عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-07-2021, 01:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,569
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كفالة طلبة العلم وواجب الأمة في إعداد العلماء

فكثيرٌ من طلبة العلم، مع ذكائِه، وقُدرته على التَّحصيل العلمي، ونبوغه، وظهور أمارات الفطنة عليه، يُعاني الحاجة والفقْر الَّذي لم يقتصر على النَّيل ممَّا يقيم به صُلبه، ولكن تعدَّى إلى أن يَمنعه من شراء سلاحه الَّذي يجاهد به، ألا وهو "الكتب"، فطالب العلم حاجتُه إلى الكتب أشدّ من حاجته إلى الطَّعام والشَّراب، فطالب العلم الآن لو أراد أن يصنع مكتبةً تَحتوى على الأصول فقط من الكتب المختلفة في علوم الشَّريعة لاحتاج إلى الآلاف، فإن ذهب في جَمعها ذهب معه العلمُ، وأكبَّت عليه الدنيا، وأجْلَبَتْ عليه بخيلها ورَجلها، فنفقد طالبًا طالبًا حتَّى لا يبقى لنا عالمٌ؛ لاشتغال العلماء بالسَّعي في طلب الرزق، وتُنتهك ثغورنا، وتُكشف عوراتُنا، ويُعبث بديننا؛ بسبب عجْز الأمة عن رصد الميزانيَّات التي بها تجهز كتائب العُلماء، مثلما تنفق المليارات لتجْهيز الجيوش العسكريَّة المعطلة عن العمل، فلا جهاد دفْع ولا جهاد طلب، ألَيس طلبة العلم والعُلماء أحقَّ بميزانية ماليَّة تقوم على سدِّ حاجتِهم وحاجات أسرهم وشراء ما يحتاجون إليه من الكتب والمراجع؟



أليس طلبة العِلْم والعلماء أحقَّ بالمساندة والمعاونة لنُصْرة دين الله تعالى، بدلاً من إنْفاق الأموال على ما لا يَعود على الأمَّة بالنَّفع؟



فكم من الأموال تُنفق في اللَّهو والمعاصي وما يضادّ شريعة الله تعالى، وكَم من الأموال تُبْذَل في الفساد الَّذي لا يُرضي الله - تعالى - ولا يُرضي رسوله.



بل إنَّهم في الغرْب يفرغون العُلماء والباحثين لأعمال البحث والتَّجربة، مقدّمين لهم كل العون المادّي والمعنوي في الأمور الدنيوية.



بل كَم من الأموال تُبْذل في المباحات الَّتي قد يستغني عنها المسلم ويوجّهها إلى نصرة دين الله تعالى.



وقد يتعجَّب بعض القرَّاء من هذا الكلام بناءً على أنَّ الدّول التي ينتسبون لها تُخصّص قدرًا من الدَّعم للعلم والعلماء وطباعة الكتُب وتوزيعها على العلماء وطلبة العلم، ووالله هنيئًا لهم الأجر والثَّواب.



