حتى أعرفها.أولاً: لغو اليمين، أن يحلف أحدنا على شيء يظنه كذا فيتبين أنه خلاف ما ظن، يا فلان! ناولني عشرة ريالات. فيقول: والله ما عندي يا شيخ الآن معتقداً ذلك، ثم أدخل يده في جيبه فوجد عشرة ريالات، فهل يؤاخذ على هذه اليمين؟
أو قيل له: أين إبراهيم؟! فقال: والله! إنه في المنزل؛ لأنه تركه في المنزل، وتبين أنه في السوق أو في المسجد، فهذه لغو يمين لا إثم فيها ولا كفارة.
الثانية: أن يجري على لسانك ما لا تقصد به اليمين، كأن يقال لك: نحن في أي ساعة؟ فتقول: في الساعة السابعة والله، أو هل جاء فلان؟ فتقول: بلى والله جاء، يجري على لسانه الحلف وهو لا يقصده ولا يريده، تعود الحلف فأصبح يجري على لسانه ولا يقصده، هذه أيضاً لغو يمين، ولا إثم فيها ولا كفارة عليها، إذ الكفارة لمحو الإثم، فما دام لا إثم فلا كفارة، فهاتان يمينان من لغو اليمين:
الأولى: أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيتبين خلافه.
والثانية: أن يجري على لسانه الحلف وهو لا يقصده ولا يريده.
ويمينان تجب فيهما الكفارة، الأولى: أن يقول: والله! لا أمشي معك، أو: والله! لا أعطيك بعد اليوم درهماً ولم يقل: إن شاء الله، فهذا نسي الله بالمرة، نسي أن الذي يعطي أو يمنع هو الله، وأن ما يريده الله فسيكون، فكان المفروض أن نقول: والله! لا أصاحبك بعد اليوم إلا أن يشاء الله، فالذي يحلف ألا يفعل أو يحلف أن يفعل ثم يحنث تجب عليه الكفارة.
هذه الصيغة الأولى: أن يقول: والله! لا أكلمك بعد اليوم، كما قال الصحابي: والله! لا آتي النساء بعد اليوم .
الصيغة الثانية: أن يقول: والله! لتفعلن كذا يلزمك، ولم يقل: إن شاء الله، فلما نسي مشيئة الله، وغفل عن قدرة الله وأنه لا يقع في الكون إلا ما أراد الله تلطخت نفسه بالإثم لنسيانه الله، فبم يزال هذا؟ بمادة معينة وضعها الحليم العليم، فهاتان يمينان تجب فيهما الكفارة؛ لأن فيهما الإثم، ما سبب الإثم؟ أنك تقول: والله لأفعلن ونسيت أن تقول: إلا أن يشاء الله، وإذا لم يشأ الله فهل ستفعل أنت؟ أنت لا تتحرك إلا بإذن الله.
أو أن تقول لآخر: والله لتفعلن كذا. وهل أنت تقدر على أن تلزمه وتجبره إذا لم يشأ الله؟ هاتان اليمينان فيهما كفارة.
اليمين الخامسة تسمى باليمين الغموس، من: غمسه ويغمسه في الماء، أو غمس رأسه في الطين، اليمين الغموس: هي التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في جهنم، تغمسه أولاً في أوضار وأوساخ الذنوب والآثام، وبذلك يستحق دار البوار ودار النار، وأعيذكم بالله أن تحلفوها، اليمين الغموس فسرها الحبيب صلى الله عليه وسلم بأن يحلف أحدنا كاذباً ليأخذ مال أخيه أو ليمزق عرضه أو ينال دمه، وهي اليمين التي يتعمدها الحالف وهو يعلم أنه كاذب ليتوصل إلى تحقيق غرض من أغراضه الهابطة.
هذه اليمين الغموس اختلف أهل العلم: هل فيها كفارة؟ فمالك وجماعات قالوا: هذه لا تكفر بشيء أبداً لا بالصيام ولا بالعتق، لا تكفر إلا بالتوبة النصوح وإرجاع الحق لأهله، يأتي ويقول: يا فلان! حلفت كاذباً لآخذ من مالك، وأتوب إلى الله فخذ مالك الذي أخذت منك، ومع هذا فالأحسن أن يضيف إلى التوبة الكفارة لتطمئن نفسه.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]