ولكن لا تتعجَّب أخي الحبيب، فأنا ما تكلَّمت إلاَّ من خلال معاصرة لهذه الأزمة في بلدنا مصر، وبعد ما رأيتُ أمثلة كثيرة يَدْمَى لها القلب، ففي الوقت الَّذي يُنفَق فيه على الفنّ واللَّهو والمعاصي والكُرة والثَّقافة العامَّة والمهرجانات والموالد وترْميم الآثار والسّياحة الملايينُ من الجنيْهات، مع غفلة جلّ النَّاس عن هذه الأزمة وإنفاقهم في الأوجُه التي لا تُرضي الله -تعالى- ولا تعود بالنَّفع على صاحبها لا دنيا ولا أخرى، وفي الوقت نفسه رأيتُ جحافل أعداء الدين يعثَون في مصر مفسدين، ويرصدون الأموال والأوقات والأبدان لنشْر الكفر والفسق والرذيلة، ففي هذا المنظر الكئيب إذا التفتّ إلى الجهة الأخرى رأيت كثيرًا من علماء الدّين يقفون على محطَّة الأتوبيس انتظارًا له، ويُقحمون أنفسهم في المواصلات المزدحمة بغية الوصولِ إلى أعمالهم أو منازلهم، وولله لقد رأيتُ بعين رأسي أستاذًا بِجامعة الأزْهر - مع عجْزه البدني، وسيره على عكَّازين - يقف على المحطَّة منتظرًا، في مشهد مُحزن، في الوقت الذي ترى فيه الكنائس تخصّص للقساوسة أفخم السيَّارات، وكلَّما زاد نشاطه في الدَّعوة إلى الكفر ارتفع ثمنُ سيَّارته، بل إنَّني رأيتُ كثيرًا من طلبة العلم الَّذين لا يستطيعون سدَّ خلَّتهم من مقوّمات الحياة، وخصوصًا من كان متزوّجًا وله أسرة، فضلاً عن أن يشتري كتابًا أو مرجعًا واحدًا في فنّ من الفنون.



بل إنَّ دعاة المؤسَّسات الرسمية والأوقاف يعانون الفقر؛ فالأصلُ أنَّه إمام وخطيب، ولكن ماذا يفعل براتب لا يكفي إيجارَ مسكنه، فضلاً عن أن يوفّر له الحياة الكريمة التي تُعينه على الجلوس في المسجد، وتعليم النَّاس، والرَّدّ على الفتاوى، وحلّ مشاكلهم، فضلاً عن أن يشتري كتابًا أو مرجعًا، بل إنَّنا إذا نزلت بنا نازلةٌ وأردْنا استِفْتاء أحدٍ من العلماء، لم نجد في أغْلب الأراضي المصريَّة عالمًا بمسجد معْروف إلاَّ ما رحم ربِّي.



وإذا لم تصدِّقْني فجرِّب وسل أيَّ أحد، استوقفه وقلْ له: مَن تسأل إن احتَجْتَ لشَيء في دينك؟ ما أحوال الدّروس في المسجد المجاور لك؟ فلا تجِد ردًّا؛ لانشِغال العلماء والدُّعاة بطلَب الرِّزق والسَّعي على الأوْلاد، إلاَّ مَن رحم الله، وقليلٌ ما هُم.



بل إنَّ الأمر تفاقَم، ووصل ببعض الأئمَّة إلى ترك الصَّلاة بالناس؛ بسبب كسْب العيش، فخربت المساجد، ولا حوْل ولا قوَّة إلاَّ بالله العليّ العظيم، بل إنَّه لو فُرض جدلاً وجودُ درس، فجازفت ودخلت للاستماع، لقُرعت أذنُك بالجهل الذي يبثّ، فضلاً عن اللَّحن اللغوي، فضْلاً عن الموضوعات البعيدة عن حاجة الأمَّة، واللَّوم لا يتوجَّه بالطَّبع على المتكلِّم بِمفرده، ولكن على القائمين على الأمر الَّذين تركوا مثله يتكلَّم بلا ضوابط، وأمَّا هو فلا حول له ولا قوَّة، فمن أين يتعلَّم؟ ومن أين يشتري الكتُب اللاَّزمة للتعلُّم؟ ومن يُعلم؟ وماذا يفعل بالأعْباء التي أرهقتْ عاتقه؟ ورغباته الأساسيَّة التي لا تُشبع لشدَّة ضعف الدّخول والمرتَّبات؟



ووالله، إنَّها لأزْمة تحتاج لتضافُر الجهود على جميع المستويات، ولعلَّ هذه الحلول المطْروحة تُعين على حلّ هذه الأزْمة واستِئْصالها؛ نصرةً لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولدينه.






[1] جامع بيان العِلْم وفضله لابن عبدالبرّ (ح120 ج1 ص124).



[2] أخرجه الترمذي (2606) وصحَّحه الألباني.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]